صحابي يتعامل بالربا و عائشة تبطل جهاده مع رسول الله ص بسند صحيح
بتاريخ : 01-05-2012 الساعة : 08:41 PM
صحابي مشهور يتعامل بالربا و عائشة تبطل جهاده مع الرسول ص و بالسند الصحيح
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي وسلم وبارك على محمد و آل محمد المطهرين المعصومين و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والاخرين ..
نستعرض في هذه البحث عن كبيرة من الكبائر ذكر في كتب القوم انه أرتكبها أحد الصحابة المشهورين و الذين ملأ ذكره الآفاق الا وهو الصحابي " زيد بن أرقم " و يبين هذه الحديث الآتي عرضه فعل هذه الصحابي الغني عن التعريف بعد وفاة النبي الأكرم - وسلم- ونزول آية التحريم بكبيرة من الكبائر المحرمة قطعا بالكتاب و السنة إلا وهي جريمة الربا .
يقول الله تعالى : ((الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا و أحل الله البيع و حرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف و أمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خلدون يمحق الله الربا و يربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم ))
سورة البقرة / 257، وهذه نص عام يشمل تحريم كل أنواع الربا .
و قال جابر رضي الله عنه : (( لعن رسول الله -صلى الله عليه و آله وسلم- آكل الربا و موكله و كاتبه و شاهديه و قال هم سواء ))
رواه مسلم / كتاب المساقاة : باب لعن آكل الربا و موكله 22/19 و رقم الحديث 1598 .
و عن أبي هريرة عن النبي – وسلم- قال : (( اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا يا رسول الله وما هن ، قال : الشرك بالله و السحر و قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق و أكل الربا ... )) متفق عليه .
و الموبقات : المهلكات .
يقول محمد علي الصابوني الأستاذ في كلية الشريعة و الدراسات الإسلامية بمكة المكرمة ، في كتابه المدرس في كليات الشريعة الإسلامية : تفسير آيات الأحكام من القرآن : دار الكتب العلمية بيروت: الجزء الأول : صـ 273 :
(( ثم أخبر الله تعالى بأن من جاءته الموعضة والذكرى فانتهى عما كان قبل التحريم ، فإن الله عز وجل يعفو ويغفر له ، ولا يؤاخذه عما أخذ من الربا ، وأما من تعامل بالربا بعد نهي الله عنه فإنه يستوجب العقوبة الشديدة بالخلود في نار جهنم لاستحلاله ما حرمه الله )) اهـ .
و يقول الصابوني في صـ 275 : (( قوله تعالى " و الله لا يحب كل كفار أثيم " ، صيغة كفار (فعال) و صيغة أثيم (فعيل) كلاهما من صيغ المبالغة ومعناهما كثير الكفر و الإثم وفي الآية تغليظ لأمر الربا و إيذان بأنه فعل الكفار لا من فعل المسلمين )) .
و غيرها من النصوص المؤكدة على شدة التحريم ، فعمل هذه الصحابي و غيره يؤكد على بطلان نظرية عدالة الصحابة التي يقدسها القوم !!
على أن هذه البحث لا يختص في هذه المسألة فقد طفحت كتب العلماء في دحض هذه النظرية الباطلة عقلا و نقلا ، بل يتناول شهادة عائشة زوج النبي صل الله عليه واله وسلم و الصحابة ادرى بحالهم من غيرهم !!
التي تؤيد ما نرمي إليه وهو أن العبرة ليس بسيرة حياة الشخص مهما كانت ناصعة و مليئة بالمآثر و المناقب ، بل بخواتيم الأعمال ، فالكل يعلم عن أكفر خلق الله و هو إبليس عليه اللعنة ، كيف كانت منزلته قبل كفره حتى لقب بطاووس الملائكة وهو الذي كان يعبد الله في السماء مع الملائكة الكرام و لكن رغم كل ذلك لم يشفع له كل عمله عندما خالف أمر الله تعالى و أستكبر فبطل كل ما عمله وكان من الكافرين .
و الآن نستعرض الرواية لنتدارسها سنداً و متناً :
1- روى غندر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل أنها قالت:
(( دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم وامرأته على عائشة رضي الله عنها فقالت أم ولد زيد بن أرقم: إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم فقالت لها: بئس ما شريت, وبئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم: أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا أن يتوب ))
رواه الإمام أحمد وسعيد بن منصور .
