|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 81994
|
الإنتساب : Apr 2015
|
المشاركات : 1,288
|
بمعدل : 0.37 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى العقائد والتواجد الشيعي
رد على إشكالات بعض الوهابية على اية التطهير
بتاريخ : 22-08-2015 الساعة : 07:18 PM
رد على إشكالات بعض الوهابية على الآيةبطلان استدلال الشيعة بحديث الكساء على إمامة عليّ وعصمة آل البيت ومن الأدلّة التي يستدلون بها على الإمامة: آية التطهير، وآية التطهير هي قوله تبارك وتعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) (الأحزاب:33).
يقولون: إنّ أهل البيت هم: عليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين؛ بدلالة حديث الكساء.
حديث الكساء: ترويه أُمّ المؤمنين عائشة التي يزعمون أنّها تبغض آل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذا الحديث يخرجه الإمام مسلم، الذي يزعمون أنّه يكتم أحاديث في فضائل آل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
عائشة تروي: أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) جاءه عليّ فأدخله في عباءته - أي: في كسائه - ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاءه الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم جلّلهم - أي: غطّاهم - صلوات الله وسلامه عليه بالكساء، ثم قال: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، اللّهمّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً)، فقالوا: هذا الحديث يفسر الآية، وهي قول الله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )).
ثم الاستدلال الآخر: وهو أنّ إذهاب الرجس والتطهير أي (يعني) العصمة، فيكونون بذلك معصومين، ويكون عليّ رضي الله عنه معصوماً، وكذا الحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين، فإذا كان الأمر كذلك فهم إذاً أوّلى بالإمامة من غيرهم، ثم أخرجوا فاطمة رضي الله عنها، وقالوا: إنّ الإمامة في عليّ والحسن والحسين، ثم في أولاد الحسين، كما هو معلوم عند الكثيرين.
هذه الآية، هل هي فعلاً في عليّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أو في غيرهم؟
اقرؤوا ما قبل هذه الآية، تدبّروا القرآن، فنحن لا نريد أكثر من ذلك، أفليس الله تبارك وتعالى يقول: (( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَم عَلَى قُلُوبٍ أَقفَالُهَا )) (محمد:24)؟ ويقول: (( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلافاً كَثِيراً )) (النساء:82)؟ إنّ هذا الخطاب من الله جلّ وعلا ليس متوجّهاً فقط إلى أُناس معنيين هم الذين يحقّ لهم أن يتدبّروا القرآن، بل إنّ الله تعالى يطلب من جميع المسلمين - بل ومن غير المسلمين - أن يتدبّروا القرآن، ويتعرّفوا على الله جلّ وعلا من خلال هذا القرآن؛ فإنّهم إذا قرؤوا القرآن وتدبّروه وعرفوه حقّ المعرفة وعرفوا قدره ومكانته لن يجدوا بُدّاً من الانصياع إليه واتّباعه والإقرار بكماله وحسن رصّه، وغير ذلك من الأمور.
كذلك الأمر هنا، نحن لا نريد منكم أكثر من أن تتدبّروا القرآن - أنا أعنيكم يا عوام الشيعة - دعوا علماءكم جانباً، ارجعوا إلى كتاب ربّكم جلّ وعلا واقرؤوه، وافتحوا هذا القرآن الكريم، على سورة الأحزاب، فعندما نفتح الآن على سورة الأحزاب في الجزء الثاني والعشرين، سنجد أنّ الله تبارك وتعالى يقول: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلمُحسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجراً عَظِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَف لَهَا العَذَابُ ضِعفَينِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَن يَقنُت مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعمَل صَالِحاً نُؤتِهَا أَجرَهَا مَرَّتَينِ وَأَعتَدنَا لَهَا رِزقاً كَرِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَعرُوفاً * وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً * وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً )) (الأحزاب:28-34).
نجد أنّ كلّ الآيات متناسقة، آيات في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يقول الله: (( يَا نسَاءَ النبيّ )), (( وَقَرنَ في بيوتكنَّ وَلا تَبَرَّجنَ ))، ثم قال: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً * وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ ))، فنجد الآيات في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فكيف لأحد أن يدّعي بعد ذلك أنّ هذه الآية، بل هذا المقطع من الآية - لأنّ قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) ليست آية إنّما هي جزء من آية (( وَقَرنَ في بيوتكنَّ ))، تلكم الآية - فكيف تقبلون في كلام الله جلّ وعلا أن يكون الخطاب لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا ))، ثم يقول: (( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ))... (( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَعرُوفاً * وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ))، يا عليّ.. يا فاطمة.. يا حسين! ثم يعود مرّة ثانية: (( وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ ))؟
ما الذي أدخل عليّاً والحسن الحسين وفاطمة في خطاب موجّه لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
ما مناسبة هذه الفقرة بين هذه الآيات؟ لا توجد مناسبة.
