المبعث الشريف:
مبعث رسول الله محمد بن عبدالله (صل الله عليه وآله) فيه بعث لعقل الإنسان وقلبه وضميره وإرادة الخير فيه بعد موتٍ أو سقامٍ شديد كاد يأتي على كل ما فيه من سبب خير، وعنصر قوة وامتياز، ومنبع طاهر، ووجود كريم، وانسانية عالية، فقد بعث الإنسان حقاً لبعثة رسول الله (صل الله عليه وآله).
وهو يذكرنا بحاجة الأرض إلى هدى السماء[1] وكلمة الوحي وشمس الرسالة ونور الدين، وأن الأرض لا تحل مشكلاتها إلا بتطبيق اطروحة السماء، ولا منقذ للبشرية حقاً إلا الإسلام والإستسلام لله وحده.
لجنة تقصي الحقائق:
لجنة تقصي الحقائق المستقلة مع صدق الوصف أمر إجابي، وخطوة على الطريق الصحيح، والحكم النهائي عليها أو لها مرتبط بجدية المقدمات، وحرية التقصي، ونزاهة وعدالة النتائج وتطبيقها، وتصحيح الوضع، وانصاف المظلومين، ورد اعتبار من هتك اعتباره، وتعويض المتضررين، وعقوبة المعذبين والمنتهكين لحقوق الإنسان والممعنين في ظلمه.
وكل خطوة تصحيحية وتدارك للخطأ والخلل، وكل عودة لحق، وكل اصلاح يجب أن يقدر بقدره بلا انقاص من حقه ولا تزيد، لا نقول للشيء بأنه ليس بشيء، ولا نقول للشيء بأنه كل شيء.
أما ما تتصحح به الأوضاع عامة وتطفئ الفتن ويعطى للوطن العافية من مشكلاته فهو الإصلاح السياسي الجدي الجذري الواسع، الذي يفرض نفسه لو تم على كل الأوضاع ويعالج فسادها الذي طالها من فساد السياسة، ما أفسد الأوضاع الآخرى إنما هو فساد السياسة، وما يصلح فساد الأوضاع الآخرى هو صلاح السياسة.
مسألة الحوار:
أذكر بجملة أفكار سبق لي طرحها بشأن مسألة الحوار الذي يدور حوله الحديث في الساحة مع شيء من الإضافة.
1 ـ الحوار من أجل الحوار مضيعة.
2 ـ الحوار من أجل تسويق الوضع الخاطئ خطأ ومدان.
3 ـ الحوار الناجح يحتاج إلى أجواء ملائمة ومقدمات منتجة يلاحظ عليها أنها مفقودة لحد الأن.
4 ـ الداخل صادقاً في الحوار لأي داعٍ من الدواعي العقلائية لا يدخل لتخريبه، ولا يدخله تروجياً له، ولا مستسلماً لأجواءه غير الملائمة ومستنيماً لمساره غير الصحيح، ولا مستعداً للتوقيع على النتائج الضئيلة له.
من يدحل الحوار يدخله برؤية شعبية، وبعزيمة قوية، ومطالب يتفق عليها الشعب ويصر عليها ويذود عنها ويبقى في خندقها على طول الخط.
5 ـ الطرفان الحقيقيان للحوار إنما هما الحكومة ومعارضة تخالف الحكومة الرآي والطرح في البعد الأساسي للحوار وهو البعد السياسي، كمسألة الحكومة المنتخبة، والمجلس النيابي الناتج عن تمثيل شعبي عادل ولصلاحيات كاملة لا يشاركه ولا يضايقه فيها مجلس الشورى[2].
6 ـ كل النتائج التي يفضي إليها الحوار وإن توافقت عليها الأطراف، واستكملت مراحل طريقها الرسمي لا يعد شيء منها ملزم للشعب إلا ما وافق عليه في النهاية، وإلا بقيت لا تمثل إلا رآي اصحابها[3].
