شهيد الجمعة المظلوم آية الله العظمى السيد محمد محمد صاد
بتاريخ : 20-07-2007 الساعة : 05:01 PM
آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر(رض) وننتهز هذه المناسبة الأليمة للتعريف ولو بشكل مجمل بشخصية السيد الشهيد الصدر الثاني وما قام به من أعمال ونشاطات والتي تكللت بشهادته مع ولديه السيد مصطفى والسيد مؤمل رضوان الله عليهم أجمعين مساء الجمعة الثالث من ذي القعدة عام 1419هـ الموافق 18 شباط 1999م. ولاد ته وأسرته: بعد أن آيس والداه من الإنجاب توسلا بالرسول الأعظم(ص) عند تشرفهما بزيارته أثناء الحج ان يرزقا ولدا ونذرا ان يسمياه (محمد) فتحقق لهما ما ارادا في فترة وجيزة وذلك بعد 16 سنة من زواجهما وكان ولدهما الوحيد اذ لم يرزقا بولد غيره لا ذكر ولا أنثى وكانت ولادته يوم ولادة النبي(ص) في 17 ربيع عام 1362 هـ. ق الموافق 23\3\1943 م . والشهيد الصدر الثاني (قده) من أسرة آل الصدر العلمية العريقة المعروفة في لبنان وايران والعراق والتي قدمت خدمات جليلة للاسلام والمذهب وتخرج منها جملة من العلماء والمراجع كان لهم أكبر الأثر على الصعيد العلمي والاجتماعي والسياسي ومن متأخري علماء هذه الأسرة المباركة السيد عبد الحسين شرف الدين في لبنان والسيد صدر الدين الصدر في ايران والشهيد السيد محمد باقر الصدر في العراق والمغيب بأيد الأعداء السيد موسى الصدر فرج الله عنه ووالد السيد الشهيد الحجة السيد محمد صادق الصدر وهو ابن عم السيد الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر وهو الذي تولى دفنه والصلاة عليه مع أخته الشهيدة السيدة آمنة الصدر (بنت الهدى) بعد ان اعدمهما النظام الصدامي المجرم في 9 نيسان عام 1980م. نشأته: عاش في كنف والده وجده لامه آية الله العظمى الشيخ محمد رضا آل ياسين الذي آلت اليه المرجعية العظمى بعد رحيل السيد أبو الحسن الأصفهاني(رض). تزوج من بنت عمه السيد محمد جعفر الصدر ورزق منها بأربعة أولاد, هم (مصطفى، مقتدى، مؤمل، مرتضى) تزوج الثلاث الأوائل منهم بنات الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر وله بنتان متزوجتان من أولاد المرحوم الحجة السيد محمد كلانتر مؤسس جامعة النجف الدينية صاحب التعليقات على كتابي اللمعة والمكاسب. دراسته وتدرجه العلمي: سيد الشهيد الدراسة في سن مبكرة وتعمم وعمره أحد عشر سنة برغبة من والده، وبعد طي المقدمات على أيد اساتذة معروفين، دخل كلية الفقه سنة (1379 هـ ق) دارساً على يد ألمع اساتذتها كالشيخ محمد رضا المظفر والشيخ محمد تقي الايرواني وتخرج منها سنة (1383هـ ق)، ثم دخل مرحلة السطوح العليا حيث درس (الكفاية) على يد الشيهد السيد محمد باقر الصدر, وبعض كتاب (المكاسب) على يد السيد محمد تقي الحكيم وقد كان لدراساته عند هاذين العلمين الأثر الأكبر في صقل ونمو مواهبه العلمية وقد أكمل دراسة كتاب (المكاسب) عند الشيخ (صدرا البادكوبي) الذي كان من مبرزي الحوزة وفضلاءها المعروفين بالورع والصدق. ارتقى السيد الشهيد الى مدارج البحث الخارج فحضر لدى ابرز اساتذة الحوزة ومراجعها وهم: 1– السيد الشهيد محمد باقر الصدر وقد حضر عنده القسم الاكبر من دورته الاصولية الاولى والدورة الثانية بشكل كامل وكتاب الطهارة في الفقه. 2– السيد الخوئي(قده) وقد حضر عنده دورة اصولية كاملة و كتاب الطهارة في الفقه. 3– الامام الخميني(قده) وقد حضر عنده دورة مكاسب كاملة وكان حضوره عنده بتوجيه من استاذه الشهيد السيد محمد باقر الصدر. 