|
عضو نشط
|
رقم العضوية : 15246
|
الإنتساب : Dec 2007
|
المشاركات : 205
|
بمعدل : 0.03 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الاقمار
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 12-01-2008 الساعة : 12:47 PM
والان وصلنا الى السؤال ما قبل الأخير ( ما هي نتائج الفتوحات ؟ )
في الحقيقة إن الفتوحات - كما رأيناها عبر الموضوع - كانت حركة ذات عنوان ديني ومضمون توسعي غالبا ، بحيث كان يستهدف أحيانا زيادة رقعة الدولة ومواردها المادية وأحيانا أخرى كان الهدف منها هو التخلص من المشاكل والأزمات الداخلية المحتملة أو الفعلية عن طريق إشغال الناس بـ "الجهاد " والاستشهاد وكذلك التخلص من البعض الذين يشكّلون - أو قد يشكّلون - إزعاجا داخليااً للدولة ..
ولو أردنا استعراض نتائج الفتوحات باختصار على كافة الصعد فيمكننا تلخيصها في ثلاث نقاط أساسية :
1- إنتشار الإسلام أفقيا في العديد من المناطق الجغرافية وبين عدد من الشعوب والقوميات .. وقد حصل هذا الانتشار بأشكال متعدده ..
- إما عن طريق اعتناق السكان الأصليين للإسلام بدوافع شتى ككونه دين الدولة الجديدة - والناس على دين ملوكهم - أو بهدف الإعفاء من الجزية كما حصل مع أهالي خراسان حيث يذكر الطبري أنه " سارع الناس إلى الإسلام ، فقيل للجراح [والي خراسان أيام الحجاج] أن الناس قد سارعوا إلى الإسلام وإنما ذلك نفوراً من الجزية فامتحنهم بالختان" (الطبري 8-134) أو بهدف التخلص من الرق والعبودية بالنسبة للأسرى ، أو بهدف دفع القتل عن أنفسهم أو بهدف التخلص من المعاملة المهينة كما يقول القاضي أبو يوسف مثلاً مفصلاً بعض أحكام أهل الذمة " ينبغي مع هذا أن تختم رقابهم في وقت جباية جزية رؤوسهم حتى يفرغ من عرضهم" .. (الأديان والمذاهب بالعراق لرشيد الخيون - الإسلام والمسيحية) [ ويذكر اليعقوبي أنه كانت تُختم رقاب أهل الذمة وقت جباية جزية الرؤوس ثم تكسر الخواتيم وتستبدل بشارة تُعلّق حول الرقبة يقدمها عامل الجزية دلالة على دفع الجزية.]
- أو عن طريق إسكان " الفاتحين " مكان السكان الأصليين .. كما حصل في الأندلس مثلا .. جاء في كتاب العرب والاسلام في الحوض الغربي للدكتورعمر فروخ ( ص 153 - 152) ما يلي :
أ ) أنزل أهل دمشق في البيرة (مقاطعة غرناطة) - لشبه البيرة بدمشق - وسماها دمشق.
ب) أنزل أهل حمص في إشبيلية - لشبه مقاطعة اشبيلية بحمص - وسمّاها حمص.
ج) أنزل أهل قنّسرين في مقاطعة جيّان وسماها قنّسرين.
د) أنزل أهل الأردن في مقاطعة ريّة (في أُرْشُذونة ومالِقة) وسماها الأردن.
ه) أنزل أهل فلسطين في شذونة (وهي مقاطعة شريش) وسماها فلسطين.
و) أنزل أهل مصر, وكانوا كثاراً, في مكانين : في مقاطعة باجة من جنوب غربي الأندلس, وفي مقاطعة تُدْمير من جنوبي شرقي الأندلس.
وأقطع أبو الخطار أهل الشام, في الأماكن التي أنزلهم فيها, أراضي مما كان يملك عجم الأندلس (الاسبان الذين لم يعتنقوا الاسلام ولا تعلموا العربية ) ثم أعطاهم من أنعام هؤلاء العجم ما يستطيعون أن يعيشوا به.
وبهذه الطريقة "أسلمت" إسبانيا ..
وبنفس الطريقة .. خرجت إسبانيا من الإسلام لاحقا
لقد أدت هذه الطريقة إلى عمليات ردة جماعية تظهر فور ضعف الحكم العربي كما حصل في شمال إفريقيا بعد "الفتح" الأول لها على يد عقبة بن نافع وكما حصل في بلاد ما وراء النهر (جبال الغور) .. راجع ابن خلدون (ج3 - ص9 وص 10) ويقول ابن خلدون أن "البربر ارتدوا بإفريقيا المغرب اثنتي عشرة مرة وزحفوا في كلها للمسلمين " (ج6 ص 103و ص 110) .. وهذه بنظري نتيجة طبيعية جداً لنشر الإسلام بالسيف بدل نشره بالإقناع والجدل كما أمر القرآن الكريم ..
