من المظاهر الرئيسية والواضحة في الدولة العربية الحديثة أي دول بعد الخلافة العثمانية أنها ورثت دولة المستعمرونتاجة وطبيعتة أو قامت على غرارها مستلهمة منها معطيات وجودها ومستنسخة هياكلها ووظائفها ونظامها على انها دولة مركزية تنصب نفسها وصية على المجتمع ككل تراقبه وتسيره بل وتبتلعه وكما أن الاستعمار الأوربي قد ميز في المنطقة العربية منذ أول أمره بين البلدان التي له فيها منافع اقتصادية واستراتيجية، فاستولى عليها ووضع لها برنامج خاص ومدروس يستطيع من خلالة ان يديم سيطرتة عليها وبين البلدان التي لا منافع له فيها ولا أهمية استراتيجية فتركها وشأنها مكتفيا بمراقبتها وحصارها من خارج حدودهابل وجعلها استثمار استراتيجي لعمليات تحفيز الراي العام وخلق حروب ومطاحنات لقد اهتم بالمدن الإدارية منها والاقتصادية والإعلامية والتعليمية،بالقدر الذي يخدم مصالحه الاستعمارية والاقتصاديةوالاستراتيجية.أما الأرياف والقرى والبوادي والأطراف التي لا منفعة له فيها فقد تركها وشأنها تجتر فقرها وخشونة الحياة
والنتيجة التي أسفرت عنها هذه السياسة الاستعمارية في الوطن العربي هي ذلك التفاوت الهائل الذي بقي يتسع ويتعمق على مستوى التحديث والنموفي الوعي الشعبي داخل الأقطار العربية ككيانات ودول من جهة وبين بعضها بالمقارنة مع بعض من جهة أخرى كما وعمل على ترسيخ المفاهيم المعارضة لطبيعة الشعوب العربية الاسلامية ويمكن أن تستحضر في ذهنك مدى هذا التفاوت والخراب الذي أقامته الظاهرة الاستعمارية في المنطقة العربية إذا هو تذكر الحالة التي كانت عليها عند نهاية الحرب العالمية الثانية وبدايات الاستقلالات الوطنية الذي كان هو بدايت تقسيم وتفكيك البنية الاجتماعية العربية في كل من مصر وسوريا ولبنان والعراق من جهة واليمن والسعودية وإمارات الخليج من جهة أخرى، في المشرق العربي وكل من المغرب والجزائر وتونس من جهة وموريتانيا وليبيا من جهة أخرى في المغرب العربي
ولم يكن هذا التفاوت يخص النواحي الاقتصادية والإدارية والعمرانية وحدها بل كان يشمل أيضا الجوانب الثقافية والفكرية والسلوكية وهكذا تكرست ثنائية صميمة في الوطن العربي ككل كما في كل قطر من أقطاره ثنائية النمط العصري والنمط التقليدي والنخبة العصرية والنخبة التقليدية وترتب عن هذه الثنائية انشطار عميق في الوعي والسلوك يعم الكبار والصغار والرجال والنساء، سواء بسواء وعندما استقلت الأقطار العربية ورثت هذه الوضعية أو استوردتها، وأصبحت دولة الاستقلال -سواء دولة القبيلة أو دولة الحزب الوحيد أو دولة التعددية الطائفية أو دولة الديموقراطية المشوهة- مطبوعة بهذه الظاهرة، ظاهرة الازدواجية والانشطار إلى ما هو عصري وما هو تقليدي، في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والفكر..
اذن ليس مصادفة أنتؤدي التجارب السياسية على امتداد القرن العشرين إلى إنتاج احد اشد النماذج غرابةبهذا الصدد أي تحول جميع الدكتاتوريات العلماني إلى حليف ستراتيجي لعتاةالقوى الأصولية بحيث نرى السادات يتحول إلىالرئيس المؤمن والنميري إلى مطبقالشريعة الإسلامية وصدام إلى قائد الصحوة الإيمانية والقذافي إلى مفكر الإسلامالأخضرمع ما يرافقه من تحول ممسوخ لبنية النظام السياسي عبر إعادة بناء السلطةعلى أسس عائلية جديدة وقد حالت هذة النظرة وهذا التراث دون خروج الاسلام في مظهر الدولة لسنين بل مازالت هذة المعظلة قائمة رغم وجودالدولة الاسلامية التي تحققت على يد الامام الخميني العظيم ولذا تعتبرالرؤية الاسلامية في هذا المجال سلاحالمعركة يجب ان يخوضها المثقف والمفكر والفقيه الاسلامي
ان تجارب الاسلاميين وخاصة حزب الله في لبنان في الانفتاح على مختلف التيارات والاحزاب والقوى الفكرية والسياسية والدينية وفي الحوار الايحابي والبناء والموضوعي معها والوصول الى صيغ متقدمة من التلاقي والتنسيق والتعاون وفي صياغة خطاب فكري وسياسي حظى باجماع قل نظيرة على المستويات كافة قدمت هذة التجربة نموذجا مميزا كانت له اثار ايجابية شجعت على سلوك هذا المنحى وتكرار هذة التجربة في اكثر من بلد عربي واسلامي ولدى اكثر من تيار فكري وسياسي في المنطقة
ان هذة النماذج العملية من شانها ان تسهم في اعادة رسم وتركيب وبناء الاوليات لدى الهيكل العام للمجتمعات العربية ومحواثار الاستعمار وثقافتة التفريقية
ورثة الاستعمار
العرض العادي
