العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية منتدى الجهاد الكفائي

منتدى الجهاد الكفائي المنتدى مخصص للجهاد الكفائي الذي أطلق فتواه المرجع الأعلى السيد السيستاني دام ظله

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 11  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي العلاقات الروسية الإسرائيلية: شراكة وتناقضات
قديم بتاريخ : 08-11-2012 الساعة : 12:54 AM


العلاقات الروسية الإسرائيلية: شراكة وتناقضات (I)

أصبح التطور المكثف للعلاقات مع إسرائيل إحدى السمات المميزة للسياسة الروسية في الشرق الاوسط بالسنوات الاخيرة. فقد عبّر أول سفير روسي في إسرائيل الكساندر بوفين، الذي تم تعيينه العام 1991 بعد استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، في مذكراته عن أسفه قائلاً: «لم نتمكن خلال خمسة أعوام ونصف من عملي من تحقيق أي مشروع روسي - إسرائيلي ضخم». أما الآن فتُقدَّر مثل هذه المشاريع بالعشرات. وتمكّن العديد من المهاجرين القادمين في التسعينيات من القرن العشرين، من روسيا والجمهوريات السوفييتية السابقة، الذين بلغت بفضلهم نسبةُ الروس القاطنين في اسرائيل 20 %، من تحويل تفوُّقهم العددي إلى «رأسمال سياسي». وتعتبر اللغة الروسية اللغةَ الامّ بالنسبة لعدد من اعضاء الكنيست بتشكيلته الأخيرة. وتضم حكومة بنيامين نتنياهو أربعة وزراء (من أصل ثلاثين وزيراً) متحدرين من الاتحاد السوفياتي السابق. ويشغل أحدهم، افيغدور ليبرمان، منصب وزير الخارجية. وأصبح الإسرائيليون الناطقون بالروسية «وسيطاً هاماً» للاتصالات بين البلدين. فقد اعترف السفير الروسي السابق في إسرائيل بيتر ستيغني بأن «العامل البشري» اتى بنظرة روسية جديدة إلى ما يجري في إسرائيل بمشاكلها، و«عُقَدِها» وأخطائها ومنجزاتها».

تدرس النخبة الإسرائيلية الناطقة بالروسية بجدية، سعياً منها لتوطيد مواقعها في أجهزة السلطة، إمكانية تشكيل تحالف روسي - إسرائيلي جديد مستقبلاً، من شأنه أن يصبح (وإنْ لم يكن بديلاً) «مقابلا» للشراكة الأميركية - الإسرائيلية. وأعلن عن هذا الهدف في برنامجه الانتخابي العام 2009 افيغدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، الذي يمثل أساساً «إسرائيل الروسية».

وبالفعل، فإن روسيا حريصة على توسيع العلاقات مع إسرائيل. إن الاقتصاد الإسرائيلي القائم على استخدام التقنيات العالية، وتجربة إسرائيل في مجال تنمية مختلف قطاعات الاقتصاد في الظروف الطبيعية المعقدة، والآفاق المشجعة التي ذر قرنُها للاستثمار المشترك لاحتياطات الغاز التي تم استكشافها في إسرائيل، والتجربة الإسرائيلية في مكافحة الإرهاب، إنها بعض المجالات التي يمكن أن يصبح التعاون فيها مفيداً بالنسبة لروسيا. ومع ذلك فلا مبرِّر لأية حسابات مبنية على كوْن روسيا قادرةً على انْ تأخذ على عاتقها الأعباء الثقيلة الخاصة بضمان قدرات إسرائيل الدفاعية والأمنية، والتي تتحمّلها الولايات المتحدة على مدى عقود من السنين. إن الولايات المتحدة لا تزال تبقى المورِّدَ الرئيس الأهم، لأحدث الأسلحة إلى إسرائيل، كما يُخصص لإسرائيل ما يربو على 50% من برنامج البنتاغون لتمويل المساعدات العسكرية إلى البلدان الأجنبية. وبالإضافة إلى ذلك، يُخصص سنوياً زهاء 200 مليون دولار للخطط الأميركية - الإسرائيلية المشتركة للدرع الصاروخية. وتعتبر الشركات الأميركية شركاء رئيسيين للإسرائيليين في تنفيذ الطلبات العسكرية للبلدان الثالثة، وهي تعرقل، في حالات كثيرة، إقامة التعاون الروسي - الإسرائيلي في هذا المجال.

وقد صرح الخبير المعروف في العلاقات الاميركية الروسية والعامل في مركز «Heritage» آرئييل كويين، في أحد أحاديثه الصحافية بأن واشنطن لن ترغب، على الأرجح، في تقوية روسيا المفرطة في مجال التقنيات الحديثة والتحديث السريع للقوات المسلحة الروسية على حساب التعاون مع إسرائيل. إن أحد الأمثلة التي تؤكد وجهة النظر هذه، هو الضغط الأميركي، الذي مورس على الحلفاء الإسرائيليين العام 2008 في سياق محاولات إحباط صفقة بيع طائرات بلا طيار إلى روسيا. وترد من الولايات المتحدة إلى إسرائيل أموالٌ ضخمة سواء في إطار المساعدة الحكومية أو المساعدات الآتية من الجالية اليهودية الأميركية، وتعجز خزانة الدولة الروسية واليهود الروس عن التنافس مع هذه المساعدات، وليس لديهم النية في ذلك.

إن النخبة الإسرائيلية التقليدية تنظر إلى روسيا على أنها بلد، تسوده القيم والثقافة السياسية الغربية. وتجلى ذلك بوضوح بصدد اشتداد الهجمات على زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان وأنصاره، الذين تقدموا في الكنيسيت في يناير (كانون الثاني) عام 2011 بمبادرة تشكيل لجنة للتحقيق في نشاطات المنظمات الإسرائيلية لحقوق الإنسان. ويقوم الناشطون الإسرائيليون في مجال حقوق الإنسان بمراقبة وضع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والاعمال العسكرية الإسرائيلية تجاه المدنيين، ويؤمنون جمع معلومات عن طبيعة أعمال القوات الإسرائيلية إبّان عملية «الرصاص المسكوب» في قطاع غزة. ويثير نشاطهم سخطاً شديداً لدى الأوساط اليمينية ذات النزعة القومية، التي تَعتبر هذا النشاط خيانة لمصالح الدولة. لكن البنية المتفرعة للمنظمات الاجتماعية اليسارية واليمينية تبقى، من منظور النظام الديموقراطي الإسرائيلي بكل ما يميزه من خصائص وقيود، دليلاً على وجود مجتمع مدني فاعل في البلاد. فإذا لم يتجاوز نشاط هذه المنظمات الإطار القانوني، فإن أحداً لا يشكك في شرعية هذا النشاط.

وينظر كثيرون في إسرائيل إلى السعي لوضع ناشطي حقوق الإنسان تحت الرقابة القاسية، على أنه نتيجة لـ «زحف» منحدرين من الاتحاد السوفيتي السابق إلى هيئات السلطة، علماً بأنهم لا يملكون ـ من وجهة نظر الإسرائيليين ـ تجربة الحياة في مجتمع ديمقراطي طبيعي، بل تعودوا على قمع أي مخالف في الرأي، «على الطريقة السوفيتية». وانتشر في وسائل الإعلام مصطلح «لَبَرْمَنَة»، بحيث أصبح مرادفاً لضغط مناهض للديمقراطية ومحاولة كسب شعبية، مما يميز الساسة «الروس». وجدير بالذكر أن المهاجرين من الجمهوريات السوفيتية السابقة ينتمون إلى عدد من الكتل الحزبية الأخرى في الكنيست، ولا يمكن نسبهم بلا أساس إلى شركائهم في الرأي من حزب «إسرائيل بيتنا». بيد أن السخط الذي تعبر عنه بشكل خاص، الأوساط الليبرالية اليسارية رداً على «هجمات» ليبرمان السياسية يستهدف جميع الناطقين بالروسية. وليست هذه الأجواء مناسبة لذكر مساهمة حاسمة من جانب اليهود المنحدرين من الإمبراطورية القيصرية السابقة، في تكوُّن أساس الدولة، الذي يقوم عليه اليوم صرح الديمقراطية الإسرائيلية بأسره. فإن «الحكم» على الناطقين بالروسية لا يقوم على أثرهم الثقافي في الأدب والفن الإسرائيلي، ولا على حصتهم في إنشاء الإقتصاد الاسرائيلي المبني على استخدام التقنيات العالية. فإن السخط الشديد من الطابع المناهض للديمقراطية المميز للمهاجرين من روسيا ينتقل الآن آلياً إلى روسيا الجديدة. ويُنظر إلى العلاقات معها عبر منظار التقييم السلبي للنشاط السياسي، الذي يقوم به المهاجرون الجدد، حيث كانت تتعالى منذ عقدين من السنين أصواتٌ تدعوهم بإلحاح للهجرة إلى إسرائيل، غير أنهم يتحوّلون الآن إلى منافسين خطرين غير مرغوب فيهم للنخبة الإسرائيلية القائمة. إن مثل هذه الأجواء التي تشكّل الرأي العام بهذه الطريقة، لن تساعد على الأرجح، على التقارب السياسي الوثيق للبلدين.

روسيا: صديق أم عدو؟

إن تقدم روسيا إلى سوق الأسلحة الشرق أوسطي يبقى عاملاً يثير حفيظة الإسرائيليين، بسبب تسليح سوريا وإيران. إن تضمين هذا الموضوع «ذكريات» عن أزمنة « الحرب الباردة»، حين حاربت الجيوش العربية إسرائيلَ بالسلاح السوفيتي سواء في عام 1967، أم في العام 1973 ، يجعله «مؤلماً» للغاية. كما تؤكد وقائع الماضي القريب على صحة مخاوف إسرائيل من أن الأسلحة الروسية ستكون موجَّهةً ضدها. ففي أثناء الحرب اللبنانية الثانية العام 2006 ، استخدم مقاتلو «حزب الله» صواريخ «كورنيت» المضادة للدبابات، التي كانت قد قامت روسيا بتوريدها إلى سوريا.

إن بعض الساسة الإسرائيليين، وفي مقدمتهم، مندحرون من الاتحاد السوفيتي السابق، يرون إمكانية تخفيض المخاطر المتصلة بتقوية سوريا وإيران على حساب شرائهما المعدات الحربية الروسية عبر توسيع التعاون العسكري الإسرائيلي - الروسي. وتعليقاً على التوقيع على الاتفاقية الروسية - الإسرائيلية بشأن التعاون العسكري - التقني، صرح عضو الكنيست أحد رئيسي الاتحاد البرلماني المشترك «إسرائيل - روسيا»، زئيف إيلكين، بأن إسرائيل تسعى لجذب أهتمام روسيا بطرح مشاريع تجربة مشتركة كي تأخذ القيادة الروسية ورجال الأعمال الروس بعين الاعتبار مصالحَ إسرائيل بمزيد من الجدية.

بيد أن غياب الثقة بروسيا (بشكل تقليدي) بوصفها لاعباً في حلبة الشرق الأوسط مناهضاً ليس لإسرائيل وحدها، بل وللغرب، يدفع الإسرائيليين إلى التشكيك في آفاق الشراكة معها. فإن روسيا يُشتبه فيها بالعزم على استعادة مواقعها المفقودة في الشرق الأوسط جراء انهيار الاتحاد السوفيتي، وذلك بواسطة توحيد كتلة بلدان مناهضة للغرب بحكم طبيعتها. فإن جريدة «جيروزاليم بوست» التي أوردت كل التعاقدات الروسية الأخيرة المبرمة مع سوريا وإيران بشأن إمدادات بعض أنواع الاسلحة، مشيرة إلى احتمال وقوع هذه الأسلحة بأيدي التجمعات الإسلامية الراديكالية التي تحارب إسرائيل (مثل «حزب الله»، و«حماس»)، تتوصل إلى استنتاج «حادّ»، مفاده أن «روسيا لا يمكن اعتبارها في الوقت الحاضر شريكاً أميناً فيما يتعلق بمهام السياسة الخارجية والاعتبارات الأمنية».

إن بيع الأسلحة إلى البلدان العربية يُعتبر بالنسبة لروسيا صفقة تجارية محضة. فإن ذلك ما تقوم به الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الغربية التي تبيع المعدات الحربية والأسلحة بمبالغ تُقدر بملايين من الدولارات إلى الدول المعروفة كخصوم إسرائيل. إن مثل هذا التعاون لا يتنافى والقانون الدولي، لا سيما أن الطرف الروسي يسعى جاهداً لتحقيق أقصى حد من الشفافية لصفقاتها مع الشركاء الإقليميين، حيث تضمِّن روسيا هذهالصفقات تعهداتٍ يأخذها على عاتقه «المنتفع النهائي»، بعدم تسليم الأسلحة المورَّدة إلى أطراف ثالثة. ومن جهة أخرى فإن متابعة تنفيذ هذه الشروط والتعهدات أمر في غاية الصعوبة، إنْ لم يكن مستحيلاً، في ظل النزاعات التي تسود الشرق الأوسط، والنشاط الخالي من أي مراقبة من قبل اللاعبين الإقليميين، مثل «حزب الله» و«حماس». ومع ذلك تقدِّم موسكو في بعض الحالات تنازلات متراجعةً عن مصالحها التجارية. ففي سبتمبر/أيلول العام 2010 وقع الرئيس ديمتري ميدفيديف مرسوماً يقضي بحظر بيع صواريخ «إس-300» إلى إيران، بسبب العقوبات المفروضة في مجلس الأمن الدولي على طهران. إن صواريخ إس ـ 300 «تعتبر أحد أكثر منظومات الدفاع الصاروخي فعاليةً في العالم. وكان يمكن لشرائها (لو تمّ) أن يجعل إيران أقلَّ تعرُّضاً لخطر ضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية. وتفيد أنباء وسائل الإعلام بأن القيادة الإسرائيلية أقدمت ـ استجابةً لمطالب موسكو - على تقليص التعاون العسكري مع جورجيا، وذلك لحثِّ الطرف الروسي على اتخاذ هذا القرار.

العلاقات الروسية الإسرائيلية: شراكة التناقضات(II)

لم تتراجع روسيا عن عزمها على تزايد دورها في تسوية النزاع العربي - الإسرائيلي. فمن منظور مصالح روسيا الوطنية، تتصدر إقامةُ السلام قائمة المهام ذات الأولوية، وتكتسب العلاقات الجيدة المبنية على الثقة مع إسرائيل، أهميةً خاصة في هذا السياق. ومع ذلك لا يجوز أن يتناسى المرء أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، تمارس بشكل، لم يسبق له مثيل خلال السنوات العشرين الاخيرة، التعنتَ والعنادَ، رافضة أي حل وسط مع الطرف الفلسطيني. وهكذا فإن روسيا تقع في مصيدة مصالح سياسية خارجية «تصادمية»، حيث أن المستوى العالي المنقطع النظير لعلاقاتها مع إسرائيل، يضع روسيا في وضع بلدٍ يشجع في الواقع الزعماء الأقل ميْلاً لخوض مباحثات سياسية.

وفي غضون ذلك ليس ثمة أي أساس للاعتماد على مساعي الوساطة الروسية في تسوية النزاع، من جانب الساسة الناطقين بالروسية. فمثلا، صرح أفيغدور ليبرمان، في معرض أقواله الواعدة بشأن آفاق الشراكة بين روسيا وإسرائيل ، رداً على سؤال خاص بدور روسيا والرباعية الدولية في تقدم السلام: «يحدوني الأمل بأن الرباعية ستتركنا وشأننا وستتناسى وجودنا». ويبدو أن الإسرائيليين «الروس» لا يعتزمون المساهمة في الترويج لمصالح موسكو السياسية في هذا المجال الحساس.

ان بعض الخبراء الروس الذين تكوَّن بينهم خلال العقود الأخيرة من السنين «اللوبي» الموالي لإسرائيل، يشككون في دور روسيا في التسوية الشرق أوسطية، زاعمين أن مصالح روسيا تكمن في المجال الاقتصادي قبل غيره. إن إقامة الدولة الفلسطينية، من هذا المنظور، لا تحمل في طياتها أية منافع بالنسبة لروسيا، فيما تعتبر العلاقات مع إسرائيل واعدةً جداً من منظور المستقبل. إن مثل هذه «الحتمية» الاقتصادية المبتذلة من شأنها أن تزيل قضية النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتُبعد الى المقام الثاني (إنْ لم نَقُلْ «تشطب») مسألة ضرورة احتواء التناقضات الفلسطينية الإسرائيلية في اثناء المفاوضات السياسية. أما سياسة روسيا الشرق أوسطية، فيبقى أحدَ مكوناتها الرئيسية، التمسكُ بمبدأ تسوية النزاع، وتفهُّم واقع أن تحقيق سلام وطيد في المنطقة مستحيل من دون حل القضية الفلسطينية.

لذا فإن الساسة أو الدبلوماسيين الروس لا يرون بديلاً آخر للحوار، مهما كان صعباً وطويلاً ومهما تطلب من القوى والشجاعة، من الطرفين. وفي اثناء مثل هذا الحوار، ينبغي أن تُبنى رؤيةٌ جديدة لتعايش إسرائيل مع جيرانها العرب عل أساس الشرعية الدولية المعترف بها.

وترى روسيا أن من المفيد، باستغلال سمعتها في العالم العربي، خوضَ حوار مع منظمات مثل «حماس»، التي تحتل مواقف أكثر تطرفاً إزاء اسرائيل. لقد أشار رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي ميخائيل مارغيلوف ، إلى أن الاتصالات مع «حماس» هامة، لأنها تحمل طابعاً إعلامياً، وبالإضافة الى ذلك، فإن هذه الاتصالات تسمح بمحادثة ممثليه مباشرة، وبدون وساطة من قبل الإيرانيين والسوريين. وتهدف الاتصالات الروسية مع الجناح السياسي لـ «حماس» إلى دفع زعماء هذه المنظمة إلى القبول بشروط الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي وإلى اتخاذ موقف أكثر واقعيةً إزاء مسألة استعادة الوحدة الفلسطينية المطلوبة لتحقيق تقدّم على طريق التسوية السلمية.

إن «الحضور الروسي» في إسرائيل لا يُمثَّل بحوالى مليون من سكانها الناطقين بالروسية فحسب، بل وبتراث روسيا المتمثل في كنائس وأديرة ومبانٍ متنوعة وقِطعٍ من الأرض، أي ما صنعه المسيحيون الأرثوذكس الروس في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وخلال الفترة الممتدة بين عامي 1857 و1914، اشترت البعثة الدينية الروسية في القدس والجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية أكثر من 65 قطعة أرض يبلغ مجموع مساحتها زهاء 150 هكتاراً. وزادت هذه الأملاك بست مرات عن أراضي كريملين موسكو المعاصر. ويقع الجزء الأكبر من هذه الأراضي في القدس وضواحيها، لكن قِطعًا أخرى من الأرض تم شراؤها في بيت لحم وأريحا وعند بحر الجليل والخليل وحيفا وعدد من المواقع الأخرى. أشارت الصحف الإسرائيلية المعاصرة إلى أن روسيا بنت في فلسطين أكثر مما بنته بريطانيا التي أدارت هذه الأراضي على مدى ثلاثين عاماً تقريباً.

عاد الجزء الأكبر من الأملاك الروسية إلى البعثة الدينية، غير أن الجمعية الفلسطينية، كانت بحوزتها أملاكٌ ضخمة. وتم تسجيل هذه الأملاك وفقاً للقواعد العاملة في الإمبراطورية العثمانية، حيث خُصص جزء منها للحكومة القيصرية، وسُجل جزء آخر على أسماء النبلاء منهم الأمير العظيم سيرغي الكساندروفيتش، الذي شارك بشكل فعال في نشاط الجمعية الفلسطينية، كما سُجّل جزء محدد من هذه الأملاك بصفة الوقف الشرعي. وجدير بالذكر أن هذه الأملاك تم شراؤها من خزانة الدولة، أساساً، لا بأموال خاصة. غير أن غياب ذكر «الدولة» (في الأوراق الرسمية)، كشخصية اعتبارية تتمتع بحق حيازة الملكية، شكل لاحقاً حواجز عديدة عرقلت إعادة الاملاك الروسية الى الاتحاد السوفيتي السابق، ومن ثم إلى روسيا.

أقرّت سلطات الانتداب البريطانية في العام 1926 «توجيهات بشأن إدارة الأملاك الروسية»، ثبَّتت وضعها كطرف وحيد تصرَّف بالأملاك الروسية في فلسطين. وفي القدس أقيمت على الأرض الروسية وفي المباني الروسية ـ مقابلَ أدنى أجرة ـ مؤسساتٌ حكومية بريطانية، مما خلق سابقةً استغلتها دولةُ إسرائيل بعد العام 1948.

