رحم الله أبي القاسم الشابي الذي قال بأن الحياة صراع فبدّلها البعض إلي صراع الحياه..وسواءا كانت هذه أو تلك فثبوت الصراع في الدنيا بدهي، بل تكاد أن لا تجد مجالا أو منطقة أو مجموعة من البشر إلا وكان الصراع فيهم حاضرا –بطبقاته-كنتيجة حتمية لسنة التدافع...تظهر أنواع الصراعات تلك فتأخذ أشكالا أقرب إلي صورة الشخص المُخيلة إليه ، فيري نفسه طرفا أصيلا حاملا للحق في مواجهة الباطل، وبغرور الإنسان وتناظره وحِرصه علي الإنتصار يبعد عن النجعة وتزداد الهَوّة..
بعيدا عن مؤلفات الصوفية والسلفية حول التوسل والتي لا تكاد تخلو من التبرير والأدلجة..أري أن قضية التوسل بحاجة للتوضيح من مجال آخر أكثر خصوصية للإنسان في عقله وثقافته وعُمق استقراءه..وكأن المسألة لدي ليست بحاجة إلي علم أكثر ما هي بحاجة حقيقية إلي عقل..فالعِلم غالبا ما يرتبط بالمعلومة كمغذي أولي، أما لو تحالف العلم مع العقل حينها سيُفنّد المعلومة ويطرحها للتساؤل وهذه أولي مراتب العلم الحقيقية...السؤال ..وعدم التسليم للموروث دون محاججته وإخضاعه للشك.. هذا فيما دون الأمر فيه بالتسليم...
قد يقول قائل بأن قضية التوسل تمس أصول الدين وتجرح التوحيد ولا ينبغي التهاون فيها..وهذا معه حق إذا أكّد الإحتمال...وقائل آخر يقول بأن التوسل جائز وهو قول جمهور أهل السلف والخلف ولكن يفعله المتوسلون بشروط تحفظ دينهم وحبهم لأولياء الله الصالحين وهذا أيضا معه حق..فقد قرأت بحثا قويا في موقع ملتقي الإخوان المسلمين يُثبت فيه أن التوسل جائز وهو قول الجمهور...إذا نحن أمام طرفين..الأول يفعل والثاني يُنكر..ولكن لم يسأل أحد منا من قبل ماذا لو لم يلتزم كل فريق بضوابط الفعل والإنكار؟..هذا ما أود الإِشارة إليه كمُدخل لفهم تلك القضية التي تسببت في شقاق بين المسلمين وتشيعهم لفرق متناحرة تقاتل بعضها علي التافه والعظيم..
إن الطرف المُدافع عن التوسل يدافع عنه لاعتقاده بأنه لازم من لوازم حب الولي الصالح..ومنهم من يري في التوسل وسيلة فطرية تدفعه رغباته الإيمانية بالاستزادة من سيرة المتوسل فيه..وكأنه يري القدوة العملية في ذهنه حاضرة وبحاجة لإخراجها من حيّز الصورة إلي حيّز الفعل..أغلبهم يعلمون ضوابط الفِعل ولا ينساقون وراء أهوائهم التي أحيانا تخرج بهم عنه المألوف فيرتكبون جُرما عظيما..لكن وفي الغالب يقع هذا الطرف أسيرا للعُزلة..فيعبد الله بحواسه قبيل عقله وينساق وراء عاطفته الجياشة -التي يتميز بها عن الآخرين..فتُسقطه عبادته في براثن العُزلة والجهل بالتركيبة المجتمعية والسياسية والثقافية المحيطة به..فيري مصطحات العصر-المتداولة-شذوذا عن العقائد ويُخضع الأحدث لمعتقده ، ولن يقع في ذلك المأزق كل متفتح من ذلك الطرف يعلم معني الحب والإيثار أشمل مما درسه وتلقاه علي أيدي مشايخه فيسع صدره وعِلمه الآخرين.
