|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 81994
|
الإنتساب : Apr 2015
|
المشاركات : 1,288
|
بمعدل : 0.37 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الشيخ عباس محمد
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 07-01-2018 الساعة : 08:35 PM
السؤال: عدم عمومها لكل من يدعي الولاية
أشكركم على الإجابات السابقة الوافية المفحمة (كلمة حقّ) يجب قولها؛ لأنّي باحث عن الحقّ، ومجرّد نفسي عن الطائفية، وجزاكم الله ألف خير. لكن لديّ سؤال على بالي من تأمّل الآية التالية، قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) وكلمة (( مِنكُم )) ضمير راجع للذين آمنوا، أي: من الذين آمنوا، أي: الناس، وهي عامّة، أي: من ولي أميراً يجب الطاعة له من الذين آمنوا منكم للمؤمنين (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ))، وكلمة (( مِنكُم )) أي: من الذين آمنوا، عامّة للمؤمنين من وليّ أميراً منهم وجبت له الطاعة.
فكيف قلتم أنتم الشيعة: إنّ الآية خاصّة في الأئمّة؟
أرجو توضيح دلالتكم بشكل واضح؛ لأنّها بحث مصيري بالنسبة لي، وأرجو التوفيق والحقّ للجميع.
الجواب:
إنّ الذي يخصّص العموم المستفاد من جمع (أُولي الأمر) في الآية هو دلالة الآية على عصمة (أُولي الأمر)، فالآية قرنت طاعة (أُولي الأمر) بطاعة الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بشكل مطلق؛ فلا يصحّ أن يكون أُولي الأمر غير معصومين، وإلاّ كيف يأمر الله بطاعة أهل المعاصي والذنوب؟!
لذا ثبت أنّ المراد بـ(أُولي الأمر) ليس كلّ من تسلّط على رقاب المسلمين حتى لو بويع بذلك مع ارتكابه للمعاصي والذنوب، بل المراد: مجموعة من المؤمنين الذين ثبتت لهم العصمة، وبالرجوع إلى ما ذكرناه في الأجوبة السابقة يتّضح لك الأمر بشكل كامل.
وأمّا لفظة (( مِنكُم )) ففيه دلالة على أنّ المتولي لأمر الحكومة، أي: الإمام هو من بينكم لا من غيركم، ولا تدلّ على عموم (أُولي الأمر) من قريب أو بعيد، وقد جاء مثل هذا التعبير كثيراً في القرآن الكريم؛ قال تعالى: (( كَمَا أَرسَلنَا فِيكُم رَسُولًا مِنكُم يَتلُو عَلَيكُم آيَاتِنَا... )) (البقرة:151)، ويتّضح المعنى أكثر من قوله تعالى: (( لَقَد مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولًا مِن أَنفُسِهِم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ... )) (آل عمران:164).
وأنت تعلم بوضوح أنّ الآيتان لا تعنيان جواز اختيار الرسل من قبل الناس لورود لفظة (( مِنكُم ))، أو (( مِن أَنفُسِكُم ))، ولا صحّة رسالة كلّ من ادّعى الرسالة، وإنّما تعيين الرسل واختيارهم من قبل الله، ولكن من بينكم لا من غيركم، فكذا (أُولي الأمر)؛ فلاحظ!
السؤال: بيان الملازمة في آية ولاة الأمر
أكثر المخالفين لمذهب الشيعة يسألون عن الآية (59) من سورة النساء، وهي قوله تعالى: (( أَطيعوا اللّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ وَأولي الأَمر منكم ))، فيقولون: إذا كانت إطاعة (أُولي الأمر) - كما يقول الشيعة - ملازمة لطاعة الله والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم), فيلزم أن يذكر (أُولوا الأمر) أيضاً في قوله تعالى: (( فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ))، ومن عدم ذكرهم يكشف أنّ الإمامة ليست نصّاً، وأنّ إطاعة الإمام ليست كطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
الجواب:
يجاب السؤال بما يلي:
أولاً: نفي دعوة الملازمة بين ذكر طاعة (أُولي الأمر) في بداية الآية وبين ذكرهم في الردّ إلى الله وإلى الرسول في المقطع الثاني من الآية؛ فقد وردت آيات كثيرة تضمّنت وجوب طاعة الله وطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم), وقرنت بينهما في الطاعة كما في آيات (14،80) من سورة النساء، و(20، 46) من سورة الأنفال، و(52) من سورة النور، و(71) من سورة الأحزاب، وغيرها..