2- توسع الإمبرطورية واكتناز المكاسب المادية :
تدفقت الأموال والغنائم والثروات على الدولة ، وأصبحت الجزية مطاطية القوام تتحرك كي تتلائم مع جشع الخلفاء .. ففي أيام معاوية يحدثنا المقريزي قائلا : كتب معاويه بن أبى سفيان إلى وردان , وكان تولى جمع خراج مصر , أن زد على كل رجل من القبط قيراطا , فكتب إليه وردان : كيف نزيد عليهم وفى عهدهم لا يزاد عليهم شئ , فعزله معاويه !! (فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم ص89)..
لا بل أصبحت الجزية تؤخذ ممن أسلم وممن لم يسلم كما حصل في بلاد الصغد وبخارى .. يقول الطبري (ج 5 ص 397 - ذكر الخبر عما كان من أمر أشرس وأمر أهل سمرقند ومن وليهم في ذلك ) :
" وأشرك أشرس مع هانئ بن هانئ سليمان بن أبى السرى مولى بنى عوانة في الخراج فألح هانئ والعمال في جباية الخراج واستخفوا بعظماء العجم وسلط المجشر عميرة بن سعد على الدهاقين فأقيموا وخرقت ثيابهم وألقيت مناطقهم في أعناقهم وأخذوا الجزية ممن أسلم من الضعفاء فكفرت السغد وبخاري واستجاشوا الترك" .
أما أغرب ما في الأمر فهو أنها - أي الجزية - أصبحت تؤخذ حتى من الأموات أيضاً !! فقد كتب حيان إلى عمر بن عبد العزيز يسأله أن يجعل جزيه موتى القبط على أحيائهم , فسأل عمر عراك بن مالك فقال عراك: " ما سمعت لهم بعهد ولا عقد وإنما أخذوا عنوه بمنزله العبيد " فكتب عمر إلى حيان بن شريح أن يجعل جزيه موتى القبط على أحيائهم !!!! (فتوح مصر وأخبارها لإبن عبد الحكم ص 89)
وأصبح هم الصحابة "الفاتحين" هو اقتسام الأموال ، جاء في فتوح البلدان ( ج 1 ص 256) :
وحدثني الحسين بن الاسود قال : حدثنى يحيى بن آدم عن عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب ، عن من سمع عبد الله بن المغيرة بن أبى بردة قال : سمعت سفيان بن وهب الخولانى يقول : لما افتتحنا مصر بلا عهد قام الزبير بن العوام فقال : يا عمرو ! اقسمها بيننا . [!!!!] فقال عمرو : لا والله ، لا أقسمها حتى أكتب إلى عمر .
وتدفق الرقيق بأنواعه إلى أيدي الصحابة والفاتحين .. وكان مصدر الرقيق في بداية الفتوحات من أسرى الحرب ممن لم يعتنقوا الاسلام ، يقول صاحب كتاب معالم الحضارة العربية : " ونظراً لتوسع الفتوحات العربية, كثر الرقيق المجلوب من البلاد المفتوحة, وشاع استخدامهم. إذ كان الأسرى والسبابا يوزعون على ذوي العلاقة من المحاربين جنداً وقواداً, وأكثر هؤلاء يبيعون ما يزيد عن حاجتهم منهم. فاتسعت معاملات شراء أنواع الرقيق واستجلابها, فصارت تجارة واسعة, كان لها في بغداد سوق خاصة. وعندما انشئت سامراء أقيمت فيها سوق كانت تقع في الشارع الأعظم, وهي مربعة الشكل بها طرق متشعبة وعلى جانبيها الغرف والحوانيت للرقيق أيضاً." (معالم الحضارة العربية لأحمد عبد الباقي ص 50)
ووصل الأمر بالفاتحين – المهتمين للغاية طبعا بنشر الإسلام – إلى طلب الجزية على شكل أطفال ونساء !!!!!! .. يقول البلاذري عن فتح طرابلس:
حدثنى محمد بن سعد عن الواقدي عن شرحبيل بن أبى عون ، عن عبد الله بن هبيرة قال : لما فتح عمرو بن العاصى الاسكندرية سار في جنده يريد المغرب ، حتى قدم برقة ، وهى مدينة أنطابلس . فصالح أهلها على الجزية وهى ثلاثة عشر ألف دينار يبيعون فيها من أبنائهم من أحبوا بيعه !!!!!! (فتوح البلدان ج 1 ص 264)
ويقول في موضع آخر عن فتح برقة : أبو عبيد القاسم بن سلام قال : حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث ابن سعد ، عن يزيد بن أبى حبيب أن عمرو بن العاصى كتب في شرطه على أهل لواتة من البربر من أهل برقة : إن عليكم أن تبيعوا أبناءكم ونساءكم فيما عليكم من الجزية !!!!! (ج 1ص 265)
ويعلق الفقيه السني (الليث) على هذه "الفتوحات" فيقول : لو كانوا عبيدا ما حل ذلك منهم . (المصدر نفسه).