أما الطرف المحارب للتوسل فحاله أشبه بحال المدافع وقد يفوقه سوءا..وكأن قضية التوسل ليست بحاجة إلي هجوم أو دفاع أكثر من حاجتها للعقل الذي يضع لها معايير خارج الفهم الموروثي المُقيّد بمظروفية الزمان والمكان..فحال الهجوم لن يخلو من الأخطاء ولو لم يراجع ذلك الطرف أخطائه فستُهدم شخصيته لأنه لا حقيقة كاملة دون الخطأ والإعتبار منه..وحال ذلك الطرف علي خطر عظيم..فالهجوم الدائم قد يقلب الإنسان إلي وحش كما أشار "فريدريك نيتشة" بضرورة أخذ الحذر عند مقاتلة الوحوش لئلا يُصبح المقاتل وحشا...هذا هو الإنسان ضعيف المَلكة، تدفعه حواسه للحُكم والفِعل دون وضع حواجز تحول بينه وبين الغلو.. وبإمكاننا أن نري تلك الوحوش الإفتراضية في مجتمعاتنا بوضوح...
ستري أن أكثر المحاربين للتوسل قلوبهم غُلف ولا تتقدس لديهم القدوة إلا بخضوعها لهوي المحارب ورأيه، فهم يرون التوسل فِعلا جارحا للعقيدة وهؤلاء أرجح أنهم مقصرون في واجب التربية الإيمانية أوالتثقيفية التي تجعل مقاصد الإسلام وروح شريعته نبراسا أمام أعينهم ،وأكثر هؤلاء صناع للفِتن فتَحكّمِهِم في أنفسهم بسيط مع وجود حافزهم أقوي..ولو أعملوا عقولهم لوقفوا علي أن التوسل هو فكرة قبل أن يكون فِعلا..ولن يُجابه الفكرة سوي الفكرة المضادة الخالية من الإقصاء أو التهميش الذي قد يضع الهدف المقصي في خانة الضعف مما سيجلب لها الأنصار..أما الفكرة المضادة الصحيحة هي قيام الفرد علي ذاته بالتثقيف والإحتكاك والحضّ عليه، وأن يهَب نفسه للحُبّ والإيثار..وأن لا يَعجل بزوال المُنكر -وإلا لم يكن منكرا..وأن يقوم علي إِشغال فراغه وفراغ الناس ، وأن يعمل كحلقة مجتمعية لقتل الجهل بالتحريض علي معرفة أوجه الخِلاف وتدارسها ببيّنة عقلانية وروحية شرعية..
بينما ستري أكثر المدافعين عن التوسل يُفرغونه من مضمونه الداعي إلي حبّ الولي والإقتداء بسيرته وتقليده في عبادته..فينقلون التوسل من مجال العبادة والتطهير إلي مجال التعصب للفكرة..فالمحارب يترصدهم ولو لم يدافعوا ستُمحى هويتهم وهوية الأولياء...ولو أعملوا عقولهم سيجدوا أن لا حاكم عليهم سوي أنفسهم..سواءا بقي القبرأم ذهب أو ضعفت فكرة التوسل أو قويت فالتوسل في مكنونهم دافع للعبادة أكثر منه شرطا أو وسيلة..فهم الذين يصنعون ويحملون التوسل..وبإمكانهم زرعه كفكرة في قلوب الأجيال دون التعرض للدافع أصلا ، هذا الدافع الذي ومن كثرة الدفاع عنه وإبرازه كفكرة مقدسة أو جائزة مُدافع عنها ستوضع في قفص الإتهام وسيُشار إليها كمُنكر لدى العامّة..
من تلك الظواهر وقفت علي رأيا وسطا أسيقه كالتالي:
1-أن قوله تعالي"وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان"..هو قول كاف لاختصار طريق الدعاء وعدم التكلف.
2-ضرورة الحضّ علي حُبّ الأولياء وتدارس سيَرهم لزرع القدوة أمام الأبناء..خاصة أننا شعوب بحاجة ماسّة إلي إظهار قدوات تتسم باللين والزُهد والحبّ والمقامات الربّانية والعِرفان.
3-يتميز الصوفيون بإنكار ذواتهم وتنمية اجتماعياتهم..فالتصوف –كفكرة- تغرس لديهم الإيثار والزُهد..وهاتين القيمتين كافيتان لبناء مجتمع ناجح مترابط.
4-يتميز السلفيون بغيرتهم علي العقيدة..ولكن من الغيرة ما قتل والتكلف يودي إلي المهالك.
