بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بدأت الحوزة العلمية رحلتها الرائدة في الأمة في أواسط البعثة النبوية المباركة، وذلك حين نزول قوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(1) حيث أشارت الآية إلى ضرورة التفقه في الدين لأجل الاستعداد لنشر العلوم الإسلامية في إرجاء البلاد الإسلامية، وتعليم الناس مع\الم دينهم، وكان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) هو المرجع الأول والناطق الرسمي عن الله تعالى في تلك المعاهد العلمية التي تشكلت بعد نزول الآية لتفقيه المسلمين، حتى أصبح في المسلمين قراء وحفظة بعثهم النبي بعد ذلك لتعليم الناس أصول الدين وأحكامه في البلدان النائية.
ثم جاء الدور بعد ذلك لأمير المؤمنين عليه السلام، حيث كان خليفة الله تعالى بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد أن زويت عنه عليه السلام القيادة السياسية برزت مرجعيته الدينية فكان هو المعلم الأول في المعاهد الإسلامية، وكانت الصحابة ترجع إليه عليه السلام في ذلك المجال بما في ذلك الجهاز الحاكم آنذاك، وكان عليه السلام يجلس على منبر التعليم ويقول مقالته التي تفرد بها بالحق «سلوني قبل أن تفقدوني». وهكذا استمرت حاضرة العلم ومعاهد التدريس بعد أمير المؤمنين على يد أبنائه المعصومين عليه السلام صالح بعد صالح.
وقبل الشروع في بيان معالم الحوزة العلمية المباركة، نتعرض ـ تبعاً لما هو مألوف ـ إلى المعنى اللغوي والاصطلاحي للحوزة.
الحوزة لغة واصطلاحاً:
ترجع كلمة الحوزة في اللغة إلى الفعل (حاز: ح، ا، ز) وحازَ حَوْزاً وحيازة واحتيازاً: يراد به الشيء إذا ضمه، وجمعه(2).
وذكر ابن فارس في مقايسه: أن الحوز هو الجمع والتجمع. يقال لكل مجمع وناحية: حَوْزٌ وحوْزَة، وحمى فلانٌ الحوزة، أي المجمع والناحية(3).
فالحوزة بناء على ما تقدم هي الناحية التي تضم مختلف العلوم الإنسانية.
أما الحوزة اصطلاحاً
تعددت التعريفات في إعطاء معنى اصطلاحياً دقيقاً للحوزة، غير أنها تتفق على خصوصية علومها الدينية وقد عرفت الحوزة بما يلي: الحوزة العلمية: هي كيان علمي وبشري يؤهل للاجتهاد في علوم الشريعة الإسلامية، ويتحمل مسؤولية تبليغ الأمة وقيادتها(4).
أبرز الحوزات العلمية
بدأت الحوزة رحلتها الطويلة عندما قام عمود الدين، وأسست المساجد، فقد كانت حلقات الدرس والتعليم ترافق وجود المسجد، ومن ثم تطور الحال فتعهدت المدارس باحتضان العلماء والفقهاء لتقام فيها مختلف العلوم، وفي عهد أئمة أهل البيت عليهم السلام تشكلت النواة الأولى، حتى برز فيها تلامذة محدثون، ويفتون الناس في المسجد، أو يدخلون في مناظرات علمية هادفة.
وبعد انتهاء فترة الغيبة الصغرى سنة 329 هـ تحمل علماء الشيعة مسؤولية بناء الحوزة في مشوار طويل وشاق ومليء بالإنجازات حيث تأسست حوزات كثيرة توزعت على مناطق مختلفة من العالم الإسلامي وفيما يلي ابرز تلك الحوزات:
1ـ حوزة المدينة المنورة:إن المدينة المنورة كانت هي المنطلق الأول للرسالة الإسلامية، وهي أيضاً الوطن الأول لفقهاء الشيعة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، حيث نشأ فيها عدة من الصحابة بعد الإمام أمير المؤمنين والزهراء والحسنين عليهم الصلاة والسلام، وهم الذين تولى رسول الله صلى الله عليه وآله ـ تربيتهم وتعليمهم(5) ـ وعلى رأسهم ابن عباس حبر الأمة وفقيهها، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وأبو رافع إبراهيم مولى رسول الله وهو من خيار شيعة علي ومؤلف كتاب السنن والأحكام والقضاء. (6)
وبناء على ما تقدم يمكن بيان الفترة الزمنية لولادة هذه المدرسة العلمية من عصر الرسول وحتى أواسط القرن الثاني الهجري والتي من ضمنها فترة حياة الإمام الصادق عليه السلام(7).