فإذا وردت آيات بطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحده، كما في قوله تعالى: (( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ )) (النور:56)، فهل يحتمل إنسان عدم وجوب طاعة الله لخلو الآية المذكورة عن ذلك؟
أو الآية التي وردت في ردّ الحكم إلى الله عند الاختلاف، وهي قوله تعالى: (( وَمَا اختَلَفتُم فِيهِ مِن شَيءٍ فَحُكمُهُ إِلَى اللَّهِ )) (الشورى:10)، فهل يعني ذلك عدم وجوب الرجوع إلى الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند وقوع الاختلاف؟!
مع أنّه تعالى قرن بين ذكره جلّ وعلا، وذكر الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند التنازع، كما في قوله تعالى: (( فإن تَنَازَعتم في شَيء فردّوه إلى اللّه وَالرَّسول )) (النساء:59)، فعدم ذكر الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الآية الأولى التي أرجعت الحكم إلى الله وحده في ما اختلف فيه هل يعني ذلك عدم الرجوع إليه(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّه لم يذكر في الآية؟! وهذا ممّا لا يخفى على أحد.
ثانياً: إنّ عدم ذكر (أُولي الأمر) في قوله تعالى: (( فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ )) لا يدلّ على عدم إرادتهم، بعد أن ذكرهم تعالى في صدر الآية، وساواهم في وجوب الإطاعة لهم على حدّ إطاعته وإطاعة رسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم), واكتفى عن ذكرهم ثانياً بما ذكرهم أوّلاً.
ولذا أجاب السيّد محمد تقي الحكيم على هذا الاشكال في كلام الفخر الرازي بقوله: (( يبقى الاشكال الثالث، وهو عدم ذكره لأُولي الأمر في وجوب الردّ إليهم عند التنازع، بل اقتصر في الذكر على خصوص الله والرسول، وهذا الإشكال أمره سهل؛ لجواز الحذف اعتماداً على قرينة ذكره سابقاً، وقد سبق في صدر الآية أن ساوى بينهم وبين الله والرسول في لزوم الطاعة، ويؤيّد هذا المعنى: ما ورد في الآية الثانية: (( وَلَو رَدّوه إلى الرَّسول وَإلَى أولي الأَمر منهم لَعَلمَه الَّذينَ يَستَنبطونَه منهم )) (النساء:83) ))(1).
ثالثاً: إنّ هذه الآية المشار إليها في السؤال تدلّ على عصمة (أُولي الأمر) من حيث المقارنة في الذكر والمساواة في وحدة السياق في وجوب طاعتهم كوجوب طاعة الله وطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم), ومن البديهي أنّ من تجب طاعته من (أُولي الأمر) لا بدّ أن يكون معصوماً عن ارتكاب الزلل والخطأ وسائر ما يشينه وينقصه؛ إذ لو لم يكن كذلك وجاز عليه ارتكاب المعصية فكيف يأمر الله بطاعته وهو غير مأمون في نفسه من الذنوب, والله سبحانه ينهى عن طاعة العصاة في كثير من الآيات؟ أليس في ذلك ما فيه من التضاد والتناقض؟!
وحاشا ربّنا تعالى أن يأمرنا بطاعة من يرتكب ما نهى عنه جلّ وعلا.
قال الفخر الرازي في تفسيره: (( إنّ الله تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية - يعني (( أَطيعوا الرَّسولَ وَأولي الأَمر منكم )) - ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بدّ أن يكون معصوماً عن الخطأ؛ إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته, فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأً منهيّ عنه, فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وأنّه محال.
فثبت أنّ الله تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم, وثبت أنّ كلّ من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ, فثبت قطعاً أنّ أُولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بدّ وأن يكون معصوماً ))(2).