5-أري أن علي الطرف المحارب للتوسل عليه بناء ذاته وإنسانيته بعيدا عن فكرة الوصاية علي الآخر التي تستحوذ علي عقله، إضافة إلي إظهارها للاقتداء بها ظهورا لا رياء فيه ومُفعم بالإخلاص والربانية..
6-ضرورة الحِفاظ علي الآثار الإسلامية ومن بينها قبور الأولياء ومقاماتهم..فأي أمة تفرّط في آثارها ينقطع الحبل بينها وبين ماضيها..
-أخيرا لا أري في قضية التوسل حاجة للزهد عن الخوض فيها..وكأنها قضية تراث إسلامي مختلف عليها بين الفقهاء..وإلا لن نُراوح أمكنتنا وسنظل في دائرة الخلاف تتسع وتضيق حسب مستوي العِلم وجُهد العلماء..من الضروري بل من الواجب النظر إليها برؤية أكثر عصرية مما قُرئ عنها في الكُتب...
إذا كان الجميع يسعي –بطريقته- لتحصيل مرضاة الله إذا فحين اختلافهم حول الأشياء فخلافهم ينبع من تصورهم لها..وبالتالي لا صورة واحدة يجتمع عليها الفُرقاء وإلا سينتفي تعدد المصاديق،حينها وجب بحثهم عن أصول الخِلاف –لتوحيد الصورة- ومحاولة حلّه طمعا في نيل الحقيقة المُطلقة..فالعائق الذي يمنع البحث عن أصول الخِلاف هو نفسه من اعتقد في رأيه وفِعلهِ الحق، والإنسان بفِطرته باحث عن الحقيقة ومع ذلك ليس هو الحقيقة..فلا من حارب التوسل مُحقا ولا من دافع عنه كان ناجيا..
أحاول أن أستجمع تلك الصورة للرجل الذي يقف متمسحا بالمشهد داعيا بجاه الولي وقد يستغيث بذات الولي، فالصورة المُنطبعة في ذهنه لرجل صالح له مقام عظيم عند الله، فكان تصرفه وكأنه يعتقد بالواسطة بينه وبين الله أن اشفع لي يامولانا عند ربي ، إنني مأزوم ومهموم إنني مخطئ عاصي ،هذا الرجل مِسكين ضل طريق الله من أوسع أبوابه"أن ادعوني فإني قريب".. يبحث عن السعادة ولكن قلة علمه بطريق السعادة حالت بينه وبين تحصيلها بطريق آخر غير هذا الطريق..فهو يعتقد أن السعيد غير مُحتاج وأن الأثرياء هم السعداء، وبحسب منطقه لن نري ثريا يفعل ما يفعله المتوسلون بتلك المشاهد..
صورة أخري لرجل يقف بذات المشهد ويفعل ما فعله الأول..ولكنه يدعو دعوات عِرفانية كي يري الله بقلبه بعدما عجز عن رؤيته بحواسه، فهو يهيم شوقا في حب الله متأسيا بالرجل الصالح صاحب المشهد، يدعو من خير الدنيا والآخرة فهو علي عِلم بما يقول وصورة الرجل الصالح لا تفارق خياله..يري أن ذلك كان مسلكا للسلف وللخلف فلا يشك بما يفعل..هذا رجل صالح ولو اختصر دعائه دون الرجل الصالح لما خسر شيئا ولم يكن لينتقص من صاحب المشهد ولو مثقال ذرّة..فقد تكلّف بدعائه بدليل أنه سعي لمعرفة الله بقلبه ثم تحول الواسطة بينه وبين ربه فكيف يتصل الحبل العِرفاني وبينهما وسيط.
أحاول أن أستجمع تلك الصورة للرجل الذي يقف متمسحا بالمشهد داعيا بجاه الولي وقد يستغيث بذات الولي، فالصورة المُنطبعة في ذهنه لرجل صالح له مقام عظيم عند الله، فكان تصرفه وكأنه يعتقد بالواسطة بينه وبين الله أن اشفع لي يامولانا عند ربي ، إنني مأزوم ومهموم إنني مخطئ عاصي ،هذا الرجل مِسكين ضل طريق الله من أوسع أبوابه"أن ادعوني فإني قريب".. يبحث عن السعادة ولكن قلة علمه بطريق السعادة حالت بينه وبين تحصيلها بطريق آخر غير هذا الطريق..فهو يعتقد أن السعيد غير مُحتاج وأن الأثرياء هم السعداء، وبحسب منطقه لن نري ثريا يفعل ما يفعله المتوسلون بتلك المشاهد..