ولقد كانت بداية البذرة الأولى لنشوء الحوزة هو عصر الرسول حيث إن الناس ـ وهم مكلفون ـ كانوا يسألون رسول الله عن أحكام دينهم(8)؛ فكان يجيبهم بما أوحى الله سبحانه له أو كان أحياناً إلى وقت نزول الوحي(9). ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله تولى أئمة أهل البيت عليهم السلام مهمة نشر المعارف الإسلامية، فكان الإمام علي عليه السلام هو رائد التبليغ الإسلامي وهو المؤسس الأول للمدرسة الإسلامية الشيعية. ويرى البعض أن الإمام علي بن الحسين هو المؤسس الثاني حيث التزم بأسلوب بليغ في توعية الناس وإرشادهم، ذلك هو الدعاء، حيث كان السلاح الوحيد الذي يملكه في نشر العلم والعرفان وبث الدعوة الإسلامية، والتغلغل في صفوف الناس وتوجيههم الوجهة الدينية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والعسكرية مما جعله يكسب أهمية بالغة من هذه النواحي(10).
وفي زمن الإمام الباقر عليه السلام كثر العلماء وقد كان على رأسهم وفي مقدمتهم الإمام الباقر عليه السلام، حيث توسعت المعارف فيها بفضله وما يملكه من عمق علمي فقد ذكر عبد الله بن عطاء ذلك بقوله: «ما رأيت العلماء عند احد اصغر علما منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم عنده كأنه مغلوب ويعني بالحكم، الحكم بن عيينه وكان عالماً» (11).
وقد بلغت المدينة في عهد الباقر والصادق الذروة في العلم والإفتاء وقد ازدهرت مدرستها مما أدى إلى ظهور الاتجاهات الفلسفية بين العرب وقد نبغ في أواخر عهد الأمويين عدد كبير من المفكرين المسلمين(12).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التوبة: 122.
(2) لسان العرب: ابن منظور الأفريقي، ج5 ص342، دار صادر، بيروت، ط1 – 1410 هـ.
(3) معجم المقاييس في اللغة: احمد بن فارس بن زكريا، ص288، دار الفكر، بيروت.
(4) المصدر نفسه: ج6 ص76.
(5) انظر مقدمة شرح اللمعة:الشيخ محمد مهدي الاصفي، ج1 ص26 – 27.
(6) الرجال:احمد بن علي النجاشي، ص64، بيروت سنة الطبع 1409.
(7) انظر مقدمة رياض المسائل: ج1 ص10، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي.
(8) انظر: صحيح البخاري:ج2 ص12 و 123 ـ و ج3 صص95 ـ وانظر جامع البيان: الطبري، ج8 ص252.
(9) مجلة الحياة الطبية:العدد الأول لسنة 1419هـ، إصدار المؤسسة العالمية للحوازات والمدارس الإسلامية، قم (مقال الدكتور زهير الاعرجي الرسالة العالمية للحوزة العالمية).
(10) الفكر التربوي عند الشيعة الإمامية:الدكتور علاء الدين السيد أمير محمد القزويني، ص259، مكتبة الفقيه، الكويت.
(11) تذكرة الخواص: سبط بن الجوزي، ص302، مؤسسة أهل البيت، بيروت، سنة الطبع 1401هـ
(12) الفكر التربوي عند الشيعة الإمامية:ص264.