ماذا علينا أن نفعل؟ هل نطعن في كلام الله، أو نطعن في الذين فهموا هذا الفهم وادّعوا دعوى غير صحيحة؛ لأنّ قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ))؟
نقول: هذه دعوى باطلة، فهذه في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لذلك كان مجاهد رحمه الله تعالى - مجاهد بن جبر - يقول: ((هي في نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومن شاء باهلته)) - أي في هذه الآية- .
- من هم آل بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
القصد، هذه الآية هي في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وحديث الكساء لعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، وبهذا نجمع بين الأمرين: أنّ عليّاً وفاطمة، والحسن والحسين من آل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بدليل حديث الكساء، وأزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من آل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والدليل الآيات المذكورة سابقاً.
وغيرهم يدخل أيضاً في آل بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كـالفضل بن العبّاس، والمطّلب بن ربيعة بن الحارث ابن عم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ وذلك لأنّه لمّا منعهما من الزكاة أن يكونا عاملين عليها وقال: (إنّها لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمّد)..
ويدخل كذلك في آل بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): آل جعفر، وآل عقيل، وآل العبّاس، بحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه وأرضاه.
فَقَصر هذه الآية على عليّ والحسن والحسين وفاطمة، لا يستقيم معه نص الآية، ولذلك نقول: إنّ هذا القول مردود.
- حلّ إشكال ورد شبهة:
هنا إشكال وهو: إذا كان الأمر كذلك؛ وهي في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فما مفهوم: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ )) ولم يقل: عنكنّ؟ وهذا هو الذي يدندنون عليه!
لماذا قال: (عنكم)، ولم يقل: عنكن؟ وهذه قد ذكر أهل العلم لها معان كثيرة، منها:
أوّلاً - وهو أصح هذه الأقوال -: إنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) داخل معهنّ، وذلك أنّ الخطاب كان للنساء، ثم لمّا تكلّم على البيت دخل سيّد البيت، وهو: محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإذا دخل صلوات الله وسلامه عليه مع النساء في الخطاب، فطبيعي جداً أن تُلغى نون النسوة وتأتي بدلها ميم الجمع: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ))، أي: يا نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومعكنّ سيدكنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وتصحّ أيضاً لِما قال الله تبارك وتعالى عن إمرأة إبراهيم: (( رَحمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيكُم أَهلَ البَيتِ )) (هود:73) وهي إمرأة إبراهيم، لم جاء بميم الجمع هنا: (عليكم) ولم يقل: (عليكنّ)، ولا (عليك) أيضاً؟ وإنّما (عليكم) يريد أهل البيت، يريد مراعاة اللفظ، واللفظ: (أهل).
وعلى كلّ حال؛ إنّ نون النسوة هنا لم يؤت بها؛ لأنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) دخل معهنّ.
- عدم دلالة آية التطهير على عصمة آل بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم):
كذلك بالنسبة للتطهير، الله سبحانه يريد أن يذهب الرجس، ويريد أن يطهّر سبحانه وتعالى، فهل هم مطهّرون خلقة، أو يريد الله الآن أن يطهّرهم؟
القوم يدّعون أنّهم مطهّرون خلقة - أي: خلقوا مطهّرون - فإذا كانوا خلقوا مطهّرين فما معنى قوله سبحانه وتعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ )) بعد أوامر ونواه؟ قال: يريد أن يذهب عنكم الرجس - أي: طهّركم وأذهب عنكم الرجس -؟
إذاً: ما معنى حديث الكساء، وهو: (أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) جلّلهم بالكساء، ثم قال: اللّهمّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً)، لماذا يدعو؟ وبماذا يدعو.. بإذهاب الرجس الذي هو أصلاً ذاهب عنهم؛ لأنّهم مطهّرون خلقة؟! فكيف النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يطلب من الله أن يذهب عنهم الرجس؟ تحصيل حاصل لا ينبغي أن يكون من رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
إذاً هذه الآية لا تدلّ على العصمة، كيف تدلّ على العصمة وعليّ رضي الله عنه يقول: (وإنّي لست في نفسي بفوق أن أُخطئ، ولا آمن من أن يقع منّي ذلك)، يقول ذلك في الكافي الجزء الثامن صفحة (293)؟
ويقول للحسن ابنه: (ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم)، وهذا في نهج البلاغة صفحة (576).. وقال له أيضاً: (فاعلم أنّك إنّما تخبط خبط العشواء، وتتورّط الظناء)، وهذا في نهج البلاغة صفحة (577).. وقال له كذلك: (فإن أشكل عليك من ذلك - يعني أمر - فاحمله على جهالتك به، فإنّك أوّل ما خلقت جاهلاً ثم علمت، وما أكثر ما تجهل من الأمر، ويتحيّر فيه رأيك، ويضلّ فيه بصرك)، وهذا في نهج البلاغة صفحة (578).