ويعلق : والظاهر أنها لا تقول مثل هذا التغليظ وتقدم عليه إلا بتوقيف سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجرى مجرى روايتها ذلك عنه .
- و قال أبو حنيفة ومالك وأحمد(1): لا يجوز هذا البيع، لما روى غندر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل أنها قالت: دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم وامرأته على عائشة - رضي الله عنها - فقالت أم ولد زيد بن أرقم: إني بعت غلاماًَ من زيد بن أرقم بثمانمائة در هم إلى عطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم فقالت لها:بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم: أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يتوب" ، ولأن ذلك ذريعة إلى الربا، وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" (2) وهذا وعيد يدل على التحريم.
1)) المبسوط 11/111، منح الجليل 5/102، المعني 4/127.
(2) رواه أبو داود وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة [ جزء 1 - صفحة 42،برقم11 ] .
3- المغني : كتاب البيوع :
ما روى غندر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل أنها قالت: دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم وامرأته على عائشة رضي الله عنها فقالت أم ولد زيد بن أرقم: إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم فقالت لها: بئس ما شريت, وبئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم: أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا أن يتوب ))
رواه الإمام أحمد وسعيد بن منصور .
4ـ وقالت العالية بنت أَيفع بن شرحبيل: دخلت أَنا وأم ولد زيد بن أَرقم وامرأته على عائشة _ رضي اللّه عنها _ فقالت أم ولد زيد بن أَرقم: إني بعت غلاماً من زيد بن أَرقم بثمانمائة درهم نسيئة، ثم اشتريته بستمائة درهم نقداً. فقالت: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أَبلغي زيد بن أَرقم، أَنه قد أَبطل جهاده مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلا أَن يتوب)).
أَخرجه مالك، والدارقطني : سنن الدارقطني (3 / 52).
وتعليق العظيم آبادي على الحديث (3 / 52): وقال ابن الجوزي: قالوا: العالية امرأة مجهولة لا يحتج بها ولا يقبل خبرها. قلنا: بل هي امرأة معروفة جليلة القدر، ذكرها ابن سعد في "الطبقات"، فقال: العالية بنت أيفع بن شرحبيل امرأة أبي إسحاق السبيعي سمعت من عائشة.
و هذه طريق ثاني للرواية :
5- صـ 549 : الجزء الاول : المحلى بالآثار » كتاب البيوع » مسألة من باع سلعة بثمن مسمى
من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن امرأته , ومن طريق يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت أيفع بن شرحبيل , ثم اتفقا عنها قالت: ((دخلنا على عائشة أم المؤمنين , وأم ولد لزيد بن أرقم فقالت أم ولد زيد بن أرقم : إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة إلى العطاء واشتريته بستمائة ؟ فقالت عائشة : أبلغي زيدا أنك قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب , بئسما اشتريت وبئسما شريت ؟ قالت : أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي ؟ قالت" فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف" )) .
6 – و أستدل بهذه الحديث السيد سابق في تحريم بيع العينة ، وفي هذه الرواية إضافة إلى أن العملية لم تقتصر على ربا العينة بل أيضا ربا النسيئة ، يقول السيد سابق في كتابه المشهور – فقه السنة - : المجلد الثالث : صـ 287 :
(( بيع العينة نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه ربا ، وإن كان في صورة بيع وشراء ذلك أن الإنسان المحتاج إلى نقود يشتري سلعة بثمن معين إلى أجل ثم يبيعها ممن اشتراها منه بثمن حال أقل فيكون الفرق هو فائدة المبلغ الذي أخذه عاجلاً ، وهذه البيع حرام و يقع باطلاً . روى ان عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا ضن الناس بالدينار و الدرهم و تبايعوا بالعِينة واتبعوا أذناب البقرو تركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم " ، أخرجه أحمد و ابو داود و الطبراني و ابن قطان و صححه ، وقال الحافظ ابن حجر : رجاله ثقات ، و قالت العالية بنت أيفع بن شرحبيل : " دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم وامرأته على عائشة رضي الله عنها فقالت أم ولد زيد بن أرقم: إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة ثم اشتريته بستمائة درهم نقداً فقالت لها: بئس ما شريت, وبئس ما اشتريت - إلا أن يتوب. أخرجه مالك و الدارقطني . )) انتهى .