4– السيد محسن الحكيم(قده) وقد حضر عنده كتاب المضاربة في الفقه. اجازته في الرواية: له عدة اجازات في الرواية اعلاها اجازة العلامة المعروف آقا بزرك الطهراني صاحب كتاب الذريعة ثم اجازته من والده الحجة السيد محمد صادق الصدر وخاله الشيخ مرتضى آل ياسين وابن عمه آية الله العظمى السيد آغا حسين خادم الشريعة والسيد عبد الرزاق المقرم صاحب كتاب (مقتل الحسين(ع) وآية الله السيد حسين الخرسان وآية الله السيد عبد الأعلى السبزواري والدكتور حسين علي محفوظ وغيرهم. اجتهاده: اجيز بالاجتهاد من قبل استاذه الشهيد السيد محمد باقر الصدر عام (1399 هق) وكان عمره (37) سنة حيث اتفق ان بعض الطلبة الفضلاء طلبوا منه ان يباحثهم خارجا وقد سألوا الشهيد السيد محمد باقر الصدر عن ذلك فبارك لهم وشجعهم وأكد لهم أهلية السيد الشيهد لذلك، فبدأ سماحته بتدريس البحث الخارج في الفقه على كتاب (المختصر النافع) الا أن الظروف الأمنية كانت شديدة فلم يستمر الدرس وانقطع بعد حدود أربعة أشهر. بعد ذلك مرت الحوزة في العراق بظروف عصيبة واستشهد السيد محمد باقر الصدر ودخل العراق في حرب مع الجمهورية الاسلامية وكانت الاوضاع الأمنية في غاية الحراجة والحوزة تكاد ان تكون معطلة بشكل كامل وخالية من العلماء الا من عدد قليل يعيشون في تقية مكثفة واغلبهم من غير العراقيين وأما العراقيين فقد استشهد من استشهد منهم وهاجر الباقين. عاد السيد الشهيد الى درس الخارج عام (1410هـ ق) بعد ان تغيرت الظروف وحصل فيها انفراج كبير واستمر على تدريسه بشكل جدي الى آخر يوم من حياته وكان(رض) حريصا جدا على الدرس والتحصيل وتمكن بهمته وحرصه ان يعيد لحوزة النجف الأشرف التي كانت شبه ميت شيئا من حيويتها ونشاطها ويصور وضع الدراسة في ذلك الوقت بقوله: )كان الاسلوب الأساسي هو التقليل من الدرس في الحوزة واعتبار أكثر أيام السنة عطل، حتى لا يكاد يصل عدد أيام الدراسة إلى ثمانين أو تسعين يوماً في السنة كلّها ولكن حينما جاء السيّد الصدر إلى المرجعيّة وأصرّ على تكثير عدد الدروس وجدنا ان سائر المراجع يكثرون من دروسهم، حتى ـ لاحظوا ـ كان المتعارف عدم البدء يوم السبت بعد التعطيل، وهذا كأنّه من الضروريات في الحوزة ربّما جملة منكم لم يسمع به، كان ممنوعاً في الحوزة إلى عهد قريب الشروع يوم السبت بعد العطلة والذي الغاه السيّد الصدر فالآن تجد ان كلّ المراجع أو أغلبهم قد ألغوه . . . ) جمعة 27 و أخذت الحوزة تنتعش مرة أخرى و يتزايد فيها عدد الطلاب حتى بلغ اكثر من الفين طالب عراقي وهذا الرقم يعتبر كبيرا جدا بالنسبة للعراق بل لعله لا مثيل له في تاريخ العراق القريب، ومما يذكر في هذا المجال ان السيد الشهيد يعتبر من أبرز تلامذة الشهيد السيد محمد باقر الصدر، فان المبرزين من تلامذته والذين يعتبرون امتداد فكريا له ثلاثة هم آية الله السيد كاظم الحائري وآية الله السيد محمد الصدر وآية الله السيد محمود الهاشمي وعندما طبع السيد الشيهد حلقاته في علم الأصول عام 1978م أوكل مهمة تدريس الحلقة الثالثة منها الى السيد محمد الصدر(رض) و الحلقة الثانية الى السيد محمود الهاشمي و ليس ذلك الا لثقته باهليته وجدارته العلمية وتقدمه على من سواه. اهتمامه بتهذيب النفس: كان السيد الشهيد معروفا بسلوكه العرفاني واهتمامه العالي بتهذيب نفسه وتكميلها وكان شديدا على نفسه في العبادة الى درجة خشي عليه والده الهلاك مما حدى به أن يطلب من استاذه الشهيد محمد باقر الصدر ان يتكلم معه ليرفق بنفسه وهذه