وهذا من يسمّونه بـ((الشهيد الثاني)): زين الدين بن علي العاملي، يقول: ((فإنّ كثيراً منهم ما كانوا يعتقدون بعصمتهم لخفائها عليهم، بل كانوا يعتقدون أنّهم علماء أبرار))، وهذا في حقائق الإيمان صفحة: (151).
- معنى الرجس:
يقول الله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ ))، ما هو الرجس؟
الرجس: قال أهل اللغة: هو القذر.. الذنب.. الإثم.. الفسق.. الشك..الشرك.. الشيطان، كلّ هذا يدخل في مسمّى الرجس.
وردت كلمة الرجس في القرآن في مواضع عدّة، فقد وردت في قول الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ )) (المائدة:90).
وقال تعالى: (( كَذَلِكَ يَجعَلُ اللَّهُ الرِّجسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ )) (الأنعام:125).
وقال سبحانه وتعالى: (( قُل لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيتَةً أَو دَماً مَسفُوحاً أَو لَحمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجسٌ أَو فِسقاً أُهِلَّ لِغَيرِ اللَّهِ بِهِ )) (الأنعام:145).
وكذلك يقول سبحانه وتعالى على الكفار من اليهود: (( قَالَ قَد وَقَعَ عَلَيكُم مِن رَبِّكُم رِجسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسمَاءٍ سَمَّيتُمُوهَا أَنتُم وَآبَاؤُكُم مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِنَ المُنتَظِرِينَ )) (الأعراف:71).
ويقول تعالى: (( سَيَحلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُم إِذَا انقَلَبتُم إِلَيهِم لِتُعرِضُوا عَنهُم فَأَعرِضُوا عَنهُم إِنَّهُم رِجسٌ )) (التوبة:95).
وجاءت آيات أُخرى تبيّن معنى الرجس، وهو: الإثم.. الذنب.. القذر..الشك.. الشيطان.. الشرك، وما شابهها من المعاني؛ ولذلك جاء عن جعفر الصادق رضي الله عنه ورحمه، أنّه قال: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ ))، قال: هو الشك, وقال الباقر: (الرجس: هو الشك، والله).
الجواب:
هذه الشبهات المطروحة ليست جديدة، وقد تقوّلها عثمان الخميس في كتاب (حقبة من التاريخ) منذ سنين، ونحن نجيب عليها بالإضافة إلى ما أُجيب عنها سابقاً:
ما ذنب الشيعة والأحاديث الصحيحة صريحة في هذا المعنى المتنازع عليه، بأنّ أهل البيت هم: عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، بالإضافة إلى سيد البيت النبيّ المصطفى(صلّى الله عليه وآله وسلّم)!
فهذه رواية عائشة في مسلم(1) التي حكت فعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأصحاب الكساء(عليهم السلام) ثم تلاوته لآية التطهير من سورة الأحزاب، تعاضدها النصوص الصحيحة التي رواها أئمّة السنن والآثار، حين نقلوا قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبطرق مختلفة: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي) حين جلّلهم بالكساء، وحين قرأ آية التطهير عليهم خاصّة..
وهذا اللفظ منه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يفيد الحصر وتعيين المذكورين فقط بأنّّهم أهل البيت دون غيرهم. وقد نصَّ العلماء بأنّ تعريف الجزءين (هؤلاء، أهل بيتي)يفيد الحصر(2).
وقد صرّح جمع من علماء أهل السُنّة بهذا المعنى أيضاً، أيّ: بأنّ المراد بأهل البيت هم: أصحاب الكساء(عليهم السلام) دون غيرهم، وفي هذا يقول الحاكم النيسابوري في كتابه، بعد أن ذكر جملة من الأخبار والروايات الصحيحة على شرط الشيخين، الصريحة في أنّ أهل البيت هم خصوص أصحاب الكساء(عليهم السلام) فقط، وأنّهم أيضاً المرادون بمصطلح: (آل محمّد)، دون غيرهم، قال بعد إيراده لحديث كيفية الصلاة على أهل البيت: ((وإنّما خرّجته ليعلم المستفيد أنّ أهل البيت والآل جميعاً هم))(3).
وفي هذا المعنى أيضاً يقول الآلوسي صاحب التفسير: ((وأخبار إدخاله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليّاً وفاطمة وابنيهما(رضي الله تعالى عنهم)، تحت الكساء، وقوله عليه الصلاة والسلام: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي) ودعائه لهم، وعدم إدخال أُمّ سلمة أكثر من أن تحصى، وهي مخصّصة لعموم أهل البيت بأيّ معنى كان البيت، فالمراد بهم: من شملهم الكساء، ولا يدخل فيهم أزواجه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) )) (4).
