الشيخ الحبيب يدعو لتخصيص حصص في ”فقه الجدال بالتي هي أحسن“ في الحوزات العلمية
بتاريخ : 28-06-2011 الساعة : 06:07 AM
دعا سماحة الشيخ ياسر الحبيب حفظه الله من منبره الأسبوعي يوم السبت الموافق للثاني والعشرين من شهر رجب 1432 كافة الأمة الشيعية إلى التفقه في فقه الجدال بالتي هي أحسن، مقترحاً تخصيص محاضرات حوزوية خاصة في فقه الجدال بالتي هي أحسن بحيث يكون أحد الفنون الرديفة في العلوم التي تدرّس اليوم في الحوزات العلمية، وذلك من أجل إعداد جيلاً من طلبة العلم والعلماء الذين يعرفون كيف يناظرون ويجادلون الطرف الآخر لإغلاق الباب أمام إنهزام حضاري خطير، وكي لا يستمر صوت هيئة خدام المهدي عليه السلام بالظهور على أنه صوت نشاز بينما تنتشر الأصوات الخانعة والاستسلامية وتظهر كممثلة لأصوات مدرسة أهل البيت «عليهم السلام»، وذلك من خلال إرجاع الطلبة إلى التراث الشيعي العظيم الموجود في تعاليم أئمتنا وسيرتهم في مواجهة ومجادلة الخصوم، وكذلك أصحاب الأئمة الأبرار وكيفية مجادلتهم للخصوم والعلماء الأخيار من بعدهم، والذين كانوا أكبر مصداق لتطبيق الآية الكريمة {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} على وجه الدقة.
ونبّه سماحته إلى أنه قد استعرض شيئاً بسيطاً من تلك السير والاحتجاجات والمناظرات والمجادلات في سلسلة «تحرير الإنسان الشيعي» التي تعرض الآن على قناة فدك الفضائية، وذلك كتوطئة لتخصيص حصة وافرة من المناهج التعليمية في الحوزات العلمية.
وطرح سماحته نموذجاً لأحد أعاظم المجادلين وعمالقة التشيّع وهو الشيخ المفيد «أعلى الله درجاته» والذي لا يختلف في عظمته وجلالته إثنان ويكفيه أن إمامنا صاحب العصر والزمان «صلوات الله عليه وعجّل الله فرجه» أرسل إليه رسائل كتب في بدايتها ”سلامٌ عليك أيها الولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين“ ولقّبه «عليه السلام» بالمفيد، فقد كان الشيخ المفيد لا يتنازل ولا يجامل ولا يجحد حقاً وإن كان أمراً حساساً يريد الخصم أن يلزمه به حتى يحرجه أو يوجّه مطعناً إلى التشيّع من خلاله.
داعياً سماحته إلى التأمل في سيرة هذا العالم الجليل الذي كان يتحدث بلسان الكبرياء حينما يعبّر عن الشيعة ولا يعبأ بالخصم الذي يحاول استصغار طائفته والإساءة إليها لأنها تكفّر الطاغوتين أبا بكر وعمر، بل ألزم خصمه بعد أن أبطل ما عنده بكفر عمر بن الخطاب الذي شك في رسول الله وفي دين الإسلام يوم الحديبية ومواضع أخرى ووصف المدافعين عنه بالنواصب، ودعا الشيخ الحبيب إلى مقارنة هذا النموذج بالموجودين في الساحة حالياً هنا وهناك من أشباه الرجال والذين يتناظرون مع الآخرين ويجادلونهم خلافاً لمنهج الشيخ المفيد الذي كان بلا شك منهجاً مرضياً عند الأئمة الطاهرين عليهم الصلاة والسلام.
يأمرنا الله «عز وجل» بالجدال بالتي هي أحسن، وقد جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق «صلوات الله عليه» في كتاب الكافي وفي تفسير القمي أن المجادلة تكون بالقرآن فلا يكون داعيا إلى الله «عز وجل» من خالف أمر الله ويدعو إليه بغير ما أمر به في كتابه والذي أمر أن لا يدعى إلا به، ولا يقتصر الجدال ههنا مع الكافر أو المخالف على الجدال بالآيات الكريمات التي هي لفظ القرآن بل يمتد إلى معاني القرآن ومعارفه وبما ينتهي إليه وبأسلوبه أيضاً.