اقتباس :
صورة أخري لرجل يقف بذات المشهد ويفعل ما فعله الأول..ولكنه يدعو دعوات عِرفانية كي يري الله بقلبه بعدما عجز عن رؤيته بحواسه، فهو يهيم شوقا في حب الله متأسيا بالرجل الصالح صاحب المشهد، يدعو من خير الدنيا والآخرة فهو علي عِلم بما يقول وصورة الرجل الصالح لا تفارق خياله..يري أن ذلك كان مسلكا للسلف وللخلف فلا يشك بما يفعل..هذا رجل صالح ولو اختصر دعائه دون الرجل الصالح لما خسر شيئا ولم يكن لينتقص من صاحب المشهد ولو مثقال ذرّة..فقد تكلّف بدعائه بدليل أنه سعي لمعرفة الله بقلبه ثم تحول الواسطة بينه وبين ربه فكيف يتصل الحبل العِرفاني وبينهما وسيط
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اولاً حياك الله معنا
الموضوع شيق جداً وعلى ما يبدو أنك من مصر فمرحبا بك
لي التفاته للآن وصلت بقراءة موضوعك الى الأقتباسين أعلاه
سؤال : أوليس الله عز وجل يقول وابتغوا الي الوسيلة ..!؟
فما تعني الوسيلة حسب وجهة نظرك ايها الفاضل ..!؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اولاً حياك الله معنا
الموضوع شيق جداً وعلى ما يبدو أنك من مصر فمرحبا بك
لي التفاته للآن وصلت بقراءة موضوعك الى الأقتباسين أعلاه
سؤال : أوليس الله عز وجل يقول وابتغوا الي الوسيلة ..!؟
فما تعني الوسيلة حسب وجهة نظرك ايها الفاضل ..!؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أهلا وسهلا أختنا الفاضلة الروح..
لم أتعمق بعد في المعنى ، وربما أبحث فيها بشكل أكثر من جانبي التخصص والعِرفان ،ولكن تصوري طرحته في الموضوع على شكل شذرات قابلة للتجميع كأفكار مترابطة..ولكن مبدأيا لست ضد التوسل ولكن أيضا لست معه ولي فكرة شخصية عنه أحاول صياغتها وطرحها قدر استطاعتي.
وعلي النقيض من رواد ذلك المشهد أري رجلين أحدهما غار علي دين الله عِلما بعدما عَلم أن هذا السلوك كان فِعل الأولين من الكَفرة والمشركين ولكن عدم تمكنهم من أنفسهم وضبطهم لعلومهم انداحت لهم -وورثتهم -المسألة باعتقاد النفع والضرر من دون الله، فلا يجلس في المكان إلا وأنكر علي من فَعل..فكان تصرفه شهوة ساعة وكأنها غايته في الدنيا –أن يمنع- ومن أجل ذلك وُجد،فيُهمل نفسه بجهله للولاية وأصحابها الأتقياء الأنقياء الذين وصفهم ربهم بأنهم لاتتجافي جنوبهم عن المضاجع ويدعون ربهم خوفا وطمعا، ولو فعل لعَرف معني المنع الذي قام، أن لا منع إلا بعِرفان وأن شهوته قد تحول بينه وبين إصلاح ما ظن أنه فاسد..
القضية لديه بحاجة إلي ضبط نفسي وعقلي يقيمان الدين في النفس قبل البحث عنه في ذوات وأفعال الآخرين، وتلك هي الحكمة أن أصلح نفسك قبل أن تصلح الآخرين وإلا شاب فِعلك فسادا من حيث أردت الإصلاح، وتُصبح وحشا من كثرة مقاتلتك للوحوش..وما عِبته عليهم بعدم الضبط والتمكن وقعت فيه يامسكين، فرأوك جافيا مجافيا..غليظا فجا فانعقدت لديهم الآمال في غيرك وصِرت شر من يُمثل قضية وأتاها من حيث لا يعلم..
