|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 31-03-2013 الساعة : 11:01 AM
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 59
يقول الشيخ بزرگ الطهراني (ره) في ترجمة الشيخ رضا الهمداني (ره) :
«.. وقد أصرّ علماء عصره على الطعن بالحجّة الجليل الشيخ هادي الطهراني حسداً لمكانته، إلّا المترجم له ..» «1». كما تعرّض لنكبته السيّد محسن الأمين (ره) في ترجمة الشيخ الهمداني (ره) أيضاً، حيث يقول: «كان في عصره رجل في النجف اسمه الشيخ هادي الطهراني، مشهور بالفضل، له حلقة درس كبيرة ومؤلّفات مطبوعة، يقال: إنّه كان يطيل لسانه على أكابر العلماء. ولعلّه لما كان يعتقده في نفسه من الفضل والتفوّق. وقد شاهدناه في النجف وكثر الكلام في حقّه من كثير من أكابر العلماء، حتّى وصل إلى حد التكفير، فانحلّ أمره وتناقص عدد حلقة درسه إلى ما يقرب من عدد الأصابع أو يزيد قليلًا، وكان ذلك قبل ورودنا النجف، فوردناها والحال على ذلك. وفي بعض أوقات وجودنا فيها ثارت ثائرة جماعة من العلماء عليه، فأصدروا فتاواهم بتكفيره، وأرسلوا إلى شيخنا المترجم ليشاركهم في ذلك فأبى وقال: التكفير أمرٌ عظيم لا أقدم عليه بمثل هذه النسب، وصارت يومئذٍ مسألة الشيخ هادي حديث الناس من العلماء والطلّاب وغيرهم في مجالسهم ومحافلهم»«2».
وأضاف في موضع آخر:
«تصدّى للتدريس، فتهافتت عليه الطلّاب وأعجبوا بحسن أسلوبه في الإلقاء والإملاء، وبجودة تحقيقه في ذلك وحسن بيانه، وطار ذكره وكثرت تلاميذه وانتشروا في الأقطار، وكانوا مغالين به يفضّلونه على معظم العلماء من المعاصرين والقدماء. وكان لهذه المزايا، ولما طبع عليه من علو الفطرة لا يعجبه كثيرٌ من العلماء، وربّما أوقع في بعضهم، وجهّلهم، وفنّد آراءهم، وصرّح بمؤاخذتهم، فاغتنم هذا فيه بعض معاصريه أو مفاخريه، فحمل بإغراء أتباعه على إعلان تكفيره، فكان لهذه الواقعة دوي في المحافل الدينية وغيرها في العراق وغيره. وتحزّب الناس حزبين، وانبرى لنصرته وبراءته فريق من العلماء، منهم الشيخ محمّد حسين الكاظمي والملّا محمّد الإيرواني وغيرهما، فهان أمره، ولولا ذلك لانتظر الإيقاع به. رأيناه في النجف والطلّاب والعلماء تتحامى مخالطته خوفاً على أنفسهم من ألسنة الناس، ولا يحضر درسه إلّا نفر قليل متناهون في الإخلاص له، لا يبلغون الخمسة عشر. وكان يحضر درسه أوّلًا فضلاء العرب والفرس، فلما جرى عليه ما جرى تحامى الناس حضور درسه خوفاً من الناس، مع رغبتهم في حضوره، وكانت حادثته هذه في عصر الميرزا الشيرازي والميرزا في سامراء، فلم ينبس فيها ببنت شفة، إلّا انه قطع السؤال عنه. وكانت هذه الحادثة قبل مجيئنا إلى النجف، ودخلناها وحالته كما ذكرنا من تحامي الناس درسه سوى خاصّته، وكان يدرّس نهاراً في بيته وليلًا على سطح الكيشوانيّة القبليّة الشرقيّة، ثمّ جدّد أمر الهياج عليه ونحن بالنجف من أكثر العلماء إلّا شيخنا الآغا رضا الهمداني؛ فلم يدخل في ذلك ولم يرض أن يجري ذكر هذا الأمر في مجلسه بحرف واحد، وإلّا شيخنا الشيخ محمّد طه نجف. وكان كثيرٌ من الناس يغالي في علمه وفضله، لكنّ الذي سمعته من السيّد علي ابن عمّنا السيّد محمود- وكان ممّن حضر مجلس درسه- أنّه ليس بتلك المنزلة من المغالاة، وإن كان في مرتبة سامية من الفضل، وأنّ الناس في حقّه بين الإفراط والتفريط. ولكن من المحقّق أنّه كان يطيل لسانه على العلماء، ويقال إنّه صنّف حاشية على رسائل الأنصاري سمّاها الحسام المنتضى على الشيخ مرتضى، وكان يقول للشيخ حسن ابن صاحب الجواهر وهو في مجلس درسه: إنّ أباك ليلة كتب هذا المطلب كان عشاؤه طبيخ الماش، ونحو ذلك. ومثل هذا يقع كثيراً من العلماء، خصوصاً من ذوي الأفهام الحادّة والأفكار الواسعة»«1».