القصة معروفة مشهورة بين طلاب الشهيد السيد محمد باقر الصدر ومن الأمور الملفتة في هذا المجال ان يتتلمذ السيد الشهيد في التربية والتهذيب على يد أحد كسبة النجف المعروفين بسلوكهم العرفاني وهو المرحوم الحاج عبد الزهرة الكَرعاوي، ويذكر البعض قصة غريبة في كيفية تعرفه عليه لا يسع المجال لذكرها وكان السيد الشهيد يعتبره ارقى شيخ معاصر في التربية وتهذيب النفس وسلوك طريق القرب الى الله وقد تتلمذ على يده لمدة عامين الى ان وافاه الأجل عام (1400 هـ ق) وكان يذكره بشكل دائم ويذكر وصاياه وتوجيهاته وكان يقول أنا مدين في حياتي لشخصين السيد محمد باقر الصدر والحاج عبد الزهرة الكَرعاوي ) وسلوكه العرفاني في طريق القرب الالهي لا يعرف احد مدياته واسراره العرفانية الا الله لانه كان يعتبره من الاسرار التي بينه وبين ربه التي لا يمكن البوح بها لاحد. وكان(رض) زاهدا شديد التواضع صريحا وواضحا ومنفتحا على الناس صغيرهم وكبيرهم لايرد سائلا او طالبا وكان من خصوصياته أنه لا يسمح لاحد بتقبيل يده. اعتقالاته: اعتقل السيد الشهيد ثلاث مرات من قبل حكومة البعث المجرمة خلال فترة حياته ذاق خلالها أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، كان الأخير منها بعد الانتفاضة الشعبانية عام 1410هجرية بسبب اصداره بيانا قويا في تأييدها. مؤلفاته: قدم الشيهد(رض) الكثير من المؤلفات للمكتبة الاسلامية اغنت الفكر الاسلامي وقد شكل بعضها مرجعية فكرية منذ صدورها ولحد الآن وهو موسوعته في الإمام المهدي والتي قدم لها السيد الشهيد محمد باقر الصدر مقدمة قيّمة، وفيما يلي نقتصر على ذكر اهم مؤلفاته المطبوعة والمخطوطة. مؤلفاته المطبوعة: 1– موسوعة الإمام المهدي(عج) صدر منها (تاريخ الغيبة الصغرى، تاريخ الغيبة الكبرى، تاريخ ما بعد الظهور، اليوم الموعود) ويوجد جزء خامس ولكنه مخطوط، ومما يذكر أن السيد الشهيد ألف موسوعته هذه وعمره لا يتجاوز الثلاثين عاما. 2– ما وراء الفقه، وهو موسوعة فقهية في عشرة أجزاء تهتم بالثقافة الفقهية المعمقة وفيها الكثير من التجديد والمباحث المستحدثة بلغة علمية رصينة. 3– منهج الأصول، وهو عبارة عن تقرير بحوثه الأصولية في درس الخارج وقد صدر منه ثمانية أجزاء. 4– منهج الصالحين، رسالة عملية من خمسة أجزاء تمثل موسوعة فقهية على مستوى الفتاوى يتعرض فيها لكثير من المسائل الحديثة. 5 - منَّة المنان في الدفاع عن القرآن، وهو مجموعة من المحاضرات التفسيرية نحى فيها منحا خاصا مبتدءا بتفسير القرآن من آخر سورة على عكس ما درج عليه المفسرون. 6- فقه الأخلاق، وهو دورة فقهية يبحث فيها عن الأحكام الأخلاقية والمستحبات في الفقة حسب الأبواب الفقهية. 7- أضواء على ثورة الحسين(ع)، وهو عبارة عن مجموعة من المحاضرات حول نهضة الامام الحسين(ع) . 8- فلسفة الحج ومصالحه في الاسلام. 9- القانون الاسلامي، وجوده، صعوباته، منهجه وهو محاولة مختصرة لاثبات امكان كتابة الفتاوى الفقهية على شكل مواد قانونية. 10- نظرات اسلامية في اعلان حقوق الانسان، وهو مناقشة اسلامية للائحة حقوق الانسان . 11- فقه الفضاء، وقد تعرض فيه الى الاحكام الفقهية خارج نطاق الأرض. 12- الصراط القويم، وهو رسالة عملية مختصرة في الفقه أصلها لجده الشيخ محمد رضا آل ياسين. وهناك العشرات من الكراسات والبحوث المتفرقة في العقائد والأخلاق واللغة العربية والمقالات الاجتماعية الكثير منها منشور في مجلات معروفة. مؤلفا ته المخطوطة: 1- دورة كاملة في علم الأصول تقريرا لبحوث استاذه الشهيد السيد محمد باقر الصدر(رض). 