إنكم أبناء ارض حباها الله بكنوز لا تعد، وكنز النفط الذي يشكل أكثر من (90%) من واردات العراق المالية وهو عصب حياتكم ومستقبل أجيالكم، وهو المادة الإستراتيجية الأولى التي لا تعادلها مادة أو سلعة أخرى ولا توازيها أهمية، وانتم أيها العراقيون لا تنظرون إليه كسلعة اقتصادية وحسب وإنما هو مستقبل ومصير وجاه وتاريخ طويل من نضالات مريرة مع الاحتكارات النفطية وشركاتها وامتيازاتها الجائرة، ولهذا فالمصلحة العليا للعراق تتطلب التعامل مع هذه الثروة بصيغة تحتضن المصالح العليا للشعب العراقي من خلال خطة شاملة ذات غايات وأهداف تاريخية على الأمد البعيد وضمن رؤية مستقبلية تلتقي مع آمال وأحلام أجياله وبخاصة الشباب المتطلعين لغد أفضل، كما وتتطلب التعامل مع الموضوع بأهمية بالغة تتجاوز المواقف العشوائية التي تؤدي الى نوع من العبثية والأضرار الفادحة، وانه لابد من إلغاء أي نص يتعارض مع الصيغة القانونية الوطنية الخاصة بالثروات النفطية منعاً للفوضى والمنازعات التي تشق الصف الوطني، وتضمن تكافؤ الفرص في توزيع الثروة بشكل عادل على كل أفراد الشعب العراقي، ومبدأ ذلك دستورياً هو (مركزية الثروة الوطنية) وهو مبدأ معروف ومعمول به عالمياً.
ولكل ما تقدم وللظروف الملحة التي وصل إليها الشارع العراقي من تدني مستوى المعيشة لمعظم العراقيين واعتباره من الدول التي تعيش دون مستوى الفقر حسب إحصائيات المنظمات الدولية، آن الأوان لرفع الحيف عن هذا الشعب عن طريق تخصيص حصة لكل مواطن من عائدات النفط وإعلان المساواة في العيش الرغيد خصوصاً والعراق يملك احتياطياً نفطياً كبيراً ويعد من الدول الغنية.
إن اعتزاز المواطن وانتمائه للعراق مرهون بما يقدمه العراق لكل فرد، وعليه فيجب أن يتمتع كل مواطن بعوائد مالية من النفط وهذا لا يتم إلا بضمان التوزيع العادل للمال العام منعاً لتركيز العوائد النفطية في جملة أشخاص معيّنين أو فئات خاصة، ويجب أن لا تكون موارد الدولة لجماعة معينة دون مشاركة الاخرين وقد تناولت المواد الدستورية (121,112,111,106) من الدستور العراقي ملكية الثروات النفطية والغازية وتوزيع العائدات الناتجة منها باعتبارها ملكاً للمواطن العراقي في كل أقاليمه ومحافظاته.
ويمكن تحقيق ذلك في إطار تشريع قانون يعتمد في أساسه التاريخي على قانون رقم (80) لسنة 1961 الذي أمم جميع الأراضي غير المستغلة من قبل الشركات النفطية الاحتكارية، وقد واجهت السلطات آنذاك المتمثلة برئيس الوزارة عبد الكريم قاسم أشرس هجمة قادتها تلك الاحتكارات مستغلة السفارة البريطانية وشروعها في الأعمال الانقلابية، وقد دعم الشعب هذا القانون بتظاهرات دموية قدموا فيها العديد من الشهداء في أمل إتمام هذا القانون، ومنع الالتفاف عليه وإلغاء مضامينه.
والمشروع المقترح هو إنشاء خزينة وطنية عليا تمول من واردات النفط الزائدة عن سعره الذي قررت الميزانية العامة على أساسه وتقوم هذه الخزينة بجمع هذه الزيادات من الواردات التي تحصل عليها من جراء فرق السعر للبرميل الواحد، ويضاف إليها تخصيصات من عائدات النفط والمخصصة للبطاقة التموينية وصندوق الرعاية الاجتماعية، والفائض من تعديل سلم الرواتب بدأً بالرئاسات الثلاث وكما هو معمول في دول الجوار ليكون منطقياً ولا نسمح بانتقاد الآخرين لنا بالاتهام باستغلال ثروات الشعب.
وتقوم هذه الخزينة بجمع الواردات المشار إليها ولمدة ستة أشهر لتتمكن من توفير خزين استراتيجي يمكنها من السيطرة على التوزيع في ظل ظروف نزول أسعار النفط العالمية لفترات معينة كي لا تتأثر بذلك.
إذ الميزانية العامة قد بنيت على سعر (75) دولار للبرميل الواحد في الوقت الذي يباع البرميل عالمياً بسعر فاق المائة دولار وهذا الفارق بالإمكان الاستعانة به وتسخيره لهذا المشروع العظيم الذي يعين المسؤول على أن يفي بما في ذمته من حقوق أبناء شعبه.
سيحقق هذا المنجز الحل للكثير من المطالب الشعبية التي أخرجت الناس في مظاهرات عامة طالبة تحسينها وستخلق حالة من الرقابة العامة الجماهيرية لثروات العراق وبالتالي سيقطع طريق الفساد المالي وسيحقق كفالة للمواطن العراقي في المؤسسات المالية والبنوك.
وسيكون خير معين للحكومة على أداء مهماتها من البناء والتنمية حتى يشعر المواطن بأن له حصة في واردات بلده وعليه مراعاتها ومراقبة إنتاجها وتسويقها وسيرفع الكثير من الحيف عن أبناء شعبنا..
{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} التوبة105
قاسم الطائي
17/ربيع2/1432هـ