وفي السنوات الاولى بعد قيام إسرائيل، سُلِّم إلى الكنيسة الروسية عدد من قطع الأرض والمباني الواقعة على أرضها وفي القدس الغربية. اما الأديرة والكنائس الروسية الواقعة على أراضٍ أدارها الاردن، فبقيت ملكاً للكنيسة. وفي اكتوبر/تشرين الأول العام 1964 وقعت وزيرة الخارجية الإسرائيلية غولدا مائير والسفير السوفيتي في إسرائيل ميخائيل بودروف اتفاقية، دخلت التاريخ باسم «الصفقة البرتقالية». فقد باعت حكومة نيكيتا خروشوف إلى أسرائيل، مقابل لا شيء، في واقع الأمر، اي مقابل مبلغ 4,5 مليون دولار 22 منشأة (أملاكاً عقارية) واقعة على أرضها.

وفي النصف الثاني من الثمانينيات من القرن العشرين، حين وصل إلى إسرائيل فريق قنصلي للدبلوماسيين الروس، طُرحت مسألة الأملاك الروسية. وبدأ الطرفان في دراسة هذه القضية منذ اوائل التسعينيات من القرن العشرين، حين استعادت روسيا العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وأسست سفارتها في تل أبيب. ودار الحديث بالدرجة الأولى عن إعادة تسجيل كنيسة الثالوث المقدس، ومبنى البعثة الدينية الروسية بمبانيها المتاخمة لها وقطعة أرض في شارع الملك جورج في وسط القدس، إلى الحكومة الروسية. واستمرت المباحثات خلال بضعة أعوام. وتباطأت اللجنة الإسرائيلية المعنية بدراسة مسألة الأملاك الروسية، والتي تمّ تشكيلها في السنوات السوفيتية، في الاعتراف بروسيا كوريثة للاتحاد السوفيتي السابق. وبالرغم من أن روسيا وقعت، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، عدداً من الاتفاقيات مع الجمهوريات الاتحادية السابقة التي نصّت على أنها (روسيا) ستحصل على كل الأملاك السوفيتية في الخارج مقابل شطب الديون المستحقة على الاتحاد السوفيتي، إلا ان السلطات الاسرائيلية خشيت من مطالب أوكرانيا (مثلاً) بها.

وفي خريف العام 1996، أثناء زيارة وزير الخارجية الروسي آنذاك يفغيني بريماكوف إلى إسرائيل، سُلِّمت اليه وثائقُ تثبِّت لروسيا الاتحادية الحقَّ في الأملاك المذكورة. وتم تسليم المباني الكنسية المعادة، إلى الكنيسة الأرثوذكسية الروسية على الفور، بموجب مرسوم أصدره الرئيس الروسي. وطالت قصة تسليم «بيت سيرغي»، أي مجموعة المباني الواقعة في وسط القدس إلى روسيا. وبينت التعقيدات الخاصة بهذه المسألة بوضوح، سعي إسرائيل لربط تسوية قضايا الملكية بحل مهامها السياسية الخارجية. وفي خريف العام 2008، أثارت قلقاً بالغاً لدى السلطات الإسرائيلية نيةُ روسيا عقدَ معاهدة بشأن التعاون العسكري مع سوريا، وكذلك ما تردد من شائعات بإعداد العدة لبيع صواريخ «إس -300 « إلى إيران. ففي ذلك الوقت بالذات جاء رئيس الوزراء إيهود أولمرت إلى موسكو بقرار الحكومة الاسرائيلية تسليم «بيت سيرغي» إلى روسيا.

يظهر تاريخ العلاقات الروسية - الاسرائيلية خلال العقود الأخيرة أن الطرفين يتعلمان أثناء التعاون بينهما التغلبَ على سوء التفاهم والاعتبارات المتكوّنة تاريخياً، وإيجادَ مخرج من الأوضاع المعقدة التي تتسبب فيها مصالح إقليمية يستبعد بعضها البعض. غير أن تطور التعاون الثنائي الواسع النطاق لا سيما في المجال العسكري التقني، سيعرقله غيابُ الثقة بروسيا بسبب توجيه صادراتها العسكرية إلى بلدان معادية لإسرائيل، وبسبب الموقف الإسرائيلي المستقل من الملف النووي الإيراني. وستعرقل الإدارة والشركات الأميركية هي الاخرى، هذا التعاون.

تاتيانا نوسينكو - باحثة في قسم الدراسات الاسرائيلية معهد الاستشراق، الأكاديمية الروسية للعلوم


من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 12  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي النظام الحاكم في البحرين وسياسة تضييع الفرص والشعب
قديم بتاريخ : 09-11-2012 الساعة : 03:57 PM


النظام الحاكم في البحرين وسياسة تضييع الفرص والشعب

من الناحية التاريخية يمكن القول ان النظام في البحرين قد استنفذ امكانياته، ووصل الى طريق مسدود بنهاية الثمانينات وبداية التسعينات. وكانت انتفاضة التسعينات الشعبية استمرت حتى عام 2000 - والتي واجهها النظام بعنف منقطع النظير، كانت هي العلامة الفارقة على ان هذا النظام قد وصل الى طريق مسدود، ولم يعد بامكانه ان يحكم بالطرق القديمة. وليس بامكانه ان يقدم على عملية اصلاح سياسي شاملة تنقد البلاد والعباد، وتنقذ النظام.

في هذه الاثناء تدخل القدر وتوفي الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة امير البلاد في 6 مارس 1999، وحل محله ابنه الاكبر وولي عهده الشيخ حمد بن عيسى / الامير، ثم الملك الحالي.

ولأن ولي العهد / الملك الجديد قد استلم تركة سياسية ثقيلة من جراء سياسة عمه غير الرشيدة منذ الاستقلال في 1971 مرورا بحل المجلس الوطني بمنتصف السبعينات وقمعه لكل الحركات المطالبة بالديمقراطية - من جراء قانون ومحاكم امن الدولة - على اختلاف مشاربها بما فيها انتفاضة التسعينات، وتجفيف مؤسسات المجتمع المدني فقد حاول الملك ان يأخذ زمام المبادرة حيث كان العم العزيز كل شيء في عهد ابيه - ويتصرف باعتباره الرجل الأول وسيد البلاد والعباد، وسيبدأ صفحة جديدة مع شعبه ويخرج البلاد من عنق الزجاجة.

بدأ خطوات اجرائية متتالية مع بداية سنة 2000 تخللها التصويت على ما سمي بالميثاق في 2001 بنسبة تصويت عالية لا مبرر لها سوى قلة حيلة ادارة المعارضة حينذاك لعملية الصراع مع النظام، واعتبر ذلك شيكا على بياض للنظام من قبل المعارضة دون مقابل، وانتهت هذه الاجراءات بصدور دستور 2002 بديلا عن دستور 1973 واستبدال اسم البلد من دولة الى مملكة ومسمى الحاكم من امير الى ملك، واطلق على كل هذه الاجراءات اسم 'المشروع الاصلاحي'!. لكنها في حقيقة الامر لم تكن مشروعا اصلاحيا بل كانت بمثابة اجراءات فوقية لانعاش النظام المتهالك والذي اصيب بالشيخوخة منذ زمن ووصل الى طريق مسدود، ولاعتقاد الملك وبقية افراد العائلة الحاكمة انهم بهذه الاجراءات وبالطنطنة الاعلامية سيقنعون الشعب البحريني والعالم بأن ما قاموا به هو الاصلاح بذاته وبالتالي ينفخون في النظام شيئا من الروح . وبالفعل صدق كثير من المراقبين ان ما يقوم به ملك البحرين هو اصلاح غير مسبوق، لكن بعد برهة تبين ان جدوى ذلك الاصلاح ايضا لم ينطل على من يستشرف المستقبل المنظور من المتابعين للشأن البحريني. ربما انعش النظام قليلا لكنه لم يستمر طويلا، وسرعان ما عاد النظام الى سياساته القديمة وعلى اسوأ ولكن باخراج جديد .

بتقديري في هذه المناسبة كان بامكان الملك الجديد ان يقوم باصلاح حقيقي من خلال عملية مركبة ومعقدة في الوقت نفسه.

الاولى هي عملية اصلاح في بنية العائلة الحاكمة، وتتمثل في استبعاد الحرس القديم الذي عاصر اباه / الامير الراحل والحد من تكالب العائلة على مغانم البلاد وخيراتها ودمجها في النسيج الاجتماعي العام .

والثانية طرح برنامج متكامل وشامل للاصلاح السياسي يمكن ان يكون تدريجيا للوصول الى ملكية دستورية بمعنى الكلمة الحرفي كما هي مطبقة في عدد من الممالك، ومن خلال هذه العملية المركبة يستطيع الملك ان يمسك بكل مفاصل القوة في عائلته الحاكمة من جهة، وفي الوقت نفسه يستطيع انجاز الاصلاح السياسي المطلوب، أي الملكية الدستورية من ناحية اخرى من خلال توافق وطني حقيقي، وبالتالي يمكن حينها الحديث عن مشروع اصلاحي حقيقي يمكن قياسة والتحقق منه بمحكات على صعيد الواقع خلال فترة زمنية محددة .

لكن للاسف الشديد ان ما يسمى بالمشروع الاصلاحى ما هو الا اشبه بالاناء الفارغ وجعجعة دون طحين، فقط للشو كما يقال، اما مضمونه فهو تجديد آلة القمع وزيادة الفساد وزيادة استحواذ القبيلة على السلطة والثروة، واستشراء السرقات والاستيلاء الكامل على الدولة واجهزتها، وتحويل الوطن الى مزرعة كبيرة، وسجن كبير من جراء المشروع الاصلاحي المزعوم.

ولأنه ليس مشروعا اصلاحيا حقيقيا لذلك لم يمضِ هذا المشروع الاصلاحي قدما وولد ميتاً حيث بدأت المطالبات من قبل المعارضة منذ اقرار دستور 2002 بتصحيح المسار، وأن ما تم من قبل الملك ما هو الا التفاف على مطالب الشعب والانقلاب على ما تم الاتفاق عليه، فاستمر الحراك الشعبي المتنوع مقاطعة الانتخابات، مؤتمرات دستورية، نضالات سلمية مختلفة، احتجاجات هنا وهناك، مطالب حقوق انسان ، مشركة بعض المعارضة في المجلس النيابي بعد المقاطعة لعل وعسى ولكن دون فائدة - حتى جاء الانفجار الكبير في 14 فبراير سنة 2011 ليؤكد ان كل ما تم خلال عشر سنوات ما هو الا مزيد من سطوة العائلة الحاكمة في كل مناحي الحياة ومفاصلها، بتعبير آخر ما جرى انما هو خلفنة البلاد وإحكام سيطرة القبيلة على مقدرات البلاد .

ومع ذلك فإن ملك البحرين قد اضاع فرصة تاريخية قبل عشر سنوات كان بامكان البحرين ان لا تصل الى ما وصلت اليه من طريق مسدود، حيث يعوّل النظام على كسب الوقت، في حين ان ذلك لن يفيده شيئا. ذلك ان تسونامي التغيير قادم لا محالة ولا تفيد فيه الاصلاحات الشكلية، وأن المطالب الشعبية كلما طالت الازمة سيرتفع سقفها، فمن كان يطالب باصلاح النظام قبل عشر سنوات او قبل سنة بات يطالب باسقاط النظام، وتسقيط رموزه، لا لشيء انما بسبب تطرف النظام في تعامله القمعي مع المحتجين من جهة، وتطرفه في عدم استجابته للمطالب السياسية المشروعة. هذا هو منطق الامور في الصراع السياسي المتجدد والدائر في البحرين منذ قرن من الزمان .

اخيرا، كل ذلك لا يؤشر على قرب انفراج الوضع في البحرين، ولا يؤشر على قدرة النظام على تقديم حلول للمشكل السياسي، بل كل الدلائل تشير الى ان النظام استنفذ امكانيات الاصلاح، ويحاول اطالة عمره بألف حيلة ووسيلة وفي مقدمتها القمع بشتى الوسائل وليس آخرها منع المسيرات والتجمعات والمظاهرات، ولكن دون جدوى، بحكم منطق النظام والتاريخ. وان تسونامي التغيير قــــادم لا محالة على الرغم من آلة القمع والايديولوجــيا الخاصتين بالنظــــام. وذلك معنى ان النظام الحاكم في البحرين قد وصل الى طريق مسدود. فليس بالقمع وحده يحي النظام .

وفي وضع كهذا ليس امام النظام في البحرين إلا احد خيارين: اما نظام ملكي دستوري كما هو في الدول الملكية العريقة، وهو غير قادر على فعله لاسباب تعود الى بنيته القبلية الاستبدادية، واقصى ما يستطيعه هو اصلاحات شكلية فارغة لا تمس جوهر بنية النظام، وهذا لن يقبل به الشعب، او خيار الاسقاط، وهذا ليس خيارا، انما هو فعل ثوري شعبي سيقول الشعب فيه كلمته، وايضا لا يستطيع النظام ان يحكم الشعب بالطرق القديمة، فذاك عهد مضى وانقضى، والبلد على كف عفريت. اجل في كل الاحوال النظام في مأزق، وكل الخيارات مرة بالنسبة للقائمين عليه. هذا هو النظام الحاكم في البحرين المضيّع بارادته للفرص والوقت والشعب.

يوسف مكي - باحث بحريني في علم الاجتماع


من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 13  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي
قديم بتاريخ : 18-11-2012 الساعة : 10:58 PM



تقسيم سوريا... فرصة تاريخية ينتظرها الاتراك!

شبكة النبأ: بعد مرور عام ونصف على بدء الحرب الأهلية في سوريا، يشهد الفصل الأخير من الأحداث أعمالاً عدائية مسلحة بين سوريا وتركيا التي كانت ذات مرة دولة صديقة لنظام الأسد. ومنذ قرن من الزمن، كانت القوى الغربية هي التي فككت وقسّمت الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. واليوم يمكن أن تتولى تركيا دور القيادة في ترسيم الحدود على خارطة الشرق الأدنى الناشئة.

يشير وقوع سوريا في الفوضى إلى أن انشقاق وتقسيم البلد أصبح نتيجة محتملة جداً -على عكس وضع ليبيا في الوقت الراهن - إلا إذا سقط نظام الأسد. و بحسب ما يراه الباحثان (سونر چاغاپتاي) و (باراغ خانا) في تحليلهما المنشور في موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الادني.

إذا استمر الصراع في سوريا من دون رادع وأدى إلى وقوع حرب طائفية شاملة بين العلويين والسنّة وقيام توترات عرقية عنيفة بين العرب والأكراد، فمن المتوقع أن يتحقق السيناريو الأقرب إلى النموذج العراقي، حيث نشأت مناطق خاضعة لسيطرة شبه مستقلة. من المتوقع أن تبقى حلب ودمشق مرتبطتين مع أنهما قد تسيران في اتجاهين مختلفين بسبب الروابط التجارية المتعادلة . وسينشأ أيضاً معقل درزي متوسط في الجنوب، وفي الوقت نفسه، سينسحب العلويون، أو على الأقل أولئك الذين نجوا من الكوارث المأساوية المؤسفة، إلى معقلهم التقليدي في محيط مرفأ اللاذقية على البحر الأبيض المتوسط.

لكنّ الأهم بالنسبة لتركيا هو مصير المعاقل الكردية في سوريا. ويشكّل الأكراد بين 10 و20 في المائة من الشعب السوري، وهم يُعتبرون عامل ضغط يدفع باتجاه إنشاء منطقة كبرى يسيطر عليها الأكراد ويتمتعون فيها باستقلالية تامة في النهاية إلى جانب حلفائهم في العراق، وذلك نظراً إلى تمركز أكبر عدد من أكراد سوريا في شمال البلاد، على طول المناطق الحدودية التركية، مع امتداد نقاط التمركز شرقاً نحو العراق. فضلاً عن ذلك، من المعروف أن أكراد تركيا وسوريا والعراق (على الأقل أولئك الذين يعيشون في شمال غرب العراق، على طول الحدود مع تركيا وسوريا) يتشاركون اللغة نفسها. فهؤلاء الأكراد يتحدثون باللهجة الكرمانجية، بما يختلف عن لهجة الأكراد في إيران وفي شمال شرق العراق الذين يتحدثون باللهجة السورانية التي تختلف بشدة عن اللهجة الكرمانجية أكثر من اختلاف اللغة البرتغالية عن الإسبانية.

من المتوقع أن يتطلع أكراد سوريا إلى تركيا بحثاً عن الدعم، ولا شك أنهم سيقدرون أهمية دور تركيا كقوة موازنة تتصدى للنزعة القومية العربية. فقد تعلّموا درساً سريعاً من أكراد العراق الذين لجأوا إلى تركيا للاحتماء من بغداد منذ عام 2010. بسبب هذا الوضع، أصبحت تركيا أمام خيار حاسم. فطالما كانت ترفض فكرة نشوء دولة كردية مستقلة أو كيان كردي مشابه في أي مكان من المنطقة خشية أن تطالب الجماعات الكردية في تركيا بالأمر نفسه. لكن يمكن أن تتغير حساباتها من خلال احتمال غياب الاستقرار بصورة مزمنة في الدول العربية السنية المجاورة ونظراً إلى الحاجة إلى التصدي لمحور إيران الشيعي - الذي يمتد حالياً من بغداد عبر نظام الأسد وإلى «حزب الله» في لبنان. وتمثل بلقنة سوريا فرصة بالنسبة لتركيا تحدث مرة واحدة في قرن.

تتعدد الأسباب الفورية التي تبرر الدعم التركي للكيان الكردي المستقل في سوريا. ويمثل القصف على الحدود التركية السورية سبباً هاماً يمكن أن يجعل تركيا أفضل حالاً إذا نشأت مناطق عازلة مثل كردستان بدلاُ من التمسك بالحقائق الجغرافية المبهمة السائدة اليوم. وبالإضافة إلى ذلك فمع انهيار سلطة الأسد بوتيرة متسارعة في شمال غرب سوريا، يبدو أن الرئيس السوري غير مهتم بمنع "حزب العمال الكردستاني" من استعمال الأراضي السورية - وهذا الحزب هو جماعة متشددة تقود الكفاح من أجل الاستقلال الكردي في تركيا وتنفذ العديد من الهجمات الإرهابية في البلاد. لذا يجب أن تؤيد تركيا قيام حكومة جديدة مركزها حلب، شرط أن تسعى تلك الحكومة إلى إرساء الاستقرار والنظام على أراضيها وأن تتصرف بطريقة مسؤولة، كما تفعل "حكومة إقليم كردستان"، لكبح ميليشيات "حزب العمال الكردستاني" في شمال العراق. وفي الواقع، تتلقى اليوم القوات الكردية - التي تدافع عن نفسها ضد سوريا - تدريبات من قوات البشمركة في كردستان العراق.

وبغض النظر عن قدرة (أو استعداد) الأكراد السوريين على كبح جماح "حزب العمال الكردستاني"، تعلمت أبرز جهة سياسية كردية في سوريا ("حزب الوحدة الديمقراطي") من تتبع الأحداث في العراق المجاور بأن السنّة سيتوحدون على الأرجح في وجه الحكم الكردي الذاتي. وهكذا، فمن المفارقات أنه في الوقت الذي يستمر فيه "حزب العمل الكردستاني" في محاربة تركيا، قد يقرر الفرع السوري التابع لذلك الحزب إقامة صداقات مع أنقرة.

وعلاوة على ذلك، وكما هو الحال في كردستان العراق، قد تكون شركات البنى التحتية التركية من أبرز المستفيدين من الاستثمار في المنطقة الكردية في سوريا في مرحلة ما بعد الأسد وذلك بالحصول على عقود ضخمة كما فعلت في كردستان العراق بعد صدام. وعملياً، كانت الشركات التركية هي التي بنت كردستان العراق، حيث قامت برصف طرقها وتصميم مطاراتها والتنقيب عن النفط في أراضيها وبناء مجتمعاتها في المناطق الحضرية - ناهيك عن كونها المنفذ الضروري لتصريف موارد كردستان العراق من الطاقة. وبالمثل، فهي شريك تجاري أساسي لأي كيان محصور ينشأ في مرحلة ما بعد الأسد. وستصب الميزة التنافسية التي تمتعت بها تركيا في العراق - باعتبارها اقتصاداً متطوراً في المنطقة المجاورة - في مصلحتها في سوريا أيضاً بعد سقوط الأسد.

في ضوء كل هذه الأسباب المقنعة التي تبرر دعم كيان كردي مستقل في سوريا، قد تقتنع تركيا بأن تتراجع عن معارضتها القديمة لأي استقلال كردي في المنطقة. ولكن توجد عقبة رئيسية تقف أمام تركيا وتعيقها من الاستفادة من هذه التطورات وهي: سكانها الأكراد الذين ظلوا لأمد طويل يثيرون مسألة استقلالهم.