و الآن نستعرض سند الرواية و رواتها:
1- سند الرواية : رواية غندر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل .
1- غندر :
قال الذهبي فِي " تذكرة الحفاظ " (ج3/ص961-964) :
- غندر الحافظ المتقن المجود أبو عبد الله مُحمد بن جعفر الهذلِي، مولاهم، أبو عبد الله البصري، المعروف بـ: غندر، صاحب الكرابيس، وكان ربيبَ شُعْبَةَ بْنِ الحجَّاجِ أَبِي بسطام الواسطي ، أمير المؤمنين فِي الحديث .
- قال الإمام أحْمَد بن حنبل: سَمِعْت غُندرًا يقول: لزمت شعبة عشرين سنةً لَم أكتب من أحدٍ غـيره شيئًا ، وكنت إذا كتبت عنه عرضته عليه .
قال أحمد: أحسبه من بلادته كان يفعل هذا !
- سُئل ابنُ مَعِينٍ عن غندر فقال: كان من أصح الناس كتابًا، وأراد بعضُهم أن يخطئه فلم يقدر عليه - كأنَّه يريد بذلك ثبته - ألقى إلينا ذات يوم جرابا من جرب الطيالسة وأحاديث ابن عيينة .
فقال: اجهدوا أن تخرجوا فيه خطأ .
فما وجدنا فيه شيئا، وكان يصوم منذ خمسين سنة يوما ويوما لا .
- وقال علي بن المديني: هو أحب إلَيَّ من عبد الرحمن فِي شعبة .
وقال أيضًا: قال عبد الرحمن بن مهدي: كنا نستفيد من كتب غندر فِي حياة شعبة .
- وقال أبو حاتم الرازي، عن مُحمد بن أبان البلخي: قال عبد الرحمن بن مهدي: غندر فِي شعبة أثبتُ منِّي!!
وقال أحمد من منصور المروزي، عن سلمة بن سليمان: قال عبدالله بن المبارك: إذا اختلف الناس فِي حديث شعبة فكتاب غندر حكم بينهم .
-وقال ابن أبي حاتم: سألت أبِي عن غندر؟
فقال: كان صدوقًا وكان مؤديًا، وفِي حديث شعبة ثقةً .
-وذكره أبو حاتم ابن حِبَّانَ فِي كتاب " الثقات "، وقال: كان من خيار عباد الله على غفلةٍ فيه !!
-وقال أبو قلابة الرقاشي، عن عبيد الله بن محمد العيشي: حدثنا بكر بن كلثوم السلمي، - قال أبو قلابة: وهو جدي أبو أمي - قال: قدم علينا ابن جُريج البصرة فاجتمع النَّاس عليه، فحدَّث عن الحسن البصري بِحديثٍ فأنكره النَّاس عليه، فقال: ما تنكرون عليَّ فيه، لزمت عطاء عشرين سنةً رُبَّما حدَّثني عنه الرجل بالشَّيء الَّذي لَم أسمعه منه.
و غندر من رجال مسلم : كتاب البداية والنهاية، الجزء 5، صفحة 127 .
2- شعبة :
-سفيان الثوري : شعبة أمير المؤمنين في الحديث
-قال الشافعي لولا شعبة لما عرف الحديث بالعراق قال أبو بكر البكراوي ما رأيت أحدا أعبد لله من شعبة لقد عبد الله حتى جف جلده على عظمه واسود
-وقال حمزة بن زياد الطوسي سمعت شعبة وكان ألثغ قد يبس جلده من العبادة يقول لو حدثتكم عن ثقة ما حدثتكم عن ثلاثة .
