عضو برونزي
|
رقم العضوية : 42258
|
الإنتساب : Sep 2009
|
المشاركات : 503
|
بمعدل : 0.09 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
التغيير .. مسؤولية من ؟؟
بتاريخ : 14-10-2009 الساعة : 09:17 PM
التغيير .. مسؤولية من ؟
عبد الجبار سبتي
كثيرة هي الاحداث التي مرت على العالم منذ بدأ الخليقة الى الان خصوصا منها تلك التي سجلها التاريخ ونقلها الينا المؤرخين والتي من خلالها يمكن لنا كبشر ان نستقي منها العبرة او ان نتمحص فيها ونخضعها للبحث والدراسة فنستقي منها الفائدة ,يكاد يجمع المؤرخون على ان اول حضارة بشرية تكونت كانت في بلاد ما بين النهرين وان هذه الحضارة او الحضارات كانت شعلة من نور نورت طريق البشرية , لكن واقع الحال اليوم في بلاد ما بين النهرين يدل على واقع بائس يحير في تفسيره العراقيون قبل غيرهم , واقع الحال اليوم في العراق لا يخفى على احد والدمار الذي شهده ويشهده واضح للعيان ,العراقيون من اكثر البشر تفاخرا ببلدهم صاحب الارث الضخم , معلم البشرية الكتابة ,الا ان العراقيين اقل البشر دراسة للتاريخ رغم انهم اكثر البشر قراءة له, يحير العراقيون اليوم في تفسير واقعهم , وهناك الكثير والكثير من الاسئلة المطروحة من قبل الشارع البسيط او من قبل المثقفين والمفكرين , وهو لماذا العراق؟لقد عانى العراق في تاريخه الحديث ومنذ تأسيسه كدولة في ( 1921 ) من الكثير من المشاكل والمصاعب الا ان البلد استطاع التغلب على نسبة لا بأس بها من هذه المشاكل وبدأ في بناء دولته , ولو وضعنا خطا بيانيا لبناء الدولة العراقية الحديثة لوجدنا ان هذا الخط يبدأ في (1921) ويتصاعد الى ان ينتهي في (1958) .
اعلم جيدا ان كلمة ينتهي ستثير حفيظة الكثير منا لان الدولة لم تنتهي لكننا لو عدنا الى اي مقياس او تعريف حديث للدولة الحديثة سنجد ان كلمة ينتهي تعبر عن حقيقة , ولو جردنا انفسنا من العواطف اتجاه انقلاب الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1958 , سنجد ان الانقلاب كان كارثيا على العراق , محولا اياه من بلد فيه الكثير من مقومات الدولة الحديثة ولا اقول كلها الى بلد يحكمه العسكر وتتقاذفه افكار وتيارات راديكالية لا تمتلك القدرة ولا الخبرة ولا الرغبة في تكوين دولة على الطراز الحديث , ورغم سيئات الملكية الا انها كانت تمتلك الكثير من تلك السمات المكونة لدولة المؤسسات .
لم يكن العراقييون في ظل الملكية يمتلكون الوعي اللازم للدفاع عن مملكتهم , بل انهم لم يشعروا يوما ان هذه الدولة تمثلهم ولاسباب عديدة , من ضمنها ضعف الثقافة العامة , والارث الديني الذي ابعد اغلب العراقيين عن الاتصال بالدولة ,ولاسباب اخرى قد تطول فلا مجال لذكرها , حتى اذا نجح الانقلاب وتمت سيطرة العسكر على مقاليد الدولة , قام هؤلاء بالاطاحة بالدولة ككل وليس بالنظام الملكي فحسب وذلك من خلال حل جميع اركان ومؤسسات الدولة , من حكومة وبرلمان , وشكلوا مجلسا عسكريا بدلا منه . لقد لاقى الانقلاب العسكري صدى كبيرا وترحيبا حارا من ابناء الشعب , ولكن الزعيم الشعبي عبد الكريم لم يستطع رغم وطنيته ونزاهته من تأسيس بديل للملكية التي حلت , غير تحويل العراق من مملكة الى جمهورية , لكن هذه الجمهورية لم يكن لديها دستور كما كان للملكية ولم يكن لها برلمان او حكومة كما كان معمول فيه في زمن الملكية . كانت جمهورية بالاسم فقط تعتمد في الاساس على شخص واحد . ورغم ما تمتع به الزعيم قاسم من حب واحترام وتقدير الجماهير والشعب له والذي قل نظيره , الا ان ذلك لم يمنع من سقوطه عام 1963 ,لم يكن الشعب مقتنع ان هذه( الحكومة ) حكومته وواجبه الدفاع عنها ,والسبب في رأيي فشل حكومة قاسم في اقناع الشعب بان هذه الحكومة تمثله شخصيا وان اي ضرر يمسها فان هذا الضرر لا بد ان يمس الشعب وعليه واجب الدفاع عنها والحفاظ عليها , وقد يعزوه اخريين لاسباب اخرى , المهم هي النتيجة , والنتيجة ان النظام واجه مصيره بمفرده وبمعزل عن الشعب .