7 ـ لن يوقض البلد من أزماته العاصفة إلا اصلاح واضح بسقف ينال موافقة الشعب.
8 ـ هناك مغيبون في السجون ممن يحتاجهم الحوار ونجاحه وفاعليته.
9 ـ الداخل في الحوار يدخل تجربة صعبة وامتحاناً قاسيا، ويعطي الناس حق الحكم عليه أو له بمقدار صدقه وعدمه مع مطالب الشعب، ومدى صلابته ورخاوته، وتمسكه وتسامحه في أمر هذه المطالب.
10 ـ الإستمرار في الحوار من المشارك فيه هو الأصل، ولكنه مشروط بأن تثبت امكانية نجاح الحوار والوصول إلى الحل، وإلا كان عليه أن ينسحب فورا.
11 ـ أي نتائج اجابية لا تعالج الجانب السياسي بنجاح لن توصل إلى حل[4].
12 ـ اعلم أن الوفاق قد تدخل الحوار، وهي غير واثقة به لأجواءه ومقدماته وملابساته وطبيعة تركيبته، وهي الأمور التي تجعل الشارع كافراً بهذا الحوار رافضاً له ...
ولكن دخول الوفاق الحوار لو اختارته ليس من غير حكمة ولا في غفلة عن واجبها الديني والوطني في الحفاظ على مصلحة الشعب والذود عن حقوقه ورد مظالمه، وعلى الوفاق إذا اختارت أن تدخل الحوار ضاغطة على نفسها[5] ألا تدخل إلا لإنجاح الحوار الذي يعني بالضبط تلبية طموحات الشعب وتحقيق مطالبه، وألا تداهن أحداً في ذلك أو تجامله بل تكون الواضحة الصريحة في موقفها المنتصر لحقوق الشعب وقضاياه. وتكون كل لحظة بقاء لها في الحوار مرهونة بأمل تحقيق هذه المطالب وامكانية الوصول إليها وإلا كان عليها الإنسحاب.
فإنه خير للمؤمن أن يموت من أن يشارك في إعانة على مظلوم، أو تضييع حق مغتصب، والسكوت على باطل يسعه دفعه، وخير للوفاق أن تنتهي إلى الأبد من أن تخون آمانتها، وتخذل الشعب، وتقصر في الدفاع عنه، وتزور إرادته، وتقبل له ما لا يقبله وللوطن ما لا ينقذه.
والكل يعرف أن الحل لا يتمثل في اطلاق السجناء وعودة المفصولين من وظائفهم ودراستهم وتعويض المتضررين، ولكن على الكل أن يعرف كذلك أنه لا حل وواحد من أبناء الشعب المطالبين بحقه قابع في السجن أو محروم من وظيفته أو دراسته أو متروك لظلامته.
إذا اختارت الوفاق الدخول في الحوار، فعليها أن تبقى في خندق المطالب الشعبية، وتكون الصوت الصارخ داخل هذا الحوار بمظلومية الشعب وبإصراره على الوصول إلى مطالبه.
[1] ولو لا هذه الحاجة لما بعث أي نبي ولا رسول.
[2] طرفان حقيقيان هما هذان الطرفان، أما الباقي الذي يتفق مع هذا الطرف في الرآي أو مع ذاك الطرف، فبالحق أنهما ليسوا أطرافاً حقيقية للحوار ... الإنسان لا يحاور نفسه، وبعد أن اقرر الرآي لا احاور هذا الرآي الذي قررته واخترته.
[3] أيا كان الداخلون في الحوار ما يتوصلون إليه هو رآيهم، ما يتفقون عليه هو رآيهم، ولا يكون هذا الرآي رآي الشعب إلا بموافقته.
[4] قضية تسهيل أمر المعاش، حل قضايا معيشية أمور آخرى من غير حل جذري سياسي لن يقدم حلاً للمشكلة.
[5] شاعرة بالظلم والتهميش، ومن وراء تهميش الوفاق تهميش جمهور عريض، ومن وراء ظلم الوفاق ظلم شارع كبير.