شرح
بو هاشم الموسوي
هذه بعض النكات والالتفاتات في النّص الشّريف :
- قول الإمام (... فمن عرف من أمة محمد صلى الله عليه وآله واجب حق إمامه، وجد طعم حلاوة إيمانه)
# الشّرح :
الإمام المعصوم (ع) واجب الطّاعة على جميع الخلائق، فطاعته في إتّباع أوامره ونواهيه في كلّ شيء فالتّلازم بين طاعة المعصوم (ع) والانقياد له، هي نفسها طاعة الله تعالى المفروضة على العباد، فمن لم يأتم بإمام معصوم (ع) يكشف له الأحكام الشّرعية ومداركها فمصيره الزيّغ والَضلال لقصور العقل البشري عن التّوصل بنفسه إلى الأحكام ومداركها، فالعبادات والمعاملات لها أسرار وآثار تكوينيّة لا نعرفها نحن البشر غير المعصومين فنحتاج إمام معصوم (ع) ليبّن لنا الأحكام الشّرعيّة من ناحية و ليحفظ لنا هذا التّشريع والجعل الإلهي من ناحية أخرى.
فالإمام (ع) يؤدّي دورين مهمّين هما : دور البيانيّة ودور الحافظيّة.
- دور البيانيّة، قول الله تعالى: " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ "(النحل: 44)
- دور الحافظيّة، قول الله تعالى: " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ "(الحجر: 9) (1)، فهذين الدّورين من الأدوار المهمّة في وجود المعصوم (ع)، فإن لم يكن الإمام المؤتمّ به معصوماً فكيف باستطاعته القيام بهذين الدّورين؟
ونكتفي من السّنة الشّريفة بحديث يبيّن لنا أهميّة الإقتداء بالإمام المعصوم، فإتّباعه طاعة ونجاة ومخالفته ضلال وهلاك، فقد روى الشيخ الكليني بسند صحيح عن الفضيل بن يسار" قال : إبتدأنا أبو عبد الله (ع) يوماً وقال : قال رسول الله (ص) : من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية، فقلت : قال ذلك رسول الله (ص) ؟ ، فقال : إي والله : قد قال : قلت : فكل من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية ؟ قال :
نعم". (2)
- قول الإمام (ع) : (ولا يقبل الله أعمال العباد إلا بمعرفته)
# الشّرح :
الإمامة من أصول الدّين الّتي من خلالها يتقوّم دين الله عزّ وجلّ، فأعمال العباد مردودة لا تُقبل إلاّ بطاعة المعصوم (ع) وإتباعه، فالإتيان بالعبادات لها كيفيّة وباب لا تُقبل أعمال العباد إلاّ من خلاله وهذا الباب هو معرفة المعصوم (ع) الّذي يحدّد لنا كيفيّة عبادة الله تعالى.
فقد روى الشيخ الكليني (أعلى الله مقامه) بسند معتبرعن معاوية بن عمار "عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " قال : نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا." (3)
- قول الإمام (ع): (. . . فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى، ومعميات السنن، ومشبهات الفتن، فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسين عليه السلام من عقب كل إمام، يصطفيهم لذلك ويجتبيهم).
# الشّرح :
إنّ الأحكام الشّرعيّة من قبل الله تعالى لكونه جلّ وعلا مرتبطة بـ (مصلحة أو مفسدة) وإرادة (حب أو بغض)، وحيث أنّ الإمام المعصوم عالم بحدود المصلحة (بما يرد عليه من ملتبسات الدجى) فإنّه (ع) يجعل الأحكام إمّا وجوبيّة أو استحبابيّة طبقا لحدود المصلحة، وهكذا في المفسدة،(4) وهذه ولاية المعصوم (ع) التّشريعيّة.
ومنها ما ورد في القرآن الكريم : "إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا" (النساء: 105)
فقوله تعالى : "بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ..." هي علم المعصوم (ع) الفعلي بمناطات الأحكام.