وبينما تقيم تركيا علاقات صداقة جيدة مع الأكراد السوريين والعراقيين، فإنه يتعين عليها إرضاء مواطنيها الأكراد الساخطين. وقد أثارت القومية الكردية الناشئة في مختلف أنحاء المنطقة حماسة الأكراد الذين يقطنون تركيا. وقد شهدت تركيا ارتفاعاً في وتيرة هجمات "حزب العمال الكردستاني" في الآونة الأخيرة وقد ذهبت تلك الجماعة إلى حد إطلاق حملة جريئة - تم إحباطها - للاستيلاء على بلدات في جنوب شرق البلاد. وعلى الصعيد السياسي، أدى فشل أنقرة في محاولتها إعطاء المزيد من الحقوق الثقافية للأكراد عام 2009 إلى حدوث زيادة في إحباطهم. وسيتم التعبير عن مثل هذه المشاعر بصوت عال في الانتخابات المحلية للبلاد عام 2013، حين من المرجح أن يستعيد "حزب السلام والديمقراطية" القومي الكردي السيطرة على المدن الرئيسية في جنوب شرق تركيا.

وسيصعب على تركيا بناء صداقة قوية مع الأكراد السوريين والعراقيين إذا بقي أكراد تركيا معزولين عن أنقرة. وفي الوقت الذي تسعى فيه أنقرة إلى فرض نفوذها في سوريا والعراق، يتعين عليها التصالح مع مجتمعها الكردي أولاً. فإذا كان الاستقلال هو السبيل لحل القضية الكردية في العراق وسوريا، فإن منح المزيد من الديمقراطية للأكراد في تركيا يعتبر بمثابة خطوة إلى الأمام لحل المشكلة. ويسود جدل في تركيا حالياً حول مسألة صياغة أول دستور مدني في البلاد. ويمنح ذلك تركيا فرصة مناسبة لوضع ميثاق ليبرالي حقيقي يعمل على توسيع حقوق الجميع بمن فيهم الأكراد.

وقد أشار قوميون أكراد مؤخراً بأن الوضع الراهن يشكل لحظة فارقة في تاريخ الأكراد. فقد يقلب الأكراد التحالفات التي سادت في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى رأساً على عقب، ولكنهم لا يستطيعون فعل ذلك من دون تركيا. إنها في الواقع لحظة تاريخية لأكراد تركيا والشرق الأوسط عموماً -- وذلك إذا لعبت أنقرة دوراً إيجابياً في الداخل.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.


توقيع : kumait


يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت
إرنست همنغواي
من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 14  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي قراءة أخرى في مستجدات واقعنا
قديم بتاريخ : 18-11-2012 الساعة : 11:54 PM



قراءة أخرى في مستجدات واقعنا
محمد الصياد

تأسيساً على وقائع “السيل الجارف” من العنف الأصولي المندفع بقوة في أكثر من مجرى عربي وإسلامي بصورة مذهلة، هل لنا أن نتساءل عما إذا كان العالم العربي وجزء لا يستهان به من العالم الإسلامي، قد أعدا العدة وشارفا على الدخول بمحض إرادتهما في عصر الظلمات على غرار ما حدث لأوروبا في عصور سحيقة أكلها النسيان؟

وقبل الاسترسال ومحاولة إيجاد إجابات عن هذا السؤال الجوهري والأسئلة المتفرعة عنه، لعل من المفيد هنا استذكار ماهية عصور الظلام التي تعارف عليها الأوروبيون وأعطوها المسمى الإنجليزي ذائع الصيت لدى مؤرخي تاريخ الحضارة الأوروبية (Dark Ages)، أي القرون المظلمة الواقعة بين سنة 500 وسنة 1000 ميلادية، والتي تميزت بانتشار الانحطاط الفكري والتقوقع على الذات وتواري الحياة المدنية في ثنايا العصبيات والهوس الديني والتطاحنات والحروب الدينية ذات الخلفيات الإقطاعية التسلطية .

تُنبئنا سرديات مصادر التاريخ السحيق والحديث أنه كلما فاض الكيل، وبالمعنى الفلسفي حين تصل الحالة التراكمية الاجتماعية إلى ذروتها، فإن كمية “الذَّرّات” المتكاثرة عددياً (المتراكمة) والدائرة في فلكها (في فلك الحالة التراكمية)، وتحت ضغط هذا التزاحم التراكمي، سوف تُسَرِّع من تحولها تلقائياً إلى حالة نوعية أخرى مغايرة تماماً لما كانت عليه في فترة سكون وكمون الذرات الخادعيْن والسابقين .

ويمكن بكل يسر إسقاط هذا المذهب النظري الخاص بدراسة وتحليل المسيرة التطورية للمجتمعات البشرية وظواهرها الاجتماعية على الحالة الساكنة -تطورياً - للمجتمعات العربية، والتي رتبت حدوث النقلة التي أُعطيت اسماً كودياً هو “الربيع العربي” بعد أن تجاوزت الفجوة بين العناصر “أ” (قوى الإنتاج أو الموارد البشرية والعلم والتكنولوجيا وفنون ومعارف الإدارة الحديثة) والعناصر “ب” (سكون تموضعات الناس وعلاقاتهم بالنسبة إلى كل أنواع الأصول والموارد المادية والحيازات) في المعادلة التي تقيس درجة التوازن والاهتزاز في تطور المجتمعات .

مع الاستدراك هاهنا بأن ذلكم التحليل للحالة/الظاهرة لا يستبعد مطلقاً الدور المقرر للعامل “الخارجي” في “تحفيز” وإطلاق شرارة النقلة التحولية، إنما في حدود دور العامل الذاتي الموظف (بتشديد وكسر الظاء) للعامل الموضوعي الذي يشكل محور المعادلة . وما حصل هو أن هذا العامل المساعد الذي لعب دور الصاعق (Detonator) قد تحول إلى لاعب أساسي في خلط أوراق تداعيات المرحلة الانتقالية لتصعيد قوى اجتماعية بعينها لصدارة المشهد الجديد الحاكم للسياسات الكلية والجزئية .

وهذا، باعتقادنا، ما أحال الولادة الطبيعية للنقلة النوعية إلى الحالة موضوع المعادلة، في صورة ما سمي بالربيع العربي، إلى فوضى “خلاقة” هي التي أنتجت ذلكم الزخم المتدافع المنفلت العقال للحركات الأصولية ذات الخلفيات الأيديولوجية الإقصائية التي تستخدم العنف المسلح وسيلةً لتحقيق غاياتها . فمن الاستحالة بمكان إطلاق الفوضى “الخلاقة” من دون فقدان السيطرة على الخزين الوفير من الهويات والعصبيات الفاعل منها والكامن في ظل وجود وفرة لا حد لها من الفاعليات الناشطة والأخرى المتحفزة لهجر حالة الكمون لدى أي فرصة لائحة، للاندفاع تهوراً للتعبير عن ذواتها وأطماعها المستترة، وبضمنها بطبيعة الحال الأصوليات المستعدة للذهاب إلى آخر الشوط في هذا المضمار .

والنتيجة المذهلة للدخول المتطفل للعامل الخارجي في مسار نقلة التحول الفاصلة بأدوات الفوضى “الخلاقة”، هي وصول تلك الجماعات السلفية إلى بعض مواقع السلطة أو على مقربة منها في غير بلد عربي، ما أفضى إلى محصلة في غاية الغرابة . وفي ذلك بعض التفسير لكيفية إفلات “الربيع العربي” من قبضة القوى الاجتماعية التي لطالما ضحت بالغالي والثمين من أجل انجلاء ليل الاستبداد الطويل؟ وكيف أفلت زمام الأمور من القوى الشبابية التي تقدمت الصفوف في تحدي أنظمة بوليسية معتقة .

فالحراك الشعبي الذي انطلق أساساًتحت تأثير اختلال معادلة قانون التطور المجتمعيبهدف وضع حد لعقود من الاستبداد والفساد، انتهى به الأمر إلى إنشاء حالة لا تختلف في المضمون عن الحالة الزائلة من حيث استمرار تأمينها لبقاء وانتظام ذات البنى المؤسسية الراعية لماكينة الاستبداد والفساد .

وما يزيد الطين بلة أن هذه “الحالة” الجديدة ومقاربة إدارتها الكلية تتساندان بجماعات سياسية إسلامية متطرفة طالما عُرفت بعدائها الشديد والسافر للتعددية بشقيها الثقافي والسياسي وللرأي الآخر بصفة عامة، وهي جماعات كان يُنظر إليها حتى الأمس القريب على أنها قوى إقصائية وتكفيرية تشكل خطراً داهماً على المجتمعات الحاضنة لها، فإذا بها اليوم في موقع من يصنع ويقرر مصير هذه المجتمعات، حيث أتاح لها وجودها في بعض مواقع السلطة أو بالقرب منها فرصة بدء حملة ترويجية واستعراضية من أجل فتح جبهة صراع ضد الدولة المدنية ورموزها بما يفضي إلى تطهيرها وإفراغها من كوادرها بتهمة الانتماء إلى الليبرالية .

وبهذا المعنى فإن هناك خشية حقيقية من أن تفضي مخرجات الفوضى “الخلاقة” التي نعرف، إلى إدخال العالم العربي في حقبة تيه تكون الردة الحضارية عنوانها، ويكون البطش بالآخر المختلف أحد أكثر فصولها عتمةً . ذلك أن العداء للآخر - وليس فقط عدم احترامه - لابد أن ينتهي به المآل إلى استخدام العنف بكافة صوره سبيلاً لتحقيق الأجندات الخاصة المضمرة وشبه المعلنة .

توقيع : kumait


يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت
إرنست همنغواي
من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 15  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي المسلمون الروس وسياسة روسيا الخارجية
قديم بتاريخ : 19-11-2012 الساعة : 01:32 AM



مسلمو روسيا جزء من الأمة ومستعدون للتغاضي عن قضايا داخلية من أجل تحقيق مصالح الإسلام العالمية المشتركة

المسلمون الروس وسياسة روسيا الخارجية
د. رسلان غوربانوف ود. عبد الله رينات محمدوف

تُعتبر السياسة الخارجية الروسية بالنسبة لـ 20 مليون مسلم في روسيا شأنًا داخليًّا، وبحكم أن المسلمين في روسيا هم جزء من المجتمع الإسلامي العالمي الكبير الذي يبلغ تعداده المليار ونصف المليار مسلم، فإنهم يربطون أنفسهم ومصالحهم مع ما يجري لهذه الأمة الكبرى التي تقع خارج أرض الوطن. وبالنظر إلى السياسة الخارجية عمومًا في بعدها المحلي نجد أن اهتمام غالبية النخبة المسلمة في روسيا بالقضايا الخارجية لروسيا المتصلة بالعالم الإسلامي يقوم على أساس المبادئ الدينية، وليس على أساس المصلحة السياسية الضيقة.

التداخل بين الخارج والداخل

عندما أوصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين روسيا في عام 2003 إلى منظمة التعاون الإسلامي (منظمة المؤتمر الإسلامي آنذاك)، لم يتلقَّ أي دعم يُذكر من قِبل مسلمي روسيا، ولا أية مساندة ضد المقاومة الشديدة التي لقيها حينها الرئيس من حاشيته والبطانة التي تدور حوله، سواء من الجهات الأمنية واللاعبين الرئيسيين في سوق الموارد الطبيعية أو من الاقتصاديين الليبراليين. منذ ذلك الوقت، صدرت تصريحات متعددة حول التقارب مع العالم الإسلامي واحترام المسلمين داخل البلاد، ثم أعقبها بعض الأحداث البارزة، أهمها انضمام روسيا بصفة مراقب إلى منظمة اليوسسكو (وهي منظمة مماثلة لليونسكو ولكن ضمن منظمة التعاون الإسلامي)، ثم جاءت زيارة قادة حماس لموسكو، وإرسال كتيبة عسكرية من الشيشان إلى لبنان بعد حرب عام 2006، ثم الزيارة التاريخية للرئيس الروسي إلى المملكة العربية السعودية وغيرها.

عبر تاريخ الدولة الروسية كله يعتبر فلاديمير بوتين أول سياسي من المستوى الرفيع يعترف رسميًّا بأن روسيا هي بلد "إسلامي" فضلا عن أبعادها الأخرى. مع العلم أنه لم يخطُ هذه الخطوة قبله لا القياصرة ولا الأباطرة، ولا أي أمين عام للحزب الشيوعي، بل ذهب بوتين أبعد من ذلك عندما قال: إن المسلمين في روسيا لديهم كل الحق للشعور بأنهم جزء من الأمة الإسلامية العالمية، وإن روسيا كانت -ولا تزال- حليفًا جيوسياسيًّا للإسلام.

في الشتاء الماضي، وخلال لقاء تليفزيوني خُصِّص للتواصل مع المواطنين الروس، شدَّد بوتين على أن الإسلام كان دائمًا واحدًا من أسس الدولة الروسية، وقال: "إن السلطة في روسيا سوف تحافظ دائمًا على إسلامنا التقليدي". بهذا وضع بوتين الخطوة التاريخية الثانية في تكييف الإسلام مع الظروف السياسية والاجتماعية في روسيا؛ فالخطوة الأولى كانت منذ 250 سنة مضت، في زمن القيصرية الروسية، عندما سُمِّي الإسلام "بدين التسامح"، أي اعتُرِف بأنه الدين الذي على الدولة أن تتوافق معه على كامل أراضيها، في حين كان الحال قبل هذا الاعتراف، أن الدولة كانت تعمل على استيعاب المسلمين واحتوائهم ضمن المجتمع المسيحي الغالب.

ومن الواضح أن نهج الرئيس فلاديمير بوتين قد واصل على منواله الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف يوم أن قال: "إن روسيا بصفتها عضوًا مراقبًا في منظمة المؤتمر الإسلامي عازمة على مواصلة توسيع الحوار البنّاء مع العالم الإسلامي. إنني متأكد من أن هذا الانخراط النشط سيسهم في خلق نظام أكثر إنصافًا في العلاقات الدولية، وحلّ النزاعات على الصعيدين العالمي والإقليمي".

وخلال اللقاء الذي عُقد قبل بضع سنوات وجمع بين الرئيس الروسي آنذاك ميدفيدف والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي (أي التعاون الإسلامي) أكمل الدين إحسان أوغلو؛ قال الأخير: "إن روسيا ومنظمة المؤتمر الإسلامي لديهما علاقة خاصة؛ فهي ليست فقط عضوًا مراقبًا في المنظمة، ولكننا نريد أيضًا أن تكون علاقاتنا معها متكاملة وبأشكال متنوعة وعلى منصات مختلفة". وأكد إحسان أوغلو أن "العالم الإسلامي بأسره يرحب بعضوية روسيا (بصفة مراقب) في منظمة المؤتمر الإسلامي، ويدعو إلى تطوير هذه العلاقات".

من جهة أخرى كان ميدفيديف بصفته أحد الزعماء السياسيين العالميين، هو الرئيس الوحيد الذي التقى شخصيًّا برئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، وهو ما كان مستغربًا حتى في العواصم الإسلامية. وعلى الرغم من المشاعر الطيبة التي يحملها النظام الروسي لمحمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، إلا أن روسيا أكدت من خلال هذا اللقاء أنه ليس لديها "أصحاب حظوة خاصة" داخل حركة فتح الفلسطينية؛ فروسيا هي الوحيدة من بين كل القوى الكبرى الدولية، التي لديها علاقة مع حماس. وبما أنه لا يمكن تحقيق أي حل حقيقي في الشرق الأوسط بدون حركة حماس، فإن الكرملين اعتبر أنه من المناسب سياسيًّا، التحسن الكبير في علاقاتها مع حركة المقاومة الإسلامية. أما بالنسبة لخالد مشعل فإن إجراء محادثات مع الرئيس الروسي لا يعني فقط التأكيد على أهمية دور حماس في الساحة الفلسطينية ولكنه أيضًا تقدير لدورها الذي يمكن أن تلعبه خاصة في العالم الإسلامي.

والجدير بالذكر أن القيادة الروسية، وكذلك المواطنين من المسلمين، يربطون العامل الإسلامي الداخلي بمثيله الخارجي؛ فمراكز التكامل مع العالم الإسلامي، بداية من جمهوريات آسيا الوسطى مرورًا بالدول العربية وماليزيا، يراها بوتين تنطلق من المناطق الروسية ذات الغالبية السكانية من المسلمين وتحديدًا من جمهوريات منطقة شمال القوقاز ومنطقة حوض الفولغا. وهذا يعني أن الرئيس بوتين يعتقد أن هذا شيء طبيعي ومبرر بالنسبة لتلك المناطق، فليست وجهة كل من في روسيا نحو الغرب، إنما هناك من ينظر نحو الشرق، وينطبق ذلك بشكل خاص على الاقتصاد.

وعلى ما يبدو فإن الرئيس يدرك أن موسكو باعتبارها واحدة من أكبر مدن العالم، لا تريد التحول نحو العالم الإسلامي. وهذا في حقيقة الأمر غير مطلوب، فالمطلوب البحث عن مراكز أخرى كقازان، وغروزني، وأوفا، ومحج قلعة وعواصم الجمهوريات الإسلامية داخل روسيا، بحيث تكون فكرة التقارب مع العالم الإسلامي تحمل طابعًا إقليميًّا مهمًّا، وتصبح قوة دافعة إضافية لتطوير الاتحاد الروسي. فدور المسلمين كوكلاء للمصالح الاقتصادية للبلاد في دول العالم الإسلامي له مبرراته من الناحية التاريخية.

ولعل هذا ما قصده الرئيس بوتين في كلمته التي ألقاها في اجتماع رسمي بمدينة قازان عام 2005، بمناسبة الاحتفال بمرور ألف سنة على إنشاء المدينة؛ حيث قال: "من خلال بناء علاقات قوية ودائمة مع خانات قازان، بدأ الحكام الروس بوعي تشكيل روسيا كدولة أوراسية متكاملة... وهنا في منطقة الفولغا، نرى أكثر من أي مكان آخر دور روسيا كجسر بين الحضارتين العظيمتين: الأوروبية والآسيوية... إن قازان التاريخية، لعبت دورًا كبيرًا في تطوير الحياة التجارية في روسيا، وتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي. ويكفي أن نقول: إن تجار قازان من العرقية التترية على وجه الخصوص، كانوا في طليعة رجال الأعمال الذين ساهموا في تحريك رأس المال المحلي والنفوذ السياسي للإمبراطورية الروسية، كان ذلك بداية في سيبيريا، ثم انتقل بعد ذلك إلى آسيا الوسطى والقوقاز".

المشكلة هي أن هذه التصريحات المهمة من بوتين، ومحاولة بدء "حوار إستراتيجي بين موسكو والعالم الإسلامي" لم تجد دعمًا وتكملة من أولئك الذين كان من المفترض أن يقوموا بذلك. صحيح أن المسلمين مهتمون جدًّا بأن تأخذ مثل هذه المبادرات مجراها ولكنهم لا يملكون القوة ولا المهارات ولا الموارد للقيام بذلك. ولا تزال مشاركة موسكو في منظمة التعاون الإسلامي تحمل طابعًا عاديًّا بالرغم من أنها تحمل إمكانيات إستراتيجية.

هناك اختلافات بين التيار الرئيسي للسياسة الخارجية الروسية والمواقف العامة من جهة، وبين موقف المسلمين الروس من جهة أخرى بشأن الأحداث التي حصلت في يوغوسلافيا في الفترة 1998-1999. فالمجتمع المسلم لم يُخْفِ استياءه من وقوف موسكو بكل قوتها مع بلغراد الرسمية، دون أن تولي اهتمامًا للتمييز والجرائم التي ارتُكبت ضد الشعب في كوسوفا. أما في منطقة الشرق الأوسط الكبير فالمعلومات عن روسيا غير كافية، والناس بمختلف مستوياتهم يحملون عن روسيا وجهة نظر مسبقة وغير واضحة ، وينطبق الشيء نفسه بالنسبة لموسكو ونظرتها للعالم الإسلامي. أما في الأروقة التي تحاك فيها السياسة الخارجية، بما في ذلك العلاقة مع العالم الإسلامي، فليس هناك فهم كافٍ لمفهوم البلدان الإسلامية الحديثة، ولمنظمة التعاون الإسلامي والمجتمع الإسلامي العالمي بأسره، كما لا يوجد فهم لكيفية الاستفادة من كل هذه الدول المنتشرة على نطاق العالم بأسره.

إن المسلمين الروس يشتكون في هذا الصدد من نشاط بعض الطبقات السياسية والتجارية والجماعات التي تعارض تطوير العلاقات مع العالم الإسلامي. جماعات الضغط واللوبيات المرتبطة بالبيروقراطية الروسية موجودة بالفعل وتحول دون تنفيذ هذه المبادرة، ولكنها ليست على كلمة سواء، فهي تقوم بهذه التحركات لأسباب مختلفة، وتترك الموقف سلبيًّا ثم يقوم أصحابها بإجراءات سياسية ذات صلة. ومع ذلك، فإن المشكلة الرئيسية ليست فيهم، ولكن في المسلمين أنفسهم الذين لا يملكون لوبيًّا مماثلاً يحقق مصالحهم، وهو ما يؤثر سلبًا على الوضع.