نقول: وإذا دلّت الآية على عصمة (أُولي الأمر), والعصمة من الأمور الخفية التي لا يمكن أن يطّلع عليها كلّ أحد, وإلاّ لزم تصديق كلّ من يدّعيها, فلا بدّ أن يكون جلّ وعلا المطّلع على السرائر هو الذي يبيّن للناس من هو ذلك المعصوم الذي تجب طاعته وولايته باطّلاع نبيّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم), والنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدوره يكشف ذلك للناس، وهذا ما أشار إليه سبحانه بقوله: (( وَرَبّكَ يَخلق مَا يَشَاء وَيَختَار مَا كَانَ لَهم الخيَرَة )) (القصص:68).
فمن هنا كانت الآية من أدلّة إثبات النصّ على الأئمّة الهداة(عليهم السلام) كما دلّت على عصمتهم؛ فلاحظ!
(1) الأُصول العامة للفقه المقارن: 159 (الثالثة: بيان المراد من أهل البيت الآية الثانية).
(2) تفسير الرازي 10: 144 قوله تعالى: ((أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ... )).
السؤال: اللفظ في آخر الآية لا ينفي عصمة أُولي الأمرالآية (59) من سورة النساء: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ))، أليست فيها دلالة واضحة تامّة وقاطعة على نفي العصمة؟
الجواب:
إنّ آية أُولي الأمر علّقت الإطاعة لـ(أُولي الأمر) بصورة مطلقة، ولا يكون الأمر بوجوب الإطاعة المطلقة إلاّ لمعصوم؛ إذ لو لم يكن معصوماً جاز عليه الخطأ, فلا يمكن أن يوجب الله علينا إطاعة الخاطئ, ومن هنا كانت دلالة الآية على العصمة واضحة وصريحة حتى تنبّه إلى ذلك الفخر الرازي(1).
ولكن الوهابية يغضّون النظر عن أوّل الآية ويتمسّكون بآخرها، بأنّه لا يدلّ على العصمة، وإلاّ لما أرجع الله المتنازعين إلى الله والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وترك أُولي الأمر!
ولكن هذا فهم غير صحيح للآية؛ فإنّ التنازع المفروض في الآية تنازع كلّي شامل للنزاع حتى مع أُولي الأمر، فإنّ لفظة (شيء) يصدق على كلّ أمر متنازع فيه، أي: فإن تنازعتم أيّها المؤمنون في شيء مع أُولي الأمر بعد أن أُمرتم بطاعتهم فارجعوا إلى الله والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لتعرفوا حكمه.
فإذا كان التنازع مع أُولي الأمر أنفسهم فكيف يصحّ الإرجاع إليهم؟!
وهل من نازعهم سوف يؤمن بقولهم وصوابهم وأحقّيتهم؟
كيف؟! وإلاّ لم ينازعهم من البداية, بل الذي ينازعهم لا يعترف بوجوب طاعتهم، فضلاً عن عصمتهم.
فلا بدّ من إيجاد جامع مشترك بين أُولي الأمر وبين الذين ينازعونهم، يعودون إليه ليصبح الميزان في فصل الدعوى والتنازع, ولا يوجد بينهم إلاّ القرآن والسُنّة، وهما القانون الكلّي والدستور الإسلامي، وهذا واضح من فعل عليّ(عليه السلام) مع طلحة والزبير عندما دعاهم للقرآن قبل القتال, وكذلك فعله(عليه السلام) مع أهل الشام قبل القتال, ولكنّهم أصرّوا على القتال لعلمهم بكونهم محجوجين, ولكنّهم عند الهزيمة رفعوا المصاحف خدعة.
فلا دلالة في الآية على نفي العصمة، وإنّما فيها دلالة على أنّ مرجع الكلّ في الشريعة الإسلامية والذي لا يخرج عنه حتى أُولي الأمر هو: حكم الله وحكم الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أي: القرآن والسُنّة، فحكم أُولي الأمر لا يخرج عن حكم الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهم معصومون تابعون لشريعة محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فارجع إلى الآية واقرأها بتمعّن تجد ما قلناه واضحاً؛ إذ كيف يصحّ التنازع في شيء وهم مسلّمون بطاعة أُولي الأمر؟! فإنّ أُولي الأمر سيقولون لهم عليكم بطاعتنا بنصّ القرآن ولا مجال للنزاع, وهل سيكون هذا إلاّ تناقض! فإنّهم مأمورون بإطاعتهم ثمّ يجوّز القرآن لهم عدم اتّباعهم وتركهم والرجوع إلى الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)!! ولذا فإنّ المخاطبين بالردّ لا يدخل فيهم أولو الأمر، وإنّما هم من خوطبوا في أوّل الآية بوجوب طاعة الله والرسول وأُولي الأمر أوّلاً.
