بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ
الَلَّهٌمَّ صَلَِ عَلَىَ مٌحَمَّدْ وَآلِ مُحّمَّدْ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَالْعَنْ أَعْدَائَهُمْ
الْسَّلامٌ عَلَيٌكٌمْ وَرَحْمَةٌ الله وَبَرَكَاتٌهٌ
ولن يجـــــــــيبوك بشيء فالفكر منهم فراغ ..
والحق عندهم البطش والغوغاء ...، والتكفير للغير باطلا ....
فقط ..!
ولقد كثرت الروايات التي تتحدث عن جيش أسامة في كتب السنن وكتب التاريخ . إلا أن هذه الروايات على كثرتها لم تكشف لنا السر وراء إصرار الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على بعث هذا الجيش إلى الخارج في مثل تلك الظروف التي كان
يعيشها المجتمع المدني آنذاك وهو يترقب وفاة الرسول ما بين ساعة وأخرى . . لقد كان الرسول كثيرا ما يردد وهو على فراش المرض : أنفذوا بعث أسامة . أنفذوا بعث أسامة . .
(أنظر طبقات ابن سعد ج3 / 4)
إن إصرار الرسول على ضرورة تحقيق هذا الأمر يكشف لنا عدة حقائق :
الأولى : أن هناك قوى تقف في طريق تحرك هذا الجيش . .
الثانية : أن تحرك هذا الجيش له أهميته القصوى بالنسبة لحركة الدعوة . .
الثالثة : أن الرسول كان يتعجل خروجه . .
الرابعة : ما هي حكمة تولية فتى صغير على كبار الصحابة في بعثه عسكرية هامة كهذه ؟
يروي البخاري : استعمل النبي أسامة فقالوا فيه . . فقال النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) قد بلغني أنكم قلتم في أسامة وأنه أحب الناس إلي . . لماذا يقول الصحابة في أسامة . وماذا يقولون فيه . . ؟ هذا ما لم تخبرنا الرواية . إلا أن هناك رواية أخرى أكثر تفصيلا . . عن ابن عمر قال إن رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) بعث بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد فطعن
الناس في إمارته . فقام رسول الله فقال : إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل . وأيم الله إن كان لخليقا بالإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلي . وإن هذا - أسامة - لمن أحب الناس إلي بعده . .
(البخاري باب بعث أسامة)
والرواية الثانية تجلى لنا الموقف بصورة أكثر وضوحا وهو أن هناك طعنا في أسامة ورفضا لإمارته . وإن هذا الموقف كان قد اتخذ مسبقا من إمارة أبيه في غزوة مؤتة التي استشهد فيها . .
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا : أليس الطعن في إمارة أسامة يعد طعنا في أمر الرسول الذي عينه . . ؟
وهل هذا الموقف كان يتركز في أسامة بشخصه أم في أهداف البعثة ؟
إن الأمر على ما يبدو يتجاوز المسألة الشخصية ويشير إلى أن هناك قضية أخرى أكبر من أسامة ومن بعثته . . وكعادة الروايات التي تروى في كتب السنن خاصة الصحيحين وتتعلق بمواقف الصحابة وتجاوزاتهم . فإنها تكون مبتورة المعنى أو
لا تسمي الشخص أو لا تفصل الحدث . . والهدف من وراء ذلك هو محاولة التمويه على الحقيقة وعدم إثارة الشبهات حول شخصيات معينة حتى لا تهتز في أعين المسلمين . . وهو أمر يعود أولا وأخيرا إلى أمانة الراوي .
أنظر حديث عائشة : خرج رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) في مرضه وهو مستند على رجلين أحدهما العباس ورجل آخر . وكان الرجل الآخر الذي لم تسمه عائشة هو علي . .
(البخاري . كتاب المغازي . باب مرض النبي ووفاته . وانظر مسلم)
وانظر حديث أبو هريرة : حفظت وعاءين عن رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وعاء بثثته . أما الآخر فلو بثثته لقطع هذا الحلقوم . .
(البخاري . كتاب العلم) .
وأنظر حديث ابن عباس :
يوم الخميس وما يوم الخميس :
اشتد برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وجعه . فقال ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا . فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع . فقالوا ما شأنه أهجر . فذهبوا يردون عليه . فقال
دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه وأوصاهم بثلاث . قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب . وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم . وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها . .
فالبخاري هنا لم يخبرنا من الذي قال عن الرسول :
ما شأنه أهجر . وهي طعن في الرسول واتهامه بالتخريف والهلوسة . . ثم أنه لم يخبرنا عن الثالثة هل سكت عنها ابن عباس أم سكت عنها هو ، وهو على ما يبدو من الرواية متأرجح بين أن يكون ابن عباس سكت عنها أو نسيها هو .
كما فاته أن يذكر أن الذي طعن في الرسول وهو على فراش المرض هو عمر بن الخطاب . . ومثل هذا الأمر ينطبق على الروايات المتعلقة بجيش أسامة فقد ذكرت رواية البخاري : استعمل النبي أسامة فقالوا فيه . .
وفي الرواية الثانية فطعن الناس في إمارته . . ولم يخبرنا البخاري من الذين قالوا في أسامة ومن الذين طعنوا في إمارته من الصحابة . . ؟ إن مثل هذا الأمر يطابق النهي عن الخوض في خلافات الصحابة واعتبار ذلك من المحرمات ومن أصول العقيدة كما تنص على ذلك كتب العقائد . .
(أنظر العقيدة الطحاوية والواسطية والعواصم من القواصم وانظر لنا عقائد السنة وعقايد الشيعة باب الرجال )
فكلا الأمرين الهدف منهما التغطية على أحداث التاريخ التي تتعلق بالصحابة حتى لا تهتز صورتهم في أعين المسلمين وتفقد الثقة فيهم وتكون النتيجة هي خروج المسلمين عن خط أهل السنة وخط الحكام على ما سوف نبين .
ومن المعروف أن جيش أسامة كان فيه كبار الصحابة وعلى رأسهم أبي بكر وعمر عدا الإمام علي الذي أبقاه الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) إلى جواره . .
وهنا تتضح لنا معالم جديدة حول هذا الحدث . ماذا كان يهدف الرسول من وراء تأمير فتى كأسامة على أبي بكر وعمر وكبار الصحابة ثم يصر على ضرورة خروجهم من المدينة في أسرع وقت . وهو الذي على فراش الموت .
ومن الممكن أن يتوفاه الله في أية لحظة فلا يكون إلى جواره في المدينة أحد من الصحابة لعل هذا الأمر أثار الريب في نفوس الصحابة وجعلهم يتلكأون في الخروج محتجين بصغر سن أسامة . ولعل جواب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) :
أن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل يشير إلى شكه في موقفهم مذكرا لهم أن هذا الموقف اتخذتموه من قبل من أبيه زيد ولم يكن زيد صغير السن . . ؟
إذن هؤلاء القوم كانوا يضمرون في نفوسهم أمرا ويتحججون بحجج واهية كي لا يخرجوا من المدينة .
ولكن لماذا يريدون البقاء في المدينة . . ؟
إن الجواب على هذا السؤال تكشفه لنا الرواية التي ذكرناها آنفا وهي رواية يوم الخميس حين طلب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أن يكتب لهم كتابا لا يضلوا بعده . فهاجوا وماجوا وطعن بعضهم في الرسول حتى يفوتوا عليه كتابة هذا الكتاب .
فهذا الحدث قد كشف لهذه الطائفة التي يتزعمها عمر على ما يبدو وعلى ما سوف نبين أن الرسول يضمر شيئا يتعلق بالأمر من بعده . فمن ثم هم لا يريدون أن يفوتهم هذا الأمر . ومما يؤكد هذا الظن أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قد كرر هذا
الموقف في غزوة تبوك مع الإمام علي وصرح أمام الصحابة بمقالة فيه أثارت الريب في نفوسهم . .
يروي البخاري أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خرج إلى تبوك واستخلف عليا . فقال : أتخلفني في الصبيان والنساء ؟ قال : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى . إلا أنه ليس نبي بعدي . .
(البخاري . كتاب فضائل الصحابة . باب مناقب علي )
ولعل الصحابة تذكروا هذا النص حين أمرهم بالخروج في بعث أسامة وأدركوا أن الأمر يحمل أبعادا أخرى تتعدى مسألة الخروج خاصة بعد أن رأوا الرسول قد استبقى عليا مع إصراره على خروجهم من المدينة .
إن بعث أسامة يكشف أمامنا قضية هامة وهي قضية التفضيل ....! تفضيل الصحابة على بعضهم ....!
وتفضيل أبي بكر وعمر على الصحابة بل على الأمة ....!
فإن هذا التفضيل لو كان حقيقة ما جعل رسول الله أسامة أميرا على أبي بكر وعمر وما استبقى عليا .... .
