رداً على دفاع إياد جمال الدين عن القس تيري جونز وأمريكا
نشر السيد إياد جمال الدين العضو السابق في البرلمان العراقي مقالاً بعنوان: " ليس دفاعاً عن تيري جونز:إلى المسلمين الذين انفجروا غضباً لسبب فيلم تافه يسب النبي محمد (ص)"، ويطرح المقال عدداً من المقارنات بشكل أسئلة للبرهان على أن تيري جونز اقل سوءاً من المسلمين وأن مجتمعه الأمريكي أفضل من المجتمعات المسلمة، فاستحق الرد والتفنيد.
يتسائل الكاتب إن كان المسلمون أم تيري جونز اكثر سباً للنبي العظيم، وكنت أظن بأن رجل الدين إياد جمال الدين يعرف جواب هذا السؤال، فالفرد الذي يسب نبي الاسلام متعمداً ومنتقصاً من رسالته ومشككاً في صدقه ومحتقراً لعقيدته - ولو كان اسمه محمداً أو علياً أو عمراً - لا يعتبر مسلماً أصلاً ويخرج من عدادهم، لذا فالجواب على سؤاله هو أن تيري جونز وكل واحد من أمثاله من الحاقدين على الاسلام سواءً كانوا يعيشون في أمريكا أو غيرها من دول الغرب أو العراق وخلافه من دول العرب والمسلمين هو أكثر شتماً للنبي من المسلمين.
السؤال الثاني الذي طرحه إياد جمال الدين يتعلق باعداد الجائعين في بلاد المسلمين، مفترضاً أن عدد الجائعين في أمريكا اقل نسبياً من بلاد المسلمين، وأن تيري جونز ومواطنيه الأمريكيين أكثر تفكراً واهتماما بأحوال الجائعين، وهو غير مصيب في الافتراضين، لجهله بشروط وقواعد المقارنة المنهجية، إذ ينبغي الأخذ بالاعتبار الموارد الاقتصادية المتاحة للأمريكيين والمسلمين، وعلى هذا الأساس فالمؤكد هو أن نسبة الفقراء أعلى في أمريكا منها في بلاد المسلمين، وأن الغبن الواقع عليهم من المجتمع الأمريكي أفدح وأعظم، ولو كان الأمريكيون يتعاطفون مع المحرومين في بلدهم الذين يعدون بعشرات الملايين والمليار من جياع العالم لاسعفوهم بقليل من الطعام الذي يرمونه في القمامة وقيمته أكثر من أربعين مليار دولار سنوياً.
وقبل أن يطالب عضو البرلمان العراقي المسلمين بالالتفات للجياع بين ظهرانيهم ليحاسب نفسه أولاً، ولنأخذ العراق موطنه على سبيل المثال، حيث لا يتجاوز دخل الفرد السنوي فيه وفقاً للاحصاءات الرسمية اربعة ألاف دولار، فيما يحصل عضو البرلمان العراقي على حوالي خمسين ضعفاً باقل التقديرات من دخل الفرد العراقي بالمعدل، فهل تبرع السيد جمال الدين بالجزء الأعظم من راتبه ومخصصاته الضخمة أيام كان عضواً في البرلمان أومن راتبه التقاعدي للفقراء، أم تراه ضرب لنا مثلاً ونسي نفسه؟ والحقيقة هي أن عدد الفقراء في أي بلد مسلم يتناسب طردياً مع فساد النظام الحاكم، فكلما استشرى ظلم وفساد الحكام كلما ازداد عدد الفقراء وتفاقمت مشكلة الفقر، وفي العراق مثلاً الحكومة بما تملك من موارد هائلة هي الأغنى وبالتالي تتحمل المسؤولية الأولى والكبرى عن الفقر في العراق، كما أن رجال الدين الذين يستلمون الحقوق الشرعية مكلفون بالصرف منها على الفقراء، لذا فمن حقنا أن نسأل إياد جمال الدين وهو رجل دين ومن عائلة دينية أن يقدم لنا كشفاً بما قدمته المؤسسة الدينية لفقراء العراق.