بعد 1963 ازداد ابتعاد الشعب كمكون منفرد عن النظام الذي كان هو الاخر مكون منفرد اخر وازدادت العزلة تدريجيا مع ازدياد خوف المنظومة الحاكمة من الشعب وتسلط تلك المنظومة في ظل دولة بلا مكونات دولة , فلا دستور ولا برلمان (صوري وشكلي ) ولا صحافة حرة ولا اعلام حر ولا احزاب . وفي ظل الخوف والحذر المزدوج بين النظام الحاكم والشعب ازداد شعور الفرد العراقي بعدم الانتمائية مما ادى الى ظهور الكثير من الامراض الاجتماعية الخطيرة والتي تجلت وانكشفت وظهرت للعيان بعد 2003 والمتمثلة بالكثير من الظواهر اللااخلاقية كالفساد المالي والاداري وعلى ارفع المستويات نتيجة لانعدام الشعور بالمواطنة الذي اورثته لنا دولة اللا دولة . ولو عدنا لادبيات ومبادئ تكوين الدول الحديثة نجد ان الدولة تبنى على مرتكزات تتقاسم بينها السلطات , هذه السلطات تكون مستمدة من الشعب , فيكون فيها الشعب هو الحاكم وهو القائد , وهو من يمتلك مفاتيح الحسم والتغيير , لا غيره.
ولو عدنا الى العراق فاننا لم نرى وعلى امتداد المائة سنة السابقة منذ تأسيسه ولحد اليوم ان الشعب هو من امتلك السلطة او الرغبة في التغيير , لذلك فأن كل الانظمة ( بما فيها النظام الملكي الذي كان اقرب الانظمة من حيث تكوين الدولة الحقيقي ) لم تستطع كسب الشعب الى جانبها ولم تستطع ان تجعله الاداة الرئيسية للتغيير , او على اقل تقدير اشراكه بعملية بناء دولته .
ولو عدنا للتأريخ ثانية فاننا سنرى ان اي تغيير في اي حضارة او في اي مجتمع كان مبنيا على قائمين اثنين لا ثالث لهما سوى المعجزات , وهما قادة التغيير والشعب المؤمن والراغب بالتغيير , ومن خلال قراءتنا للتأريخ لن نجد ان قادة استطاعوا التغيير في مجتمع ما من دون وجود رغبة لدى المجتمع او الشعب بالتغيير .ولنا في الكثير من الانبياء المرسلين امثلة رغما من انهم كانوا مدعومين من السماء .اساس التغيير هو رغبة الشعوب وطلبهم له وعملهم عليه .
والقادة يولدون من رحم الامة , ويترعرعون فيها ويتعلمون منها .
ما حصل في العراق من تغيير بعد 2003 يعزى لاسباب كثيرة , وصاحبته ضروف كثيرة, وهو على اي حال فرصة لبدء التغيير الاشمل.
علينا في العراق ان نعي ان التغيير لن يحصل بدوننا كشعب,وان نعي ان مطلب التغيير مطلبنا جميعا , وان نعي ان هذا التغيير يجب الحفاظ عليه,وليس من الصحيح في شئ ان نرمي الكرة في ملعب السياسيين ,ولا ان ننتظر القادة والاصلاحيين , على الشعب ان يلفظ ويرفض فكرة التفريق بين الدولة والشعب , فالدولة ليست بعض المستفيدين والانتهازيين ممن يركبون عجلات (مونيكاتهم ) ويقوم رجال حماياتهم باطلاق الرصاص في الشوارع , كما ان الدولة ليست بعض من الطارئيين على مؤسساتنا , علينا ان نعي ان الدولة هي الشعب , وان من يقوم بادارة الدولة من حكام ومسؤولين هم مجرد موظفين نبقيهم في اماكنهم متى شئنا ونقيلهم متى شئنا ,قد يكون كلامي هذا مخالف لواقع اليوم , وهو ما يدعونا للتفكير باحداث التغيير الجدي والاشمل لتكوين دولتنا وبناءها بأيدينا , وان نكون نحن اساس التغيير , لا القادة , لاننا نبني المجد لدولتنا لنورثه لابناءنا فيكون خيره لنا , وهم يبنون المجد لشخوصهم ليورثوه لابنائهم فيكون خيرالدولة لهم.
دولتنا التي نريد بنيانها , دولة لا يتمتع بها القادة بالامتيازات بينما يشرب الشعب من ماء البحر , لا , لا نريد دولة القادة والقياديين , بل دولة المؤوسسات المبنية على المساوات , والعدل , دولة تعطي لمن في الحكومة نفس ما تعطي لعامة الناس , فلا امتياز ولا امتيازات,مثل هذه الدولة استطاعت شعوب الغرب بنيانها ,ولكن لم يستطع الكثير من الانبياء بنياها بسبب فشل شعوبهم حينذاك في تقبل الفكرة ,وانهم لم يرغبوا بالتغيير .والكرة الان في ملعبنا .
كنا ولا نزال نعاني من مشكلة كبيرة هي العزلة بين الشعب والحكومات , سواءا كانت هذه الحكومات في زمن الملكية او الجمهورية , وسواءا كانت هذه الحكومات شعبية ونزيهة او دكتاتورية فاسدة , لم يقم الشعب بالدفاع عن اي حكومة على امتداد تاريخ العراق الحديث , لانه باعتقادي الشخصي لم يشعر ابدا ان المعركة معركته , ولان جميع الحكومات التي تعاقبت على العراق لم تؤمن بالشعب وبكونه يمثل العامل الاساسي في عملية التغيير وبناء الدولة , اما لانها حكومات دكتاتورية تنظر بنظرة دونية للشعب او لانها لم تؤمن اصلا ببناء دولة حضارية , وفي ضوء التغيير الكبير الذي حصل بعد 2003 لا بد من اعادة النظر في مسؤولية التغيير والبناء , ولا بد من العمل على جعل اسباب التغيير وسبل البناء بيد الشعب فيكون المشروع مشروعه ويكون البناء بناءه وتكون الدولة دولته, باعتقادي الشخصي ان مسؤولية البناء والتغيير تقع على عاتق الشعب وليس الحكومات , وليس من الصحيح ابدا ان تقوم الحكومة بالبناء والتغيير بمعزل عن الشعب , وعلينا كشعب ان نحاول امتلاك زمام الامور بأيدينا من خلال انشاء منظمات المجتمع المدني ومن خلال تفعيل عمل النقابات وعلى الحكومات النزيهة والجادة ان تقوم بتاهيل افراد الشعب من خلال احزابها لتمكين الشعب من القيام بالتغيير بنفسه لا ان تقوم هي بالتغيير بالنيابة عنه , نحن اليوم بعيدون جدا (حكومة واحزاب ومؤسسات مجتمع مدني وشعب ) عن عملية بناء دولة , فأن علمنا كشعب ان التغيير مسؤوليتنا , وان مسؤولية التغيير تقع على عاتقنا , لابد لنا من الاتجاه الى الخطوة الاخرى وهي مسؤولية القادة والاحزاب سواء كانت اسلامية او علمانية او اشتراكية او شيوعية فمسؤوليتها ان تقوم بتهيئة الشعب للاضطلاع بمهمته وتمكينه من بناء دولته ( والتي من اجلها تكونت الاحزاب ) ومن غير تخوين او طعن او منافسة غير شريفة او مزايدة على حب الوطن .
|