2- دورة كاملة في علم الأصول تقريرا لبحوث استاذه السيد الخوئي(قده). 3- مباحث من كتاب الطهارة تقريرا لبحوث استاذه الشهيد الصدر(رض). 4- مباحث من كتاب الطهارة تقريرا لبحوث استاذه السيد الخوئي(قده). 5- تقرير بحوث الامام الخميني على كتاب المكاسب التي القاها في النجف الأشرف وكان الامام يلقي درسه بالفارسية والسيد الشهيد يكتبه بالعربية في محضر الدرس. 6- اللمعة في أحكام صلاة الجمعة تقريرا لبحث تعطيلي للمرحوم الحجة السيد اسماعيل الصدر الاخ الاكبر للشهيد السيد محمد باقر الصدر. تصد يه للمرجعية: بعد وفاة السيد الخوئي(قده) تصدى السيد عبد الأعلى السبزواري للمرجعية لفترة وجيزة جدا حيث مالبث ان ادركه أجله وهكذا برزت مشكلة في الوضع المرجعي، وكانت الحكومة العراقية ترغب في ان يتصدى مرجع عربي لأمر الحوزة وقد طرح الموضوع على عدة من المراجع منهم السيد محمد الصدر (رضوان الله عليه) هنا وجد السيد محمد الصدر ان وظيفته في ان يتصدى لمسؤولية الحوزة والمرجعية في الوقت الذي كان كل أو أغلب المراجع يتهرب من تحمل المسؤولية وهو يعرف ان النظام الصدامي يريد ان يستثمر مرجعيته لصالحه ولكنه خطط في ان يتحرك عكس ما يفكر به النظام لصالح الاسلام والشعب العراقي الذي حرمته الحكومة الصدامية من ابسط حاجاته الدينية الى درجة ان الكتاب الاسلامي الذي يحمل الوعي كان ممنوعاً بشكل مطلق في العراق وحتى كتاب الدعاء كمفاتيح الجنان ونحوه كان ممنوعا وقدجمع النظام كل كتب الزيارة والأدعية من المراقد المقدسة وأما المساجد فقد كانت مهجورة ومعطلة حتى من الاذان وكلامنا عن المناطق الشيعية بالخصوص وهكذا كان حال العلماء والخطباء بحيث كان وجود العالم في الشارع أمراً نادر وغريبا ولربما في قضاء أو محافظة لا يوجد الا رجل دين واحد أو عدد قليل جدا وهم في غاية التقية والخوف وأما الشعائر الحسينية ومراسم العزاء ووفيات ومواليد الأئمة(ع) فكانت ممنوعة بشكل مطلق الا بشكل محدود جدا وسري كل ذلك بسبب بطش النظام وقمعه الشديد بحيث لم يبق في الساحة في داخل العراق الا النزر القليل والأغلب هاجر الى خارج العراق أو أعدم أو سجن. في مثل هذا الوضع قرر السيد الشهيد أن يتصدى لاحياء الاسلام ومذهب أهل البيت(ع) وانقاذ شعبه وهو يعلم أن نتيجة هذا العمل الاستشهاد ومما يؤكد أنه كان قد تحرك بتخطيط مسبق المحاورة التالية التي نقلها لي أحد الموثقين وهو موجود هنا قال: كانت لنا علاقة وطيدة بالمرحوم آية الله السيد حسين بحر العلوم(رض) -توفي قبل سنة- وذات مرة كنا في زيارة له ودار حديث حول المرجعية فقال كان أمس عندي السيد محمد الصدر وقد قرر ان يتصدى للمرجعية وقد نهيته عن ذلك وقلت له ان الحكومة عندها أجهزة معقدة وخبرة طويلة ولا تقدر عليها، فقال لي: أنا أعرف كيف استغلها فقلت له انهم يبيعون عليك بيض فاسد، فقال لا أنا أعرف كيف اشتغل!! ولكن مع الأسف لم يفهم الكثيرون ذلك بل بعضهم اساء الظن به وواجه بسبب ذلك الكثير من التهم والاشكالات بل والحرب الشعواء خصوصا من الخط القاعد في الحوزة وقد صور معاناته هذه في حديث له مع أحد قادة بدر في لقاء سري تم معه قبل شهادته بأربعين يوما قائلاً: (انهم يحاربونني كما حاربوا السيد الخميني والشهيد الصدر والحكومة تهددني بقطع الرأس، مواردي المالية ضعيفة وهذا الذي صار من التوفيق فهو من الله وبالمجان!!). والاسوء من ذلك ان بعض الجهات في المعارضة في الخارج لم تعط فرصة لنفسها في أن تحمله على محمل حسن بل انضمت الى خط القعود في الحوزة لتضيق من الخناق عليه في الوقت الذي لا يوجد أي دليل أو مؤشر على تعامله مع النظام بل المؤشرات كانت على العكس من ذلك وهي كثيرة خصوصا في الستة أشهر الأخيرة من حياته.