|
مــوقوف
|
رقم العضوية : 22086
|
الإنتساب : Sep 2008
|
المشاركات : 2,407
|
بمعدل : 0.41 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
ما الذي عرفته في الامام الراحل محمد باقر الحكيم ؟
بتاريخ : 28-06-2009 الساعة : 06:40 PM
ما الذي عرفته في الامام الراحل محمد باقر الحكيم ؟
د. سيار الجميل
٢٣/٠٦/٢٠٠٩ الثلاثاء ٠١ -رجب-١٤٣٠ هـ
. سيّار الجميل
مؤرخ عراقي / تورنتو - كندا
لا يمكن لأي انسان له مشاعر واحاسيس وعنده بقية من اخلاق وضمير الا ويصعقه مثل هذا النبأ المخيف بكل ما قد جر من ورائه من نتائج تمس بكل الرموز التي يعتز بها الملايين في هذا العالم .. ناهيكم عن رفض اي انسان متحضر في هذا الوجود لمثل هذا الماراثون العجيب من الهجوم الغادر على البشر وهم يخرجون بعد صلواتهم من مكان طاهر مقدس شريف .. لقد افعمت قلوب العراقيين النجباء بالحزن والاسى ..اولئك الاصلاء من الغيورين على مصالح وطنهم والعاشقين لترابهم والعاملين من اجل مستقبل اجيالهم .. وفجع الجميع باستشهاد رجل عظيم مثل سماحة الامام السيد محمد باقر الحكيم الذي كان من خيرة رجالات العراق العظام وابنائه البررة الكرام ، وبمعيته مجموعة مباركة من تابعيه الذين رووا بدمائهم الزكية تلك الارض الطاهرة .. لقد عمت الاحزان صدور كل الطيبين سواء من الذين عرفوا هذا الرجل عن قرب ام تلك الجموع المليونية التي عرفته عن بعد وعرفوا اهله وال بيته الطيبين في تلك العتبات المقدسة وما كان له من سمعة مجيدة لدى عموم العراقيين والمسلمين . لقد خسر العراق رجلا طيبا وقدوة مباركة دفع حياته كلها ثمنا من اجل العراق وابنائه وكان حتى اللحظة الاخيرة من حياته ينادي بالسلام والوئام وبناء العراق ومستقبل العراق .
اقول وانا الذي عرفته عن بعد وكان من حسن الاقدار ان التقي بهذا الامام الرائع مرتين لقاء عابرا ، فوجدته يحمل كتلة واسعة من الاخلاق سواء في خطابه ام في افعاله .. ومنذ زمن طويل كان السيد محمد باقر الحكيم يستقطب اهتمامنا ، ذلك الاهتمام الذي اعادني مرات ومرات للتفكير في ادواره ومواقفه ومنتجاته من الادبيات العلمية .. لقد اتصف الفقيد بالذكاء والشجاعة والتقوى منذ بدايات الشباب وكانت هذه الميزات قد أهّلته ليكون صديقا للشهيد السيد محمد باقر الصدر منذ اواخر الخمسينيات وحتى استشهاد الاخير في العام 1980 .. كما وكان قد كسب رضا مرجعية والده الامام الشهير .. نعم كانت للرجل مواقفه في المرجعية الدينية للشيعة الاثني عشرية وخصوصا ابان تلك المرحلة الزاهية التي تولى فيها والده العظيم آية الله العظمى الامام السيد محسن ال طباطبائي الحكيم قدوة المرجعية الشيعية العليا في العالم الاسلامي ونجح على مدى اكثر من عشرين سنة ان يطّور جملة من الاليات والتقاليد الاجتماعية من خلال الحوزة العلمية في النجف الاشرف ، ويقّدم متسعا من الاجتهادات الممتازة التي ساهمت حقيقة في اثراء الحياة الدينية المذهبية .. لقد استلهم الراحل محمد باقر الحكيم من الريادة الكبرى لوالده قدرا هائلا من القيم العقلانية والاجتهادية واضفت عليه تجاربه المتنوعة في التحكم مع المعاملات والواقع السياسي في الثلاثين سنة الاخيرة ذخرا من المعرفة وحسن التصرف وخصوصا عندما تعّرض العراق للمزيد من التحديات الداخلية والاقليمية والدولية .
وكانت للراحل افكاره العلمية كما اشتهر بآرائه السياسية والفكرية كالتي اسمعنا اياها في خطاباته ومحاوراته فضلا عن منشوراته في عشرات من كتبه ودراساته ومحاضراته التي قمت بدراستها مؤخرا .. لقد وجدته رجلا حقيقيا يوازن بين الدين والدنيا ، ويقّدم مصالح الامة على مصالحه الخاصة .. احب العراق كمحبته آل البيت العظام وقد علمته السنون وتجارب الايام وتحديات هذا العصر كيف يكون واقعيا ومعتدلا في كل الاطروحات والمعالجات التي تحتاجها بلاد صعبة جدا مثل العراق .. لقد جذبتني اليه مواصفاته وتفكيره قبل اي شيىء آخر وتمنيت على كل رجالات الدين في العالم الاسلامي اليوم ان يكونوا مثله !