يحتل العالم الإسلامي اليوم كشريك لموسكو المرتبة الثالثة بعد الغرب والصين، وربما يكون الشيء الإيجابي هو نظرتهم لروسيا في المقام الأول كقوة موازنة لسياسات الولايات المتحدة. ومن الواضح أن روسيا تختلف عن مثيلاتها من القوى العظمى بشأن العمل المنظم مع المجتمع الإسلامي؛ فأميركا مثلاً تمتلك شبكة واسعة من جماعات الضغط والتأثير وتنسيق المصالح في العالم العربي والإسلامي؛ فهي تتعامل مع طبقات المجتمع وعلى نطاق واسع كما تتعامل في نفس الوقت مع أطراف النزاع. حتى مع إيران فإن الولايات المتحدة لم تكن دومًا خصمًا لدودًا، بل لديهما تاريخ طويل من الاتفاقات (فالبعض مثلاً وعبر اتفاق "إيران كونتراس" يتحدث عن أن طهران تلقى دعمًا ليس فقط من الولايات المتحدة ولكن أيضًا من إسرائيل)، ولا يخفى أن هناك تعاونًا كبيرًا حول العراق، وهناك أرضية مشتركة بشأن أفغانستان بين الدولتين.

أما في روسيا، فالوضع مختلف تمامًا، فالقضايا التي ذكرناها آنفًا يتم مناقشتها ثم توزيعها على مجموعات مختلفة من الإدارات داخل وزارة الخارجية، كما توجد إدارات مماثلة تقريبًا في وزارة الدفاع وفي وكالات الاستخبارات. ويمكننا القول بعبارة ملطفة: إنهم لا يتعاطون مع هذه القضايا بالمستوى المهني المطلوب، مقارنة بملف علاقات روسيا مع أوروبا. هناك ما يسمى بمجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا-العالم الإسلامي"، ولكن هذه الأخيرة لم تجتمع ولعدة سنوات. وغالبية من يعمل في هذا المجال هم من الدبلوماسيين القدامى ورجال الاستخبارات المتقاعدين، وهو ما يدلِّل على الضعف الملحوظ في هذا الجزء من السياسة الخارجية.

تحمل السياسة الخارجية الروسية طابعًا بيروقراطيًّا إلى حدٍّ كبير وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، ويتمحور عملها فقط مع السلطة الرسمية، وليس مع النخبة ولا المعارضة ولا مع المجتمع المدني، لذلك تتمسك موسكو بعلاقاتها مع الأنظمة، وحتى المتهاوية منها إلى آخر رمق، لأنها بالنسبة لروسيا هي المدخل الوحيد للعمل في تلك المنطقة. وفي العادة لو تغير الوضع السياسي وجاء على النقيض من رغبات روسيا، فإن موسكو تتكيف مع الوضع الجديد ولو بعد فترة طويلة لكنها تتمسك بشكوكها وتحفظها وتشرع في البحث عن الأعداء بدلاً من الحراك الإيجابي. ومن الأمثلة الدالة على ذلك أن "جماعة الإخوان المسلمين" التي جاءت إلى السلطة في مصر وبعض الدول العربية الأخرى لا تزال إلى حدِّ الآن، وبسبب سوء الفهم، مدرجة في القائمة الروسية للمنظمات الإرهابية، التي يُحظَر التعامل معها.

إن روسيا تفتقر إلى هياكل للتجارة والأعمال التي من شأنها أن تسعى إلى تطوير العلاقات مع العالم الإسلامي. حتى جهود الدبلوماسي السابق، ورئيس مجلس الوزراء الأسبق وأحد أشهر المستشرقين الروس يفغيني بريماكوف، وما يقوم به مجلس الأعمال الروسي-العربي الذي ساهم في إنشائه لم تُثمر إلى الآن؛ فالمشاريع الاقتصادية موجودة ولكن يتمحور غالبيتها حول التعاون العسكري التقني.
وفي هذا الصدد عبّر شاميل سلطانوف رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية "روسيا-العالم الإسلامي" عن خوفه؛ فقال: "ليس هناك موضوع علاقات للشراكة بين موسكو والعالم الإسلامي، وهذه نقطة أساسية؛ فالكرملين يحتاج إلى وضع مثل هذه الإستراتيجية. وقد تناول ذلك بوتين مرارًا وتكرارًا، وطالب بالجهد والعمل لإيجاد مجتمع مسلم في روسيا. ولكن لم نرَ أي رد فعل على كلام الرئيس.

"النقطة المضيئة" الوحيدة تمثلت في المؤتمر الدولي "العقيدة الإسلامية ضد الراديكالية"، الذي عُقِد في 25-26 مايو/أيار 2012 في موسكو، ومثّل خطوة ما في الحوار الإستراتيجي بين روسيا والمسلمين. حينها مُثِّل العالم الإسلامي في مجموعة من أكابر وأبرز علماء الدين الذين قدموا لأول مرة إلى روسيا. وقد أيّد العلماء الذين قدِموا إلى موسكو، بدعوة من مركز الوسطية في الكويت وصندوق دعم الثقافة الإسلامية والعلوم والتعليم، جهود روسيا في مواجهة التطرف. وقد اعتمد علماء الدين الإسلامي المعروفون على المستوى العالمي بيان مؤتمر موسكو حول مسائل الجهاد والتكفير والخلافة.

وكانت هذه الوثيقة على قدم المساواة مع تلك التي صدرت في عمان ومكة المكرمة. لم يتطرق العلماء الى السياسة الخارجية لروسيا بشكل مباشر، ولكن الزيارة التي قامت بها شخصيات بارزة ومؤثرة من العلماء، الذين يتخطى دورهم وتأثيرهم الأمور الدينية، اعتبرتها وسائل الإعلام العربية خطوة في الاتجاه نحو موسكو على الرغم من موقف الأخيرة من سوريا، والذي لا يجد تفهمًا ولا دعمًا في العالم العربي والإسلامي.

وعلى الرغم من كل الصعوبات وعدم الاستقرار السياسي في العالم العربي وعلاقة روسيا بذلك، فقد أظهر علماء الدين استعدادهم للعمل مع موسكو، لما رأوا فيها شريكًا إستراتيجيًّا جديدًا للعالم الإسلامي. وصار المسلمون في روسيا الذين كانوا المنظمين الرئيسيين لهذا الحوار، لأول مرة بمثابة الجسر بين روسيا والإسلام.

أما مركز الوسطية الكويتي، فيعتبر المركز العربي الوحيد الذي لديه أنشطة رسمية في روسيا. فمنذ عام 2000 أُغلقت جميع الجمعيات العربية، بسبب الاشتباه في تمويل الانفصاليين الشيشان. قدَّمت الكويت البلد الصغير مفهوم الوسطية الإسلامية، وأصبح النافذة الروسية إلى الدول العربية، وخاصة إلى دول الخليج التي لم تربطها تاريخيًّا علاقات جيدة مع روسيا. في عام 2010، منح ديمتري ميدفيديف وسام الصداقة لوكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف الكويتية عادل الفلاح لمساهمته البارزة في تطوير العلاقات العربية-الروسية. وللمرة الأولى في تاريخ روسيا يتم منح هذه الجائزة لرجل عربي يعمل في المجال الاجتماعي والديني.
بالطبع لا يمكننا القول بأن المسؤولين في المؤسسات الدينية الإسلامية في روسيا يعملون بنشاط واضح على الاتجاه الخارجي.

فمجلس المفتين في روسيا يقوم بما يستطيع من أجل تعزيز جهود الرئيس المنتخب فلاديمير بوتين على الساحة الأوراسية (مبادرة المجموعة الاقتصادية الأوراسية، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، والاتحاد الجمركي، وما إلى ذلك). لقد كان قادة مجلس المفتين في روسيا أول من قام بجولة لدول الربيع العربي في شمال إفريقيا، حيث التقوا بالقادة الجدد لتلك الدول. لكن هذا النشاط اقتصر على مجموعة صغيرة جدًّا من النخب.

وعلى صعيد آخر توجد عوائق كثيرة في التكامل مع مسلمي آسيا الوسطى، من بينها وجود معارضين للتكامل الأوروبي-الآسيوي بين الروس، لأنه سيؤدي إلى زيادة ضغط الهجرة على روسيا من تلك المنطقة. قد يبدو هذا للبعض غريبًا، ولكن المسلمين في روسيا ليسوا من المشجعين للهجرة لسبب وحيد، وهو أنها تزيد من الكمِّ فقط دون اهتمام بالكيف أي بنوعية المسلمين القادمين. لم يمضِ وقت طويل على تصريح لمجلس الشعب الأنغوشي الذي طالب علنًا بإيقاف تدفق العمال غير الشرعيين، وجاء في البيان: "على الرغم من الوضع الحرج بالنسبة للعمالة، إلا أننا نرى تدفق أعداد كبيرة جدًّا من العمال المهاجرين إلى الجمهورية من دول آسيا الوسطى. إننا نتفهم وجود مجالات عمل تحتاج هؤلاء، ولكن ما نراه في شوارعنا، وفي المدن والقرى قد تجاوز المعقول، وفي المقابل نرى السلطة تسخِّر جميع مواردها للوقوف ضدنا وتعتقد أن مشكلة الهجرة ليست بالأهمية القصوى" حسب البيان.

إستراتيجيات مقترحة للعلاقة مع المسلمين

قدّم المفكرون المسلمون في روسيا مجموعة من الأفكار للسياسة الخارجية؛ فبحسب رئيس اللجنة الإسلامية الدكتور حيدر جمال فإن روسيا في تحالفها مع إيران ينبغي أن تترأس مجموعة ما يسمى بـ "فقراء العالم" المحتجين. إن الشكل الذي يقترحه حيدر جمال غريب نوعًا ما. فجمال يعتقد أن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا سيؤدي إلى اتحاد الدول التي انتصرت فيها الثورات العربية. وأن هذه الكتلة السنِّية ستدخل في حرب مع إيران، وسيصبح ذلك في وقت لاحق تهديدًا لوحدة الأراضي الروسية. ولذلك فإن موسكو مطالبة بضخّ كل إمكاناتها لإنقاذ الرئيس السوري وموقف طهران في البحر الأبيض المتوسط، ثم بعد ذلك تقوم بتطوير أساليبها في معركتها ضد الغرب، بأن تقوم باستنهاض كل الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم ضده.

من جهة أخرى يقول رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية "روسيا-العالم الإسلامي" شامل سلطانوف: "إن روسيا في تحالفها مع المجتمع الإسلامي كله ينبغي أن تعمل ضد الغرب في (حرب الحضارات) التي بدأت فعلاً". ووفقًا للمحلل، فإن المنطق الجيوستراتيجي نفسه "يدفع موسكو والعالم الإسلامي، اللذين يقعان تحت التهديد الغربي، إلى البحث عن الصداقة بين بعضهما البعض". وهذا الرأي يتوافق معه الخبير الروسي في معهد الدراسات الإستراتيجية، ورئيس تحرير صحيفة "مشاكل الإستراتيجية الوطنية" أجدار كورتوف الذي قال: "عندما كانت روسيا قوة عظمى، استطاعت بثقلها كحليف أن تساعد العالم الإسلامي في مواجهته مع منافسيه الجيوسياسيين، الذين يمثلون الغرب باعتراف جميع المسلمين". إذا استطاعت روسيا -حسب رأي الخبير- "أن تتحصل على القوة اللازمة، نتيجة الإجراءات الصحيحة التي ستتخذها خلال السنوات الست المقبلة من رئاسة بوتين الجديدة، فإن ذلك سوف يعود بالنفع على حالة العالم الإسلامي".

إن روسيا مطالبة بالاقتراب من البلدان الإسلامية التابعة لرابطة الدول المستقلة، بحسب دامير محدينوف النائب الأول لرئيس الإدارة الروحية للمسلمين في القسم الأوروبي لروسيا وكذلك حسب رأي عميد الجامعة الإسلامية بموسكو دامير خيرالدينوف "إن العنف وشبح الثورات الملونة يتجولان بالقرب من حدود دول رابطة الدول المستقلة"، ولذلك حسب رأيهما، فإن روسيا وآسيا الوسطى يجب "أن يطوِّرا، باسم تلبية احتياجات مواطنيهما، مفهوم الحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار". إن دور الزعماء المسلمين في عملية الاندماج والتكامل، يراه محدينوف في تنفيذ ما صرّح بها ديمتري ميدفيديف لدى اجتماعه مع الزعماء الدينيين المسلمين في يوليو/تموز 2011 في مدينة نالتشيك حيث قال: "إن على رؤساء أكبر مؤسسات المجتمع المدني أن يقوموا بالتعامل مع القضايا المعقدة مثل مسألة التكيف الاجتماعي للمهاجرين".

من جهة أخرى يعتقد فريق من الخبراء المسلمين في مجموعة "مينار" أن روسيا تحتاج إلى التركيز أكثر على دول الربيع العربي وتركيا، ويعتقدون أن العرب على استعداد للاستثمار بشكل كبير في روسيا، فهم بحاجة إلى تنويع استثماراتهم، "لكي لا يكونوا تحت مطرقة الغرب، وحتى لا تكون حساباتهم البنكية في يوم ما، ولأي سبب من الأسباب السخيفة، قد جُمِّدت من قبل الأميركيين". إن الخبراء يذكِّرون بأن روسيا لم تتحارب في تاريخها مع أي دولة عربية فهي "لم تقم بقصف العراق وإرجاعه إلى العصر الحجري، بل إن روسيا كانت بطريقة أو بأخرى داعمة مستمرة للفلسطينيين، وهي التي قامت باستقبال قادة حماس على أعلى مستوى. وبشكل عام، فقد قدمت روسيا في القرن العشرين الكثير من الأشياء الجيدة للدول العربية.

وأعتقد أنه لا يزال لدينا فرصة لكي تصبح روسيا شريكًا مميزًا لدى العالم العربي الجديد. ولكن هناك مخاوف من أن تظل روسيا بدون أي حليف في الشرق الأوسط، وفي العالم العربي والإسلامي كله. إن هذه الآفاق غير السارة تنشأ بسبب ردة الفعل غير المتكافئة لثورات الربيع العربي. ومن المفروض أن لا نعطي الذرائع لأولئك الذين يؤكدون أن موسكو أصبحت حليفًا للإمبريالية الإيرانية الشيعية وخصمًا للصحوة السنية، فبحسب قول خبراء "مينار" إن الربيع العربي له طابع سُني واضح" ووفقًا لأولئك الذين يشاركون هذا الرأي فإن هناك اليوم محاولة لخلق تكتل عسكري-سياسي بين أنقرة والقاهرة والرياض والدوحة. والواقع أن هذه هي الأخيرة هي القوة الجديدة الواعدة في المنطقة، والوقوف ضدها وبشكل عام ضد الشعب العربي والعالم السني الذي قام من أجل حياة أفضل، إنما هو قصر نظر. روسيا كقوة عالمية وكحَكَم يجب عليها الحفاظ على علاقات مع جميع الأطراف الفاعلة على الأرض. إنه لمن الضروري وضع البيض في سلال مختلفة، وأن لا نراهن على الأقل على أصحاب الحظ الضعيف.

بين كل هذه المفاهيم يجب على المسلمين في روسيا أن يلعبوا دور الرابط بين موسكو والعالم الإسلامي. لكن المشكلة تكمن في أن المسلمين أنفسهم لا يفعلون إلا القليل من أجل تحقيق الشراكة السياسية الإستراتيجية، ناهيك عن الشراكة الاقتصادية، التي تحدث عنها كثيرًا بوتين وميدفيديف، ولافروف.

ولعله من المهم أن نلاحظ هنا أيضًا، أنه لا وجود لكثير من الفروق في أولويات السياسة الخارجية للمجموعتين الرئيسيتين من المسلمين في روسيا (التتار والبشكير من جهة، وشمال القوقاز من جهة أخرى)، على الرغم من أن طبع المجموعة الأولى وطريقة تفكيرها قريب من طبع وتفكير الأتراك في حين أن المجموعة الثانية أقرب إلى الطبع العربي.

ثانوية العلاقات الخارجية لدى المسلمين

قد لا يعلق مسلمو روسيا آمالاً كبيرة على جني بعض المنافع جرّاء النشاط السياسي الخارجي. ربما يرجع ذلك إلى التجارب السابقة، يوم أن كانت علاقات موسكو مع بلدان العالم الإسلامي جيدة، ومع ذلك كانت نتيجة المنافع هزيلة؛ فالصداقة الحميمة التي كانت تجمع الدول العربية وغيرها من الدول الإسلامية مع الاتحاد السوفيتي، جعلت تلك الدول "تتجاهل" اضطهاد الإسلام في هذه الربوع. واليوم لا تتعجل الدول الإسلامية بالحديث مع قيادة الدولة حول العديد من القضايا التي تهم المسلمين مثل حظر الكتب الإسلامية، التي لها علاقة مباشرة بالمملكة العربية السعودية وبتركيا. بل إن الشريك الإيراني لازَم الصمت أيضًا عندما قامت محكمة محافظة بينزا بحظر نشر وتوزيع "وصية" الإمام الخميني. على عكس الهند، التي عبّرت عن استيائها لمحاولة إضافة كتاب "بخاباغات غيتا" إلى قائمة المواد المتطرفة.

ربما يكون عامل التواجد الإسلامي داخل روسيا عائقًا لتحقيق التطور في العلاقات بين روسيا والعالم الإسلامي، مما يدفع الطرفين إلى الاهتمام بالقضايا الهامشية والشكاوى التي تصدر عادة من "الأقلية غير الراضية دومًا".

ما يمكن قوله في العموم هو أن السياسة الخارجية للمسلمين في روسيا تعتبر ثانوية وربما هامشية، كما أن المواقع الإلكترونية الناطقة باللغة الروسية حافلة بكثير من المعلومات عن المشاكل وبالقليل من النجاحات التي حققها إخوانهم المسلمون في الخارج (بداية من ميانمار إلى الولايات المتحدة). أما التعليقات على الأحداث في هذه المواقع فغالبيتها يحمل طابعًا معاديًا لإسرائيل ومناهضًا للغرب، بالرغم من علم هؤلاء المعلقين بمستوى الحرية الدينية في البلدان الغربية وعدد المساجد في مدن الإسلاموفوبيا كلندن أو نيويورك، التي لا يمكن مقارنتها بالوضع في موسكو بهذا الشأن وطبيعة الإسلاموفوبيا فيها. أما على الصعيد الداخلي فكل هذا لا يقارَن بردة فعل المسلمين على الشؤون الداخلية لروسيا وخاصة المسائل المتعلقة بالقضايا الدينية، والعِرقية وطلبات المسلمين المدنية.

بطبيعة الحال، يحبذ المسلمون أن تتحرك موسكو بنشاط أكبر للتقارب مع الدول الإسلامية وأن تساعدهم على ذلك، وأن تلتفت بإيجابية أكبر نحو الأحداث القاسية في العراق وأفغانستان وسوريا، وخصوصًا في فلسطين. والمسلمون في روسيا على استعداد لتقديم تضحيات في سبيل إخوانهم المسلمين خارج أرض الوطن، بل إنهم مستعدون للصبر والتغاضي عن الكثير من القضايا الداخلية من أجل تحقيق مصالح الإسلام العالمية المشتركة، فهم جزء من هذه الأمة والاهتمام بمشاكل المسلمين أينما كانوا واجب ديني. ولعل ذلك ينطبق على القضية الفلسطينية التي تعتبر الأكثر أهمية في السياسة الخارجية الروسية لمسلمي روسيا. وبالنسبة للأزمة السورية إن الآراء وردود أفعال المسلمين حول الأزمة السورية الحالية والأزمة الليبية التي سبقتها تختلف من مسلم لآخر، فالمسلمون مثل جميع المواطنين الروس يريدون أن تكون سياستهم الخارجية أكثر عقلانية ومؤثرة في رفاهية كل فرد في هذا العالم، سواء المادية منها أو الروحية.
_____________________________________
د. رسلان غوربانوف، باحث كبير في معهد الدراسات الشرقية لأكاديمية العلوم الروسية
د. عبد الله رينات محمدوف، منتج لقناة "روسيا اليوم"


توقيع : kumait


يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت
إرنست همنغواي
من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 16  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي خارطة علاقة دول البلقان وشعوبها مع إسرائيل: حدودها وطبيعتها
قديم بتاريخ : 28-11-2012 الساعة : 06:37 PM



خارطة علاقة دول البلقان وشعوبها مع إسرائيل: حدودها وطبيعتها (1)
فريد موهيتش: ترجمة كريم الماجري

إن فهم علاقات بلدان البلقان بإسرائيل هو مفتاح فهم سياسة إسرائيل العامة وإستراتيجياتها ليس فقط في البلقان بل أيضًا في منطقة الشرق الأوسط وكذلك سياستها العالمية تهدف هذه الدراسة بعد إلى تتبع خارطة العلاقات التي تجمع إسرائيل ودول البلقان وبيان وجوهها المتعددة وخطوطها الأساسية، ولضرورات منهجية ستُقسَّم الدراسة إلى جزئين؛ خُصِّص الأول منهما لدراسة العلاقات الإسرائيلية مع الدول البلقانية التي لم تكن جزءًا من الاتحاد اليوغسلافي السابق ألا وهي: اليونان وبلغاريا وألبانيا.