كما يكشف لنا من جهة أخرى أنه لو كان الرسول قد نص على استخلاف أبي بكر كما يقال ما وضعه على مقدمة الجيش بينما هو على فراش المرض الذي توفي فيه ....
( مع العلم أن هذه ليست هذه المرة الأولى التي وضع فيها أبو بكر وعمر في هذا الموضع فقد سبق أن وضعهما الرسول صلى الله عليه وسلم تحت إمرة عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل . أنظر البخاري . باب مناقب أبو بكر وشرح الرواية في فتح الباري ج7) .
يقول ابن حجر :
كان تجهيز أسامة قبل موت الرسول بيومين فندب الناس لغزو الروم في آخر صفر . ودعا أسامة فقال ؟ سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش . . فعقد الرسول لأسامة لواء بيده . وكان ممن انتدب مع أسامة
كبار المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر وأبي عبيدة وسعد وسعيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم ثم اشتد على الرسول وجعه : فقال انفذوا بعث أسامة . فتكلم في ذلك قوم منهم عياش بن أبي ربيعة المخزومي . فجهزه أبو بكر بعد أن استخلف . .
(فتح الباري ج8 / 152 كتاب المغازي باب 87 ).
وقد أنكر ابن تيمية أن يكون أبو بكر وعمر كانا في بعث أسامة . لكن ابن حجر رد عليه وأورد عدد من الروايات التي تبطل قوله . . (باب مناقب أبو بكر وشرح الرواية في فتح الباري ج7 ).
وهنا يطرح أمامنا السؤال التالي :
لماذا يحاول ابن تيمية نفي وجود أبو بكر وعمر في بعث أسامة . . ؟
أليس وجودهما يعد امتثالا لأمر الرسول وهو شرف لهما . . ؟
لماذا يحاول ابن تيمية أن ينفي عنهما شرف الامتثال لطاعة الرسول والجهاد في سبيل الله ؟ .
إن ابن تيمية قد اتخذ هذا الموقف في معرض رده على العلامة الحلي أبرز علماء الشيعة المعاصرين له . وقد اضطر في مواجهته إلى التشكيك في حديث الثقلين المروي في صحيح مسلم وهو ما دأب ابن تيمية على فعله في مواجهة خصومه من
العلماء داخل أهل السنة وخارجها خاصة من الشيعة . .
(أنظر منهاج السنة وهو رد على كتاب العلامة الحلي منهاج الكرامة في إثبات الولاية لآل البيت . . ط بيروت . )
والطريف في هذا الأمر هو تجهيز أبو بكر للجيش بعد وفاة الرسول وبعثه إلى الروم . .
يقول ابن حجر :
ولما جهزه أبو بكر بعد أن استخلف سأله - أي أسامة - أن يأذن لعمر بالإقامة - في المدينة - فأذن . . تأمل . .
(فتح الباري ج8 باب 87 كتاب المغازي . .)
لماذا عمل أبو بكر على استثناء عمر من جيش أسامة . . ؟
لقد جهز أبو بكر الجيش امتثالا لأمر الرسول حيث أنه
قد رفع شعارا مفاده إنما أنا متبع وليست بمبتدع . .
وعمد إلى تقليد الرسول في كل مواقفه وممارساته . ...
فإذا كان هو كذلك فلماذا عمل على استثناء عمر . أليس ذلك مخالفة لسنة الرسول وأمره . وهو قد استثنى نفسه بحكم تسلمه الخلافة فبأي حجة استثنى عمر . . ؟
هل يمكن أن نتهم أبو بكر بالسطحية في فهم النصوص إذ أن الغرض من بعث أسامة قد انتفى بوفاة الرسول واستخلافه . بينما هو يصر على خروجه ويستثني منه عمر . أم أن أبا بكر يحاول أن يموه على الهدف الحقيقي من بعثة أسامة ؟
ولنترك القوم مع جيش أسامة على أبواب المدينة ينتظرون ويراقبون من بعد تطورات مرض الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهم بموقفهم هذا قد تحايلوا على أمر الرسول :
فلا هم نفذوا أمره ولا هم ظاهرون أمامه .....
وبدا وكأنهم يوهمون الرسول أنهم خرجوا . . هل مثل هذا السلوك يصح من أناس تخرجوا من مدرسة الرسول . . ؟
هذه حقائق والله يندى لها الجبين ويعتصر القلب لما فيها من كشف لأمور كثيرة أبى المعاندون ألا ان يشطبوها من فكرهم ومن تحقيقاتهم عنادا في الحقوكرها لأهله .....
والله المستعان .....
حيــــــــــــــــــدرة