بينما الآخر كان لديه المنع.."نزعويا"..فهو جاهل بسلوك السلف والخلف..ولديه رأي واحد أن هذا شِرك عظيم وأصحابه ليسوا بشرا خطائين ولكنهم فاعلين متعمدين..رافضا للحوار مُقلدا عظيما لسلفه الأولين الذي ظن بجهله أنهم سلف الأمة المختارين..فقادته نزعته إلي التقوّل علي الولي الصالح بعلم أو بدون فوقع في الإثم العظيم أن انتقص من أولياء الله وقام علي هدم القدوة في أذهان من رجاها وسعي إليها..هؤلاء في الأًصل ليسوا مخلصين فعبادتهم لله -يسعون إليها- رهبة وخوفا دون الطمع والرغبة وإلا انعكس ذلك علي سلوكهم وصاروا كمثل الأول الذي قام بالمنع علما وفهما للقضية وللموضوع ، أن نواجههم في مهدهم قبل أن نراهم مشركين..
الفارق بين الأول والثاني هو نفسه الفارق بين البناء والهدم..فالثاني أقرب إلي الهدم منه إلي البناء، ولكن الأول ليس ببعيدعن الهدم فقد يهدم نفسه دون أن يدري، والإثنان علي قاعدة معرفية ليست متينة..فعبادتهم لربهم تجاوزت المعرفة بالله بأن عبدوا ربهم-بظنهم- خوفا وطمعا دون سلوك الحُبّ أن يُحبّوا الله فهو الواحد الذي يستحق العبادة والأهلية، فيُحبونه ومن فرط حبهم ينسون الخوف والطمع ولو أنهم في قرارة أنفسهم راجين خائفين،فيتوجهون بقلوبهم في رحابه ويضعون عن أنفسهم الوهم وهوى النفس ولا يقعون أسرى لتلبيس الشيطان عليهم.. فيعرفون معني العبادة ، وأن تنعكس عبادتهم علي سلوكهم فتتهذب ملكاتهم، وتخفق قلوبهم لمن يُحب الله ولو بطريق ليس كطريقهم..
وعلي النقيض من رواد ذلك المشهد أري رجلين أحدهما غار علي دين الله عِلما بعدما عَلم أن هذا السلوك كان فِعل الأولين من الكَفرة والمشركين ولكن عدم تمكنهم من أنفسهم وضبطهم لعلومهم انداحت لهم -وورثتهم -المسألة باعتقاد النفع والضرر من دون الله، فلا يجلس في المكان إلا وأنكر علي من فَعل..فكان تصرفه شهوة ساعة وكأنها غايته في الدنيا –أن يمنع- ومن أجل ذلك وُجد،فيُهمل نفسه بجهله للولاية وأصحابها الأتقياء الأنقياء الذين وصفهم ربهم بأنهم لاتتجافي جنوبهم عن المضاجع ويدعون ربهم خوفا وطمعا، ولو فعل لعَرف معني المنع الذي قام، أن لا منع إلا بعِرفان وأن شهوته قد تحول بينه وبين إصلاح ما ظن أنه فاسد..
القضية لديه بحاجة إلي ضبط نفسي وعقلي يقيمان الدين في النفس قبل البحث عنه في ذوات وأفعال الآخرين، وتلك هي الحكمة أن أصلح نفسك قبل أن تصلح الآخرين وإلا شاب فِعلك فسادا من حيث أردت الإصلاح، وتُصبح وحشا من كثرة مقاتلتك للوحوش..وما عِبته عليهم بعدم الضبط والتمكن وقعت فيه يامسكين، فرأوك جافيا مجافيا..غليظا فجا فانعقدت لديهم الآمال في غيرك وصِرت شر من يُمثل قضية وأتاها من حيث لا يعلم..
بينما الآخر كان لديه المنع.."نزعويا"..فهو جاهل بسلوك السلف والخلف..ولديه رأي واحد أن هذا شِرك عظيم وأصحابه ليسوا بشرا خطائين ولكنهم فاعلين متعمدين..رافضا للحوار مُقلدا عظيما لسلفه الأولين الذي ظن بجهله أنهم سلف الأمة المختارين..فقادته نزعته إلي التقوّل علي الولي الصالح بعلم أو بدون فوقع في الإثم العظيم أن انتقص من أولياء الله وقام علي هدم القدوة في أذهان من رجاها وسعي إليها..هؤلاء في الأًصل ليسوا مخلصين فعبادتهم لله -يسعون إليها- رهبة وخوفا دون الطمع والرغبة وإلا انعكس ذلك علي سلوكهم وصاروا كمثل الأول الذي قام بالمنع علما وفهما للقضية وللموضوع ، أن نواجههم في مهدهم قبل أن نراهم مشركين..