انني اقول هذا ولم اكن في يوم من الايام تابعا له او من ضمن هيئته او من مريديه ولا من طلبته او من زملائه ولا من اعضاء منظمته السياسية المعارضة والجميع يعلم انني لست على مذهبه الذي اعتز به شديد الاعتزاز واقدره غاية التقدير وهذا ما لمسته عنده رضوان الله عليه اذ كان يقّدر كل المذاهب والملل حق قدرها ، وهنا تبدو قدراته في التوازنات والمقايسات التي يحتاجها العراق قبل غيره من بلدان العالم الاسلامي .. لقد جذبنتني اليه دراستي المعمقة للاجتهادات الجعفرية الاثني عشرية وكنت اتعمق علميا فيها وبتواريخها وبرموز مرجعياتها العليا ، كما ان لي مقارباتي من ابنائها البررة وصداقاتي لهم ، وكنت دوما اكتشف في الراحل الكبير عالما جميلا من الالتقاءات وتفكيره الذي قال ذات مرة بأنه قد اكتسبه منذ شبابه المبكر كما سمعت منه افكار ممتازة اخرى وخصوصا عند لقائي معه في واحدة من المناسبات وهو يترأس المجلس الاعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية بصفته رئيسا للهيئة العامة لمجمع اهل البيت العالمي، فتعلمت كيف يستوجب على جميعنا وخصوصا نحن العراقيين الذين يراهن خصومنا واعدائنا على انقسامنا والصراع في ما بيننا ، ان نكون يدا واحدة وان يحترم كلانا الاخر وان يتعلم كلانا من الاخر في هذا العصر الذي عانت اجيالنا كلها معا من كوارث عهد اسود نزق حكمه اقسى الطغاة القساة . كان محمد باقر الحكيم رجلا مناضلا حقيقيا وانتظر بايمانه الواسع صابرا محتسبا وعاد بعد قرابة ربع قرن من المنفى الصعب ليقبّل تراب العراق فتحيطه الملايين ثم يرحل سريعا كالبرق في كارثة وفجيعة لها مرارتها وآلامها وسوف لن ينساها تاريخ العراق ابدا !
نعم اعود لأقول : بانه رجل يشبه القديسين تجمعني واياه ارض واحدة وهدف واحد وغايات مشتركة علما بأن فكري ربما لا ينسجم مع آخرين من رجال الدين ولكن سماحة محمد باقر الحكيم كان استاذا ومفكرا وعالما ومناضلا ومتنورا .. هذا الرجل الذي ناضل نضالا ساخنا وجاهد جهادا رائعا لا هوادة فيه وعّرض نفسه واهله وبيته للمخاطر الصعبة يستحق منّا جميعا ان نقف وقفة اجلال واكبار له وللذكرى المؤلمة التي تركها بعد استشهاده الاليم قبل يومين .. وقد امضى من معترك حياته الزاخرة اكثر من اربعين عاما وهو يجاهد في العراق وخارجه من اجل ان يثبت للعالم بأنه كان على حق وان الدكتاتور الهارب وحزبه كانا على ضلالة ! وكنت قد التقيت الرجل منذ سنوات في واحدة من العواصم التي كنت ازورها وكنت حريصا على فهم ما يفكر فيه ، وقد وجدته متواضعا هاشا باشا لا يرغب ابدا في الحديث عن نفسه ، ويخشى على من يحادثه من جواسيس الطاغية اكثر مما يخشى على نفسه !!
لقد بدأت الاهتمام بهذا الرجل وبأفكاره وتابعت نضاله السياسي منذ اكثر من عشرين سنة من دون ان التقي مع توجهات المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق بسبب ما احمله من توجهات مدنية وليست دينية ، ولكنني كنت اتابع بشغف شديد انشطة الامام الراحل الذي تجمعني معه اهداف مشتركة فضلا عن كونه رجل علم وصلاح واخلاق عالية .. ولقد كان نعم الانسان رفيع المثل والقيم السامية والمبادىء العقلانية .. فوجدت لديه اجتهادات رائعة وافكار في التسامح وتحليلات مسهبة في اوضاع العراق المأساوية .. وجدته عراقيا قحا برغم كل ما كان يتهمه به النظام البعثي ومرتزقته في الصحف والشاشات العربية من العمالة لايران .. لقد أثّر في تفكيري وبدأت احترم كل افكاره ، ونتيجة اتساع افق تفكيره لم يكن يمتلك اية حساسيات او عقد نفسية طائفية فضلا عن المرونة الفكرية التي يتحلى بها ويفتقدها الاخرون الذين اتمنى عليهم ان يتعلموا منها ، ويتعلم من تفكيره كل العلماء المعممين في العالم الاسلامي الذين هم بأمس الحاجة اليوم الى التضامن والتسامح والمرونة والاعتدال والعمل المشترك بعيدا عن التعصب والتشنج والهياج والتطرف والهرطقة والارهاب والغباء السياسي .
هذه كلمة عابرة اسجلها من الاعماق للتاريخ في مناسبة فقدان العراق والعراقيين لهذا الرمز الكبير ، وستتلوها بعون الله قريبا جدا ، دراسة تفصيلية كتبتها عنه من ثلاثة اقسام : اولاها عن سيرته الشخصية وثانيها عن ادواره السياسية وثالثها في تحليل ادبياته العلمية والفكرية ، وامتلك اليوم بعض الوثائق المهمة عن الرجل التي تحكي قصته الصعبة مع العراق ايام محنته التاريخية .. رحم الله الفقيد رحمة واسعه واسكنه فسيح جنانه وسيبقى ذكره خالدا مع مرور السنين .
|
التعديل الأخير تم بواسطة najaf_star ; 28-06-2009 الساعة 06:44 PM.
|
|
|
|
|