الغريب حكم إياد جمال الدين على هجرة المسلمين إلى أمريكا أو غيرها من دون استثناء بمخالفتها لتعاليم الرسول الأعظم، ولا بد بأنه مطلع على القرآن الكريم والسيرة النبوية ووصية الرسول لأتباعه بالهجرة إلى الحبشة النصرانية هرباً من اضطهاد الكفار، وهويعلم أن كثيراً من المسلمين هاجروا إلى دول الغرب بسبب الاضطهاد الديني أو المذهبي أو المجاعة وشظف العيش، فهو آخر الاختيارات المرة بالنسبة لهم، والأولى مسائلة إياد جمال الدين عن جهوده لتحقيق الأمن والطمأنينة ومقومات العيش الكريم في العراق ليعود إليه ملايين المهاجرين والمهجرين.
إياد جمال الدين ساخط على كل أحوال المسلمين، حتى مستوى نظافة مدنهم وبيوتهم واجسادهم، والأجدر به أن يتحرى الأسباب، ففي العراق مثلاً دمر الاحتلال الأمريكي، الذي سانده السيد جمال الدين، والإرهاب الوهابي الذي استقدمته أمريكا لبلدنا، البنية التحتية أو ما تبقى منها بعد حروب الطاغية البعثي، مما تسبب بتدهور حاد في الخدمات العامة بما فيها الماء والكهرباء والنظافة، وكلنا يعرف تقصير الحكومات العراقية ما بعد سقوط النظام السابق والاحتلال واهمالها للخدمات العامة، وبالنتيجة يقطن ملايين العراقيين اليوم في بيوت غير صحية من دون ماء وكهرباء وتفيض شوارعهم بتلال القمامة وبرك الماء الآسن، وتتحمل الحكومة وإياد جمال الدين شطراً كبيراً من المسؤولية الأخلاقية والشرعية عن تدني نظافتهم ورداءة احوالهم الصحية والاجتماعية والنفسية. وليتأمل فيما كتبه الفيلسوف نيتشة منتقداً النصرانية ونصارى أوروبا:" كان أول قرار اتخذه النصارى بعد طرد المسلمين من اسبانية اغلاق الحمامات العامة وكان عدد الحمامات في مدينة قرطبة وحدها 270."
يقول إياد جمال الدين بأن الغش والخداع والنصب والاحتيال " متفشي" في اسواق القاهرة وطهران وبغداد والرياض، ومن المؤكد بأن هذه الانحرافات عن القيم الاسلامية موجودة، ولكننا لا نجزم مثل جمال الدين بأنها متفشية، من دون أدلة، ومنذ نشوء المجتمعات الاسلامية الأولى كلف الحاكمون رجال الحسبة بمراقبة الأسواق لمكافحة الغش والغبن، ولكن أنجع طريقة لمنع هذه الانحرافات هي غرس القيم الاسلامية في نفوس المسلمين، وهنا يظهر لنا التقصير الفادح لرجال الدين ومن كل المذاهب، الذين اكتفوا بالتفقه والتدريس والوعظ من على المنابر وتركوا الناس ضحية للجهل والخرافات والشعوذة والانحرافات العقائدية والإخلاقية، وكان الواجب عليهم النزول إلى الشارع والاختلاط المتواصل بالناس وحتى زيارتهم في بيوتهم لأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالموعظة والكلمة الحسنة، فما قول السيد جمال الدين في هذا الموضوع؟ ولعلمه فإن الغش والخداع والاحتيال في أمريكا عند مستوى قياسي عالمياً، وعلى الرغم من عدم وجود احصاءات رسمية وكاملة يقدر البعض كلفة الاحتيال في أمريكا بأكثر من ترليون دولار سنوياً، وفي السنوات القليلة الماضية خسر الاقتصاد الأمريكي والأمريكيين اكثر من عشرة تريليونات دولار بسبب عمليات الاحتيال الواسعة في مجال الرهن العقاري، وهو أمر كنت أظنه غير خاف على إياد جمال الدين المعروف بصلاته الوثيقة بأمريكا.