وأمّا الجواب على الاحتجاج بوحدة السياق، وأنّ هذه الآية الكريمة وردت ضمن آيات جاءت تتحدّث عن نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فيكون المراد بأنّهنّ المقصودات بهذه الآية الكريمة، بالإضافة إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لمحلّ التذكير في الضمائر (عنكم)، الذي يستفاد منه الشمول للذكر والأنثى..
فنقول: إنَّ من الضروري للاستدلال بوحدة السياق لهذه الآيات، بل وللاستدلال بها في كلّ آيات القرآن الكريم إثبات نزول الآيات المستدلّ بها دفعة واحدة، وفي مناسبة واحدة، ليكون بعضها قرينة على بعضها الآخر، وأمّا احتمال تعدّد الكلام في مناسبات مختلفة، فهو ينسف الاستدلال بوحدة السياق، ولا يمكن إثبات المدّعى في هذا المقام وفي كلّ مقام..
ومن المعلوم أنّ ترتيب الآيات القرآنية في المصحف الشريف لم يكن بحسب التسلسل الزمني لنزولها، فرُبّ آية مدنية وضعت بين آيات مكّية وبالعكس..، وهذا الأمر يمكن ملاحظته بأدنى مراجعة لأسباب نزول الآيات التي ذكرها العلماء في الكتب الخاصّة بهذا الشأن.
وفي مقامنا: من العسير جداً إثبات نزول آية التطهير (وهي الآية 33 من سورة الأحزاب) مع الآيات الواردة في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل هناك من الأدلة ما يشير إلى نزول آية التطهير قبل آيات نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
قال السيوطي: ((أخرج ابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: لمّا دخل عليّ(رضي الله عنه) بفاطمة رضي الله عنها جاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أربعين صباحاً إلى بابها يقول: (السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، الصلاة رحمكم الله، (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )), أنا حرب لما حاربتم، وأنا سلم لمن سالمتم) ))(5).
فإذا علمنا أنّ زواج فاطمة(عليها السلام) من عليّ(عليه السلام)كان بعد رجوع النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة، كما يروي ذلك أبو الفرج الأصفهاني(6)، أو على رأس اثنين وعشرين شهراً من الهجرة، بحسب رواية الطبري عن الواقدي(7)..
وعلمنا أيضاً أنّ نزول الآيات المرتبطة بنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان بعد زواج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمجموعة منهنّ، بل ذهب بعض المفسّرين إلى كونهنّ تسعة عند نزول هذه الآيات(8)، ولم يختلف أحد في وجود (حفصة) آنذاك، وأنّها من جملة النساء اللآتي خيّرهنَّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين الدنيا والآخرة.. وقد صرّح الطبري وغيره أنّ زواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حفصة كان في السنة الثالثة من الهجرة قبل الخروج إلى أُحد(9)، أي أنّه متأخّر عن زواج فاطمة(عليها السلام) بما يقارب السنة الواحدة..
فيتبيّن لنا من ملاحظة هذين الأمرين - أي: من تاريخ زواج عليّ من فاطمة(عليهما السلام)، وتاريخ زواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حفصة - أنّه لا يمكن المصير إلى القول بأنّ آية التطهير قد نزلت دفعت واحدة مع آيات نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وهذا الإشكال الوارد على وحدة السياق لهذه الآية مع تلك الآيات إن ثبت على نحو الجزم، فهو مانع من الاستدلال به في المقام، وإن لم يثبت على نحو الجزم، فلا أقل من كونه احتمالاً مانعاً من تمامية الاستدلال بوحدة السياق في المقام.
وأيضاً يوجد هناك أمران آخران يمنعان من الاستدلال بوحدة السياق لهذه الآيات الكريمات:
الأوّل: عدم وحدة الخطاب بينها، أي بين آيات النساء وآية التطهير، فالملاحظ أنّ المولى سبحانه أرجع الإرادة في آيات النساء إليهن لا إليه عزّ وجلّ، إذ قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا... وَإِن كُنتُنَّ تُرِدنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... مَن يَأتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ )) (الأحزاب:28-30)، بينما في آية التطهير كان الخطاب يحكي عن تعلّق الإرادة الإلهية ذاتها بالتطهير وإذهاب الرجس عن أهل البيت(عليهم السلام)، فقد قال تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) (الأحزاب:33).
الثاني: إنّ آيات النساء وردت في سياق الزجر والتحذير، بينما آية التطهير - بالاتّفاق - قد وردت في سياق المدح والتفضيل، وشتّان بين السياقين إذا اعتبرنا أنّ المخاطب في كلا الموردين واحد وليس متعدّداً.
وبشكل عام لكي يتم الاحتجاج بوحدة السياق بين آيات ما، في القرآن الكريم، يحتاج إلى شيئين: الأوّل: الوحدة في النزول، الثاني: الوحدة في الخطاب.. وهما مفقودان في المقام.