أما الجزء الثاني فسيتعرض لعلاقة إسرائيل ببقية دول البلقان الست والتي كانت منضوية تحت الاتحاد اليوغسلافي السابق، وهي: مقدونيا، الجبل الأسود، صربيا، كوسوفا، البوسنة والهرسك و كرواتيا. وقبل الخوض في الجزء الأول من خارطة العلاقات، تستعرض الدراسة أحدث أزمة ذات صلة بالشأن اليهودي في منطقة البلقان.

الشوط الثالث، وعلاقة البلقان باليهود

أحدث عرض الفيلم المقدوني "الشوط الثالث" ضجة كبيرة في وسائل الإعلام المقدونية والبلغارية، كما كان سببًا في اتخاذ المؤسسات الديبلوماسية في كلا البلدين لعدد من الخطوات والقرارات التي وُصِفت بالقوية كما يبدو من خلال جملة الرسائل والبرقيات المتبادلة بين هذين البلدين البلقانيين. قد تبدو هذه الضجة مفهومة إذا علمنا أن موضوع الفيلم المقدوني تناول مسألة ترحيل اليهود خلال الحرب العالمية الثانية من أرض مقدونيا، وهو الموضوع الذي لا يزال محل خلاف كبير بين البلدين في روايتيهما الرسميتين للأحداث التاريخية لتلك الفترة، ويزيد الأمر تعقيدًا وجدية إذا تعلق بإسرائيل.

كما هو معروف، فإن إسرائيل هي المثال العالمي للدولة صاحبة الوضع الخاص وأي نقد سلبي لها، بقطع النظر عن مصدره ومهما كانت الحجج المقدمة للبرهنة عليه، يؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها للدولة التي جاء منها هذا النقد، وقد يصل الأمر أحيانًا إلى التشهير بصاحب النقد وتوجيه كل التهم له، وهو ما حدث مع الحاصلين على جائزة نوبل للسلام جيمي كارتر وديزموند توتو، ومع العالمين جون ميرشايمر وستيفن وولت، ومع مثقفين من أمثال نورمن فينكلشتاين ونعوم تشومسكي، وكُتّاب مثل أليس وولكر وغونثر غراس وروجيه غارودي وآخرين بمن فيهم سياسيون معروفون وحتى بعض الشهود الذين بقوا على قيد الحياة من ضحايا المحرقة، فكل هؤلاء أصبحوا بدورهم ضحايا لمجرد إقدامهم على إدانة إسرائيل بشأن اعتداءاتها المتكررة والمثبتة على حقوق الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة، وخاصة في استنكار الاعتداء على قافلة الصليب الأحمر التي كانت متجهة نحو غزة في محاولة لتقديم مساعدات إنسانية لسكان غزة ورفع جزء من الحصار المفروض عليهم جورًا من قِبل إسرائيل.

الإشكال الذي يطرحه الفيلم المقدوني "الشوط الثالث" يتمثل في حقيقة أن المسؤولية عن عمليات الترحيل التي طالت اليهود في مقدونيا خلال الحرب العالمية الثانية تُحمّل على الجيش البلغاري الفاشي حليف النظام الألماني الفاشي المتهم بتلقي أوامر من القيادة الألمانية برئاسة أدولف هتلر تقضي بإحكام السيطرة ومراقبة الوضع في مقدونيا التي لم تكن تملك سيادتها على أراضيها ولم يكن لها بالتالي يد في ترحيل اليهود الذين كانوا موجودين على أراضيها في حينها.

الواضح اليوم هو أن تصنيف دولة إسرائيل لبلدان العالم الأخرى يعتمد بشكل حصري على مدى عمق ونوع العلاقات بينها وبين تلك البلدان سلبًا وإيجابًا، وهذا يمثل حجر الأساس في سياسة دولة إسرائيل الخارجية الذي قامت عليه منذ نشأتها في العام 1947، حيث عاملت تل أبيب بلدان العالم من خلال تصنيفها إلى بلدان صديقة ومقربة وأخرى عدوة عاملتها بالتهديد والوعيد، وبهذا صنعت شبكة علاقات فعالة على مستوى علاقاتها الدولية وكانت منطقة البلقان جزءًا من هذا التصور الإسرائيلي!

من جهة دولة مقدونيا التي تعي تمامًا أن عين إسرائيل ترقبها عن قرب، يأتي هذا الفيلم الذي أنتجته ليس فقط لدفع تهمة خيانة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية وترحيلهم إلى معسكرات الموت الألمانية، بما أن الأراضي المقدونية كانت تحت السيطرة البلغارية حينها، بل أيضًا لاستنكار الهولوكوست وتوجيه التهمة لبلغاريا بشكل مباشر وتحميلها المسؤولية الكاملة في ذلك، وتذكيرها بماضيها الفاشي وإشراف سلطاتها المباشر على الترحيل القسري الجماعي ليهود مقدونيا إلى معسكرات الموت في ألمانيا، وبهذا فإن مقدونيا تحاول التقرب من إسرائيل وتنقية ماضيها من ناحية، وإحراج بلغاريا دوليًّا وإضعاف وضعها على الساحة الدولية من ناحية أخرى! وبما أن لا أحد يشكك في الماضي الأليم والطويل لليهود في البلقان فإن علاقات دول البلقان اليوم مع إسرائيل تؤثر بشكل واضح على القرارات السياسية للجانبين بل وحتى على مستقبلهما.

من الضروري استحضار أن التركيبة الحضارية والثقافية والدينية لمنطقة البلقان شديدة التنوع والتعدد، وأنها مكونة، دون استثناء، من جماعات وشعوب إثنية وثقافية ولغوية ودينية مختلفة. وبذلك فإن تعامل هذه المجتمعات البلقانية المختلفة مع اليهود الذين تواجدوا في المنطقة خلال الفترات التاريخية الماضية تعددت أوجهه بدورها سلبًا وإيجابًا، وعرفت فترات تشنج وكراهية كما شهدت عهودًا من الانفتاح على تلك الجاليات اليهودية ومعاملتها بتسامح. لكن التاريخ الحالي يشهد فصولاً درامية لا تعكس حقائق التاريخ وما كان من حسن المعاملة وما بذله المسلمون من حماية وما وفروه من استضافة لليهود المهجرين من أصقاع أوروبا على أرض الإسلام.

وحتى تكتمل فصول هذه الدراما، فإن من كانوا من أشد أعداء اليهود بالأمس أصبحوا اليوم من أقرب حلفائها، في حين بات من كانوا من أشد المدافعين والحامين لليهود خلال التاريخ المديد من أعداء دولة إسرائيل الحديثة. فالمسيحيون الكاثوليك وعلى امتداد التاريخ أظهروا عداءً واضحًا لليهود (من خلال مطاردتهم المستمرة لليهود منذ 1492 ومحاولاتهم إفنائهم واستئصال وجودهم بالكامل ، أو حملات الكاثوليك التي انطلقت في العام 1612 من أجل حمل اليهود على تغيير دينهم إلى المسيحية، وصولاً أخيرًا إلى تورط الفاتيكان غير المباشر مع سياسات الفاشيين خلال الحرب العالمية الثانية)، أما اليوم فنجد أن البلدان الكاثوليكية والبروتستانتية من أهمّ حلفاء إسرائيل.

في المقابل، ورغم أن الدول الأوروبية المسلمة مثّلت -وعلى امتداد 780 عامًا من حكم الأندلسيين و632 عامًا من حكم العثمانيين- الفضاء الوحيد الآمن والحامي لليهود الأوروبيين، فإن التوتر المستمر هو ما يطبع العلاقات اليوم بين تلك البلدان وإسرائيل. اللحظة الحاسمة في إنشاء شبكة العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية الإسرائيلية مع باقي الدول والجماعات الإثنية والمنظمات السياسية في البلقان كانت متأثّرة ومرهونة في طبيعة تشكيلها بهذا التناقض وقلب الحقائق التاريخية التي عاشها اليهود على أرض القارة الأوروبية.

من الحقائق الثابتة تاريخيًّا أن المسيحيين، وعلى الأخص الدول الكاثوليكية مثل: إسبانيا والبرتغال وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وشعوب هذه البلدان من المسيحيين-الكاثوليك والكاثوليك الرومان والأنجليكيين والبروتستانت- هم اليوم من أقرب حلفاء إسرائيل، وهذه الحقيقة هي ما تزيد في الاستغراب من هذا التشوه التاريخي في الذاكرة والذهنية والنفسية لدى الطرفين؛ إذ إن التاريخ يثبت بكل قطعية أن تلك الدول والشعوب التي أشرنا إليها أعلاه ضاقت باليهود ذرعًا وطاردتهم وعاملتهم أسوأ معاملة وصولاً إلى محاولة التخلص النهائي من وجودهم ومحوهم من على وجه البسيطة خلال محرقة الهولوكوست التي دبّروها لهم في الحرب العالمية الثانية! وهذا التشوه في الذاكرة التاريخية والنفسية ذاته هو الذي يحكم اليوم علاقة إسرائيل بالدول والشعوب المسلمة.

هذا التشوه والتناقض في فهم التاريخ اليهودي يبدو أكثر جلاء وتمظهرًا في واقع العلاقات بين إسرائيل ودول البلقان؛ حيث إن تأثير تلك العلاقات بالغ الأهمية على السياسات البلقانية ومستقبل المنطقة بشكل عام. لهذا فإن فهم علاقات بلدان البلقان بإسرائيل هو مفتاح فهم سياسة إسرائيل العامة وإستراتيجياتها ليس فقط في البلقان بل أيضًا في منطقة الشرق الأوسط وكذلك سياستها العالمية.

كما هو معروف فإن الاعتراف بدولة إسرائيل لم يكن أمرًا يسيرًا، وإن كان أول اعتراف قانوني بهذه الدولة المعلنة من جانب واحد عند منتصف ليلة 14 مايو/أيار عام 1948، من قِبل حكومة أميركا بإعلان رئيسها آنذاك هاري ترومان الذي جاء بعد 11 دقيقة فقط من إعلان الدولة الإسرائيلية (ونذكّر هنا بأن الأمر في حينها تعلّق بالاعتراف بحكومة إسرائيلية ظرفية ومؤقتة)، أما الاعتراف الواقعي بإسرائيل فجاء في 31 يناير/كانون الثاني من العام 1949 وكان من قِبل عدد قليل جدًّا من الدول الأعضاء بعصبة الأمم؛ ففي الجولة الأولى من التصويت الأول على قرار الاعتراف بدولة إسرائيل المعلنة لم تقبل أية دولة من دول منطقة الشرق الأوسط ولا من قارة آسيا أو إفريقيا بالتصويت لصالح الإعلان، ثم تلت ذلك جولة ثانية من التصويت نُظِّمت في 14 مايو /أيار عام 1948؛ حيث صوّتت جمهورية جنوب إفريقيا، التي كانت مؤسسة على التفرقة العنصرية (الأبارتايد)، لصالح قرار الاعتراف بإسرائيل، ثم كانت الهند أول دولة آسيوية تقر لإسرائيل بالاعتراف بدولتها في 17 من سبتمبر/أيلول من عام 1950.

وبما أن بلدان الرابطة الشيوعية كانت على قدر عالٍ من الوحدة آنذاك، فقد شكّل اعتراف الاتحاد السوفيتي بدولة إسرائيل محفِّزًا لاعتراف دول البلقان بالدولة الإسرائيلية الوليدة، وكان على رأس تلك البلدان الاتحاد اليوغسلافي ودول أخرى مثل بلغاريا ورومانيا وألبانيا بالإضافة إلى اليونان، التي كانت عضوًا في حلف شمال الأطلسي وحليفة مقربة من أميركا. أما اليوم، وبما أن الخارطة السياسية للبلقان قد شهدت تغيرًا مهمًّا، فإنه من الضروري إجراء قراءة جديدة في واقع العلاقات السياسية بين بلدان البلقان وإسرائيل.

علاقات إسرائيل وبلدان منطقة جنوب شرق البلقان

تمثل اليونان وبلغاريا أولى بلدان منطقة البلقان انضمامًا إلى الاتحاد الأوروبي، كما أنهما كانا تحت الحكم العثماني الإسلامي خلال القرون الممتدة من الرابع عشر وحتى التاسع عشر، وعرف تاريخهما الماضي (العثماني) والحديث (فترة الحربين العالميتين وما تلاهما وخضوعهما للاستعمار النازي الألماني) نفس مستويات التعامل مع اليهود الذين كانوا يستوطنونهما. أما دولة ألبانيا فأُلحقت باليونان وبلغاريا لأنها أولاً من بلدان البلقان التي لم تنتمِ للاتحاد اليوغسلافي السابق، وثانيًا لأنها الدولة البلقانية، إلى جانب اليونان وبلغاريا التي لم تعِشْ ويلات حرب الاستقلال عن الأنظمة الشيوعية التي كانت تحكم بلدان المنطقة قبل انهيار جدار برلين والاتحاد السوفيتي. هذه البلدان الثلاثة التي تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي، اكتمل بناء مفهوم الدولة فيها وعرفت مراحل متقدمة من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وهو ما لا يتوفر بشكل كامل في دول البلقان الأخرى وريثة الاتحاد اليوغسلافي السابق، وما من شأنه بالتالي أن يجعل طبيعة العلاقات التي تقيمها مع إسرائيل تختلف في مضمونها وتأثيراتها.

أولاً: اليونان

اعترفت اليونان بدولة إسرائيل قبيل نهاية العام 1949، إلا أن التمثيل الدبلوماسي كان في أدنى مستوياته بين الطرفين إلى غاية العام 1991 بافتتاح سفارتي البلدين في أثينا وتل أبيب، وتعود برودة العلاقات بين البلدين إلى تأثرها بقوة العلاقات التي كانت قائمة بين إسرائيل وتركيا العدو الرئيسي لليونان. وكانت وفاة رئيس الوزراء اليوناني أندرياس باباندريو في يونيو/حزيران من العام 1996 (كان باباندريو صديقًا للشعب الفلسطيني ومناصرًا لقضيته وداعمًا لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما لم تغفره إسرائيل أبدًا له ولبلده)، قد مثّلت أولى بشائر تحسن العلاقات اليونانية-الإسرائيلية، ثم دفع برود العلاقات بين إسرائيل وتركيا منذ العام 2010 إلى تمتين التقارب والتعاون اليوناني-الإسرائيلي بشكل واضح.

يعود تاريخ وجود اليهود في جُلّ الأراضي اليونانية، كما في كل بلدان البلقان الأخرى، إلى العام 1492م بعد ترحيلهم قسرًا من إسبانيا الكاثوليكية. وكان الاستقبال والترحيب الذي لاقاه اليهود من قبل سلطات وشعب الإمبراطورية العثمانية محكومًا بمعاهدة المدينة المنورة (وهي نفس المعاهدة التي أبرمها المسلمون الأوائل مع يهود المدينة المنورة عام 623م)، وقد وفرت لهم سلطات العثمانيين ظروفًا كريمة لحياة مستقرة ومزدهرة تدل عليها حقيقة أن مدينة سولون (وتسميتها الحالية تيسالونيكي) كانت في بداية القرن العشرين أكبر مدينة في العالم لتجمع الجاليات اليهودية التي بلغ تعدادها 15 ألف يهودي.

سبقت العلاقات الاقتصادية بين البلدين علاقاتهما الدبلوماسية، فقد بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية إلى اليونان من المواد الكيميائية عام 1995 مئتي (200) مليون دولار، في حين كانت صادرات اليونان إلى إسرائيل، التي تتكون في الغالب من المواد الإسمنتية والغذائية ومواد البناء، قد بلغت 150 مليون دولار. العلاقات الجيدة بين إسرائيل وتركيا من جهة، وعلاقات اليونان الحميمة مع منظمة التحرير الفلسطينية في عهد باباندريو من جهة ثانية، أثّرتا بشكل واضح على طبيعة العلاقات الثنائية بين هذه البلدان الثلاثة سلبًا وإيجابًا.

ولهذا فقد ظلت معاهدة التعاون العسكري بين أثينا وتل أبيب الموقعة عام 1994 حبرًا على ورق، ومن ذلك أن البلدان لم يجريا أبدًا المناورات العسكرية المشتركة التي اتفقا عليها عام 2007. إلا أن تعكُّر صفو العلاقات الإسرائيلية-التركية على خلفية اعتراض قافلة الحرية التي نظمتها منظمة الصليب الأحمر الدولية التي كانت متوجهة إلى غزة وما صاحبها من هجوم على طاقمها وقتل عدد من الناشطين الأتراك على متنها، سمح للقوات العسكرية الجوية الإسرائيلية واليونانية بتنفيذ مناورات مشتركة بينهما في العام 2010 على الأراضي اليونانية، كما أرسلت اليونان عام 2011 خمس طائرات من نوع F-16 للمشاركة في تدريبات في إسرائيل، ثم تواصلت وتيرة العلاقات العسكرية بين البلدين حيث وقّع وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك في يناير/كانون الثاني من العام 2012 أثناء زيارته إلى اليونان معاهدة عسكرية تقضي بمزيد من التعاون المشترك في مجال الدفاع القومي.

طُبِعت العلاقات الإسرائيلية - اليونانية بمزيد من التقارب والتنسيق من خلال جملة اللقاءات الثنائية بين قيادات البلدين في أعلى المستويات. فقد قام الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف بزيارة إلى اليونان في أول زيارة من نوعها في تاريخ البلدين. وكان رئيس الوزراء اليوناني جيورجيوس باباندريو (نجل أندرياس باباندريو) قد زار إسرائيل رسميًّا في يونيو/حزيران 2010 بهدف تحسين العلاقات الثنائية. وفي أغسطس/آب من نفس العام ردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الزيارة وقَدِم إلى اليونان في سابقة من نوعها بين البلدين.

زيارة نتنياهو لأثينا جاءت كرد للجميل على موقف اليونان التي أمسكت عن التصويت على قرار دولي يندد بما قامت به القوات الإسرائيلية من عمل عدائي تجاه قافلة الحرية التي كانت في طريقها إلى قطاع غزة في مايو/أيار من عام 2010، وكان هذا الحادث نفسه هو ما تسبب في نسف العلاقات بين إسرائيل وتركيا عدوة اليونان التقليدية.

إلا أن التطور الأكثر تعبيرًا عن تدهور العلاقات الإسرائيلية-التركية تمثل في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إلى أثينا عام 2011، والتي أدت إلى فتح باب التحاور بين الطرفين حول رسم الإستراتيجيات المشتركة وتوحيد جهودهما لمكافحة الإرهاب. تجاوبت اليونان بسرعة ولعبت دورها في "مكافحة الإرهاب" بتعطيلها ومنعها للاستعدادات التي كان يقوم بها نشطاء خيريون لإرسال مساعدات إلى الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة، ولذلك كوفئت من قبل إسرائيل التي ضمت الجزء اليوناني من جزيرة قبرص إلى مشروع التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في حقل ليفياتان، وهكذا زادت العلاقات الثنائية بينهما متانة في مجالي الطاقة وحماية البيئة الطبيعية. هذا الاتفاق المبرم في مارس/آذار عام 2012 ضمّ أيضًا قطاع الطاقة الكهربائية وسمح بمد خط كهربائي ينطلق من إسرائيل إلى قبرص ومنها إلى اليونان ما يجعله أطول خط للطاقة الكهربائية في العالم. كما أن مشروعًا مشتركًا ضخمًا بين إسرائيل وقبرص واليونان يتعلق بالتنقيب في حقول للغاز تقع شرق البحر الأبيض المتوسط ويهدف بوضوح إلى جعل اليونان الشريك والحليف الرئيسي لإسرائيل في منطقة البلقان.

ثانيًا: بلغاريا

الحقيقة دائمًا هي أمر أكبر من مجرّد اجتماع عدة دلالات. هذه المقولة تصحّ على حقيقة طبيعة العلاقات الإسرائيلية-البلغارية، بمعنى أن الدلالات التي تُقدَّم على وصف العلاقات البلغارية-الإسرائيلية بالجيدة لا تبدو كافية وحدها للكشف عن طبيعة وسمات الأحداث التي بُنيت عليها. فعندما تُسوَّق بلغاريا على أنها من الدول الأوروبية القليلة، مع رومانيا، التي كانت تحت الاستعمار الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، والتي أنقذت حوالي 80% من اليهود الذين كانوا يعيشون على أرضها من محنة المحرقة، وتجعل من هذا المعطَى دليلاً على متانة وتطوّر علاقاتها المتميزة الحالية مع إسرائيل، فإن هذا لا يكشف شيئًا من حقيقة الأجواء التي دارت فيها عمليات الإنقاذ المشار إليها لحوالي 48 ألفًا من اليهود، وهو ما يعادل 80% من العدد الإجمالي للجالية اليهودية التي سَلِمت من الترحيل القسري إلى معسكرات الموت الألمانية.