لا أدري كيف يفسر لنا الكاتب قوله بأن المسلمين يثقون بـ "المسيحي الكافر" أكثر من ثقتهم بأنفسهم، وهو مثل كل تعاميمه غير صحيح، ولو رجع للقرآن الكريم لتعلم منه شروط صحة الملاحظات الحسية والأوصاف المنطقية والنتائج الموضوعية، وليقارن افتراضه الخاطيء بالدقة التامة للآية القرآنية التالية من سورة آل عمران [75]: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْإِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُبِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ) وهنا لا يوجد تعميم لأن النص يخصص ولا يعمم، ولا يطلق الأحكام جزافاً كما يفعل السيد جمال الدين، وعندما انحرف المسلمون عن النهج الصحيح انطبقت عليهم الآية الكريمة أيضاً. وبعد فهل كان الأمريكيون المحتلون في العراق أكثر أهلاً للثقة من العراقيين أجمعين؟ ولو كانوا كذلك فلم أخلوا بكافة وعودهم للعراقيين بمساعدتهم في تكوين دولة ديمقراطية حديثة ومتطورة واعادة بناء ما هدمه الاحتلال ومن قبله النظام الطاغوتي؟ ونتمنى لو توسط جمال الدين لديهم ليخلصوا العراق من عقوبات البند السابع الجائرة على الأقل ويكفوا عن التدخل السافر في شؤونه السيادية والترويج لمشروع تقسيمه، أما بالنسبة للصناعات فالأمريكيون أنفسهم أكثر ثقة بصناعة السيارات اليابانية من الأمريكية ويقبلون على شراء البضائع الصينية أكثر من اقبالهم على البضائع الأمريكية، ويستوردون الكثير من غذائهم وغالبية لباسهم، وهل يشك رجل دين مسلم بأن لو استقام المسلمون على الطريقة لسبقوا أمريكا والصين واليابان وأوروبا بل العالم كله؟
قبل نهاية مقاله أطلق السيد جمال الدين أكبر قذائف الاتهام والانتقاص نحو صدور المسلمين، إذ كتب: هل يا ترى " جونز " هو من قتل ( الحسين ) حفيد نبيكم؟.. وفرق بين جسد الحسين في كربلاء ورأسه في مصر؟" والجواب على سؤاله هو أن لا جونز ولا المسلمين قتلوا الإمام الحسين عليه السلام، إذ يكاد يجمع المسلمون في الماضي والحاضر بأن قاتلي الإمام هم نواصب وبالتالي خارجون عن الملة وملعونون في الدنيا والآخرة، وقد حاول بعض الضالين المضللين تبرئة يزيد بن معاوية بالادعاء بأن القتلة خالفوا أوامره، ولو استقصينا موقف المسلمين لتبين لنا بأنهم باستثناء قلة من النواصب مجمعون على لعن قتلة الإمام والتبرء منهم، لذا فاستدلال الكاتب بأن المسلمين لا تيرى جونز هم من اذوا الرسول الأعظم بقتلهم الحسين فاقد للدليل ومناقض للحقيقة والواقع، إذ يعمم الماضي على الحاضر ويتهم الاكثرية بذنب اقترفته أقلية.
للسيد جمال الدين الحق في أن يحب ويكره كما يشاء، ومن الواضح بأنه يحب الأمريكيين اكثرمن حبه للمسلمين، فهل هذا موقف صحيح من رجل دين مسلم؟ وبما أنه ساخط علينا نحن المسلمين الذين خرجنا في أمريكا وكندا والدول الاسلامية مستنكرين سخرية تيري جونز وعصابته ومن خلفهم أمريكا من النبي الأعظم ورسالته السماوية فمن حقنا أن نسأله بدورنا: كيف سوغت لنفسك وأنت المجاهر بالعلمانية والقائل بأن لا مكان للدين في السياسة بالنزول في الانتخابات النيابية في العراق مرتدياً عمامة؟
17 تشرين الأول 2012م