وأمّا دعوى أنّ مجاهد بن جبر كان يقول: ((هي في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن شاء باهلته)).. فالصحيح أنّ هذا الرأي هو لعكرمة مولى ابن عبّاس، كان يجاهر به، وينادي به في الأسواق.
وعكرمة معروف بإنحرافه عن أمير المؤمنين(عليه السلام) وأهل بيته؛ لأنّه كان يرى رأي الخوارج، والنصب ظاهر من كلماته وألفاظه في هذه المسألة، وإلاّ.. فأيّ شيء يستدعي إجراء المباهلة لغرض بيان تفسير آية من آيات القرآن، أنّها نزلت في فلان دون فلان سوى النصب والعداء الذي كانت تجاهر به الخوارج تجاه أمير المؤمنين(عليه السلام) خاصّة، وأهل البيت(عليهم السلام) عامّة، وبالذات رأي نجدة الحروري - الذي كان عكرمة يرى رأيه - الذي يُعدّ أشدّ الآراء بغضاً لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، بالإضافة إلى تكفير جميع المسلمين من غير الخوارج.
وقد اشتهر عن عكرمة أيضاً كذبه ووضعه للحديث، لذا وصفه يحيى بن سعيد الأنصاري بأنّه: كذّاب(10)، فمن المعيب، بل من الإجحاف الركون إلى هذا الرأي الصادر عن هذا الكذّاب الناصبي، وترك تلك النصوص الصريحة المستفيضة الصادرة عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في تفسير آية التطهير بالخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام) دون غيرهم..
مع أنّ في قوله - أي عكرمة - دلالة على أنّ المسلمين كافّة كانوا على خلاف في ذلك، ولذلك كان يقول: ((ليس ما تذهبون إليه...)) ثم يطلب المباهلة(11).
وفي دعوى عود ضمير الجمع (( عَنكُمُ.. يُطَهِّرَكُم )) إلى ما يشمل الذكور - النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) - بالإضافة للزوجات، وأنّه جاء على لسان الخطاب مع زوجة إبراهيم(عليه السلام) في قوله تعالى: (( أَتَعجَبِينَ مِن أَمرِ اللَّهِ رَحمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيكُم أَهلَ البَيتِ )) (هود:73).
نقول: إنّ استفهام الملائكة من تعجّب سارة زوجة إبراهيم(عليه السلام) إنّما كان لقرابتها منه(عليه السلام) ولاصطفائها، وهذا المعنى يتطابق مع الواقع الخارجي لسارة - لكونها ابنة عم إبراهيم(عليه السلام) - وأيضاً مع المدلول اللغوي لكلمة (أهل بيت الرجل)، التي نصّ اللغويون على أنّ المراد منها: ذو قرباه ومن يجمعه وإياهم نسب(12) - أي قربى الرجل الذي نسبوا على أنّهم من أهل بيته - ولا شك أنّ الإرتباط مع الرجل بوشيجة النسب أخصّ منه في وشيجة السبب - كالزواج وغيره - ..
على هذا يكون الخطاب في (الآية 73 من سورة هود) شاهداً على أنّ المراد بأهل البيت في (آية التطهير 33 من سورة الأحزاب) هم: المرتبطون بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حيث النسب لا من حيث السبب، كما هو الشأن في سارة زوجة إبراهيم(عليه السلام) المرتبطة بإبراهيم(عليه السلام)، من حيث النسب والسبب معاً لا بالسبب وحده.
ولو سلّم شمول آية التطهير لزوجات النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالإستناد إلى عموم اللفظ..
نقول: قد خُصّص هذا العموم بالأحاديث الصحيحة المتضافرة من السُنّة الشريفة بأنّ المراد بـ (أهل البيت) في الآية الكريمة هم: الخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام) دون غيرهم.. فلا يتم مطلوب المناهض لهذا الرأي على أيّة حال.
وأيضاً الاستدلال بأنّ أهل البيت يشمل آل جعفر وآل عقيل وآل العبّاس - كما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم(13) - لا يعدو أن يكون رأياً لزيد رآه لا يقوى على مناهضة الأحاديث الصحيحة الصريحة الواردة عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، التي فسّرت أهل البيت بالخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام) دون غيرهم.
وهذا الرأي لزيد يمكن الاستدلال به على نفي أنّ المراد بأهل البيت: نساؤه(صلّى الله عليه وآله وسلّم)! فإنّ لزيد بن أرقم في هذه المسألة روايتان، في واحدة منها ينفي أن يكون المراد بأهل بيته: نساؤه، وفي الثانية يثبت فيها أنّ أهل بيته هم: من حرم الصدقة بعده، بالإضافة إلى إثباته بأنّ نساءه من أهل بيته، وقد يبدو التعارض والتناقض بين الروايتين!