الفارق بين الأول والثاني هو نفسه الفارق بين البناء والهدم..فالثاني أقرب إلي الهدم منه إلي البناء، ولكن الأول ليس ببعيدعن الهدم فقد يهدم نفسه دون أن يدري، والإثنان علي قاعدة معرفية ليست متينة..فعبادتهم لربهم تجاوزت المعرفة بالله بأن عبدوا ربهم-بظنهم- خوفا وطمعا دون سلوك الحُبّ أن يُحبّوا الله فهو الواحد الذي يستحق العبادة والأهلية، فيُحبونه ومن فرط حبهم ينسون الخوف والطمع ولو أنهم في قرارة أنفسهم راجين خائفين،فيتوجهون بقلوبهم في رحابه ويضعون عن أنفسهم الوهم وهوى النفس ولا يقعون أسرى لتلبيس الشيطان عليهم.. فيعرفون معني العبادة ، وأن تنعكس عبادتهم علي سلوكهم فتتهذب ملكاتهم، وتخفق قلوبهم لمن يُحب الله ولو بطريق ليس كطريقهم..
تصور الوهابية أنّ بعض الآيات القرآنيّة تمنع من التوسل
وتعتبره شركاً ومن جملتها هذه الآية حيث قوله سبحانه: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)
التي تحكي لسان حال مشركي الجاهلية حول ما يعبدون
مثل الملائكة وغيرها والقرآن يعتبر هذا الكلام شركاً
وفي آية أخرى يقول عزّ وجلّ: (فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)
ويقول سبحانه في آية أخرى: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْء)
توهم الوهابية وتصوروا أنّ هذه الآيات تنفي التوسل بأولياء الله
وإضافة إلى هذا لديهم بحث آخر وهو أنه على فرض أنّ التوسل بالرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)
حال حياته جائز وفقاً لبعض الروايات لكن لا دليل على جوازه بعد مماته هذا خلاصة ما يدّعونه
ببساطة ..
سأكمل القراءة
الكثير ممن يعتدون بالتوسل كسلوك يقرأون قولة تعالي"إني قريب"..بحقيقة بُعد العبد عن ربه وبذلك فلا تعارض بين الآية وحقيقة التوسل الذي يُفترض فيه بأن تلك العلاقة لن تقوى إلا بوسيط..وفي هذا نُظُر..فحقيقة العبادة لله في الأمر الصريح"أعبدوا الله"..ولم يُشرك رب العزة هذا الأمر بمخلوق حتى يبدو أنه كوسيط..فهو أمر مباشر وقد تكرر في عديد الآيات التي نفت الوسيط بين العبد وربّه..
لماذا أقول هذا الكلام....لأن المتوسل في الغالب ينطلق من قاعدة العصيان أو البُعد ليسلك مسلك التوسل كي يكون أكثر قُربا لخالقه..وهذا الفِعل وإن بدا نزيها إلا أنه قد يجلب بعضا من التواكل والكسل فيظن العبد أن العلاقة بينه وبين ربّه متعلقة بفلان أو عِلان، وكأن باب الله لن يُفتح إلا في أوقات معينة ،وبهذا جعل العبد عبادته لربه من جانب دون جانب.. حقيقة لست من هواة التعقيد ولا أحسب نفسي إلا طارحا لأفكاري بسلاسة ويُسر، وتلك العبادة من ذلك الجانب قد تتعارض حقيقة مع هدى الله لعباده التي ربطها الله في أكثر مواضع القرآن بالتقوى وبالتالي فلا حاجة للعبد إلى وسيط..
