بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾
(الأحزاب/45 ـ 46)
يسعدنا أن نبارك للاُمّة الإسلامية جمعاء ذكـرى
مبعـث خاتم الأنبياء وسيد المرسلين(صلى الله عليه وآله وسلم)
مبتهلين إلى الله تعالى ان يعيد هذه الذكرى البهيجة على المسلمين كافّة بالخير والعز والبركة إنه سميع مجيب. مستلهمين منها الصمود والتضحية في سبيل الحق والفضيلة مقرونة بالإخلاص لله تعالى.
إن هذه الذكرى العطرة تدعونا للوقوف بتأمل عند محطات من سيرته(صلى الله عليه وآله وسلم) في الدعوة إلى الإسلام وتوحيد الله تعالى، لنتأسى بها في جميع مراحل حياتنا ـ خصوصاً مرحلتنا الراهنة المعبأة بالتحديات والتيارات المنحرفة ـ ونستوحي منها الكثير من الدروس والعِبَر…
1ـ استذكار صمود الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) وصبره ورفضه لأية مساومة في سبيل تحمله المسؤولية في الدعوة الى الله تعالى وهداية الامة حتى أطلق(صلى الله عليه وآله وسلم) كلمته المدويّة عبر الأجيال لعمه أبي طالب قائلاً: «يا عمّاه، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته».
2ـ التضحيّة في سبيل المبدأ الحق، وتحمل المشاق من أجل إعلاء كلمة الله تعالى وتبليغ رسالته، فلقد مرّت به8 وبعمه أبي طالب وأهل بيته وبقية بني هاشم ظروف عصيبة يصفها أمير المؤمنين(عليه السلام) بقوله: «فأراد قومنا قتل نبينا، واجتياح أصلنا، وهمّوا بنا الهموم، وفعلوا بنا الأفاعيل، ومنعونا العذب، وأحلسونا الخوف، واضطرونا إلى جبل وعر، وأوقدوا لنا نار الحرب، فعزم الله لنا على الذب عن حوزته، والرمي من وراء حومته»، إلاّ أنها لم توهن عزيمته(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم تثنه عما صمم عليه من المضي قُدُماً في الدعوة إلى الإسلام، وتوحيد الله تعالى.
3ـ الخُلُق الرفيع الذي كان من سماته البارزة في دعوته الشريفة، وما تميزت به حياته الرسالية من الحكمة والموعظة الحسنة، حتى نال مدح القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وإنّك لَعَلى خُلُقٍ عَظيم﴾، وكان هذا دأبه مع اعدائه ومناوئيه فيما يحكي عنهم القرآن الكريم بقوله:﴿ وَمِنْهمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ﴾.
وقد روي عن الإمام علي(عليه السلام) الإشارة إلى مجموعة من فضائله وصفاته بقوله: «كان أجود الناس كفاً، وأجرء الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، ومن رآه بديهة هابه، ومن خالطه فعرفه أحبه، لم أر مثله ولا قبله ولا بعده»(بحار الأنوار:16/283).
4ـ تهجّده وعبادته لربه، فبالرغم مما كان يحمله من هموم الرسالة، وما اكتنفها من ظروف عصيبة، لم يكن يغفل هذا الجانب أو يتهاون فيه، فقد وقف(صلى الله عليه وآله وسلم) في محرابه للصلاة حتى تورّمت قدماه، وفي الحديث عن الإمام زين العابدين(عليه السلام): «إن جدي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يدع الاجتهاد له، وتعبّد حتى انتفخ الساق وورم القدم، وقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً ؟!».
5ـ من كلماته(صلى الله عليه وآله وسلم)المأثورة:
* عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا أُنبئكم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم، وأموالهم، ألا أنبئكم بالمسلم؟ من سلم المسلمون من لسانه ويده. والمهاجر من هجر السيئات، وترك ما حرم الله. والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه، أو يخذله، أو يغتابه، أو يدفعه دفعة».
* عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا أُخبركم بأشبهكم بي؟ قالوا بلى، يارسول الله. قال: أحسنكم خُلُقاً، وألينكم كفاً، وأبرُّكم بقرابته، وأشدكم حباً لإخوانه في دينه، وأصبركم على الحق، وأكظمكم للغيظ، وأحسنكم عفواً، وأشدكم من نفسه إنصافاً في الرضا والغضب».
وفي الختام نرفع أكف الضراعة لله تعالى في أن يوفّقنا جميعاً للسير على نهج رسوله المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام)، والاقتداء بهم في مسيرة الحياة الدنيا وما يحيط بها من مصاعب ومحن. إنه سميع مجيب.