ومن هنا قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: ((وأمّا قوله في الرواية الأُخرى: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة. قال: وفي الرواية الأُخرى: فقلنا مَن أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا. فهاتان الروايتان ظاهرهما التناقض، والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنّه قال: نساؤه لسن من أهل بيته، فتتأوّل الرواية الأُولى على أنّ المراد أنهنّ من أهل بيته الذين يساكنونه ويعولهم... ولايدخلن فيمن حرم الصدقة))(14).
فالملاحظ من هذا الشرح أنّ الرواية المعروفة والمشهورة عن زيد أنّ نساءه لسن من أهل بيته, ولكن لورودها في صحيح مسلم على خلاف المعروف والمشهور - كما أشار النووي في شرحه - احتاجت إلى التأويل!
وقد فصل زيد بين أهل البيت بمعنيين: بين من يسكن معه في بيت واحد ويعولهم, وبين من حرم الصدقة بعده, فالمراد بأهل البيت في الحديث - الذي يرويه زيد - هم: مَن حرم الصدقة بعده، وهو المعنى الذي أراد بيانه ونصّ عليه شارح مسلم النووي..
ومن المعلوم أنّ نساءه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا تحرم عليهن الصدقة بالإجماع، إذاً هنَّ لسن المرادات من مفهوم (أهل البيت) الوارد في حديث الثـقلين، وكذلك في آية التطهير، بل في كلّ الأحاديث الواردة في هذا الشأن.
وأمّا التساؤل عن معنى قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) بعد أوامر ونواه: فهو أمر قد تبيّن حاله من الأجوبة السابقة، بأنّ آية التطهير لم يكن نزولها مع آيات النساء والمشتملة على تلك الأوامر والنواهي، وهو الأمر الذي اعتبرناه مؤشراً واضحاً على اختلاف السياقين، وأنّ سياق (آية التطهير) هو سياق المدح والثناء، وهو الذي فهمه كلّ العلماء والمحدّثين، فأوردوا الأحاديث التي وردت فيها هذه الآية بحقّ أهل البيت(عليهم السلام) في باب مناقبهم وفضائلهم.. فتدبّر!
وكذلك الإتيان بلفظة (( يُرِيدُ )) في الآية لا تدلّ على وقوع المراد في المستقبل فقط، إذ يمكن أن يؤتى بصيغة الاستقبال ويراد بها الماضي والحال، كما في قوله تعالى: (( إنَّمَا يريد الشَّيطَان أَن يوقعَ بَينَكم العَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ في الخَمر وَالمَيسر )) (المائدة:91)، مع أنّ الشيطان قد أوقع العداوة في الماضي بسبب الخمر، فلا تدلّ الآية على إرادة الوقوع في المستقبل فقط، مع أنّ اللفظ جاء بصيغة الاستقبال..، وأيضاً قوله تعالى: (( يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم )) (النساء:28), فالإرادة فيه للحال لا للاستقبال مع أنّ الصيغة صيغة استقبال.. وهكذا غيرها من الموارد المذكورة في القرآن الكريم، فراجع!
وكذلك كونه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دعا لهم بإذهاب الرجس والتطهير - كما في بعض نصوص هذه الروايات - لا يدلّ على أنّ الرجس كان ثابتاً عندهم والنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يطلب إذهابه، بل نقول: أنّ لسانه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هنا يجري مجرى قول القائل ((أذهب الله عنكم كلّ مرض)) مع أنّه لم يكن حاصلاً له أيّ مرض.
وما نُقل عن الشهيد الثاني في كتابه (حقائق الإيمان) بخفاء معنى العصمة عن كثير من أصحاب الأئمة(عليهم السلام)(15)، ليس دليلاً على عدم الدليل؛ فقد يخفى فهم الدليل على بعض ويدركه بعض آخر، وإلاّ لما دعا المولى سبحانه إلى التدبّر والتفكّر في آيات الله، وسؤال أهل الذكر، ووصف قوماً بالراسخين في العلم دون غيرهم!
وأمّا قولهم: إنّ عليّاً(عليه السلام) نفى عن نفسه العصمة، كما هو الوارد في (نهج البلاغة) أنّه قال: (وإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن من أن يقع منّي ذلك...).
نقول: هذا النصّ الوارد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في نهج البلاغة فيه استثناء يدلّ على العصمة، ولكن غالب المستشهدين به يقتطعونه لغرض التلبيس على العوام! فقد قال(عليه السلام) بالنص - كما في النسخة المحقّقة والتي علّق عليها الشيخ محمد عبده المصري -: (فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي إلاّ أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به منّي).
قال الشيخ محمد عبده في تعليقته: ((يقول: لا آمن من الخطأ في أفعالي، إلاّ إذا كان يسّرَ الله لنفسي فعلاً هو أشد ملكاً منّي، فقد كفاني الله ذلك الفعل فأكون على أمن من الخطأ فيه))(16).
نقول: فهل كفى الله عزّ وجلّ أمير المؤمنين(عليه السلام) من نفسه ما هو أملك به منه، ويسّر له فعلاً هو أشدّ ملكاً منه ينتصر به على نفسه ويأمن الخطأ في فعله، كما هو مراد الاستثناء في كلامه(عليه السلام) الذي يغض عنه الطرف المغرضون عمداً وتعمية؟!
وفي الجواب، نقول: فليرجع هؤلاء إلى (نهج البلاغة) نفسه الذي استشهدوا بهذه العبارة منه، وليستمعوا إلى أقوال أمير المؤمنين(عليه السلام) في هذا الجانب وليلاحظوا العبارات التي يعبّر بها (عليه السلام) عن نفسه بما يفيد نفس معنى العصمة الذي يقول به الإمامية له(عليه السلام).
قال(عليه السلام): (وإنّي لعلى بيّنة من ربّي، ومنهاج من نبّيي، وإنّي لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطاً)(17).
ويقول(عليه السلام) في كلام له وقد جمع الناس وحضّهم على الجهاد فسكتوا مليّاً: (لقد حملتكم على الطريق الواضح التي لا يهلك عليها إلاّ هالك، من استقام فإلى الجنّة، ومن زلَّ فإلى النار)(18).
ويقول(عليه السلام) في كلام له لبعض أصحابه: (فإن ترتفع عنّا وعنهم محن البلوى، أحملهم من الحقّ على محضه)(19).
ويقول(عليه السلام): (ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنّي لم أردّ على الله ولا على رسوله ساعة قط)(20).
ويقول(عليه السلام) في كلام له ينبه فيه على فضيلته لقبول قوله وأمره ونهيه: (فوالذّي لا إله إلاّ هو أنّي لعلى جادّة الحقّ وإنّهم لعلى مزلّة الباطل)(21).
ويقول(عليه السلام) في خطبته المسمّاة بـ (القاصعة)، التي ذكر فيها قربه من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وملازمته إياه منذ الصغر: (وكان - أيّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) - يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل)(22).
ويقول(عليه السلام) في حقّ أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (انظروا أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم، واتّبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدى، ولا يعيدوكم في ردى، فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، لا تسبقوهم فتضلّوا، ولا تتأخّروا عنهم فتهلكوا)(23).
وهكذا نجد غير هذه الكلمات والنصوص الصادرة عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في (نهج البلاغة)، وهي تدلّ بشكل واضح على عصمته وعصمة أهل بيته الكرام(عليهم السلام).
وأيضاً نقول عن الشبهة الأخرى: بأنّه تحمل أقواله(عليه السلام) في وصيّته لابن الحسن(عليه السلام) على اللسان المعروف في الخطاب: (إيّاك أعني واسمعي يا جارة)؛ وقد ورد هذا الخطاب من الله لنبيّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في موارد كثيرة في القرآن مع الجزم بعصمة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعدم تصوّر اشتماله بالمضمون المخاطب به، كمثل قوله تعالى: (( لَئِن أَشرَكتَ لَيَحبَطنَّ عَمَلُكَ )) (الزمر:65), فإنّنا نجزم بأنَّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يشرك، ولا يمكن أن نتصوّر منه الشرك، وإلاّ لما جعل نبيّاً!
وقد سبق من الله سبحانه أنّ عهد النبوّة أو الإمامة لا يناله ظالم، كما في قوله تعالى: (( لا يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ )) (البقرة:124), والشرك يُعد ظلماً عظيماً؛ لقوله تعالى: (( إِنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظِيمٌ )) (لقمان:13), فإن كان الأمر كذلك فلا يمكن أن تصل النوبة إلى تقليد عهد النبوّة أو الإمامة لرجل سبق في علم الله أنّه سيكون من الظالمين، وإنّما الخطاب المتصور في الآية: (( لَئِن أَشرَكتَ لَيَحبَطنَّ عَمَلُكَ )) إنّما هو للمغيرة وليس له(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد ورد على الطريقة المعروفة التي أشرنا إليها في الخطاب.
وكذلك يفهم كلام أمير المؤمنين(عليه السلام) مع ابنه الحسن(عليه السلام)، بل هكذا ينبغي أن تفهم كلماتهم وأدعيتهم(عليهم السلام) التي يوجد فيها الطلب بالمغفرة للذنوب وما أشبه ذلك، وذلك بعد ثبوت الأدلّة على عصمتهم كآية التطهير، وحديث الثقلين، وحديث السفينة، وأحاديث أخرى صحيحة.
وأمّا ما جاء في بيان كلمة (( الرِّجسَ )) والمراد منها، فإنّنا لم نفهم محلّ التعليق عليه؛ فإنّهم قد ذكروا معاني متعدّدة للرجس بحسب ما جاء في اللغة، فيكون الحال - بهذا اللحاظ - أنّه سبحانه قد أذهب كلّ هذه الأمور التي يشتمل عليها معنى الرجس عن أهل البيت(عليهم السلام)، فما ذكروه هو عليهم لا لهم!