يقول تعالي"ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"..فالقرآن هداية ولكن لمن؟..هو هداية للمتقين..والتقوى محلها القلب، وللمتقين صفات في القرآن خصَها الله لعباده الصالحين كالإيمان بالغيب وهو أشمل ومنه تأتي سائر العبادات..، فيكفي العبد تدارس ملكاته وتهذيبها عن المعاصي وإقامته لدين الله –كما فهمه-في نفسه كي يكون ممن هدى الله ، ولا تقوى حقيقة إلا بإرادة السلوك..ومنه يأتي الربط بين هدى الله وإرادة العبد....فمن يجعل فكرة الوسيط واجبة كمن قطع العلاقة بين الهُدى والتقى واشترط علي نفسه- بتكلف-طرفا ثالثا قد يحرمه من التدبر الذي لا يحتاج إلى متخصصين..تكفي الفطرة.
استكمالا للفكرة الإصلاحية التهذيبية أود العروج على قضية هدم الأضرحة، ولكن كالعادة سننظر إليها بإيجاز بعيدا عن حُكمها الشرعي الذي وكما ساغ الخلاف في أمر التوسل فمن الطبيعي أن يسوغ في هذه القضية الخِلاف بين علماء المسلمين ، إذا فالخوض في غُمار هذا الحكم من الناحيتين الفقهية والعقدية سيودي بنا إلى ظلمات التكلف والتعسير حتما..أما الإسلام فهو سهل وبسيط وتلخص فكرته الإصلاحية –التوفيقية- في البناء لا الهدم..في إيجاد البدائل قبل التفكر في مآلات المشاهد..وكأننا ننظر للمسألة بطريقة تصور مختلفة تنتقل رحابها من إنسان لإنسان يرى في تلك المشاهد ظُلمة ونورا..جهلا وعلما..تقوى وضلال..جنة ونار.
لذا كانت الحاجة لنا للنظر للمسألة من زاوية أخرى أكثر رحابة وواقعية..ولم أجد أكثر من الناحيتين الثقافية والإجتماعية..فلننظر إلى الحالة الإجتماعية أولا وربما نعرج للحالة الثقافية في وقت آخر..تعيين الحالة الإجتماعية لقضية هدم الأضرحة لابد وأن تكون استثنائية كي تخضع لجميع معايير الحالة الإجتماعية للظرف الإستثنائي، وبما أن هذا الظرف سيُنتج حِراكا قد يؤدي إلى صدام بين فئتين فجاز لنا القول بأن هذا الظرف الإستثنائي قابل للدحض كفكرة وحال مخالف للواقع الإفتراضي- الغير صدامي..
من زاوية أخرى فإنه ليس كل صدام سيؤدي إلى التنوير كما يزعم بعض فلاسفة الفكر الديالكتيكيين...فالصدام في بعض الحالات يُورث ضغائن وأحقاد تتوارثها الأجيال..هذه الموروثات لن تُزال بغير التوعية ونشر العلم..لذا كان من الأصلح في هذه الحالة أن تُستبدل الفكرة إلى حالة توعوية تؤدي إلى التنوير الحقيقي الخالي من نزعات الصدام ذات الخلفيات الدينية..فالتنوير هنا له أصل روحي يُميّز بين علاقة الله والإنسان وبين علاقة الإنسان بنفسه، فالعلاقة الأولى قِيَمية أخلاقية لوجود غاية عظمى يسعى لها الإنسان لتحصيل الأجر..والعلاقة الثانية منفعية بحتة..مادية لو خَلَت من أي فكرة إلهية فهي خالية من الأخلاق بالتبعية.
لذا كان كل من يجور على العلاقة الأولى لصالح الثانية فهو مفسد لا محالة، ويتساوى في ذلك كل من اتبع شخصا دون غيره في ذات المسألة وبين من جعل نفس الشخص إلها..فالتنوع واجب وقصد العلم من تتبع الخِلاف وليس الجزم بعدميته، ولكن ليس معنى وجود الضرر أو المفسدة أن يكون عدم منفعة..هنا كانت الحالة أشبه بالحالة الإفتراضية الأولى-الغير صدامية- التي خالفها الظرف الإستثنائي القابل للدحض..خُلاصته في فساد التحرك الأول الذي صنع الظرف الإستثنائي المعروف لدينا بهدم الأضرحة..وهذا إثبات واضح من ناحية عقلانية واجتماعية موجزة..بأن القائم على الفكرة وتنفيذها هو مُفسد في الأرض ومخالف لشريعة الله الإصلاحية بين بني البشر.