وبهذا يتّضح أنّ فرض التنازع المذكور في الآية لا يصحّ ولا يقع إلاّ من الذين ينكرون وجوب إطاعة أُولي الأمر, إمّا بالكلّية، أي: لكلّ وليّ أمر، وإمّا بالتعيين، أي: وليّ الأمر المعيّن والمشخّص، كعليّ(عليه السلام)، ويقولون: أنّه ليس وليّ الأمر مثلاً، فعند ذلك لا بدّ من إرجاعهم إلى القرآن والسُنّة لفض النزاع؛ فتأمّل!
فالآية تطرح معالجة واقعية لحلّ ما يعتري طريق المسلمين من مشاكل في مستقبلهم، ففيها نوع استشراف من الغيب لما سيحدث في واقع الأُمّة الإسلامية.
(1) تفسير الرازي 10: 144.
تعليق على الجواب (1)
لي ملاحظات على هذه الإجابة التي لا تخلو من مغالطات, وهي كما يلي:
1- من قال: إنّ الآية تدلّ على الطاعة المطلقة لأُولي الأمر؟
فالمتأمّل في الآية يجد أنّها كررت لفظ الطاعة مع الرسول كون طاعته مطلقة؛ لأنّه المعصوم, ولم تفعل ذلك مع أُولي الأمر، أي: لم تفردهم بطاعة مستقلّة فتقول: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أُولي الأمر)، ولو كانت الآية كذلك لقلنا بطاعتهم المطلقة - أي: الطاعة المستقلّة - فدلّت الآية على أنّ أُولي الأمر ليس لهم طاعة مستقلة وإنّما هي طاعة في إطار طاعة الله والرسول، كما في الحديث: (إنّما الطاعة في المعروف)، وكما في الحديث: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق), ولذا لم تفردهم الآية بلفظ الطاعة، كما جاء في حقّ الله والرسول، وهذا يدلّ على عدم العصمة، وإلاّ لو كان أُولو الأمر معصومين لشمل النزاع أُولي الأمر والرسول معاً، وعندئذ لا يصحّ الإحالة في آخر الآية إلى الرسول؛ لكونه طرفاً في النزاع، كما قلتم ذلك في أُولي الأمر حينما لم يحل الأمر إليهم في النزاع.
2- قولكم: إنّ الآية في حقّ مَن لم يؤمن بطاعتهم وعصمتهم، فهذا غير صحيح، بل هي في حقّ المؤمنين، كما نصّت الآية في أوّلها: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ))، وكيف يصحّ لفظ الإيمان في حقّ مَن لم يقل بعصمة أُولي الأمر وطاعتهم؟
يبدو يا سيدي أنّنا بحاجة إلى مراجعة موقفنا من بعض الأمور، وعلى رأسها: الأمر بالعصمة.
الجواب:
أولاً:هناك فرق بين إفراد أُولي الأمر بطاعة مستقلة، وبين القول بأنّ طاعة أُولي الأمر طاعة مطلقة، ويبدو من كلامك أنّك تخلط بينهما!
فنحن لا نقول أنّ طاعة أُولي الأمر مستقلّة، بل هي في طول طاعة الله والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولكن على الرغم من ذلك تبقى طاعة أُولي الأمر مطلقة, فكما أنّ الآية تأمر بطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كذلك تأمر بطاعة أُولي الأمر بحرف العطف, ولم تقيّد الآية الطاعة في حدود معيّنة، فمن أين استفدت التقييد؟!
ولو كانت طاعة أُولي الأمر تتعارض مع طاعة الله وطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لما جاز الأمر بها!