ويشبه عمرو بن العاص فتوحات مصر وما وراءها بالبقرة الحلوب ، حيث يذكر المؤرخون أن عمرو بن العاص عندما إنتهى من قتال الروم أراد عثمان ان يوليه رئيسا عاما لجيش العرب في مصر ويبعده عن جبايه الضرائب ويقيم عبد الله بن سعد على خراجها فقال عمرو "اذا أنا كماسك البقره بقرنيها واخر يحلبها" (المواعظ والاعتبار 1-74)
والطريف أن بعض "الفاتحين" كان يوصي بإمداده بمن تعرف عنه الرغبة في الملذات الدنيوية [ كونها الهدف الفعلي لفتوحاته .. والذي هو طبعاً بمثابة السر المعلن] فقد ذكروا أن حبيب بن مسلم الفهري "كان ذا أثر جميل في فتوح الشام وغزو الروم " وأنه كتب إلى الخليفة عثمان يسأله المدد "فكتب عثمان إلى معاوية يسأله أن يشخص إليه من أهل الشام والجزيرة قوماً ممن يرغب في الجهاد والغنيمة" !!!!!! (فتوح البلدان 1-234)
3- بروز النزعات العنصرية :
وأشير هنا إلى ظهور طبقة الموالي التي يصفها المؤرخون بأنها المسلمون من غير العرب والتي نشأت أساساً من العصبية القومية الهائلة التي طبعت العصر الأموي ، تقول الباحثة الفلسطينية ريدة البرعي : " إلى جانب طبقة المسلمين العرب، ثمة فئة ثانية من الأهالي، هي فئة الموالي، وهم المسلمون من الأعاجم، ومعظمهم من الأراميين والسريان، وهم السكان الأصليين، الذين اعتنقوا الإسلام، وكان دأب هؤلاء أن يلتحقوا ببعض القبائل العربية، عن طريق الولاء، فيعتبرون من أفرادها، ويحتسبون من مواليها، لكن التحاقهم بالعرب، على هذه الصورة، أدى إلى اعتبارهم الطبقة الاجتماعية الدُنيا في البيئة الإسلامية، فامتعضوا لذلك، أشد الامتعاض " (مجلة رؤية 3- 28– فلسطين في العهد الأموي)
ويصف "الخليفة" معاوية هؤلاء الموالي بأنهم "أشباه الناس" !!!!!!!! حيث يقول مبيناً "أنواع" الناس في مصر كما جاء في مروج الذهب : أهل مصر ثلاثة أصناف، فثلث ناس، وثلث يشبه الناس، وثلث لا ناس، فأما الثلث الذين هم الناس فالعرب، والثلث الذين يشبهون الناس فالموالي، والثلث الذين لا ناس المسالمة يعني القبط" (مروج الذهب ص 311)
ومن باب الاستطراد .. يرى الباحثون أن من أهم أسباب تكالب القبائل العربية على ثورة المختار الثقفي هو إنصافها لطبقة الموالي التي بقيت مضطهدة طيلة العصر الأموي والزبيري أيضاً ( يقول السيد محمد حسين فضل الله : وقد أنصف المختار عندما تولّى الحكم، طبقة في المجتمع الإسلامي كانت مضطهدة في عهد الأمويين، واستمر اضطهادها في عهد ابن الزبير، وهي طبقة الموالي (المسلمين من غير العرب)، الذين كانت عليهم واجبات المسلمين ولم تكن لهم حقوقهم، فلما استتبّ الأمر للمختار أنصفهم، فجعل لهم من الحقوق مثل ما لغيرهم من عامة المسلمين. وقد أثار هذا العمل الأشراف وسادة القبائل فتكتّلوا ضد الثورة، وتآمروا عليها .. (بينات - ثورة المختار... امتدادٌ لثورة الحسين(ع) )
وأشير في مجال النزعات العنصرية أيضاً بشكل خاص إلى ما ورد حول نسبة السكان الأصليين في شمال إفريقيا إلى "الفاتحين" آنذاك وكيف جرت عمليات إقصاء أوإلغاء كبير لهم ..
وهناك آثار ونتائج أخرى للفتوحات يطول الحديث في استقصائها الآن .. فأكتفي بهذا المقدار ، على أمل إتمام الموضوع بإذن الله
والحمد لله رب العالمين
|
|
|
|
|