الجدال بالتي هي ليست بأحسن:
فسّر الإمام الصادق «صلوات الله عليه» في رواية مفصّلة الجدال بالتي هي ليست بأحسن، والرواية رواها الإمام العسكري «صلوات الله عليه» في تفسيره كما رواها الطبرسي في الاحتجاج، وفي الرواية:
قيل للصادق «عليه السلام»: يا ابن رسول الله، ما الجدال بالتي هي أحسن وبالتي ليست بأحسن؟
قال «عليه السلام»: أما الجدال بغير التي هي أحسن فأن تجادل به مبطلاً فيورد عليك باطلاً فلا ترده بحجةٍ قد نصبها الله ولكن تجحد قوله، أو تجحد حقا يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة، لأنك لا تدري كيف المخلص منه، فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم، وعلى المبطلين، أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف ما في يده حجةً له على باطله، وأما الضعفاء منكم فتغم قلوبهم لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل. (تفسير الإمام العسكري/ص242)
وكان الأئمة «صلوات الله عليهم» يوبخون ويعاتبون بنحوٍ ما في بعض الأحيان بعضاً من أعاظم المتكلمين الذين كانوا يجادلون الفرق الأخرى ويذبون عن أئمة أهل البيت بأنهم قد خلطوا حقاً بباطل أو أنهم قد دفعوا باطلاً بباطل، وهذا المضمون نجده في بعض الكتب الرجالية حيث كان بعض هؤلاء الأعاظم يخطئون برد أباطيل الخصوم بغير حجة قد نصبها الله فيكون جدالهم بالتي هي ليست بأحسن لأن همهم فقط كان جحود قول الخصم.
مثال تطبيقي معاصر:
يجري جدال مع أحد أنصار عائشة، فيريد أن يقوّي باطله بذكر أمرٍ هو حق يلتزم به الشيعي الموالي ويعتقد به، فيقول مثلاً: أنتم الرافضة تطعنون في أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها – على حد تعبيره – وتكفّرونها وتلعنونها وتسبونها وتكرهونها وتبغضونها وتحاربونها وتعادونها وتبرؤون منها، فيقوم أحد المعممين الذين يستشعرون النقص والانهزام في ذواتهم ولا يمتلكون الثقة بالنفس ولا يتعاملون مع الآخر بروح الكبرياء لعدم شعورهم بأن الشيعة هم السادة على الطوائف الأخرى فيجحد فوراً هذا الأمر الذي يجابه به وخصوصاً إذا كان على شاشات البث الفضائي وأمام وسائل الإعلام! ويعلل جحوده بأنه لو أقر بما قاله الخصم المناظر أو المجادل على الشاشة الفضائية فأنه سيقوّي باطله الذي يريد به أن يكفّر الشيعة ويحرّض عليهم ويشوّه سمعتهم لكون قضية عائشة قضية حساسة لما تكنه الطوائف الأخرى من الاحترام لها وتكاد أن تعبدها إن لم تكن قد عبدتها بالفعل!
هذا مثال على الجدال بالتي هي ليست بأحسن، وقد شوهد هذا المثال فضائياً في السنوات الأخيرة كثيرا، حيث يقوم فيه معمم بجحود حق صريح، وهذا حرام على شيعة أهل البيت بنص الإمام الصادق عليه السلام.
والسبيل الصحيح هنا هو أن يتعلم هذا المعمم ويتفقه في كيفية الخلاص من هذا الخصم ليكون قوياً، فعليه أن يبحث جيداً وأن يكون بالمستوى المعرفي المطلوب وعلى ثقة بالنفس كي يتصدى للمناظرات وإلا فلا، فيجيب على هذا السؤال مثلاً بنعم، دون أن يجحد الحق، وفي الوقت نفسه يقلب الطاولة على السائل بعشرات الطرق المتوفرة والحجج الدامغة كأن يأتي إليه مثلاً بحديث رسول الله «صلى الله عليه وآله» المروي عن إثنين هما أبي هريرة وزيد بن أرقم: أنه نظر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى عليٍ والحسن والحسين وفاطمة فقال: أنا حربٌ لمن حاربكم وسلمٌ لمن سالمكم.