-قال عمر بن هارون كان شعبة يصوم الدهر
-وقال أبو قطن ما رأيت شعبة قد ركع الا ظننت أنه نسي ولا سجد الا قلت نسي
- قال يحيى القطان كان شعبة رقيقا يعطي السائل ما أمكنه قال أبو قطن وكانت ثيابه لونها كالتراب وكان كثير الصلاة
-قال الحاكم في ترجمة شعبة رأى أنس بن مالك وعمرو بن سلمة وسمع من أربع مائة من التابعين
- والذي يطالع ترجمة شعبة وسفيان يجد العلماء مختلفين في تفضيل أحدهما على الآخر؛ منهم من يفضل شعبة، ومنهم يفضل سفيان الثوري؛ لكن في الغالب أنهما إذا ذكرا فتجد أن ذكرهما متساوٍ، فهما قريبان لبعضهما من بعض، ولذلك التفضيل فيه شيء من الصعوبة .
وقد مر بنا قول ابن ابي حاتم : وقال ابن أبي حاتم: سألت أبِي عن غندر؟
فقال: كان صدوقًا وكان مؤديًا، وفِي حديث شعبة ثقةً وهذه الرواية عن طريق شعبة و هذه زيادة في الوثاقة كما يعلم .
3- أبي إسحاق السبيعي :
أبو إسحاق السبيعي إمام ثقة مشهور متفق على ثقته وعدالته وإتقانه وعلى الاحتجاج بحديثه ولم يطعن في عدالته وثقته وأمانته أحد .
وهذا مجمع عليه بين أهل السنة كما سيأتي مزيد بيان لذلك .
وإنما تكلم في أبي إسحاق من ناحيتين:
الناحية الأولى: التدليس .
وهذه الناحية سيكون الكلام عنها في الأوجه التالية .
الناحية الثانية: اختلاط أبي إسحاق السبيعي .
وإنما ذكرت هذه الناحية إتماماً للفائدة ولكيلا يأتي متحذلق فيعل رواية أبي إسحاق بهذه العلة الواهية .
وخلاصة الجواب على هذه الناحية هو ما قاله الحافظ الذهبي في الميزان(3/270) :
عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي من أئمة التابعين بالكوفة وأثباتهم إلا أنه شاخ ونسى ولم يختلط وقد سمع منه سفيان بن عيينة وقد تغير قليلا وقال أبو حاتم ثقة يشبه الزهري في الكثرة .
وقال الذهبي-أيضاً- في كتاب المغني في الضعفاء(2/486) : (عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي ثقة نبيل شاخ ونسي لم يضعفه أحد وسمع منه ابن عيينة وقد تغير شيئاً) .
وقال الحافظ العلائي في كتاب المختلطين(ص/94) ولم يعتبر أحد من الأئمة ما ذكر من اختلاط أبي إسحاق احتجوا به مطلقا وذلك يدل على أنه لم يختلط في شيء من حديثه كما تقدم في عبد الملك بن عمير فهو أيضا من القسم الأول)
والقسم الأول عند العلائي هو : (من لم يوجب ذلك له ضعفا أصلا ولم يحط من مرتبته إما لقصر مدة الاختلاط وقلته كسفيان بن عيينة وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه وهما من أئمة الإسلام المتفق عليهم وإما لأنه لم يرو شيئا حال اختلاطه فسلم حديثه من الوهم كجرير بن حازم وعفان بن مسلم ونحوهما) .
الوجه الثاني: أبو إسحاق مكثر من التدليس ولكن ما هو التدليس الذي أكثر منه أبو إسحاق ؟
التدليس يطلق عند المتقدمين على حالتين :
الحالة الأولى: رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه ، أو لقيه ولم يسمع منه بصيغة تحتمل السماع كَـ"عن" وَ "قال" ونحوهما .
وبعض العلماء يسميه إرسالاً وبعضهم يسميه : "المرسل الخفي" .
الحالة الثانية: رواية الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه موهماً أنه سمع منه بصيغة تحتمل السماع كَـ"عن" وَ "قال" ونحوهما .
فالحالة الأولى-وهي الإرسال- أكثر منها أبو إسحاق فروى عن عدد من الصحابة وكثير من التابعيين ممن عاصرهم أو لقيهم ولم يسمع منهم .
والحالة الثانية فلم يكن أبو إسحاق مكثراً منها .
ولم أجد أحداً من علماء الحديث المتقدمين وصف أبا إسحاق بالإكثار من التدليس بالمعنى الثاني .