ولنترك الخوض في تفاصيل هذه الأمور المؤلمة والموجعة للقلب الى فرصة أخرى والى التاريخ والى الله المشتكى. الشهيد الصدر و ولاية الفقيه: كان الشهيد الصدر الثاني (رض) من المعتقدين بولاية الفقيه المطلقة وطرح مصطلح ولاية أمر المسلمين على المستوى الشعبي لاول مرة في العراق وكان يصدر أوامر ولائية في قضايا مختلفة منها حضور صلاة الجمعة ومنها ايجابه الذهاب الى كربلاء مشيا على الأقدام في زيارة النصف من شعبان من مناطق العراق المختلفة وقد كتب في كتابه ما وراء الفقه بحثا مفصلا عن ولاية الفقيه من ثمانين صفحة وهو من البحوث القيمة وكان يوصي بشكل مؤكد بطاعة العلماء والحوزة وعدم القيام بأي عمل من دون أمر من الحوزة والعلماء منها قوله: (انتم في عصر علمائكم والحوزة العلمية أسألوا الحوزة العلمية لا يمكن عمل أي شيء مما قل أو كثر بدون سؤال الفقه والفقهاء بطبيعة الحال). ويقول في موضع آخر (عليكم بطاعة علمائكم لا تتحركوا ولا تقولوا أي شيء قبل أن تقول قيادتكم الدينية لا يجوز حبيبي أن تجني على نفسك وعلى دينك وعلى دنياك وعلى آخرتك). الشهيد الصدر و الجمهورية الاسلامية: كان موقفه ايجابيا من الجمهورية الاسلامية وكان يعبر عنها بدولة الولي الفقيه وهكذا كان موقفه من السيد القائد الخامنئي دام ظله وقد قال لاحد قادة بدر في لقاء سري معه عندما دار الحديث عن قيادة السيد الخامنئي: (اني أحب السيد الخامنئي واثق به وأعرف سلامة قلبه وطيبة نفسه وعلمه… اني اسمع ان السيد الخامنئي يحب العراقيين ويدافع عنهم جزاه الله خيرا) ونفس هذا الموقف بينه في لقاءه السري مع مندوب حركة مجاهدي الثورة الاسلامية في العراق بل تطرق لذلك في احد احاديثه المسجلة وفي لقاءات خاصة كثيرة جرت معه. ومن مواقفه المعروفة والعلنية جوابه على استفتاء شخص كان يجهز المنافقين بالمواد الغذائية حيث أمره بترك التعامل معهم فورا معللا ذلك بأنه من المعاونة على الاثم وكذلك رسالته التي بعثها الى الشعب الايراني المذكورة فيما يلي . رفض الدعاء لصدام في خطب الجمعة: كثيرا ما كان يتعرض السيد الشهيد في خطبه في صلاة الجمعة الى رأس النظام بشكل غير مباشر ولكنه مفهوم ومن مواقفه الواضحة رفضه الدعاء لصدام في خطب الجمعة حيث كان النظام يضغط على ائمة الجمعة في أن يدعو لصدام كما يفعل ذلك خطباء الجمعة من السنة ولكن السيد الشهيد منعهم من ذلك حتى قال قولته المعروفة : لو خيروكم بين تعطيل الجمعة والدعاء لصدام عطلوا الجمعة ولا تدعوا لصدام . موقفه من العمل الجهادي: كان السيد الشهيد(رض) يرعى بنفسه مجاميع جهادية في داخل العراق وكان يجيز قتل الرفاق الحزبيين الذين يؤذون الناس ومن المجاميع المعروفة التي كان يرعاها السيد الشهيد مجموعة الشيخ الشهيد حسين السويعدي كما كان منفتحا على كل التشكيلات الجهادية العاملة في داخل العراق والمرتبطة بالخارج حيث جرت لقاءات متعددة بينه وبين كوادر قيادية في قوات بدر ومجاهدي الثوري الاسلامية وحزب الدعوة الاسلامية ومنظمة العمل الاسلامي لا يسع المجال لتفصيلها ولكن من الضروري التأكيد على أن السيد الشهيد كان يرى ان الاصل في العمل هو العمل المرجعي عن طريق الوكلاء وصلاة الجمعة، ومما يؤكد ذلك القصة التالية التي نقلها أحد وكلاء السيد الشهيد الذي طلب منه احد اصدقائه و كان مرتبطا باحد التنظيمات الأسلامية ان يتعاون معهم فراجع السيد الشهيد حول هذا الموضوع فقال له السيد الشهيد: ( أنا لا أشجع على مسألة التنظيمات في العراق لأنها فاشلة ومخروقة من قبل النظام وهو قاس في التعامل معها . . . أما في خصوص التنظيمات فان نشر الوكلاء وأئمة الجمعة والتفاف الناس حولهم من جهة واتصالهم بالمرجعية من جهة أخرى فانه بحد ذاته أوسع تنظيم ديني لا يستطيع النظام خرقه لانه غير معنون ولا يستطيع الاقتصاص منه لانه عبارة عن تطبيق شعائر وممارسة نظام تعودوا هم عليه ) . أهم الأعمال التي قام بها خلال فترة تصديه: 1- احياء الحوزة العلمية في النجف الأشرف بعد ان كانت شبه ميت وخالية من الطلبة خصوصا العراقيين وذلك بسبب سياسات النظام الصدامي القمعية والشرسة مع الحوزة والعلماء خصوصا بعد انتصار الثورة الإسلامية وتصدي الشهيد السيد محمد باقر الصدر لمواجهة البعثيين وما اعقبها من حملات اعدام و تشريد وتهجير بحيث خلا العراق من العلماء والكوادر الاسلامية الا النزر القليل وقد تمكن السيد الشهيد في فترة وجيزة من انعاش وضع الحوزة بحيث وصل عدد الطلبة الى عدة آلاف. 2- احياء المساجد وحركة التبليغ في كافة مناطق الشيعة بحيث وصل البملغين والعلماء الى مناطق لعلها لم تشاهد عالم دين منذ أكثر من عشرين سنة وكذا احياء الشعائر الحسينية والدينية واظهار الحزن والفرح بوفيات ومواليد الأئمة(ع) وكل ذلك كان من الأمور الممنوعة في العراق وقد تمكن(قده) بشجاعته الفذة ان يتجاوز كل الخطوط الحمراء ويبعث الشجاعة في المجتمع بحيث أصبحت الكثير من الأمور التي كانت تعد ممنوعة أمور جائزة ومباحة وكان(رض) يبادر بنفسه لذلك ومن الأمور التي تذكر في هذا المجال تصديه بنفسه لالقاء قصيدة لطمية في ذكرى شهادة الامام أمير المؤمنين(ع) ومن على منبر الكوفة في مشهد عجيب حيث تحولت العشرات بل المئات من الألوف الحاضرة في مسجد الكوفة الى مجلس عزاء لم يشهد العراق مثله خلال عقدين من الزمن على الأقل هز العواطف وفجر المشاعر التي كانت مقموعة في الصدور. 3- احياء الثقافة الاسلامية في المجتمع من خلال حركة التبليغ وطبع ونشر الكتب الاسلامية والاستفادة من الفرصة التي اتاحها له النظام لطبع الكثير من الكتب التي تحمل الفكر الاسلامي الاصيل ونشرها في اوساط الشباب وطلاب الجامعات بحيث شهد العراق حركة نشطة يمكن أن نقول انها عوضته الحرمان الذي فرضه عليه النظام الصدامي لاكثر من عقدين ومنحته الحصانة الفكرية والمذهبية لعشرات السنين. 4- اقامة صلاة الجمعة وذلك في خطوة مبتكرة لم يشهدها العراق على طول التاريخ وقد انتشرت في كل مناطق العراق ومنها العاصمة بغداد وكان يقيمها بنفسه في مسجد الكوفة المقدس و هو مرتديا الكفن في مشهد ايماني ليس له مثيل وكان تجاوب الناس وحضورهم حاشدا ورائعا جسد وعي الشعب وتلاحمه مع المرجعية وقد تمكن (رض) من خلالها ان يحقق الكثير من المكاسب لخصها بقوله: (عن طريق صلاة الجمعة حصل المجتمع على الوعي وحصل على الشجاعة وحصل على العزة وحصل على الثقافة الدينية وعرف ماهي الحوزة وماهو نفعها وماهو أثرها وماهو مقدار علمها وتعليمها كما استطاعت الحوزة من ناحيتها ان تثبت نفسها امام الآخرين وتوصل كلمتها ومواعظها وأوامرها ونواهيها الى المجتمع) خطبة الجمعة رقم (27)، وكان رضوان الله عليه حريصا جدا على اقامة الجمعة و استمرارها و قد أوجب حضورها بحكم ولائي على كل مكلف حتى على القول بوجوبها التخييري وكان يعاني كثيرا من موقف الخط القاعد في الحوزة والذي كان يحارب الجمعة ومقاطعا لها وكان اهم شيء يؤكد عليه هو الاستمرار على اقامة الجمعة وله في ذلك وصايا كثيرة منها قوله : (قلت أكثر من مرة استمروا على صلاة الجمعة حتى لو مات السيد محمد الصدر لانه لا يجوز لكم ان تجعلوا موت السيد محمد الصدر سببا وذريعة لذلة الاسلام والتشيع وتفرق الكلمة وكثرة المشاكل بل الحوزة الشريفة تبقى بعون الله وجملة من المراجع يبقون بعون الله فتمسكوا بالحوزة واستمروا على شرفكم وعزتكم الدينية وشجاعتكم القلبية وعنايتكم بالمصالح العامة ولا يجوز ان يحول دون ذلك أي شيء حتى موت هذا العبد الخاطىء الذي هو السيد محمد الصدر). خطبة الجمعة رقم (27) 5- احياءه لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع وذلك بمحاربة المنكرات والظواهر غير الاسلامية كالخمور والسفور ومراسيم الاعراس والتصدي بقوة للجماعات المنحرفة والأفكار الضالة كالجماعات التي يصطلح عليها بالسلوكية والمهدوية والوهابية وغيرها ودعوته موظفي الدولة الى احترام الناس وقضاء حوائجهم والمنع من القاء الأموال في أضرحة الأئمة(ع) ومحاربة السدنة لانحرافهم وتصرفاتهم المشينة. 6- انفتاحه على طبقات المجتمع المختلفة كالشباب والجامعيين والموظفين والعسكريين والعشائر في وقت كان المجتمع يفتقد العالم الذي يحضر معه ويفكر بمصالحه ولذلك لقي التفافا وتجاوبا كبيرا من قبل الناس بحيث تمكن من جذب أكثر أفراد المجتمع بما فيهم موظفي الدولة وأبناء المسؤوليين الحزبيين والقادة العسكريين مما جعل الحكومة في مأزق جدي . 7- تأسيسه المحاكم الشرعية في خطوة شجاعة أخرى لم يشهدها العراق أيضا في تأريخه القريب وكل هذه الأعمال كان يقوم بها ويجعلها أمرا واقعا بحيث لا تستطيع الدولة أن تفعل شيئا أزاءها... الدخول في مواجهة مكشوفة مع السلطة: شهدت الستة أشهر الأخيرة من حيات السيد الشهيد مواجهة مكشوفة مع النظام تجلت بشكل واضح في اصداره امره الولائي بوجوب الذهاب مشيا الى كربلاء المقدسة في زيارة النصف من شعبان على كل أبناء الشعب العراقي في كل مكان باستثناء الشيوخ والنساء في خطوة أعتبرها النظام تحديا سافرا له لان المشي في العراق لزيارة الامام الحسين (ع) ممنوع بل كل الشعائر الحسينية التي يمارسها الشيعة ممنوعة وقام الشهيد الصدر بخطوة ذكية، حيث قال اننا لا نعلم بمنع الحكومة المشي الى كربلاء في غير زيارة الأربعين وعلى هذا الأساس دعى الناس للذهاب الى كربلاء في زيارة النصف من شعبان الأمر الذي لم تطقه الحكومة وحاولت ثنيه عن موقفه بكل وسيلة ولكنه بقى مصرا على موقفه حتى جاءه مدير الأمن العام طاهر حبوش و يتحدث السيد الشيهد عن هذه الزيارة بقوله: (كنت جالسا في البيت واذا بمجموعة من المسلحين يتسلقون الجدار وينزلون في البيت وذهب احدهم وفتح الباب ودخل علي طاهر حبوش ولم أكن اعرفه من قبل وقد عرف نفسه عندما دخل علي وقال: (ئتك لابلغك بأن القيادة تأمرك بالغاء لمشي!! فقلت له: المشي لا يلغى وسأسير معهم بنفسي!! فقال: اذا لم تلغ المشي فنسقتل الماشين جميعا وأنت تتحمل المسؤولية وسوف تنزل قوات بين كربلاء والنجف وسنقتل 150 ألف شخص ودماؤهم برقبتك عندها رفعت عصاي و وخزته بها في صدره وقلت له المشس لا يلغى فقام وخرج). بعد ذلك اتخذت الحكومة كافة الاستعدادات للمواجهة مما حدى بالسيد الشهيد ان يرفع امره بالوجوب صونا للدماء ولكن الحكومة قررت على ضوء ذلك بشكل جدي القضاء على السيد الشهيد(رض) وأخذت تقوم بخطوات مختلفة لتنفيذ قرارها المشؤوم، لا يسع المجال لتفصيلها وكان أهمها اغتيال العلمين الجليلين الشيخ الغروي والشيخ البروجردي (رضوان الله عليهما) وكان واضحا جدا ان النظام مصمم على اغتيال السيد الشهيد وأخذت تتسرب أنباء محاولات الاغتيال من قبل بعض المتعاطفين في أجهزة الدولة ولكن السيد الشهيد لم يتراجع ولم يتردد ولم يداخله الخوف قيد شعرة حتى آخر لحظة من حياته بل استمر في التصعيد حيث طالب في خطبه الأخيرة باطلاق سراح السجناء من المؤمنين والعلماء الذين أعتقلهم النظام عندما تصاعد نشاط السيد الشهيد وفيمايلي مقطع من آخر أحاديث السيد الشهيد العلنية و المسجلة قبل شهادته بفترة وجيزة وهو يتحدث عن الأوضاع المحيطة به وما تعرض له العلماء من مخاطر فقال: (أنا في خطر وان شاء الله لا يترتب على هذا الخطر اثر… وأنا اتصرف كما كنت أتصرف، لا أزيد من ذلك ولا انقص ولا حاجة الى هذا النقصان لان مادام عملي في رضا الله وفيه المنفعة العامة وفيه الأمر بالمعروف والنهي المنكر فلماذا أخاف حتى لو ذهبت فان ذهابي في طريق الله وفي رضا الله وهذا هو غاية ما هو مطلوب في الحقيقة… وهو ليس شيئا مستنكرا، أي كما ذهب المعصومون وكما ذهب ميثم التمار وحجر بن عدي وسعيد بن جبير وشهداء الطف… انهم عملوا في سبيل الله وقتلوا في سبيل الله وهم كثيرون وأنا رقم واحد من لا نهاية من الأرقام). استنجاد السيد الشهيد با لخارج: عندما احتدمت المواجهة بين السيد الشهيد والنظام و بالاحرى عندما قرر السيد الشهيد تصعيد المواجهة حاول الاستنجاد بالخارج ومن الخطوات التي قام بها فتح مكاتب له في الخارج وكان غرضه هو حماية مرجعيته من بطش النظام وذلك من خلال الاعلام بحيث أي شيء يحصل في الداخل ضد مرجعيته تنعكس اخباره في الخارج بسرعة مما يجعل النظام يتهيب منه ويحسب له حساب وكان السيد الشهيد(رض) يقول: (ان تردد النظام في مواجهتنا في الوقت الحاضر في مصلحتنا لاننا بحاجة الى الوقت) بل قام السيد الشهيد(رض) بأكثر من ذلك عندما بعث السيد جعفر الصدر ابن الشهيد السيد محمد باقر الصدر الى الجمهورية الاسلامية كممثل عنه وبعث معه رسالة استنجاد تاريخية ولكن مع الأسف لم يفهم ذلك أحد منه بل ان المواقف الخاطئة من بعض المتصدين واشكالات بعض المبعوثين من قبله حالت دون فهم حراجة موقفه ومد يد المساعدة له فبقي وحيدا في وجه أكبر طاغوت عرفته البشرية في تاريخها حتى سقط مضرجا بدمه الشريف محققا امنيته في الالتحاق بركب أبي عبد الله الحسين (ع). فسلام عليه يوم ولد ويوم صلى الجمعة في الكوفة وهو لابس الكفن ويوم سقط قتيلا برصاصات البعث الغادرة وهو محتضنا ولديه مصطفي ومؤمل. مقطع من تقديم الشهيد السيد محمد باقر الصدر لموسوعة الامام المهدى ... اننا بين يدي موسوعة جليلة في الامام المهدي(عج) وضعها أحد أولادنا وتلامذتنا الأعزاء وهو العلامة البحاثة السيد محمد الصدر - حفظه الله تعالى - وهي موسوعة لم يسبق لها نظير في تأريخ التصنيف الشيعي حول المهدي - عليه السلام - في احاطتها وشمولها لقضية الامام المنتظر من كل جوانبها - وفيها من سعة الافق وطول النفس العلمي واستيعاب الكثير من النكات واللفتات ما يعبر عن الجهود التي بذلها المؤلف في انجاز هذه الموسوعة الفريدة - واني لاحس بالسعادة - وأنا اشعر بما تملأه هذه الموسوعة من فراغ وما تعبر عنه من فضل ونباهة والمعية وأسال المولي (سبحانه وتعالى) أن يقر عيني به ويريني فيه علما من أعلام الدين.