وإنَّ لفظ (( الرِّجسَ )) - الذي هو متعلّق التطهير - قد ورد في الآية مطلقاً محلّى بألف ولام الجنس، فالآية الشريفة إذاً تعلن نفي ماهية الرجس بنحو العام الاستيعابي لكلّ ما هو داخل تحت هذا الاسم عن أهل البيت المذكورين في الآية..
وأوضح منه في إفادة العموم: قوله عزّ وجلّ: (( وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ))، وهذا لا يحصل برفع بعض الأقذار دون بعض، وإنّما يتحقق - أي التطهير - برفع جميع الأقذار ودفعها عن المحلّ.. فالآية تدلّ على نفي عموم الخبائث والنقائص والقبائح عن أهل البيت(عليهم السلام) ظاهراً وباطناً وبجميع المراتب..
وهذا المعنى أيضاً يمكن تحصيله بملاحظة آيات أخرى وردت في القرآن الكريم؛ فعندما نلاحظ قوله تعالى: (( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَتهُم رِجساً إِلَى رِجسِهِم )) (التوبة:125), يتبيّن لنا أنَّ للرجس مراتب، وأنّه من الأمور المتفاوتة - أي: أنّه ليس بمرتبة واحدة - وإلاّ لا تصح الزيادة في الآية الكريمة آنفاً (( فَزَادَتهُم ))!
وكذلك نستفيد أنّ للرجس ظاهر وباطن؛ إذ بحسب تفسير الرجس بالإثم نستفيد دلالة ذلك، كما في قوله تعالى: (( وَذَرُوا ظَاهِرَ الأِثمِ وَبَاطِنَهُ )) (الأنعام:120), وهذا كلّه قد أذهبه الله عزّ وجلّ - بدلالة آية التطهير - عن أهل البيت(عليهم السلام).
وما ذكروه من تفسير الإمام الباقر(عليه السلام) للرجس بالشرك، فإنّنا نفهم هذا التفسير بعد ملاحظة شمول معنى الرجس للذنوب والمعاصي والشكوك، وهو بحسب ما جاء في كلمات أهل اللغة من باب تفسير اللفظ بأبرز مصاديقه، لا أنّه يحصر مفهوم الرجس بهذا المصداق، كيف والقرآن الكريم يعطي هذا المفهوم تلك المصاديق الكثيرة كما هو واضح من الآيات الكريمة التي أوردوا هم بعضها.
ولمزيد الاطلاع على ردود اخرى حول الشبهات الواردة راجع كتاب (رد اباطيل عثمان الخميس) على آية التطهير وحديث الكساء لكاتبه حسن بن عبد الله بن علي .
(1) صحيح مسلم 7: 130 كتاب (فضائل الصحابة) باب (فضائل أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)).
(2) انظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: 560 النوع الثاني والأربعون: قاعدة في التعريف والتنكير.
(3) المستدرك على الصحيحين 3: 148 من مناقب أهل بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(4) تفسير روح المعاني للآلوسي 22: 13 في تفسير قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ...)).
(5) الدرّ المنثور 5: 199 سورة الأحزاب.
(6) مقاتل الطالبيين: 30 (الحسن بن علي).
(7) تاريخ الطبري 2: 177 غزوة السويق.
(8) انظر: السيوطي في الدرّ المنثور 5: 195 في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزوَاجِكَ )).
(9) تاريخ الطبري 2: 186 مقتل أبي رافع اليهودي.
(10) انظر: ترجمة عكرمة في: ميزان الاعتدال للذهبي 3: 93 عكرمة مولى ابن عبّاس، المعارف لابن قتيبة: 455 عكرمة مولى ابن عبّاس.
(11) الدر المنثور 5: 198 قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ...)).
(12) مفردات الراغب
(13) صحيح مسلم 7: 122 باب (فضائل عليّ(رض)).
(14) صحيح مسلم بشرح النووي 15: 180 فضائل عليّ بن أبي طالب(رض).
(15) حقائق الإيمان: 151 الأصل الرابع: التصديق بإمامة الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين.
(16) نهج البلاغة شرح محمد عبده 2: 201 من خطبة له (عليه السلام) بصفّين (216).
(17) نهج البلاغة 1: 189 خطبة (97).
(18) نهج البلاغة 1: 232 خطبة (119).
(19) نهج البلاغة 2: 64 خطبة (162).
(20) نهج البلاغة 2: 171 (197).
(21) نهج البلاغة 2: 172 (197).
(22) نهج البلاغة 2: 157 (192).
(23) نهج البلاغة 1: 189 (96 ).
|
|
|
|
|