علينا هنا قبل كل شيء أن نقول: إنّ لا بلغاريا ولا رومانيا كانتا محتلَّتَيْن من قبل ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية لكنهما بالأحرى كانتا حليفتين لألمانيا. وهذا الوضع سمح لهما بالتالي:

· أولاً: كان هناك قدر كبير من استقلالية القرار فيما يتعلق بالمسائل الداخلية لكل من بلغاريا ورومانيا وتمكنتا من حرية التصرف في قضية ترحيل اليهود من أراضيهما.

· ثانيًا: إن عددًا من المؤرّخين يتفقون، يدعمهم كمٌّ كبير من الوثائق المثبتة، على أن العامل الأساسي في عدم ترحيل اليهود إلى المعسكرات الألمانية في عهد الحكومة الفاشية البلغارية، يعود أساسًا إلى جهود الحزب الشيوعي البلغاري في معارضة عمليات الترحيل ولا يعود الفضل فيه للحكومة البلغارية الرسمية! فقد جنّد الحزب الشيوعي البلغاري كل قواه الشعبية لمواجهة التوجه الحكومي البلغاري الرسمي الداعم للفاشية في الوقت الذي كانت فيه الحكومة البلغارية، وبالأخص القيصر بوريس الثالث، ذات توجه معارض للسامية، وذلك بعكس مقولات بعض المؤرخين الآخرين. أدت تلك المعارضة الشعبية الواسعة المدعومة من قبل أوساط كنسية بلغارية إلى رفض ترحيل كامل لليهود نحو معسكرات الموت الألمانية. لكن السلطات البلغارية، وبقصد تخفيف حدة ردة الفعل الألمانية المتوقعة حول منع ترحيل اليهود البلغاريين إليها، أصدرت أوامرها بترحيل كامل لليهود المتواجدين في كلٍّ من مقدونيا التي كانت واقعة ضمن حدود مملكة يوغسلافيا، ويهود منطقة تراكيا التي كانت تابعة لدولة اليونان التي أخضعتها بلغاريا حينها إلى وصايتها بمباركة ألمانية عندما كانت صوفيا حليفًا قويًّا للقوة الألمانية الفاشية الغاشمة. أدت عمليات الترحيل تلك إلى التسبب في قتل حوالي 11700 يهودي، وهدّأت من غضب ألمانيا، بل ومثّلت -بالإضافة إلى ذلك- إنجازًا ونجاحًا تامًّا؛ حيث لم ينجُ من عمليات الترحيل تلك سوى بعض الأفراد من اليهود!

· ثالثًا: لقد كلفت عملية منع ترحيل اليهود من بلغاريا الكثير من المال في المقابل، فقد تنازل اليهود حينها عن كل ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة ودفع أموال طائلة كانت جماعات يهودية في الخارج قد أرسلتها إلى السلطات البلغارية من أجل إنقاذ اليهود البلغاريين.

· رابعًا: عدد من الناجين من اليهود المرحَّلين قسرًا إلى المعسكرات الألمانية كانوا قد أدلوا بشهادات تفيد بأن جزءًا من المرحَّلين لم يكونوا أصلاً من اليهود بل كانوا مساجين بلغاريين من المعارضة الشيوعية البلغارية تم تجميعهم من داخل السجون وشحنهم في قوافل المرحَّلين على أنهم يهود.

تبدو معرفة هذه الحقائق والأحداث ضرورية على مستوى التحليل الجدي لأن كلا الطرفين الإسرائيلي والبلغاري يعرفان تلك الحقائق جيدًا؛ إذ إن هذا الجانب الخفي من واقع العلاقة بين البلدين كان حاضرًا وبقوة في الحقبة التي مرت بها علاقاتهما الباردة ، فبالرغم من اعترافها بدولة إسرائيل عام 1948، متبعة في ذلك خطى الاتحاد اليوغسلافي الذي كانت من حلفائه المقربين ، وعضوًا في حلف وارسو**، فإن بلغاريا كانت قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل عام 1967 على إثر حرب الأيام الستة، وكان ذلك مرة أخرى بتأثير من الاتحاد اليوغسلافي.

بعد انهيار الاتحاد اليوغسلافي عام 1990 أعادت بلغاريا علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل وكان ذلك على مستوى تبادل السفراء في كل من تل أبيب وصوفيا بالإضافة إلى قنصلية فخرية في مدينة فارني البلغارية. التعاون بين البلدين يتجه أكثر نحو المجالين الاقتصادي والعسكري مع تكثيف التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وقد توصل الطرفان إلى هذا المستوى من التعاون في مكافحة الإرهاب على إثر حادث الهجوم على حافلة كانت تقل سائحين يهودًا في بلغاريا في 19 يوليو/تموز عام 2012، والذي نفذه شخص يحمل رخصة قيادة أميركية.

ثالثا: ألبانيا

عند إعلان قيام دولة إسرائيل، كانت ألبانيا حينها تتمتع بعلاقات متميزة مع الاتحاد السوفيتي، وبما أن هذا الأخير كان قد اعترف بإسرائيل فإن كل الدول الأعضاء في حلف وارسو تبعت خطى الحليف الأكبر ولم تكن ألبانيا لتتأخر في الاعتراف بالدولة الإسرائيلية وأعلنت ذلك عام 1949، إلا أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لم تتخذ طابعًا رسميًّا على مستوى السفراء في كل من تيرانا وتل أبيب سوى في الفترة التي أعقبت تهاوي الشيوعية في ألبانيا، وكان ذلك في 20 أغسطس/آب 1991.

جوهر الحقيقة عادة ما يكون غير معروف أو متجاهَل عن قصد، ومؤداه أنه لا يجب إطلاقًا التحقير من أي شخص أو الانتقاص من قدرات الشعوب والدول الصغيرة، هذا المعنى نجده متحققًا في كون عدد اليهود في ألبانيا عند نهاية الحرب كان أكبر من عددهم عند انطلاقها!؟ وذلك على الرغم من أن ألبانيا كانت خاضعة لاستعمار القوى الغاشمة خلال فترة الحرب العالمية الثانية (تحديدًا من قبل الاستعمار الفاشي الإيطالي تحت قيادة بينيتو موسيليني)، وهذا ما لم يتحقق في أية دولة من الدول التي استعمرتها ألمانيا وإيطاليا الفاشيّتان. الدلائل تشير إلى أن الترحيل القسري طال عائلة يهودية واحدة ووحيدة خلال تلك الفترة بعد تأخّر وصول النجدة الشعبية الألبانية إليها في الوقت المناسب.

ازدياد عدد اليهود في ألبانيا لم يكن فقط بفضل منع ترحيلهم وإنما أيضًا باستقبال ألبانيا لأعداد ممن رُحِّلُوا منهم من دول الجوار على أراضيها وتأمينهم على حياتهم. لكن هذا النجاح لم يكن دون مخاطر جدية، فقد مكنت السلطات الألبانية اليهود من أوراق ثبوتية مزورة ووطّنتهم في مناطق البلاد الداخلية البعيدة مما سهل عملية اندماجهم في المجتمع الألباني بسرعة. وبحسب الأرقام الرسمية فإن ألبانيا كانت بلد الاستقبال لحوالي 1200 يهودي لجأوا إليها من بلدان البلقان المجاورة. إسرائيل من جانبها، وكرد جميل لألبانيا استضافت على أراضيها عددًا من الألبان اللاجئين إليها من كوسوفا خلال الاعتداء الصربي عليها عام 1999، ومكنتهم من العلاج والإقامة على أراضيها.

بصفتها عضوًا ملاحِظًا في الاتحاد الأوروبي، ساندت إسرائيل بقوة طلب ألبانيا عضوية الاتحاد وحلف النيتو عن طريق لوبياتها القوية والفعالة على الساحة الدولية. إلا أن نقطة التحول في هذه العلاقة قد كمنت في اعتراف ألبانيا الرسمي بدولة فلسطين. لكن يبدو أن حتى هذا الاعتراف لم يغير من طبيعة العلاقات المتميزة والقوية التي تربط إسرائيل بألبانيا والتي يمكن أن تُصنَّف على أنها أقوى العلاقات التي تربط إسرائيل بدول منطقة البلقان على الإطلاق. يعيش حاليًا في ألبانيا حوالي 530 أسرة يهودية. ومنذ العام 2007 ازداد اهتمام الشركات الإسرائيلية بالشراكة مع نظيراتها الألبانية؛ ومن ثم فقد ازداد حجم الاستثمارات الإسرائيلية في البلاد بسرعة وخاصة تلك الموجهة إلى قطاعات الفلاحة والسياحة وتمويل مشاريع التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي.

هكذا تبدو علاقات إسرائيل بدول جنوب شرق البلقان، اليونان وبلغاريا وألبانيا، متوازنة بشكل عام وتحكمها مصالح السياسة الدولية وسعي كل طرف منها إلى تعزيز مصالحه وكسب ودّ الطرف الآخر تجاه قضاياه الإستراتيجية الكبرى. لغة المصالح المشتركة تطغى على طبيعة تلك العلاقات، وماضي اليهود وما لاقوه من عنت على أيدي اليونانيين والبلغار خلال العقود الماضية، وخاصة ما تعرضوا له من تنكيل وسجن وترحيل قسري أثناء الحرب العالمية الثانية، لا يُشكِّل عاملاً معطّلاً لسيرورة العلاقات وتطوّرها، كما أن تميز العلاقة بين إسرائيل وألبانيا تاريخيًّا لم تتغير طبيعته، بل ازدادت متانة رغم أن ألبانيا دولة يشكِّل المسلمون فيها غالبية مطلقة.
_______

* النص بالأصل أعد لمركز الجزيرة للدراسات باللغة البوسنية، وترجمه إلى العربية الباحث المتخصص بشؤون البلقان كريم الماجري.
* * يُسمّى حلف وارسو رسميا بمعاهدة الصداقة والتعاون المشتركين ، وهي منظمة عسكرية تأسست في العام 1955، كانت هدفها الأساسي مواجهة تهديدات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، واستمر عمل المنظمة التي نشطت كثيرا أثناء حقبة الحرب الباردة حتى انهيار جدار برلين وما تلاه من تفكك للاتحاد السوفييتي، لكن الإعلان الرسمي عن حلّ الحلف في يوليو/تموز من عام 1991 سبق بقليل الإعلان الرسمي عن التفكك النهائي للاتحاد السوفييتي المُعلن في 25 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاتحاد اليوغسلافي كان الدولة الشيوعية الوحيدة التي لم تنضم إلى منظمة معاهدة وارسو.(المترجم)
فريد موهيتش - محاضرا لمادّة الفلسفة بجامعة القديسين سيريل وميثوديوس بالعاصمة المقدونية سكوبيا. أستاذ زائر بالمعهد الدولي للفكر والحضارة الإسلامية بكوالالومبور الماليزية. وأستاذ زائر في جامعة فلوريدا الحكومية وجامعة سيراكوز بنيو يورك، وجامعة السوربون الباريسية وعدد آخر من الجامعات الغربية والإسلامية.


توقيع : kumait


يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت
إرنست همنغواي
من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 17  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي خارطة علاقة دول البلقان وشعوبها مع إسرائيل: حدودها وطبيعتها(2)
قديم بتاريخ : 30-11-2012 الساعة : 02:30 AM



تعتبر إسرائيل علاقاتها مع دول البلقان مهمة جدًّا في بناء شبكة علاقاتها

خارطة علاقة دول البلقان وشعوبها مع إسرائيل: حدودها وطبيعتها(2)

تناول الجزء الأول من هذه الدراسة علاقة إسرائيل بدول البلقان التي لم تكن جزءًا من الاتحاد اليوغسلافي السابق، أي بلدان منطقة جنوب شرق البلقان. ويتناول الجزء الثاني منها وهو الأخير، طبيعة العلاقات الإسرائيلية مع دول البلقان التي كانت منضوية تحت لواء الاتحاد اليوغسلافي السابق (ثم استقلت عنه)، والتي عاشت حقبًا تاريخية مشتركة عرفت خلالها الأوضاع البلقانية تطورات درامية وصراعات دامية خلّفت جراحًا وندوبًا في التاريخ يصعب محوها.

إسرائيل ودول البلقان المستقلة عن الاتحاد اليوغسلافي السابق

عرف مصير اليهود في البلدان التي كانت مستقلة عن الاتحاد اليوغسلافي مرحلتين مختلفتين تمامًا بل ومتناقضتين، فبينما لُوحق اليهود وشُرّدوا ورُحِّلوا قسرًا، وصودرت ممتلكاتهم، وسيق من سيق منهم إلى معسكرات الموت الألمانية النازية في كلٍّ من صربيا الأرثوذكسية وكرواتيا المسيحية، تمامًا كما كان الأمر بالنسبة لكل مسيحيي أوروبا في تعاملهم مع اليهود، فإن تاريخ اليهود مع شعوب البلدان البلقانية التي تغلب فيها ديموغرافيا المسلمين عرف وجهًا مشرقًا وحضاريًّا وإنسانيًّا يعترف به اليهود أنفسهم.

لكن ثمة مشكلة ما تجعل هذه الحقائق التاريخية تُنتج آثارًا عكسية، فما نشهده اليوم من علاقات متينة بين اليهود والبلدان المسيحية (التي أقامت لأجدادهم المحرقة وطردتهم من أراضيها ولاحقتهم وصادرت أموالهم) أمر يدعو إلى الاستغراب، خاصة إذا قارنّاه بحالة الحقد والكراهية الإسرائيلية المعلنة لكل ما هو مسلم، وهذا قدر عدد من دول البلقان.

فما هي طبيعة تلك العلاقات؟ وهل لها من تأثير على واقع ومستقبل الدول البلقانية؟

أولاً: مقدونيا

يعود تاريخ العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين مقدونيا وإسرائيل إلى 7 ديسمبر/كانون الأول عام 1995، أي أربع سنوات بعد إعلان مقدونيا استقلالها عن الاتحاد اليوغسلافي. وبالرغم من أن دستور مقدونيا قد أعلن أن اسم البلاد الرسمي هو جمهورية مقدونيا، فإن إسرائيل أقامت علاقاتها الدبلوماسية مع مقدونيا باعتماد اسمها المؤقت المعتمد لدى الأمم المتحدة تحت اسم جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة (من المعروف أن اليونان طالبت من جانب واحد بضرورة تغيير مقدونيا لاسمها الدستوري واقترحت أن تُسمّى جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة، ورغم أن الخلاف لا يزال موضوع نظر الأمم المتحدة إلا أن إسرائيل بادرت إلى الاعتراف بجمهورية مقدونيا مما أثار غضب اليونان، ويبدو أن ذلك هو ما قصدته إسرائيل من وراء هذا الاعتراف).

تم تسجيل قدوم أعداد بسيطة من اليهود إلى المناطق الواقعة جنوب أرض مقدونيا في منتصف القرن الماضي، إلا أن وجودهم في مقدونيا يعود إلى نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، وكان ذلك على إثر عمليات الترحيل القسري التي طالت اليهود في إسبانيا واستقبلتهم سلطات الإمبراطورية العثمانية التي كانت الدولة الأوروبية المسلمة الوحيدة.

يعيش اليوم في مقدونيا حوالي 200 يهودي أغلبهم في العاصمة سكوبيا، بالإضافة إلى أسرتين في مدينة شتيب وهم من بقايا الأسر اليهودية المرحّلة. ينتظم هؤلاء اليهود في جماعة يهودية ناشطة في مجال مزيد من التقريب بين البلدين، كما يعملون على ربط علاقات قوية بين جماعتهم وجماعات اليهود الأخرى في باقي دول البلقان وأميركا. من جانبها قامت حكومة مقدونيا بتسوية وضعية ممتلكات اليهود العقارية التي ظلت دون وريث شرعي بعد موت أصحابها وأعادت ملكيتها إلى منظمة الجماعة اليهودية في مقدونيا، وهو إجراء قلّ نظيره في دول العالم، كما شيدت حكومة مقدونيا أحد أكبر المراكز في العالم خُصِّص لذاكرة الهولوكوست في نفس المكان الذي كان في ما مضى حيًّا يسكنه اليهود. التعاون الاقتصادي بين البلدين يتقدم ببطء على غير ما خُطّط له، ولم يتم تحويل الاستثمارات الإسرائيلية الموعودة لإنجاز جملة من المشاريع المعلنة منذ 2008 والمتعلقة باستصلاح الأراضي وإقامة نظام للريّ الزراعي، لكن النشاط الأكبر يسجَّل في قطاعي السياحة والتبادل الثقافي بين البلدين.

ثانيًا: الجبل الأسود (مونتينيغرو)

مباشرة على إثر إعلان استقلال الجبل الأسود في يونيو/حزيران 2006، اعترفت إسرائيل رسميًّا بالدولة الجديدة في 13 يونيو/حزيران من نفس السنة، وبعد شهر واحد من ذلك التاريخ وبسرعة غير معهودة سارعت إسرائيل إلى تكليف سفيرها في العاصمة الصربية بلغراد بالقيام بأعمال السفير الإسرائيلي في الجبل الأسود في 19 سبتمبر/أيلول عام 2007. أما الجبل الأسود فقد افتتح قنصلية فخرية لتمثيله في تل أبيب بداية من العام 2009. وخلال هذه الفترة قام وزيرا خارجية البلدين بتبادل عدد من الزيارات بين عامي 2009 و2010، في حين قام، ميلو دجوكانوفيتش، رئيس وزراء الجبل الأسود بزيارة رسمية إلى إسرائيل.

التعاون الاقتصادي بين الجانبين لا نظير له من حيث تسارع نموّه كمًّا ونوعًا في أيٍّ من بلدان منطقة البلقان كلها، فإلى جانب شراء أسهم شركة الطيران التابعة للجبل الأسود، فإن إسرائيل تضخ أموالاً هائلة في البنية التحتية السياحية وبناء النزل الفاخرة والمرافق السياحية العصرية على شواطئ جمهورية الجبل الأسود. لم يُسجَّل في الماضي أي أثر لوجود الجالية اليهودية في الجبل الأسود، وقد تم ترحيل من عُثر عليهم من اليهود على أرض الجبل الأسود، إثر خضوعها للاستعمار الفاشي الإيطالي والنازي الألماني الذي تواصل من سبتمبر/أيلول 1943 إلى فبراير/شباط 1944.

بالرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية تفيد عن أعداد اليهود في جمهورية الجبل الأسود اليوم، فإنه لا شك لدينا في أن عددهم ضئيل جدًّا، وقد لا يتعدى عدد أصابع اليدين. لكن ومع ذلك فإن كل الإمكانات وُضِعت بين أياديهم لبناء روابط بينهم وبين باقي الجاليات اليهودية، في البلقان، ومن ذلك أنهم أسسوا جماعتهم الخاصة في الجبل الأسود. في يناير/كانون الثاني من العام 2012 وقَّعت حكومة الجبل الأسود معاهدة مع الجماعة اليهودية المقيمة على أراضيها تضبط العلاقة الثنائية بينهما، (هذه هي أقل الجماعات اليهودية عددًا في العالم)، واعترفت حكومة جمهورية الجبل الأسود باليهودية دينًا رسميًّا فيها.

ثالثًا: صربيا

كما هي الحال في كامل منطقة البلقان، فإن تاريخ هجرة اليهود إلى الأراضي الصربية يعود إلى العام 1492 عندما تم تهجيرهم قسرًا من إسبانيا، فكانت الإمبراطورية العثمانية الدولة الأوروبية الوحيدة حينها التي استقبلت عددًا غير محدود من اليهود المهجَّرين، وقد تأسس هذا الموقف المنفتح آنذاك على مبادئ الإسلام التي قامت عليها الإمبراطورية العظمى. إن الإمبراطورية العثمانية بصفتها دولة إسلامية كانت الدولة الوحيدة التي بإمكانها قبول ذلك العدد الهائل من أشخاص مهجَّرين ينتمون إلى دين آخر (الدين اليهودي) دون أن تؤدي تلك الهجرة الجماعية الكبرى إليها إلى التساؤل عن أصول الوافدين وديانتهم. هذا الموقف لم يكن في تعارض مع المبادئ الاجتماعية والسياسية التي تحكم نظام الدولة العثمانية الأوروبية المسلمة، بل على العكس من ذلك فقد كان تأكيدًا واقعيًّا لتلك المبادئ وذلك التسامح الذي عزّ نظيره.

في إطار نفس هذا المنطق في التعامل مع أصحاب الديانات المخالفة، لا يجب أن نستغرب في المقابل من أن هذا الوضع الآمن الذي عاشه اليهود على أرض البلقان، وعلى أرض صربيا في حدودها الحالية، وما عرفوه من تطور كان قد توقف وانقلب إلى نقيضه بمجرد انتهاء الحكم الإسلامي في كامل هذه المنطقة.