وبعبارة أُخرى: إنّ دلالة حرف العطف هي وحدة نوع الطاعة اللازمة للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولأُولي الأمر، فهذا مقتضى التشريك بالعطف، وأمّا ما يمكن استفادته من إفراد طاعة لله ثمّ إفراد أُخرى للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأُولي الأمر، فهو أنّ طاعة الله طاعة بالاستقلال والأولوية؛ لأنّه الحاكم الحق, وأمّا طاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن عطف عليه فقد ثبتت بالنيابة والطولية, ولا دلالة في البين للتقييد والإطلاق - أي لسعة وضيق الطاعة - وإنّما لنوعها أو رتبتها الوجودية بالإصالة أو التبع.
فافهم إن كنت طالب حقّ! فالقول بأنّ الطاعة هنا مطلقة هو ظاهر المنطوق من الآية والواضح عند أهل اللغة العربية دون لبس.
ثانياً: وأمّا قولك: (( وإلاّ لو كان أولو الأمر معصومين لشمل النزاع أُولي الأمر والرسول معاً ))، فإنّ لفظ الشيء في الآية وإن كان عامّاً فيشمل كلّ نزاع حتى مع الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولكن قوله تعالى في أوّل الآية: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) يخرج هكذا نزاع بين الناس والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّ مثل هذا النزاع يخرجهم عن الإسلام، والمخاطب في الآية هم الذين آمنوا لله ولرسوله بكلّ ما جاء به.
ولا ملازمة في البين، بين الردّ إلى الله والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبين عدم عصمة أُولي الأمر، بل بالعكس، فلو دلّت الآية على عدم عصمة أُولي الأمر لدلّت على عدم عصمة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّ الله شركها في طاعة واحدة، وهذا لا يقوله مسلم.
ثالثاً: إنّ لفظ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) في آيات كثيرة يشمل من آمن بالتوحيد والنبوّة، ولذا تجد بعض الآيات القرآنية التي ذكرت هذه الكلمات لا يمكن حصرها بالمؤمنين بالإمامة فقط، فمثلاً قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ )) (البقرة:183) لا تستطيع القول أنّه كتب على من يعتقد بالإمامة فقط، وكذلك قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَينٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكتُبُوهُ )) (البقرة:282). فأنت أيضاً لا تستطيع أن تقول أنّ هذا الحكم خاص بالمؤمنين بالمعنى الأخص، ومن هنا يظهر أنّ الأسلوب القرآني استخدم لفظة (المؤمنون) في معنى يشمل كلّ المسلمين في بعض الآيات، واستخدمها للإيمان الحقيقي دون الإسلام الظاهري في آيات أُخرى، ونميّز ذلك بالقرائن.
السؤال: الرجوع إلى أُولي الأمر حال النزاع.
ورد رأي بأنّ عدم ذكر أُولي الأمر بعد التنازع هو لعلّ التنازع قد يكون في تعيّن أُولي الأمر وتحديدهم, فيجب الرجوع آنذاك إلى الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّهم قد بيّنوا من هم أولو الأمر بالكتاب والسُنّة.
فما مدى صحّة هذا الرأي؟
الجواب:
إنّ فرض عدم جواز الرجوع إلى أولى الأمر؛ لأنّ التنازع قد يحصل فيهم لا يعني عدم صحّة الرجوع إليهم, بل يجب الرجوع إليهم؛ لأنّ الآية في صدرها فرضت طاعتهم, والمفروض طاعته لا بدّ من الأخذ بقوله حتّى لو كان هناك نزاع بشأنه.
نعم, يمكن صياغة الكلام هكذا, وهو: أنّ ولاة الأمر وإن كان المؤمنون مأمورين بطاعتهم, إلاّ أنّ تشخيصهم وتحديد مصداقهم الصحيح مختلف فيه, فهناك أكثر من واحد يدّعي أنّه هو وليّ الأمر, فالإرجاع إلى أُولي الأمر مع اختلافهم مصداقاً لا يحلّ النزاع, فلا معنى للإرجاع إليهم مع هذا الاختلاف.
نعم, يبقى الرجوع إلى أُولي الأمر الحقيقيين صحيح ومطلوب لحلّ النزاع, ولذا قال تعالى في آية أُخرى: (( وَلَو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم )) (النساء:83).
يتبع
|
|
|
|
|