وهذا ما نراه صريحاً في بعض الرّوايات، منها :
مارواه الشيخ الكليني (أعلى الله مقامه) بسنده الصحيح عن فضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لبعض أصحاب قيس الماصر : إن الله عز وجل أدب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل له الأدب قال : "إنك لعلى خلق عظيم"، ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ليسوس عباده، فقال عز وجل : "ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ..." (5)
- قول الإمام (ع): " . . . وانتجبه لطهره، بقيّة من آدم عليه السلام وخيرة من ذرية نوح، ومصطفى من آل إبراهيم، وسلالة من إسماعيل، وصفوة من عترة محمد صلى الله عليه وآله لم يزل مرعيا بعين الله، يحفظه ويكلؤه بستره، مطرودا عنه حبائل إبليس وجنوده، مدفوعا عنه وقوب الغواسق ونفوث كل فاسق، مصروفا عنه قوارف السوء، مبرءا من العاهات، محجوبا عن الآفات، معصوما من الزلات، مصونا عن الفواحش كلها"
# الشّرح :
اختيار المعصوم (ع) يتمّ من قبل الله تعالى الكريم:
" وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة: 124)
وهذا المعصوم (ع) المنصّب من قبل الله تعالى (مطرودا عنه حبائل إبليس وجنوده، مدفوعا عنه وقوب الغواسق ونفوث كل فاسق، مصروفا عنه قوارف السوء، مبرءا من العاهات، محجوبا عن الآفات، معصوما من الزلات، مصونا عن الفواحش كله) فهو (ع) مسدّد ومؤيّد من قبل الله تعالى، فقد روى الشيخ الكليني (أعلى الله مقامه) بسند صحيح عن فضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لبعض أصحاب قيس الماصر :
إن الله عز وجل أدب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل له الأدب قال : " إنك لعلى خلق عظيم "، ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ليسوس عباده ، فقال عز وجل : " ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " وإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان مسددا موفقا مؤيدا بروح القدس، لا يزل ولا يخطئ في شئ مما يسوس به الخلق . . . " (6)
هذه بعض النّكات المهمّة في هذا الحديث الشّريف، وكما قال آية الله العظمى الشّيخ وحيد الخرّاساني (دام ظلّه الوارف):
"إن كل جملة في هذه الخطبة الشريفة تحتاج إلى شرح مفصل ".
ونختم بحديث صحيح رواه شيخ القمّيين الثّقة الجليل الشيخ الصفّار (أعلى الله مقامه) بسنده الصّحيح عن خيثمة عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعته يقول :
" نحن جنب الله ونحن صفوته ونحن خيرته ونحن مستودع مواريث الأنبياء ونحن أمناء الله ونحن حجة الله ونحن أركان الايمان ونحن دعائم الاسلام ونحن من رحمة الله على خلقه ونحن الذين بنا يفتح الله وبنا يختم ونحن أئمة الهدى ونحن مصابيح الدجى ونحن منار الهدى ونحن السابقون ونحن الآخرون ونحن العلم المرفوع للخلق من تمسك بنا لحق ومن تخلف عنا غرق ونحن قادة الغر المحجلين ونحن خيرة الله ونحن الطريق وصراط الله المستقيم إلى الله ونحن من نعمة الله على خلقه ونحن المنهاج ونحن معدن النبوة ونحن موضع الرسالة ونحن الذين إلينا مختلف الملائكة ونحن السراج لمن استضاء بنا ونحن السبيل لمن اقتدى بنا ونحن الهداة إلى الجنة ونحن عز الاسلام ونحن الجسور القناطر من مضى عليها سبق و من تخلف عنها محق ونحن السنام الأعظم ونحن الذين بنا نزل الرحمة وبنا تسقون الغيث ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب فمن عرفنا ونصرنا وعرف حقنا و اخذ بأمرنا فهو منا والينا." (7)
-----------------------
(1) كمال الحيدري، الرّاسخون في العلم: مدخل لدراسة ماهيّة علم المعصوم وحدوده ومنابع إلهامه، ط 1، بيروت: دار الهادي، 1430 / 2009، ص 98
(2) محمّد بن يعقوب الكليني، الأصول من الكافي، ج1، ص 376، حديث رقم 1 (كتاب الحجّة: باب من مات وليس له إمام من أئمّة الهدى)
(3) الشيخ الكليني، المصدر نفسه، ج 1، ص 143 - 144 حديث رقم 4 (كتاب التوحيد: باب النوادر)
(4) كمال الحيدري، المصدر السّابق، ص 103 - 104
(5) الشيخ الكليني، المصدر السّابق، ج 1 / ص 266 - 267 حديث رقم 4 ( كتاب الحجّة: باب التفويض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله والى الأئمة عليهم السلام في أمر الدين)
(6) الشيخ الكليني، المصدر نفسه، ج 1 / ص 266 - 267 حديث رقم 4 ( كتاب الحجّة: باب التفويض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله والى الأئمة عليهم السلام في أمر الدين)
(7) الشيخ الصفار، بصائر الدرجات، ص 82 - 83 حديث رقم 10(باب في أنّ الأئمة أنهم حجة الله وباب الله وولاة أمر الله ووجه الله الذي يؤتى منه وجنب الله وعين الله وخزنة علمه جلّ جلاله)
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وألعن أعداءهم ،،،
نسألكم الدعاء ،،،