مباشرة على إثر سقوط مملكة يوغسلافيا عام 1941، تأسست على أرض تلك المملكة دولتان جديدتان، كلتاهما مبنيتان على أسس الغطرسة والقوة المفرطة، وهما: دولة كرواتيا المستقلة ودولة صربيا، وقد كانت حكومة دولة صربيا التي تشكّلت على إثر انهيار المملكة اليوغسلافية تتعاون مع النظام الفاشي الألماني، لكنها وفي نفس الوقت استمرت في ضغطها على بقايا رجال النظام الملكي المنهار مما دفع ولي العرش اليوغسلافي إلى اللجوء إلى لندن. هذا التعاون كان يعني، على مستوى التطبيق، قبولاً بمخطط ترحيل اليهود الذين كانوا يعيشون على أرض صربيا إلى معسكرات الموت الألمانية، أما على مستوى القناعات والإيمان لدى الحكومة الصربية المؤقتة فقد تُرجم بإقامتها معسكرًا لتجميع يهود البلقان في منطقة بانيتسي بالقرب من بلغراد.

تم ترحيل ما يقرب من 10 آلاف و500 يهودي، وهو عدد اليهود المسجلين في الدفاتر الرسمية لمدينة بلغراد بعد إلقاء القبض عليهم وسجنهم في معسكر بانيتسي، ويضاف إلى هؤلاء حوالي 500 يهودي كانوا يعيشون في كوسوفا. ولم يلقَ أغلب هؤلاء اليهود الموت في محرقة الهولوكوست في المعسكرات الألمانية، ومن نجا منهم من الأسر هاجر لاحقًا إلى إسرائيل. علينا هنا أن نذكر أن عددًا من اليهود الذين انضموا إلى قوات "البارتيزان" (المقاومة للاستعمار الألماني وللحكومة الصربية الفاشية آنذاك)، بقيادة يوسيب بروز تيتو، أصبح أغلبهم فيما بعد من وجهاء الحياة الاجتماعية والثقافية والفنية، وخاصة الاقتصادية لصربيا حيث يعيش اليوم حوالي 1700 يهودي أغلبهم في العاصمة بلغراد.

من المثير هنا (وكذلك من الأمور التي تحمل دلالات قوية) الإشارة إلى أن المصادر والوثائق الحكومية الصربية فيما يتعلق بالعلاقات الصربية-اليهودية لا تذكر إطلاقًا فترة الهجرة المكثفة لليهود نحو الأرض الصربية أيام كانت تخضع للحكم الإسلامي للإمبراطورية العثمانية!! هذا الموقف الصربي المستغرب يبدو أكثر وضوحًا إذا علمنا أن بلغراد بدأت بإقامة علاقاتها الدبلوماسية في 31 يناير/كانون الثاني من العام 1992، وهي الفترة ذاتها التي كانت تُعدّ فيها صربيا لعدوانها على البوسنة والهرسك، مُعلنة أنها تخوض حربًا لحماية أوروبا من الإسلام الذي يتهددها، حتى تحصل بذلك على مباركة ودعم تل أبيب.

هذه السياسة الصربية الداخلية المعلنة المعادية للإسلام تمثل اليوم ركيزة أساسية ودافعًا مهمًّا لسياستها الخارجية أيضًا. إن طبيعة العلاقات الصربية-الإسرائيلية ترتكز بالأساس على موقفيهما من قضيتين ذواتي أهمية خاصة لكليهما، وهما قضية وضع كلٍّ من كوسوفا وفلسطين القانوني على المستوى الدولي، فبعد تبني مجلس الأمن الدولي للقرار رقم 1244 للعام 1999 الذي وضع كوسوفا تحت وصاية الأمم المتحدة على إثر إعلانها استقلالها وسيادتها على أراضيها في العام 1998، فإن صربيا لا تزال تعلن رفضها القاطع للاعتراف باستقلال كوسوفا وتتمسك بها كجزء من أراضيها، وذلك على الرغم من الضغوط الدولية المتواصلة عليها من أجل انتزاع اعترافها بسيادة كوسوفا. وفي هذا الإطار فإن عدم اعتراف إسرائيل باستقلال كوسوفا تُرجم صربيًّا على أنه دليل على دعم تل أبيب لبلغراد وتعبير عن صداقتها لها.

لكن صربيا لم ترد المعاملة بالمثل فيما يتعلق بقضية الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة، وكان ذلك بالتعبير عن دعم بلغراد لهذا المقترح وتأكيدها على عدم ممانعتها قيام دولة فلسطينية ذات سيادة على أراضيها إذا ما طُرح هذا المقترح أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. من الواضح أن خلفية مثل هذه المواقف "وإشارات الدعم المتبادل" تصدر عن تقييم دقيق لآثار وتبعات موقفي الجانبين تجاه أحدهما الآخر من القضايا ذات الأهمية الإستراتيجية لكليهما. فإسرائيل رفضت الاعتراف بسيادة جمهورية كوسوفا واستقلالها حتى لا تكون في تناقض مع موقفها المُنكر لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، أما من الجانب الصربي فإن اعترافها بحق الفلسطينيين في دولة سيدة مستقلة نابع من تقدير لما قد تكون عليه الأوضاع مستقبلاً من إبقاء الباب مفتوحًا أمام تحقيق مخطط انفصال "ريبوبليكا صربسكا" ومن ثم التحاقها بدولة صربيا.

قسمت اتفاقيات دايتون أرض دولة البوسنة إلى كيانين منفصلين لكنهما يشكّلان معًا دولة البوسنة والهرسك، وهذان الكيانان هما: فيدرالية المسلمين والكروات وتشمل 51% من مساحة البوسنة وتعيش فيها أغلبية مسلمة وكرواتية، و"ريبوبليكا صربسكا" التي تحتل 49% من مساحة البلاد وتعيش فيها أغلبية صربية ساحقة).

لكن أزمة الاعتراف الصربي بإمكانية قيام دولة فلسطينية لم تؤثر سلبًا على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وبحسب تصريحات رئيس الوزراء الصربي السابق بوريس تاديتش في الأول من فبراير/شباط 2012، بمناسبة مضي عشرين عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، جاء فيها أن الاستثمارات الإسرائيلية في مجال البنية التحتية الصربية قد بلغ بليون يورو، وهو رقم ضخم إذا ما قورن باستثمارات إسرائيل في باقي دول البلقان. أما في مجال التعاون المشترك فقد وقّع البلدان اتفاقًا في العام 2009 يقضي بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات. وانطلاقًا من ذلك التاريخ شهد التعاون بين البلدين في مجال السياحة تطورًا نوعيًّا حيث بلغ عدد السياح الصرب إلى إسرائيل في العام 2011 حوالي 4700 سائح مقابل 1400 سائح فقط عام 2009.\

رابعا: كوسوفا

العلاقات الكوسوفاوية-الإسرائيلية لا تشكو من ثقل تأثير الأحداث التاريخية فيها، ويعود ذلك بالأساس إلى أن أعداد اليهود المقيمين في كوسوفا لم تكن كبيرة، وكذلك لأن اليهود القلائل الذين سكنوا كوسوفا تمتعوا رسميًّا، وعلى امتداد قرون طويلة، بحقوقهم كمواطنين في الإمبراطورية العثمانية. إلا أن يهود كوسوفا، وبعد 30 عامًا فقط من رحيل السلطات العثمانية عن كوسوفا، لاقوا مصيرهم في أتون محرقة الهولوكوست، ولم يكن لسكان كوسوفا من الألبان أي دخل في تعرضهم لذلك المصير، فقد كان جزء من كوسوفا مستعمَرًا عام 1941 من قبل القوات الألمانية والإيطالية الفاشية التي نظمت عمليات تجميع حوالي 200 من اليهود الكوسوفاويين في معسكرات بانيتسي بالقرب من بلغراد، ومن ثم إرسالهم إلى المحرقة النازية الألمانية. أما الشعب الألباني، الذي كان حينها يسكن جانبي كوسوفا المحتلَّيْن، فقد بذل كل جهده في حماية اليهود ولم يسجل التاريخ أي خيانات أو معاملات قاسية من قبل الألبان تجاه اليهود، وهذا كان ديدن الألبان في علاقتهم باليهود في كل المناطق التي عمروها.

من الحقائق التي لا مراء فيها أن العدد الأقل من اليهود المقيمين في مناطق الألبان هو من لاقى مصير الترحيل إلى المعسكرات الألمانية بالرغم من بذل أقصى جهد في سبيل حمايتهم، وما يدلل على هذا هو أن ألبانيا التي كانت ترزح تحت الاحتلال الألماني الفاشي هي البلد الأوحد الذي زاد فيه عدد اليهود المقيمين فيه إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية عن أعدادهم في فترة بداية الحرب!

يبدو أن هذا المعطى ليس بغائب أو مجهول من طرف السلطات الإسرائيلية، من ذلك أن وزارة خارجيتها، وخلال محادثات خاصة في العام 2008 أبدت تفهمًا وتعاطفًا مع قضية كوسوفا، كما أن إسرائيل استقبلت في العام 1999 عددًا من اللاجئين الألبان الكوسوفاويين على أراضيها وشملتهم بالعلاج والإقامة. لكن كل هذا لم يكن كافيًا، فإلى اليوم لم تعترف إسرائيل باستقلال جمهورية كوسوفا، والسبب في ذلك يعود إلى تخوفها من استغلال الفلسطينيين مثل هذا الاعتراف للمطالبة بالاعتراف باستقلال دولتهم وهو ما ترفضه إسرائيل بقوة. في إبريل/نيسان عام 2009 صرّح أرثور كول سفير إسرائيل لدى صربيا بأن موقف بلاده من استقلال كوسوفا لم يتغير وأن في ذلك برهانًا على علاقات الصداقة الحميمة بين إسرائيل وصربيا، إلا أن أفيغدور ليبرمان، وزير خارجية إسرائيل قلّل من هذا التصريح وقال في رد عليه: إن قضية الاعتراف باستقلال كوسوفا حساسة، مضيفًا أن بلاده ستدرس المسألة بعد أن تتخذ إسبانيا واليونان موقفًا واضحًا منها، وقد شكّل هذا التصريح ضربة موجعة لصربيا وهو ما قصده ليبرمان بالضبط من وراء تصريحاته تلك.

أما اليوم، وفي الوقت الذي لا توجد فيه علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وكوسوفا، فيبدو أن موقف إسرائيل من استقلال كوسوفا ومستقبل إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، يبقى خيارًا إسرائيليًّا للابتزاز تضغط من خلاله على بلغراد من أجل دفع مستوى التعاون معها إلى أقصى درجاته الممكنة لصالح إسرائيل بالطبع.

خامسا: البوسنة والهرسك

حقيقة طبيعة العلاقات الإسرائيلية المتناقضة مع دول البلقان تظهر بجلاء في علاقة تل أبيب بالبوسنة والهرسك؛ فالبرغم من الحقائق التاريخية التي تشير إلى أن أكبر عدد من اليهود في البلقان تم ترحيلهم من صربيا (البلد الأكبر والأقوى في كل المنطقة)، بعد تجميعهم في معسكرات الاحتجاز التي أقيمت في بلغراد، فإن إسرائيل ساندت صربيا في عدوانها الوحشي على البوسنة والهرسك عام 1992، وزادت من تقوية علاقاتها الدبلوماسية مع بلغراد تحت حكم الرئيس سلوبودان ميلوشيفيتش، وكان العنوان الأبرز لذلك الدعم هو أن ميلوشيفيتش سوّق لعدوانه على أنه معركة يقودها شخصيًّا من أجل الدفاع عن أوروبا من خطر الإسلام الداهم، واصفًا البوسنة والهرسك بأنها موطن المجاهدين والعرب الإرهابيين، وهو ما يتفق تمامًا مع موقف إسرائيل من المسلمين وبالأخص من العرب، وجاء في وقت كانت فيه منظمة بات يا أور Bat ya’or تشن حملة ضارية في الأوساط الفكرية ومراكز البحوث شبه العلمية معادية للإسلام والعرب، تدعمها في ذلك آلة إعلامية دولية ضخمة.

حقيقة أن اليهود كانوا يَلقَوْن، طيلة تاريخ إقامتهم في البوسنة، حسن المعاملة لم تشفع لشعب البوسنة لدى حكومة إسرائيل، وهذا التاريخ الذي شهد صفحات ناصعة من العيش المشترك والكريم لليهود بين ظهراني البوسنيين، وإن كان معتَرَفًا به ضمنًا من قبل إسرائيل، إلا أنّه تم تجاهله بالكلية من قبل القادة الإسرائيليين؛ حتى إن أول سفير إسرائيلي لدى البوسنة والهرسك، وفي معرض رده على سؤال: هل البوسنة والهرسك حالة خاصة بما أنه لم يكن يوجد في التاريخ أماكن كثيرة عاش فيها اليهود بأمان وفي صداقة حقيقية مع شعبها مثلما كان ذلك في البوسنة؟ قال السفير الإسرائيلي جويل ألون: "إنه من التواضع القول بأنه لا توجد دول كثيرة، لأنني ببساطة لا أعرف أي مكان آخر عاش فيه اليهود بأمان وفي صداقة مع شعبه مثل ما كان في البوسنة"، إلا أنه أضاف معقّبًا: "هذا دليل على أن الجماعات اليهودية لها من المرونة والذكاء ما يجعلها تعمل وتتحرك بسلاسة داخل مجتمعات غريبة عنها وتتمكن من المحافظة على عاداتها الدينية وعلاقاتها مع باقي الجماعات اليهودية في العالم".

يبدو أن هناك شيئًا ما غير واضح هنا، فإذا كانت علاقات المسلمين واليهود على أرض البوسنة بهذه النصاعة التي ذكرها السفير الإسرائيلي وعبَّر عنها بأنه لا يعرف أي مكان آخر في العالم عرف عيْشًا مشتركًا وآمنًا بين اليهود والمسلمين غير البوسنة، فإن التفسير الذي قدمه لذلك لا يبدو مقنعًا؛ إذ إنّ ما ذكره من قدرة اليهود على التعامل بمرونة وذكاء داخل مجتمعات غريبة عنها، دون أن يُرجع ذلك إلى الخصوصية الثقافية والأنثروبولوجية البوسنية، يجانب الحقيقة والواقع؛ إذ كيف يمكن إذن ألاّ تكون نفس تلك النتائج (العيش الآمن) وأسبابه (الذكاء والمرونة في التعامل) قد تحققت لليهود في أماكن أخرى من العالم خاصة في إسبانيا عام 1492، أو في ألمانيا وكل البلدان التي خضعت لسيطرتها خاصة في الفترة ما بين 1938 إلى عام 1945.

من نافلة القول أن إسرائيل أقامت علاقات دبلوماسية كاملة مع البوسنة والهرسك على مستوى تبادل السفراء دون أن يمنعها ذلك من التجاهل التام للمصالح الحيوية البوسنية في سبيل تحقيق مصالح تل أبيب الإستراتيجية. وفي هذا السياق لابد من التذكير بالدعم الواضح والصريح الذي قدمته إسرائيل لرئيس "ريبوبليكا صربسكا" ميلوراد دوديك ولتصريحاته المتكررة الداعية إلى الانفصال ونفيه العلني لحدوث مجزرة سربرينيتسا التي راح ضحيتها آلاف المسلمين البوسنيين ونفذتها قوات صرب البوسنة في يوليو/تموز من عام 1995.

تقارب دوديك مع كبار القادة الإسرائيليين وخاصة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان عبّر عنه رئيس "ريبوبليكا صربسكا" خلال حوار تليفزيوني طرح قضية هذا الكيان الصربي؛ حيث قال: "إن هناك حوالي تسعة أو عشرة بلدان مستعدة للاعتراف بدولة ريبوبليكا صربسكا لو أُعلن عنه الآن". ورأى محللون في ثنايا هذا التصريح إشارة واضحة إلى أن إسرائيل ستكون في مقدمة تلك البلدان، خاصة وأن دوديك يُروّج لدى الأوساط الإسرائيلية بأن الفيتو الذي استعملته "ريبوبليكا صربسكا" هو ما منع دولة البوسنة والهرسك من التصويت لصالح قرار مجلس الأمن الدولي حول إنشاء دولة فلسطينية مستقلة.

الواضح إذن أن علاقات إسرائيل بالبوسنة متعددة الأوجه والمستويات، وتتداخل تلك العلاقات بين تعامل إسرائيل مع دولة البوسنة والهرسك المعتَرَف بها دوليًّا، لكن دون أن يمنع ذلك تل أبيب من التعامل المباشر مع "ريبوبليا صربسكا"رغم أنها كيان لا شرعية دولية له، ولا يتمتع بأية استقلالية عن دولة البوسنة.

أما على مستوى التعاون الاقتصادي فيظل في أدنى درجاته ولم يتخطّ بعد مرحلة مناقشة المشاريع المحتمل تنفيذها بين الجانبين، في حين أن التوجه على مستوى العلاقات السياسية يشير إلى تصنيف إسرائيل لدولة البوسنة على أنها دولة ذات أغلبية مسلمة وذات توجه مساند للعرب ضد المصالح الإسرائيلية، في حين تنظر تل أبيب إلى "ريبوبليكا صربسكا" (بالرغم من أنها ليست دولة شرعية وتمثل جزءًا من دولة البوسنة) على أنها صديقة لإسرائيل وعدوّة لدودة لكل ما يحمل طابعًا إسلاميًّا.

في السياق البلقاني العام، يبدو من الواضح أن دولة صربيا تدفع بالكيان الصربي البوسني "ريبوبليكا صربسكا" إلى إقامة علاقات جيدة مع إسرائيل في محاولة لاستغلال تلك العلاقات في تنفيذ أطماعها بضم الأراضي البوسنية التي أقيمت عليها "ريبوبليكا صربسكا"، وتتفق إسرائيل مع هذه اللعبة لأن صربيا يمكنها لعب دور المحترِم لحق الفلسطينيين في الحصول على دولة مستقلة، وبالتالي يمكنها أيضًا فعل نفس الشيء مع البوسنة (التي ترى فيها إسرائيل صديقًا مقربًا من العرب ومعاديًا لإسرائيل) فيما يتعلق بالمطالبة بحق "ريبوبليكا صربسكا" في الانفصال عنها.

سادسا: كرواتيا

العلاقات الإسرائيلية مع دول البلقان -كما رأينا- مليئة بالتناقضات، ويتجلّى أبرز تلك التناقضات في علاقة إسرائيل بدولة كرواتيا التي هي أقرب دول المنطقة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فعلى الرغم من قيام علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين منذ العام 1997 إلا أن التوتر هو ما يحكم علاقتهما التي لا تزال أسيرة للماضي. فتاريخ كرواتيا مرتبط بقربها من ألمانيا الفاشية خاصة خلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب العالمية الثانية؛ حيث إن إقامة دولة كرواتيا الوطنية، على إثر انهيار مملكة يوغسلافيا في إبريل/نيسان من عام 1941، كان بمساعدة الرّايخ الألماني، وبذلك ظهرت للوجود دولة كرواتيا المستقلة ذات التوجه الفاشي المُعلَن. في تناغم تام مع نظرية هتلر بنقاء العرق الآري، نظمت حكومة دولة كرواتيا حملة واسعة لتطهير البلاد عرقيًّا من كل السكان الذين ينتمون لغير العرق الكرواتي، وكان من أولى أهداف تلك الحملة العنصرية تطهير البلاد من اليهود وترحيلهم إلى المعسكرات الألمانية.

إن معاداة السامية التي كانت موجودة لدى المسيحيين منذ بدايات القرن الماضي، تصاعدت حدتها أكثر واتخذت طابع الكراهية المعلنة التي تُرجمت إلى حملات من الملاحقة والمطاردة لليهود، ثم بلغ الأمر حد التخطيط لإنهاء وجودهم بشكل كامل، فكان الهولوكوست في كرواتيا هو الأكثر فتكًا باليهود في كل منطقة البلقان.

ضمت دولة كرواتيا المستقلة أكبر معسكرات الاعتقال في منطقة البلقان على الإطلاق، واسمه ياسينفتسو؛ حيث لقي عشرات الآلاف (تتحدث بعض المصادر عن إعدام 700 ألف شخص) من غير الكروات مصرعهم فيه، كان ربعهم من اليهود. وعلى إثر هزيمة جيش دولة كرواتيا المستقلة ذات التوجهات الفاشستية المعلنة أواخر عام 1943، قامت دولة كرواتيا المُعلنة على إثر انهيار الاتحاد اليوغسلافي بدايات التسعينيات من القرن الماضي، وقد تم إعادة بنائها ليس فقط على أسس قومية متطرفة، بل أيضًا على إيقاظ المشاعر الشوفينية المبالغة في العداء للآخر والتي تشمل أيضًا معاداة السامية. وحتى الرئيس الكرواتي، فرانيو تودجمان، الذي كان معارضًا للتوجه الكرواتي الفاشي في فترة الحرب العالمية الثانية، وبمجرد اعتلائه كرسي الرئاسة كشف عن ميل صريح نحو أقصى اليمين وتصرف كواحد من أعتى المتطرفين القوميين الكروات.