والحديث وارد في مصادر وصحاح الخصم ومنها:
1- مسند أحمد بن حمبل/ج2/ص442
2- المعجم الكبير للطبراني/ج3/ص67
3- صحيح ابن حبان
4- مستدرك الحاكم النيسابوري
5- النسائي
والحديث مشهور إلى درجة أن الألباني الخبيث صححه ثم التفت بعد عدة سنوات إلى أن تصحيحه لهذا الحديث سيجعله وقومه يدفعون الثمن غالياً فتراجع وضعّفه في كتبه اللاحقة، فالحديث بتطبيقه على عائشة – التي حاربت علياً – يكون رسول الله حربٌ لها ونحن نقتدي برسول الله ولنا فيه أسوة، ومن يحارب رسول الله ويحاربه لا يكون إلا كافراً وفي النار؛ وبعد هذا الجواب لا يملك الخصم حينها إلا أن يأتي بتمحلات كأن يقول أن عائشة خرجت للإصلاح وغيرها من كافة الأمور الأخرى التي سيكون للشيعي الحجة فيها، فيترك الخصم مستمراً في الدفاع عن نفسه.
مثال تراثي عظيم:
جرى جدال بين أحد أعاظم المجادلين وعمالقة التشيّع وهو الشيخ المفيد «أعلى الله درجاته» والذي لا يختلف في عظمته وجلالته إثنان ويكفيه أن إمامنا صاحب العصر والزمان «صلوات الله عليه وعجّل الله فرجه» أرسل إليه رسائل كتب في بدايتها ”سلامٌ عليك أيها الولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين“ ولقّبه «عليه السلام» بالمفيد، وبين أحد علماء أهل الخلاف يدعى أبو عمرو الشوطي.
قال أبو عمرو الشوطي للشيخ المفيد : أليس قد اجتمعت الأمة على أن أبا بكر وعمر كان ظاهرهما الإسلام؟ فقال له الشيخ: نعم قد أجمعوا على أنهما كانا على ظاهر الاسلام زماناً، فأما أن يكونوا مجمعين على أنهما كانا في سائر أحوالهما على ظاهر الإسلام فليس في هذا إجماع، لاتفاق أنهما كانا على الشرك، ولوجود طائفة كثيرة العدد تقول: إنهما كانا بعد إظهارهما الاسلام على ظاهر كفر بجحد النص، وإنه قد كان يظهر منهما النفاق في حياة النبي صلى الله عليه وآله.
فقال الشوطي: قد بطل ما أردت أن أورده على هذا السؤال بما أوردت، وكنت أظن أنك تطلق القول على ما سألتك.
فقال له الشيخ: قد سمعت ما عندي، وقد علمت ما الذي أردت فلم امكنك منه، ولكني أنا أضطرك إلى الوقوع فيما ظننت أنك توقع خصمك فيه، أليس الأمة مجتمعة على أنه من اعترف بالشك في دين الله عز وجل والريب في نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله فقد اعترف بالكفر وأقر به على نفسه؟ فقال: بلى ، فقال له الشيخ: فإن الأمة مجتمعة لا خلاف بينها على أن عمر بن الخطاب قال: ما شككت منذ أسلمت إلا يوم قاضى رسول الله صلى الله عليه وآله أهل مكة، فإني جئت إليه فقلت له: يا رسول الله ألست بنبي؟ فقال: بلى، فقلت: ألسنا بالمؤمنين؟ قال: بلى، فقلت له: فعلام تعطي هذه الدنية من نفسك؟ فقال: إنها ليست بدنية، ولكنها خير لك، فقلت له: أفليس وعدتنا أن ندخل مكة؟ قال: بلى، قلت: فما بالنا لا ندخلها؟ قال: أو وعدتك أن تدخلها العام؟ قلت: لا، قال: فستدخلها إن شاء الله تعالى: فاعترف بشكه في دين الله عز وجل ونبوة رسوله، وذكر (الشيخ المفيد) مواضع شكوكه وبيّن عن جهاتها، ثم قال: وإذا كان الأمر على ما وصفناه فقد حصل الاجماع على كفره بعد إظهار الايمان واعترافه بموجب ذلك على نفسه، ثم إدعى خصوم من الناصبة أنه تيقن بعد الشك ورجع إلى الايمان بعد الكفر، فأطرحنا قولهم لعدم البرهان منهم عليه، واعتمدنا على الاجماع فيما ذكرناه ، فلم يأت بشئ أكثر من أن قال: ما كنت أظن أن أحدا يدعي الاجماع على كفر عمر بن الخطاب حتى الآن، فقال الشيخ: فالآن قد علمت ذلك وتحققته، ولعمري أن هذا مما لم يسبقني إلى استخراجه أحد، فإن كان عندك شئ فأورده، فلم يأت بشيء. (بحار الأنوار/ج10/ص412-414/ح5)
يلاحظ في هذا المثال من سيرة هذا العالم الجليل أنه كان يتحدث بلسان الكبرياء حينما يعبّر عن الشيعة ولا يعبأ بالخصم الذي يحاول استصغار طائفته والإساءة إليها لأنها تكفّر الطاغوتين أبا بكر وعمر، بل ألزم خصمه بعد أن أبطل ما عنده بكفر عمر بن الخطاب الذي شك في رسول الله وفي دين الإسلام يوم الحديبية ومواضع أخرى ووصف المدافعين عنه بالنواصب ولم يصفهم بأنهم أخوان للشيعة.
والآن فلنقارن بين هذا الجدال والجدال الموجود اليوم في الساحة هنا وهناك من أشباه الرجال الذين يتناظرون مع الآخرين ويجادلونهم خلافاً لتعاليم أئمة أهل البيت عليهم السلام وخلافاً لمنهجهم ومنهج الشيخ المفيد الذي كان بلا شك منهجاً مرضياً عند الأئمة الطاهرين عليهم الصلاة والسلام، وقد كان المفيد «رضوان الله عليه» يعيش في بغداد – عاصمة بني العباس – في زمان لم يكن فيه أمم متحدة ولا منظمة مراقبة حقوق الإنسان ولا منظمة العفو الدولية وكان زماناً تقع فيه المصائب على الشيعة لمجرد كتابتهم على مساجدهم عبارة ”محمد وعلي خير البشر“، لكن الشيخ رغم هذا كله كان يقوم بوظيفته كعالم ومرجع أعلى للشيعة فلا يتنازل أمام الخصوم.
وقد استخدم القرآن الكريم ألفاظ تحقيرية شديدة مثل ”الكلب“ و ”الحمار“، واستخدمها أئمة أهل البيت عليهم السلام أيضا، ولكن لم تستخدم هذه الألفاظ مع المخدوع والضعيف الذي يمكن أن يهتدي، بل لمن لا ترتجى هدايته ولا سبيل لمجابهته إلا بأن يوصم بمثل هذا الوصف، كما في الرواية الصحيحة عن الأشعري عن عبد الله بن محمد، عن الخشاب، عن أبي داود أنه قال: كنت أنا وعيينة بياع القصب عند علي بن أبي حمزة البطائني وكان رئيس الواقفة، فسمعته يقول قال لي أبو الحسن موسى عليه السلام (الإمام الكاظم): يا علي إنما أنت وأصحابك أشباه الحمير، فقال لي عيينة: أسمعت؟ قلت: إي والله لقد سمعت، فقال: لا والله لا أنقل إليه قدمي أبداً بعد هذا. (رجال الكشي ؛ الغيبة للشيخ الطوسي/ص49)
إذاً نخلص إلى أن استخدام الألفاظ الحادة في تحقير رموز الضلال والإنحراف هو من سيرة المعصومين عليهم السلام لتحصين المؤمنين وتحذيرهم من هؤلاء المنحرفين، كما يمكن استخدام هذه الألفاظ في زماننا على الأفراد المتلبسين بثياب التشيّع الذين يؤسسون لفرقة ظاهرها التشيّع هي الفرقة البترية التي ينبغي تحصين الناس من الاغترار برموزها الضالة.