بل وجدت خلاف ذلك :
قال يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ(2/637) :
(وحديث سفيان وأبي إسحاق والأعمش ما لم يعلم أنه مدلس يقوم مقام الحجة) .
وهذا من الإمام يعقوب الفسوي دليل على أن أبا إسحاق لم يكن مكثراً من التدليس
بدلالة قول الإمام علي بن المديني لما سأله يعقوب بن شيبة عن الرجل يدلس أيكون حجة فيما لم يقل حدثنا ؟ قال الإمام علي بن المديني: "إذا كان الغالب عليه التدليس فلا ، حتى يقول حدثنا )
الكفاية للخطيب البغدادي : ص400
وانظر ما قاله ابن حزم في الإحكام(1/131-132) .
قال الأعمش: كان أصحاب ابن مسعود إذا رأوا أبا إسحاق قالوا: هذا عمرو القارئ الذي لا يلتفت.
قال مغيرة: كنتُ إذا رأيتُ أبا إسحاق ذكرت به الضرب الأول.
قال جرير بن عبد الحميد: كان يقال: من جالس أبا إسحاق فقد جالس عليّا - رضي الله عنه -.
قال شعبة عن أبي إسحاق قال: شهدت عند شريح في وصية فأجاز شهادتي وحدي.
قيل لشعبة: أَسَمِعَ أبو إسحاق من مجاهد؟ قال: وما كان يسمع به؟ هو أحسن حديثًا من مجاهد ومن الحسن وابن سيرين.
وقال علي بن المديني: حفظ العلم على الأمة ستة: فلأهل الكوفة أبو إسحاق والأعمش ولأهل البصرة قتادة ويحيى بن أبي كثير ولأهل المدينة الزهري. ولأهل مكة عمرو بن دينار.
قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: أبو إسحاق ثقة.
قال النسائي: ثقة.
قال العجلي: كوفي تابعي ثقة.
قال أبو حاتم: ثقة وهو أحفظ من أبي إسحاق الشيباني ويُشبه الزهري في كثرة الرواية في الرجال.
قال أحمد بن عبدة: سمعت أبا داود الطيالسي يقول: وجدنا الحديث عند أربعة: الزهري، وقتادة، وأبو إسحاق والأعمش وكان قتادة أعلمهم بالاختلاف والزهري أعلمهم بالإسناد وأبو إسحاق أعلمهم بحديث علي وابن مسعود، وكان عند الأعمش من كل هذا.
قال الذهبي: الهمداني الكوفي الحافظ شيخ الكوفة وعالمها ومحدثها، وقال: وكان - رحمه الله - من العلماء العاملين ومن جلة التابعين، وقال: وكان طلابة للعلم كبير القدر. المراجع:
- سير أعلام النبلاء.
- تهذيب التهذيب.
- تقريب التهذيب.
4- العالية بنت أيفع بن شرحبيل :
- قال العظيم آبادي تعليقاً على الحديث في سنن الدارقطني (3 / 52):
وقال ابن الجوزي: قالوا: العالية امرأة مجهولة لا يحتج بها ولا يقبل خبرها. قلنا: بل هي امرأة معروفة جليلة القدر، ذكرها ابن سعد في "الطبقات"، فقال: العالية بنت أيفع بن شرحبيل امرأة أبي إسحاق السبيعي سمعت من عائشة.
- و ذكرها ابن حبان في الثقات :
(4886)العالية بنت أيفع والدة يونس بن أبى إسحاق تروى عن عائشة روى عنها ابنها يونس بن أبى إسحاق السبيعي .
-و ترجم لها ابن سعد في الطبقات الكبرى :
العالية بنت أيفع بن شراحيل امرأة أبي إسحاق السبيعي دخلت على عائشة وسألتها وسمعت منها أخبرنا يحيى بن عباد حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت أيفع بن شراحيل أنها حجت مع أم محبة فدخلتا على عائشة رضى الله تعالى عنها أم المؤمنين فسلمتا عليها وسألتاها وسمعتا منها قالت ورأيت على عائشة درعا موردا وخمارا جيشانيا فلما أردن الخروج قالت لهن حرام على امرأة منكن أن تصغي لزوجها .
إذا فالرواية صحيحة السند من رواية غندر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن أمرأته عالية بنت أيفع بن شرحبيل .