أدى هذا التوجه إلى ردود فعل قوية وهجوم مفتوح على سياسة كرواتيا وتوجيه اتهامات صريحة لها بتجديد عهدها مع الفاشية وانتهاجها سياسة معادية للسامية. ولم تفلح محاولات الرئيس تودجمان في إصلاح الأوضاع، حتى إنّ الندوة الصحفية التي عقدها لتهدئة الأمور بين تل أبيب وزغرب، انقلبت إلى ضدها وفُسّر كثير من كلامه على أنّ فيه عداءً مفضوحًا للسامية، وهو ما أدى إلى إلغاء تل أبيب لزيارة كانت مقررة لتودجمان إلى إسرائيل، وهو ما عُدّ سابقة تاريخية لأنها كانت ستكون أول زيارة على هذا المستوى في تاريخ البلدين. بعد هذا البرود الذي طبع العلاقات بين البلدين، عادت الحرارة إلى تلك العلاقات بداية العام 2010 لتتعمق أكثر بزيارة رئيسة الوزراء الكرواتية، يادرانكا كوسور، إلى إسرائيل لتعلن في تصريح مشترك مع نظيرها الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن العلاقات بين البلدين ممتازة. إلا أنّ جلّ المحادثات بين الجانبين تمحور حول المعطى الاقتصادي فقط.

البرلمان الكرواتي، من جانبه، وخلال مداولاته عبّر عن رغبته في تحسين العلاقات مع إسرائيل وجعلها بناءة في أكثر من توصية صادرة عنه في العام 2012، وهذا ما يشير إلى أن "العلاقات الممتازة" التي أعلنها وزيرا خارجية البلدين لم تكن كذلك حقيقةً، وهو ما ظهر بوضوح أكثر عندما لم تلقَ زيارة الرئيس الكرواتي، إيفو يوسيبوفيتش، في 14 فبراير/شباط 2012 أي ترحيب رسمي وإعلامي من قبل إسرائيل، وعوملت الزيارة على هامش الأخبار، أما الصحيفة الوحيدة التي علقت على هذه الزيارة، فكانت صحيفة هآرتس، التي استغلت الزيارة لإحياء الذاكرة اليهودية وما حل باليهود في ظل الدولة الكرواتية الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية، والتذكير بتصريح تودجمان المعادي وكذلك تحميل حكومة يوسيبوفيتش مسؤولية امتناعها عن التصويت في قضية الاعتراف بدولة فلسطين.

الوقائع إذن تؤكد أن العلاقات بين الطرفين لا تزال تبحث عن طريقها، كما أنها لا تزال تبحث عن أجوبة لكثير من الأسئلة المفتوحة. فهل سيكون قبول كرواتيا في عضوية الاتحاد الأوروبي عاملاً مخففًا للتوتر بينهما؟ لا يمكن الآن الإجابة على ذلك بكل تأكيد. من الأكيد أن تتغير موازين القوى التي حكمت وتحكم العلاقات الإسرائيلية مع هذه الدول البلقانية الست إذا اكتمل التحاقها بعضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، واكتمل بناؤها كدول حديثة ذات سيادة كاملة واستقلال في القرار، وقد تصبح حينها إسرائيل مضطرة للتعامل مع هذه البلدان كجزء من الاتحاد الأوروبي وليست بلدانًا ما زالت تبحث عن تأكيد هويتها وكسب الأصدقاء والداعمين في عالم ما بعد الحرب الباردة، وعندها فإن طبيعة العلاقة ستتغير حتمًا وستكون ندية أكثر.

الخاتمة

في المجمل، يبدو واضحًا أن إسرائيل تعتبر علاقاتها مع دول البلقان مهمة جدًّا في بناء شبكة علاقاتها وإستراتيجيتها السياسية الدولية التي تبنيها تل أبيب على معطيين رئيسيين: الأول: هو خصوصية منطقة البلقان الجيوسياسية، والتي لكل بلد من بلدانه أهميته وموقعه الخاص فيها، والثاني: هو الطبيعة المتعددة للإثنيات والديانات والثقافات والقوميات التي تميز كل دولة من دول البلقان. وفي هذا الواقع البلقاني تُفتح الأبواب مشرعة أمام إسرائيل للعب دور دينامي نشط لتحقيق مصالحها واستغلال هذه العوامل في فرضها لنوع وحجم العلاقة التي تريدها من شعوب المنطقة يدعمها في ذلك وضعها الدولي القوي والمؤثر في مثل هذه الدول البلقانية.

إن تقسيم شعوب البلقان إلى مسلمة وكاثوليكية وأرثوذكسية يمثل معطى آخر يمكِّن إسرائيل من اللعب به كورقة رابحة تتغير تشكيلتها من وضع لآخر أثناء تعاملها مع شعوب المنطقة، وهو ما تفعله تل أبيب الآن في رسم علاقاتها مع دول البلقان دون تحفظ. مثل هذا النوع من العلاقات التي تقيمها إسرائيل مع مختلف بلدان البلقان على الساحة السياسية البلقانية يبدو واضح التأثير.

يجري التفاعل المتبادل بين دول البلقان ويُفسَّر أيضًا من خلال علاقات كل دولة منها مع إسرائيل التي باتت تلعب دور البوصلة الموجّهة والجاذبة، فكان من بعض الدول أن سارعت إلى تأكيد توجهاتها الداعمة للغرب (والتي عبَّرت عنها بشكل عملي من خلال تأكيدها على توجهاتها المعادية للإسلام والمسلمين). وإذا أخذنا في الاعتبار أن علاقة المسلمين باليهود، وعلى امتداد فترات تاريخ طويل لقرون عديدة على أرض البلقان، كانت من أكثر العلاقات تميزًا واحترامًا وحماية لليهود الذين كانوا حينها مستضعفين، فإننا نرى أنّه يمكن استغلال هذا المعطى على المستوى الدولي ليكون في صالح مسلمي المنطقة وبالتالي البلدان البلقانية المسلمة، طالما أن طبيعة العلاقة مع إسرائيل هي التي تحدّد موقف المجتمع الدولي من أي دولة في العالم ومنها دول البلقان. كما أن حضور العرب القوي في البلقان وتقوية علاقاتهم الثقافية والاقتصادية والسياسية مع بلدان المنطقة من شأنه أن يؤثّر بقوة في إعادة ترتيب مرتكزات ومستويات العلاقة بين إسرائيل ودول البلقان، والتي تميل كفتها اليوم لصالح إسرائيل.

إن مستقبل البلقان بالمعنى السياسي يرتبط في جانب منه دون شك بالعلاقة مع إسرائيل، علمًا بأن معطيات تلك العلاقة ليست هي المحددات الوحيدة ولا هي المحددات الأهم في رسم مستقبل دول البلقان. أما إذا أخذنا بالمعنى الجغرافي الصرف لمصطلح منطقة البلقان، فإن تركيا تكون جزءًا من المنطقة، وبالتالي فإن التصوّر العام للعلاقات البينية داخل البلقان لابد أن يستحضر قوة الدولة التركية وتأثيرها الإستراتيجي على المنطقة.

____
* النص بالأصل أعد لمركز الجزيرة للدراسات باللغة البوسنية، وترجمه إلى العربية الباحث المتخصص بشؤون البلقان كريم الماجري.
فريد موهيتش - محاضرا لمادّة الفلسفة بجامعة القديسين سيريل وميثوديوس بالعاصمة المقدونية سكوبيا. أستاذ زائر بالمعهد الدولي للفكر والحضارة الإسلامية بكوالالومبور الماليزية. وأستاذ زائر في جامعة فلوريدا الحكومية وجامعة سيراكوز بنيو يورك، وجامعة السوربون الباريسية وعدد آخر من الجامعات الغربية والإسلامية.


توقيع : kumait


يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت
إرنست همنغواي
من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»

الصورة الرمزية nad-ali
nad-ali
شيعي حسيني
رقم العضوية : 72513
الإنتساب : May 2012
المشاركات : 7,601
بمعدل : 1.67 يوميا

nad-ali غير متصل

 عرض البوم صور nad-ali

  مشاركة رقم : 18  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي
قديم بتاريخ : 01-12-2012 الساعة : 04:53 PM




"ربيع الإخوان" في خطر
الأربعاء, 28 نوفمبر 2012



حسناً فعل "الإخوان" في مصر بأن ألغوا التظاهرة التي كانت مقررة يوم الثلاثاء الماضي، رداً على تظاهرة المعارضين ضد قرارات الرئيس المصري محمد مرسي الأخيرة، فالانقسام الذي تشهده الساحة المصرية ينذر بشرّ مستطير، قد لا تسلم منه مصر كلها، فيما لو التحمت المظاهرتان وسالت الدماء في الشارع.

من خلال "إعلانه الدستوري" يكون الرئيس محمد مرسي قد قام بخطأ استراتيجي كبير، سيعود بالخسارة الكبيرة عليه، وعلى الجماعات التي يمثلها، ليس في مصر فحسب، بل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل، ويمكن إدراج عوامل سوء التقدير المؤدي إلى الخطأ في ما يلي:

- يعلم الرئيس مرسي أن المصريين يعيشون إحباطاً لا مثيل له، فهم يعتبرون أنهم خرجوا إلى ثورة، ووجدوها تُسرق أمام أعينهم، وهكذا يكون قد أخطأ في المراهنة على قدرة تحمّل المصريين، وعلى إمكانية "بلع" إعلانه الدستوري، بعدما استطاع سابقاً أن يمرر إحكام السيطرة على السلطة التشريعية والتنفيذية والإعلام والعسكر، من دون اعتراضات تُذكر.

- لم يتحسّب مرسي للعوامل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المتردية في مصر بشكل لم يسبق له مثيل، فالشعب المصري الذي تئنّ غالبيته من الجوع، كان قد وضع آمالاً وتوقعات بتحسّن الأحوال بعد استتاب الحكم الجديد، فإذا بالبطالة ترتفع نسبتها، ولا سياحة تنشّط الاقتصاد، ومظاهر التشدد والانقسامات السياسية تؤدي إلى هروب رؤوس الأموال، وهبوط البورصة.

- أراد الرئيس مرسي أن يستغل الانتصار الذي تحقق في غزة، فقام مسرعاً بمحاولة إعلان سيطرته على القضاء المصري، قبل أن يجف حبر الهدنة الموقعة بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل"، متوهماً أنه يستطيع استثمار ما تصور أنه فائض قوة إقليمي ودولي تحصّل لديه، حين أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما إعجابه ببراغماتيته، وامتدحه أفيغدور ليبرمان وشيمون بيريز على أنه رجل دولة، ولم ينتبه مرسي إلى أن مديحاً من المتطرف الصهيوني ليبرمان ورئيسه بيريز، يعني أن عليه أن يقلق، فإما أنه قام بعمل مضرّ بأمته، أو أنهم يريدون تشويه سمعته في أنحاء العالم العربي.

- اللافت للنظر أن الرئيس المصري كان قد اتخذ قراراته السلطوية دائماً بعد مقابلة المسؤولين الأميركيين، بما يشير إلى أنه قد استحصل على ضوء أخضر منهم، فقد أقال المشير طنطاوي والفريق عنان بعد أن قابل وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وألغى الإعلان الدستوري المكمل، الذي قلّص فيه العسكر صلاحيات الرئيس، بعد مقابلة ويليام بيرنز؛ نائب وزيرة الخارجية الأميركية، وقام بإعلانه الدستوري الأخير بعد مقابلة هيلاري كلينتون مجدداً.

وبهذا الإطار، يبدو أن مرسي لم يتعظ من تجربة صدام حسين، الذي لطالما تمتّع بدعم أميركي غير مسبوق خلال حربه التي دامت ثماني سنوات مع إيران، وفي النهاية، قامت السفيرة الأميركية آبريل غلاسبي بتشجيعه على الدخول إلى الكويت، من خلال التلميح بأن هناك ضوءاً أخضر أميركياً بذلك، سرعان ما تبيّن أنه فخ دفع ثمنه كل من الكويت والعراق وصدام حسين نفسه.

ولعل فائض القوة المتحصل الذي استشعره مرسي، من إرهاق الشعب والضوء الأخضر الأميركي، ونشوة انتصار إعلامي على "إسرائيل"، جعله يقدم على تلك المغامرة، التي قد تكون إحدى نتائجها أمرين:

- أن تدفع حدة الانقسام السياسي والاحتقان الطائفي وانتشار السلاح، مصر إلى حرب أهلية لن تكون قصيرة الأجل، بسبب تداخل العوامل الإقليمية والدولية والمذهبية والدينية.. وحرب كهذه، إن اندلعت، لن تنتهي إلا بتقسيم مصر، الذي سيشكّل بدوره نوعاً من الدومينو يؤدي إلى تقسيم معظم دول شمال أفريقيا.

- خسارة حلم المشروع "الإخواني" الأممي الذي ظهر بعد الثورات العربية، إن فشل حكم "الإخوان" في مصر، أو حتى تعثّره، وظهوره كديكتاتورية دينية سيكون له تداعيات تشبه تداعيات مقتل السفير الأميركي في ليبيا، حيث سيعيد الأميركيون تقييم سياساتهم في المنطقة، ويعيدون النظر في الدعم الذي يقدمونه لهم، ما يؤدي إلى ترجيح كفة الحل السياسي مع النظام في سورية، وعودة تركيا إلى حجمها الطبيعي، وعودة حماس إلى حضن إيران، ومزيد من الضغوط على الحكم الجديد في تونس وغيرها..

انطلاقاً من كل ذلك، وانسجاماً مع سياساتهم البراغماتية، لا يبدو أن هناك حلاً أمام الرئيس مرسي وجماعة "الإخوان" إلا إعادة النظر في السياسة التي ينتهجونها، والقبول بمبدأ التعددية في مصر، والتوقف عن التعويل على الدعم الخارجي، وذلك لأن استمرارهم في محاولة الاستئثار قد يؤدي إلى أحد الأمرين السابقيْن أو كليهما معاً.

ليلى نقولا الرحباني


توقيع : nad-ali



من مواضيع : nad-ali 0 تصاميم لشهر محرم الحرام
0 تصميم شهادة الامام الباقر عليه السلام
0 تصميم لمولد الامام الرضا عليه السلام
0 تصميم لذكرى استشهاد الامام جعفر الصادق عليه السلام
0 تصاميم لشهادة امير المؤمنين علي ع

الصورة الرمزية nad-ali
nad-ali
شيعي حسيني
رقم العضوية : 72513
الإنتساب : May 2012
المشاركات : 7,601
بمعدل : 1.67 يوميا

nad-ali غير متصل

 عرض البوم صور nad-ali

  مشاركة رقم : 19  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي
قديم بتاريخ : 02-12-2012 الساعة : 04:38 PM


[IMG]http://neurobonkers.com/wp-*******/uploads/2010/07/independent1.jpg[/IMG]

قطر تدخل مرحلة العزلة الدولية



تحت عنوان “قطر تنسحب من العالم العربي الجديد والمرحلة العالمية” بدأت صحيفة (إندبندنت) البريطانية تحليل نظرة قطر للعالم من حولها، وكيفية تعاملها مع العالم العربي الجديد، وتأثير ذلك على علاقتها الوثيقة بأمريكا.
وقالت الصحيفة: لسنوات كانت قطر، الإمارة الصغيرة الغنية بالنفط، شريكا وثيقا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط – كمضيفة لأكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة وحصنا دبلوماسيا ضد إيران- وساندت سقوط الحكام المستبدين في ليبيا وسوريا.
وبعد عامين من بداية الربيع العربي، تشوشت وتذبذبت سمعة قطر كشريك الولايات المتحدة – ودور الوسيط المحايد في المنطقة – على نحو متزايد، حيث إن تمويل جيل جديد من الإسلاميين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط أثار تساؤلات حول رؤيتها للمنطقة، وعما إذا كانت بعض سياساته بدأت تتخذ شكل الصراع المباشر مع مصالح الولايات المتحدة.
ورأت الصحيفة أن هذه الأسئلة معقدة وصعب الإجابة عليها بسبب حرص قطر على الاحتفاظ بنفوذ في الغرب، وظهر ذلك من خلال تأمين قطر لمكانة الجامعات الغربية ومراكز البحوث، بما في ذلك جامعة جورج تاون ومعهد بروكينجز، على أرضها للمساعدة في إثراء وجهات النظر الغربية حول مستقبل المنطقة ودور قطر في ذلك.
وعند سؤال بعض المراقبين، “ماذا تمثل قطر بالضبط؟!”، قال دبلوماسي عربي بارز الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، “أعتقد أن هذا أمر يشوبه العديد من الألغاز، ولكن الحكومة القطرية على علاقات وثيقة مع دول الخليج الفارسي.
واستطردت الصحيفة تحليلها قائلة: سعت قطر طويلا لرسم صورة لنفسها باعتبارها دولة تهتم في خدمة الصالح العام، وكجزء من هذا الجهد، استثمرت مئات الملايين من الدولارات في جهود السلام في دارفور والسودان واستضافة المتمردين المسلحين واللاجئين وزعماء القبائل في الفنادق الفخمة في الدوحة لإجراء محادثات. وفي لبنان، اكتسبت قطر استحسان دولي لوساطتها الماهرة، والتي عززت حكومة وطنية تضم حزب الله الموالي لإيران والحركة المؤيدة للغرب.
وأضافت الصحيفة قائلة: إن قطر لديها علاقة غامضة مع إيران، حيث وقعت اتفاقية دفاع عسكري مع طهران عام 2010 والحفاظ على علاقات وثيقة مع وكلائها التقليديين وحماس وحزب الله. وفي الآونة الأخيرة، عملت قطر على تفقد النفوذ الإيراني، ودعمت عسكريا الإطاحة بأقرب حلفائها، سوريا.
وقال “إبراهيم جمباري”، دبلوماسي نيجيري سابق سافر إلى الدوحة أكثر من اثنتي عشرة مرة خلال مفاوضات السلام حول دارفور: “ان قطر تريد أن ينظر إليها على أنها لاعب كبير مهم وأن تكون موضع احترام وعلى استعداد لإحلال السلام في البلاد الأخرى، ولكن هذا الأمر يبدو مهمة حساسة وصعبة للغاية، حيث أن طريقة قطر للتتعامل مع هذه الأمور يعتمد على دفتر الشيكات الدبلوماسي”.
ولكن المحللين يقولون ان البلاد قد فقدت بعضا من مصداقيتها كوسيط نزيه من خلال دعمها للاعبين محددين في الربيع العربي.
ففي ليبيا، على سبيل المثال، كانت قطر من أوائل الدول التي وفرت الطائرات الحربية لحلف شمال الاطلسي ضد العقيد الراحل “معمر القذافي”، ولكنها بالغت بعد سقوط القذافي في دعمها للفصائل الإسلامية من أجل رعاية حكومة البلاد الانتقالية.
وقال “إبراهيم الدباشي”، السفير الليبي لدى الأمم المتحدة: “إن قطر كانت تدعم جماعات معينة في ليبيا، ولكن، هذه المجموعات لم تحظ بأي دعم شعبي على أرض الواقع …. والفصيل الرئيسي الذي كان مدعوما من قبلهم لم يحصل على أي مقاعد في الجمعية الوطنية، واعتقد ان الليبيين حساسون جدا للتدخلات الخارجية في شؤونهم، وأعتقد أن القطريين استوعبوا ذلك الآن”.



توقيع : nad-ali



من مواضيع : nad-ali 0 تصاميم لشهر محرم الحرام
0 تصميم شهادة الامام الباقر عليه السلام
0 تصميم لمولد الامام الرضا عليه السلام
0 تصميم لذكرى استشهاد الامام جعفر الصادق عليه السلام
0 تصاميم لشهادة امير المؤمنين علي ع

الصورة الرمزية nad-ali
nad-ali
شيعي حسيني
رقم العضوية : 72513
الإنتساب : May 2012
المشاركات : 7,601
بمعدل : 1.67 يوميا

nad-ali غير متصل

 عرض البوم صور nad-ali

  مشاركة رقم : 20  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي
قديم بتاريخ : 02-12-2012 الساعة : 04:47 PM


بعد ان امتنع السلفيون حصد اخواننا الشيعة 17 مقعد في مجلس الامة الكويتي وابرزهم عبد الحميد دشتي وخالد الشطي المحامي المعروف وصاحب المقولة عن تسريحة فيصل الشيخ ومعصومة مبارك وعبد الصمد وعاشور والقلاف والدويسان الذي اصبح شيعيا وزلزلة والمطوع وثمة صور في صحيفة القبس تبين الفرحة للطائفة الشيعية وهم يحملون الفائزين


توقيع : nad-ali



من مواضيع : nad-ali 0 تصاميم لشهر محرم الحرام
0 تصميم شهادة الامام الباقر عليه السلام
0 تصميم لمولد الامام الرضا عليه السلام
0 تصميم لذكرى استشهاد الامام جعفر الصادق عليه السلام
0 تصاميم لشهادة امير المؤمنين علي ع
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 08:50 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية