و أفضل الصلاة و أزكى التسليم على خير الخلائق أجمعين محمد و آله الطاهرين .
و اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
قال الله تعالى { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } سورة هود – 112 .
هذه الآية الكريمة في شطرها الأول تبين لنا مفهوم التدين الواقعي في المنظور الإلهي , و هو الاستقامة كما أمرت . و في سورة الحمد نلهج ليلا و نهاراً ( اهدنا الصراط المستقيم ) , و لا شك أن من يسير على الطريق المستقيم دون اعوجاج يكون قد استقام . و الاستقامة لا تكون واقعية و حقيقية إلا إذا كانت كما أمر الله تعالى . والنتيجة أن المطلوب من رسول الله أن يسير وفق الصراط الذي أمره الله تعالى به . و هو الصراط الذي أوضحه لنا الرسول و أهل البيت – عليهم السلام – و أمرونا باتباعه و السير على وفقه .
إذن التدين الواقعي هو الإلتزام بالتعاليم و الأوامر الشرعية في كل شأن من شؤون الحياة , صغيرها و كبيرها . والتدين ذو درجات متفاوتة , و أدنى مرتبة منه هو التلبس ببعض مظاهر التدين الخارجية فقط . فبعض الناس يواظب على حمل السبحة في يده و حضور صلاة الجماعة , و لكن قلبه و روحه أبعد ما تكون عن الصلاة , ومعاملته لوالديه و أهله سيئة , و يكذب و يغش في معاملاته , و لا يدفع الديون التي في ذمته . إذن ما فائدة هذا التدين القشري . بل قد يقوم هذا المتدين القشري بتشويه صورة التدين في أنظار الناس بسبب تصرفاته القبيحة .
و أما أعلى درجات التدين فهي أن يستقيم الإنسان كما أمره الله تعالى بكل ذرة من ذرات وجوده , في قوله و في فعله , في حركاته و في سكناته .
أما ركائز التدين الواقعي فهي كالتالي :
الركيزة الأولى :النية الصادقة و الخالصة , فمن يكون هدفه الرياء و مدح الناس لا يهتم بالتدين الباطني بعيداً عن أعين الناس , بل تراه يركز على بعض المظاهر القشرية ليخدع الناس .
الركيزة الثانية :العلم و الحكمة . حتى يستطيع التمييز بين الواجبات و المحرمات و غيرها . و حتى يقدر على الترجيح و تقديم الأهم فالأهم . يجب أن تعلم بماذا أمرت ثم تستقيم عليه .
الركيزة الثالثة :المواظبة و التدرج , فعملية التغيير في الإنسان تحدث بتدرج و على مراحل . و نحن مطالبون بتحسين علاقتنا مع الله تعالى و مع أنفسنا و مع الآخرين لا سيما الوالدين و الأقربين , و علينا واجبات تجاه الطبيعة أيضاً . وتطبيق جميع ذلك يحتاج إلى صبر و مواظبة و تدرج , فكلما وفقنا الله تعالى لإصلاح جانب من جوانب حياتنا أو خصلة من أخلاقنا نشكر الله تعالى و نحمده و ننتقل إلى جانب آخر و خصلة أخرى . و لنعلم بأن الدين عميق , لذا وردت الأحاديث الشريفة في الحث على الوغول فيه برفق لئلا تنفر النفس .
الركيزة الرابعة :طلب العون من الله تعالى ( و ما توفيقي إلا بالله ) و التوسل إليه بأحب الخلق إليه محمد و آله – صلى الله عليهم أجمعين - .
الركيزة الخامسة :عدم اليأس من رحمة الله تعالى , فعملية تهذيب النفس و تعويدها على الطاعة يحتاج إلى صبر و مجاهدة . و قد يكون لدى الإنسان ذنب متغلغل أو خصلة سيئة راسخة , فلا ييأس بل يجاهد نفسه إلى أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوح صادقة .
الركيزة السادسة :عد م التجاهر بالعصيان . لا قدر الله تعالى إذا ابتلي الإنسان بمعصية فعليه أن يستتر بها , و لا يجاهر , إذ المجاهرة بالعصيان تجرأ على الله تعالى و مساهمة في تجرأ الآخرين على المعصية أيضاً .
الركيزة السابعة :إذا رأيت من هو أكبر منك سناًَ فتذكر أنه عبد الله تعالى قبلك , و إذا رأيت من هو أصغر منك فتذكر أنك عصيت الله قبله . و إذا رأيت مذنباً فاحمد الله تعالى لأنه لم يبتلك بذلك , و ادع الله تعالى له بالهداية , و لا تغتر بأعمالك إذ لعله يكون لدى هذا المذنب أعمال صالحة استوجب بها رضوان الله تعالى , و لعل الله يوفقه للتوبة النصوح فيغفر الله تعالى له , و لا يغفر لك ما عملته من ذنوب .