ومن طريق يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت أيفع بن شرحبيل لما مر في قول ابن حبان في الثقات و ابن سعد في الطبقات عن رواية يونس عن أمه العالية وقال الفضل بن زياد في يونس بن أبي اسحاق: قلت لأبي عبد الله : من أحب إليك يونس أو إسرائيل في أبي إسحاق ؟ قال : يونس ، قال عبد الرحمن بن مهدي : لم يكن به بأس . وقال أبو حاتم : صدوق وقال النسائي : ليس به بأس ، و الطريق الأول للرواية به الكفاية في التصحيح.
و نستعرض الآن دلالات متن الرواية :
1- الذي أردناه من إيراد هذه الرواية ليس فقط إثبات ارتكاب هذه الصحابي الغني عن التعريف لهذه الكبيرة و التي نزل القرآن في تحريمها أربع مرات ، يقول الصابوني في كتابه : تفسير آيات الأحكام من القرآن ج1 ص 276 – 277 :
(( و لقد مر تحريم الربا بأربعة أدوار كما حدث مع تحريم الخمر و ذلك تمشياً مع قاعدة التدرج )) ثم أخذ في ذكر الآيات وتبيين دلالاتها ، و العبرة من ذلك فعل هذه الصحابي لهذه الكبيرة رغم آيات التحريم و الأحاديث القاطعة المشددة في تحريمها وفعله هذه كان بعد وفاة النبي الأعظم وسلم ، فلا عذر له في فعله ذلك ، و هذه أحدى المخالفات التي لا تحصر في مخالفتهم للنص للتأكيد على بطلان نظرية عدالة الصحابة ، و العبرة بالخواتيم و كم من إنسان حسنت حياته في أوائل عمره ثم تبدلت وساءت سيرته و سلوكه و حبطت أعماله الصالحة التي أتى بها في أوائل عمره أو أواسطه يقول سبحانه :
(( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصوتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعملكم )) سورة الحجرات :2 ،
و القرآن يحدث عمن أوتي آيات الله في مقتبل عمره ولكنه ساءت سيرته في الفترة الأخيرة من عمره فصار من الغاوين ويقول : ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان و كان من الغاوين ) الاعراف :175 .
2- و على ضوء ذلك فما مر يدل على أن الآيات التي تثني على فئات من الصحابة لا يحتج بها على صلاحهم إذا ثبت بالأدلة القطعية انحرافهم عن الطريق المهيع و اقترافهم للمعاصي و الكبائر و محاربتهم الحق و الحقيقة .
3- شهادة عائشة على زيد بن أرقم بقولها : ((أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب )) لدليل أكيد وشهادة منها على ما مر بنا أن أفعال الصحابة من المعاصي و الآثام و مخالفة أوامر الرسول وسلم ، مبطلة لجهادهم ومناقبهم في السابق بشهادتها بمخالفتهم للنص و في قولها كفاية للرد على المتشدقين بأفعالهم و هذه إن صحت في صدر الإسلام .
ونختم برواية للبخاري تدل على أن الملاك للنجاة هو خواتيم الأعمال :
أخرج البخاري عن سهل : أن رجلاً من أعظم المسلمين غناءً عن المسلمين في غزوة غزاها النبي وسلم ، فنظر النبي و سلم فقال : (( من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا ، فاتبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين حتى جرح ، فاستعجل الموت فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه ، فأقبل الرجل إلى النبي وسلم مسرعاً ، فقال أشهد أنك رسول الله ، فقال : (( وما ذاك )) ، قال : قلت لفلان : (( من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه)) و كان من أعظمنا غناء عن المسلمين فعرفت أنه لا يموت على ذلك فلما جرح عجل استعجل الموت فقتل نفسه ، فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم عند ذلك : (( إن العبد ليعمل عمل أهل النار و إنه من أهل الجنة و يعمل عمل أهل الجنة و إنه من أهل النار و إنما الأعمال بالخواتيم )) .صحيح البخاري : 4/ 233 ، كتاب القدر ، الباب 5 ، الحديث 6607 ، سنن الترمذي 4 : كتاب القدر : الباب 5 ، الحديث 2137 .