احد معاني الحياة انها عملية تأكيد ، يقوم الكائن الحي ومنه الانسان باستجابة شعورية او لا شعورية ازاء مجموعة من المؤثرات الخارجية ، تحفظ له كيانه وتنمّيه على المستوى الفردي ، وتحفظ المصالح العامة والنوعية على المستوى الاجتماعي ، وكل استجابة تعادل حكم ، والمجتمع يقحم نفسه في الوجود الذهني للفرد ويلقنه اللغة و الاخلاق والعادات والدين والفنون العملية وغير ذلك ، ويملي عليه احكاما جاهزة يتفهمها ويحيلها الى احكام صادرة وبذلك يكون للفرد عالم ذهني كامل هو الانعكاس النفسي لحياته الفردية ولحياته الاجتماعية ، ولكنه يصادف دون ذلك عقبات وغموضا ، فالإنسان يخدعه ، واللغة تحيره ، وهو يصطدم بأشياء متناقضة ويفطن الى انه قد ((خدع )) ووقع في الخطأ ، فالتجربة للخطأ تجربة خصبة بمعنى انها تؤدي الى التساؤل عن سببها والبحث عن الطرق التي تمكنه من تجنب ما تجلبه عليه مواجهتها من أضرار وإذا ادرك انه قد اساء الحكم ، انتهى الى ان يتسائل كيف يصيب في حكمه وقراره وعندئذ يبدأ المنطق .
لقد ازداد وعي الجمهور وإدراكه السياسي من خلال التجارب الانتخابية السابقة والأداء السياسي للسلطات (التنفيذية والتشريعية ) التي افرزتها تلك التجارب وما اكتنفها من اخطاء استراتيجية هددت المصالح العليا والعامة وهددت وحدة العراق بشكل عام والطائفة على نحو خاص . ان الشعب اصبح اليوم يمتلك خبرة في تشخيص السلوكيات والممارسات التي تحاول ان تخدعه وبدأ يبحث عن الطرق التي تمكنه من تجنب تكرار الاخطاء والوقوع بها وسبل مواجهتها وعدم الانجراف وراء شعارات جوفاء ووعود كاذبة وادعاءات لا تستند الى دليل، بل قرر معاقبة مثل هذه الجهات . ويوما بعد يوم تتراكم الخبرة ويتبلور الوعي ويقترب حكم الشعب من الصواب اكثر حتى تستقر سفينة العملية السياسية على ساحل النجاة من خلال طاقم سياسي محنك .
وبعد ان وضعت المعركة الانتخابية اوزارها وظهرت نتائجها نهيب بالسياسيين العراقيين وندعوهم الى البدء بصفحة جديدة وغلق الملفات القديمة والاستفادة من الاخطاء السابقة واخذ العبر والدروس منها لتصحيح الاداء وبناء منطق سياسي سليم وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية والفئوية الضيقة وتشكيل حكومة كفوءة وبرلمان فاعل يضطلعان بالمسؤولية وحفظ الأمانة التي اودعها الشعب عندهم ، وان يكفوا عن انتهاج سياسة التسقيط فيما بينهم والطعن والتشكيك بمجمل العملية الانتخابية بعد ان قبلوا بها وبطاقمها ابتدءا ، واحترام اللعبة الديموقراطية وقوانينها وعدم الخروج عن اطارها والاحتكام الى معاييرها ومقرراتها ، والابتعاد عن تهييج مشاعر الناس وحقن افكارهم بمعلومات مضللة وكاذبة واستغفالهم وخداعهم واستدراجهم ليكونوا صدى لهم وعدم تسخيرهم وجعلهم ادوات لغاياتهم ، بل عليهم ان يكونوا صادقين مع الناس وإقناعهم وكسب اصواتهم عن طريق تامين مصالحهم وتوفير الخدمات لهم ببرامج واقعية للنهوض بواقع البلاد والارتقاء به وبناء دولة مؤسسات لا دولة احزاب.
نسأل الله سبحانه ان يجعل عاقبة امرنا خيرا ويوحد كلمتنا ويجعلها العليا ويدحر اعدائنا ويجعل كلمتهم السفلى ، ويمن علينا بدولة كريمة يعز بها الاسلام وأهله ويذل بها النفاق وأهله ، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين .