النيروز: معرب كلمة النوروز التي تعني في اللغتين الفارسية والكردية اليوم الجديدوهي مركبة من لفظين: أولهما (ني) بكسر النون أي الجديد، وثانيهما (روز) أي اليوم. إذن فكلمة النيروز في اللغتين الفارسية والكردية تأتي بمعنى (اليوم الجديد). وأمااصطلاحاً فيطلق على عيد رأس السنة الفارسية الذي يقع في اليوم الأول من شهر فردونالموافق 21 آذار مارس أول فصل الربيع. ويعتقد الفرس بان النوروز هو أول يوم فيالزمان، وبه يبدأ الفلك في الدوران، يقول القزويني بهذا الصدد: ((زعموا أن اللهتعالى في هذا اليوم أدار الأفلاك وسير الشمس والقمر وسائر الكواكب، واسم هذا اليومهرمز، وهم اسم من أسماء الله تعالى قالوا في هذا اليوم قسم الله السعادات لأهلالأرض، من ذاق صبيحة هذا اليوم قبل الكلام السكر، وتدهن بالزيت، رفع عنه البلاء فيعامة سنته. ويتفاءلون بما وقع لهم في هذا اليوم. والنوروز عند الفرس يومان: الأولنوروز العامة، والآخر نوروز الخاصة، ونوروز العامة يقع في اليوم الأول الذي يطلقعليه اسم الهمم أهورامزدا في شهر فروردين الذي يقابل 21 آذار-مارس من السنةالميلادية، وفيه تأتي الشمس النقطة الأولى لبرج الحمل ويعتبر وصولها بداية فصلالربيع، ويقال إن الله تعالى خلق العالم في ذلك اليوم، كما أنه خلق آدم (عليهالسلام) في ذلك اليوم.
فيما ذكر بعضهم أن جمشيد أول ملك إيراني في الأساطيرالقديمة الذي كان اسمه أولاً جم، والعرب تطلق عليه منوشلح لما وصل أذربيجان أمر أنيقيموا له عرشاً مرصعاً على مكان مرتفع مقابل المشرق، وضع تاجه المرصع على رأسهوجلس على ذلك العرش فلما طلعت الشمس وسقط شعاعها على ذلك التاج والعرش ظهر لها شعاعفي منتهى اللمعان فسر الناس وقالوا: هذا يوم جديد.
ولما كانت لفظة شعاع يطلقعليها في اللغة البهلوية (شيد) فإنهم أضافوا هذه اللفظة على جم وسموه (جمشيد) وأقاموا احتفالاً مهيباً له وجعلوه يوم عيد لهم.
وأما نوروز الخاصة فيوم كاناسمه خرداد (السلامة والعافية) وهو اليوم السادس من شهر فرودين، وقد جلس كذلك الملكجمشيد في ذلك اليوم على العرش وطلب خاصة رعيته وأعلن لهم المراسم الطيبة، وقال لهم: إن الله تعالى خلقكم فينبغي أن تغسلوا أجسامكم بالمياه الطاهرة وتسجدوا له شكراًعلى نعمه، وتقوموا بمثل هذه الأعمال والأوامر كل سنة في مثل هذا اليوم، ولهذا السببسمي هذا اليوم (نوروز الخاصة)، ويقال أن الأكاسرة (ملوك الدولة الساسانية الفارسية) كانوا يقضون حاجات الناس ويطلقون سراح المسجونين، ويعفون عن المجرمين ويعيشون عيشةالمرح والسرور وذلك من نوروز العامة حتى نوروز الخاصة الذي هو ستة أيام من كلعام.
وأول من أعاد هدايا عيدي النوروز والمهرجان في الإسلام هو الحجاج بن يوسفالثقفي الوالي الأموي على العراق والمشرق، وقد أبطلها الخليفة الأموي عمر ابن عبدالعزيز (99 – 101 هـ) وقد أعيدت مرة ثانية رسوم النوروز والمهرجان في العصرالعباسي، سيما وأن أغلب وزراء العباسيين كانوا من الفرس، لذا فلا عجب أن حاولواإحياء مظاهر أسلافهم القدماء.
ويذكر المؤرخ الاسلامي الطبري في كتابه تاريخالرسل والملوك أن المتوكل في يوم نوروز والسماجة (التمثيل الهزلي) بين يديه وهميقلدون الناس ويظهرون في أصوات مضحكة.
أما السنة الإيرانية فهي تبدأ من أول يومفي فصل الربيع وبه يبدأ كما ذكرنا النوروز الذي يسمى (النوروز الجلالي)، لأن تاريخهيبدأ منذ حكم السلطان السلجوقي ملكشاه بن ألب أرسلان الذي عقد في الفترة 463 – 1074م مؤتمراً للفلكيين في مرصده الذي بناه حضرة الشاعر الرياضي الشهير عمر بن إبراهيمالخيام، وطلب من المؤتمرين إعادة إصلاح التاريخ الفارسي القديم، والموازنة بينهوبين ما توصلوا إليه في مراصدهم، وكان التاريخ الفارسي المعمول به وقتذاك هو (تاريخيزدجرد(
وعلى هذا الأساس اعتبر الفلكيون الفرس أن أول السنة الجديدة (النيروز) هو العاشر من رمضان عام (471 هـ الموافق 15 آذار – مارس 1079 م)، وفي هذااليوم تنتقل الشمس إلى برج الثور ولا يمكن التأكد من المصادر هل استعمل هذا التاريخالفارسي إلى جانب التقويم الهجري، على أن أحد العلماء الأوربيين ويدعى أدلر Adler يذكر أن الشاعر الفارسي المشهور سعدي (ت 1362 م) قد امتدح في كتابه كلستانه شهر (أردي بهشت جلالي) أي الشهر الفارسي الثاني من السنة الجلالية وتعني في لغة الآفستاأفضل القوى الذي يوافق الفترة من منتصف نيسان إلى منتصف أيار، بقوله: إنه أحسن فصولالسنة.
ويطلق الزرادشتيون المقيمون في (الهند – بومباي) على عيد النوروز فيالوقت الحاضر (بتيتي Pateti) وهي مأخوذة من كلمة في اللغة الآفستية (Paitita) بمعنىيوم التوبة. وهو بناءً على هذا يوم يصلي فيه المرء ليغفر أهورمزدا له ما اقترف منذنوب طيلة العام المنصرم. وفي هذا اليوم يصحو الزرادشتي مبكراً فيغتسل ويتطهرويرتدي ملابسه الجديدة ويؤدي الصلوات ملتمساً الرحمة من أهورامزدا له ولأهله ثميذهب إلى معبد النار ويهدي إليه خشب الصندل، وهناك يعود إلى الصلاة ليستعيد حبالإله أهورمزداد رحمته.. وإذا انتهت صلواته وزع الصدقات على الفقراء من رجال الدينوالمحتاجين من الناس، ويقضي بعد ذلك بقية يومه في مرح وسرور مع أفراد أسرته، وفيهذا اليوم (النيروز) يتزاور الزرادشتيون للتهنئة بالسنة الجديدة.
وقد تأثرتالحياة الاجتماعية للإيرانيين القدماء بالدين تأثراً كبيراً، وكانت السمة الدينيةظاهرة في جميع نواحي حياتهم الاجتماعية. فأعيادهم كان الباعث على اتخاذها في أغلبالأحوال دينياً فإن لم يكن الأمر كذلك كانت الطقوس الدينية هي المظهر الغالب علىهذه الأعياد، وقد استمرت الاحتفالات بعيد النيروز تقام في إيران منذ العصورالعباسية حيث كان التأثير الفارسي واضحاً في صبغ مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعيةوإلى التاريخ المعاصر، حيث بلغت ذروتها في أيام الشاه محمد رضا بهلوي (1941 – 1979) حيث كانت العطلة تقارب أسبوعاً كاملاً إضافة إلى أسبوعين عطلة للجامعات والمدارسبعكس عطلتي عيد الفطر والأضحى حيث خصص لكل منهما يوم واحد فقط
وكان الإيرانيونقبل أن يتخذوا الزرادشتية ديناً لهم يتجهون كغيرهم من الشعوب الآرية إلى عبادةمظاهر الطبيعة من التراب والماء والهواء والنار، وكان أهم آلهتهم في ذلك الوقتميثرا إله الشمس وآناهيتا آلهة الخصوبة والأرض
والزرادشتية :نسبة الى زرادشت: وقد لفظ اسمه كذلك: زردشت، زراتشت، زرتهشت، زردشت، وهذه الألفاظ تعني صاحب الجملالأصفر، كان والده يدعى بوروشاسبا وأمه تدعى دغدهو وبالبهلوية دغدوء، وبالفارسيةالحديث دغدوية (Sughdhaova) واسم جده هائيكات أسبا، والقبيلة أو الجماعة التي ينتميإليها تدعى (هجنسبيان).
ولد زرادشت في مدينةالشيزالتابعة لمنطقة أذربيجان (Atropatene) قرب بحيرة أورمية في سنة (660-583 ق. م)تقريبا، ويقال بأنه في أيامشبابه ألهم سبع مرات، ثم ما لبث أن شرع في الدعوة لدينه في بداية الأمر في إقليمأذربيجان وفي منطقة موكريان في كوردستان ايران، وتجول في الأقطار مبشراً حتى وصلإلى مقاطعة بلخ - باكتريا (Bactria) شمال شرق إيران حيث دخل قصر الملك (ويشتاسب) و(يشتاسب-Vishtaspa) في مدينة (بلخ)، وبشره بدينه مما حدا بالملك الى الدخول في هذاالدين وتعميمه على شعبه، ومن هذه المنطقة تسرب دين زرادشت ليشمل كل أجزاء الهضبةالإيرانية وتمت له السيطرة الكاملة في إقليم فارس (Persia) في أواخر حكم الدولةالأخمينية (الهخامنشية).
وكتاب زرادشت المقدس يطلق عليه (آوستا Avesta) والعربيلفظونه بـ(الأبستا- الأبستاق-آفستا) تبعاً اختلاف نطق بعض الحروف بين اللغتينالفارسية والعربية بينما جاء رسمه في اللغة السريانية بصيغة أسباكا، ولهذا الكتابشرح يدعى (زند آفستا)، وقد قتل زرادشت على يد الطوراني براتفاكش في معبد النار فيبلخ عندنا كان يصلي أمام النار عن عمر يناهز 77سنة.
والزرادشتية نسبة الى أتباعالديانة الزرادشتية الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم والحديث النبوي باسم (المجوس)، كما في الآية17 من سورة الحج: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئينوالنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيءشهيد)، أما في السنة النبوية فقد ورد بشأنهم قول الرسول (سنوا لهم سنة أهلالكتاب)
وقد أصبحت الزرادشتية الديانة الرسمية للدولة الفارسية الساسانية، ولكنظهور الإسلام وانسياح جيوش الفتح الإسلامي صوب الهضبة الإيرانية فإن غالبية هؤلاءالزرادشتيين اعتنقوا الإسلام طواعية، رغم بقاء مجموعات متفرقة منهم لم تعتنقالإسلام، وتركزت غالبية هؤلاء في إقليم فارس (جنوب غرب إيران الحالية)، لأن بهاكانت دار مملكتهم وأديانهم وكتبهم وبيوت نيرانهم، فيما غادرت جماعة منهم باتجاهالشرق الى شبه القارة الهندية حيث تتركز تجمعاتهم في مدينة بومباي والمناطق المحيطةبها ويطلق عليهم (البارسيين).
وخلاصة الديانة الزرادشتية : هي أن العالم ناشئ منأصلين هما النور والظلمة، وهذان الأصلان في نزاع معاً ويتناوب الاثنان الانتصاروالهزيمة فيما بينهما، ولهذا قسم العالم إلى قسمين: جيش النور أو الخير، وجيشالظلمة أو الشر. وعلى رأس قوى قسم الخير أهورامزدا، ويرأس جيش قوى الشر أهريمن، ومنالمسائل المهمة في العقيدة الزرادشتية مسألة النار حيث
تعتبر رمزاً للإله إضافةإلى الشمس، فالنار حسب زعمهم رمز للإشراق والضياء، كما أنها طاهرة نشيطة فياستعارها وتوقدها غير
قابلة للفساد. لذا فلا عجب أنهم يتوجهون في صلواتهم إلىالنار وإلى الشمس باعتبارهما رمزاً للإله أهورامزدا. ونظراً لأهمية النار عندالزرادشتيين سمي الإيرانيون في العهد الإسلامي بيوت النار (كعبة زرادشت) وسمواالنار نفسها قبلته، ونظراً
لعبادة الزرادشتيين النار سماهم الإيرانيون المسلمونعبدة النار (آتش برست وآذر برست). وعندما انتصرالمسلمون على الفرس حطموا
معابدالنيران فضعفت بذلك هيبتها ولكن حين سمحت الظروف السياسية للشعوب الايرانية أنيفخروا بماضيهم – فخر الشعراء الايرانيون
بالنار وفضلوها على الطين – كما فعلالشاعر بشار بن برد إذ فضل إبليس على آدم في قوله:
الأرض مظلمة والنار مشرقةوالنار معبودة مذ كانت النار
إبليس خير من أبيكم آدم فتنبهوا يا معشر الفجار
إبليس من نار وآدم طينة والأرض لا تسموا سمو النار
والفردوسي صاحبالشاهنامة (رائعة الفرس الكبرى) يعرف النار بأنها دليل الضوء الإلهي وأنها قبلةالإيرانيين كما أن الكعبة قبلة العرب، وكان الإيرانيون إذا ضاق بهم أمر ضرعوا إلىأهورامزدا في بيت النار عسى أن يكشف عنهم الضيق، وإذا تعبدوا في بيوت النار لبسواالثياب البيضاء وأرخوا شعورهم. وقد فرض زرادشت على أتباعه ثلاث صلوات يدورون فيهامع الشمس كيفما دارت، إحداها عند طلوع الشمس، والثانية عند انتصاف النهار، والثالثةعند غروب الشمس اما المجوس فكلمة معربة عن مكوسيا (Magucia) البهلوية، وهي في اللغة (الاوستانية – الآفستا مغو) أو (مغاو) (Maghu) وهي مادة اشتقاق مغان في اللغةالفارسية الحديثة، وقد وردت هذه الكلمة في عبارة واحدة من عبارات الآفستا في الجزءالذي يطلق عليه اليستا. والمغان أو المجوس في الأصل قبيلة ميدية(اجداد الكورد) أوطبقة خاصة بين الميديين وكان لهم امتياز الرئاسة الروحية في الديانة المزدية التيسبقت الديانة الزرادشتية، وعندما تغلبت الزرادشتية أو بالأحرى أصبحت الديانةالرسمية في العهد الفارسي الساساني في عهد أردشير الأول (224 – 241 م) أصبح المغانالسادة الروحانيين للدين الجديد، وقد استمر المغان أو المجوس يعدون أنفسهم قبيلة،ويعتبرون أنفسهم طبقة من الناس "نشأوا من قبيلة واحدة وجبلوا على خدمة الآلهة" وهذاما حدا بالعالم الدانمراكي كريستنس إلى مقارنتهم بالسادة عند الشيعة. ومع هذا فإنظاهرة المد القومي التي اجتاحت المنطقة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرنالعشرين حملت بعض القوميين الكرد على إضفاء طابع قومي وسياسي على عيد النيروز وجعلهعيداً قومياً للشعب الكردي باعتباره احد شعوب المنظومة الآرية ابتداءً من ثلاثينياتالقرن العشرين خصوصاً بعد أن تولى الشاه رضا بهلوي مقاليد الحكم في إيران اعتباراًمن سنة 1925 حيث حاول بعث العنصر الآري من جديد في الهضبة الإيرانية بعد أن تولىالترك (الصفويون والافشاريون والقاجاريون) مقاليد الحكم لقرون عديدة في إيران، لذلكأوعز إلى القنصلية الإيرانية في السليمانية بإحياء هذه الطقوس في نفوس الشعب الكرديباعتباره جزءاً من المنظومة الآرية (الهندو إيرانية) عن طريق الدعم المادي المتمثلفي الملابس الكردية وغيرها من مستلزمات الاحتفال، والمعنوي عن طريق نشر الكتبوالمنشورات التي تمجد هذه المناسبة، ولاقى هذا الدعم هوىً في نفس الشاعروالفيلسوفالكردي العراقي بيرميرد (1867-1950م) الذي يعد أول المساهمين في هذا التحول، فضلاًعن إلمامه بهذه المناسبة وعده الشعب الكردي جزءاً من الأمم الإيرانية، فهو الذي بدأيحتفل كل عام في عصر اليوم الذي يسبق النيروز (20 آذار-مارس) على تلة قرب مدينةالسليمانية الواقعة في شمال العراق بالقرب من الحدود الإيرانية بإشعال الناروإعطائها بعداً قومياً. وعلى أثرها طالبت الحركة الكردية الحكومة العراقيةبالاعتراف بالنيروز كعيد قومي للشعب الكردي اعتباراً من سنة 1970م. .وشكرا منقول
لايقتصر الاحتفال به في العراق على الكرد بل يحتفل به ايضا العرب الشيعة، شأنهم شأن الشيعة في بلدان العالم المختلفة. ويعتبر نوروز او النيروز يوما جليلا لدى الشيعة، ويستقبلونه بالدعاء التالي: يامقلب القلوب والابصار، ياكدبر الليل والنهار ، يامحول الحول والاحوال حول حالنا الى أحسن حال. وروى ابن النديم في الفهرست وكذلك البخاري في الانساب والتاريخ الكبير ان الثابت بن النعمان بن مرزبان والد الامام ابو حنيفة النعمان قدم حلوى الفالوذج الى الامام علي بن ابي طالب فسأل الامام على ما المناسبة فقالوا له (اليوم نيروز) فقال (اصنعوا كل يوم نيروزا) وفي رواية أخرى قال (نيروزونا ان قدرتم كل يوم) ويروى عن الامام جعفر الصادق انه (اذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك، وتطيب باطيب طيبك، وكن صائما ذلك اليوم).