__________________________________________________
(1) نقباء البشر في القرن الرابع عشر 2: 777
(2) انظر: أعيان الشيعة (ط. ق) 7: 20.
(1) انظر: أعيان الشيعة (ط. ق) 10: 233، تحت عنوان (الشيخ هادي ابن الحاج ملّا محمّد أمين الواعظ الطهراني النجفي)
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 60
يقول متمّم (روضات الجنّات) في ترجمة الشيخ الطهراني (ره) :
«ونقل أنّه كان كثير الطعن والتشنيع في مجلس درسه على العلماء والمجتهدين في مقام ردّ كلماتهم، ولذا نقل بل اشتهر أنّ معاصره العلّامة الرشتي المتقدّم ذكره حكم بكفره، بحيث نقل لنا من أثق بنقله وأعتمد على قوله أنّ شيخنا الهادي صاحب العنوان ورد في تأبين بعض علماء النجف، فلمّا سقوه القهوة حسب ما هو العادة في المأتم والتعازي، صاح من وسط المجلس بعض المغرضين بمحضر الشيخ العلّامة الحاج ميرزا حبيب الله الرشتي (ره) وملأٍ من الناس: (اغسلوا فنجان القهوة الذي شرب منه الشيخ هادي)، وكان شيخنا العلّامة المحقّق الشيخ محمّد حسين الكاظمي (ره) حاضراً في المجلس، فلمّا سمع تلك الصيحة النفسانيّة المنبعثة من الوساوس الشيطانيّة والدسائس الشخصيّة، حرّكته الغيرة الإيمانيّة، فأمر بإتيان كوز من الماء ليشرب، فجيء له بكوز من الماء، فقدّمه لشيخنا الهادي (ره) وقال: (اشرب منه حتّى أشرب سؤرك)، ففعل ذلك، فتعجّب الحاضرون من صنيع الشيخ، فوثقوا بصاحب العنوان بعد فعل الشيخ المعظّم عليه، وتركوا الحركات القبيحة والتكلّمات البذيّة الموجبة لفساد عقايد العوام، والمخرّبة لشعائر الإسلام، ولولاه لكان ساقطاً عن الأنظار بالكليّة. وبالجملة لم نر في مؤلّفاته ما يوجب ذلك، بل يعبّر في كتبه عن علمائنا رضوان الله عليهم بحسن التعبير. وظنّي أنّ بعض المغرضين المفسدين الذين غرضهم هتك شعائر الله وحرماته ألبسوا الأمر على العلّامة الرشتي (قدس سره)، ومع ذلك ما أظنّه تفوّه بذلك، بل نسبوه إليه، كما وقع نظيره لمعاصره العلّامة الشيرازي (ره) بالنسبة إلى تحريم التنباك» «2».
ويذكر الشيخ صدر الإسلام الخوئي (ره) في ترجمة الشيخ حبيب الله الرشتي (ره) : «سافر المترجم إلى إيران .. ولمّا رجع المترجم من سفره إلى النجف الأطهر، زاره جلّ طبقاتها، وزاره أيضاً الشيخ محمّد هادي الطهراني من أعلام عصره. ولمّا قام الشيخ المذكور من مجلسه أمر المترجم بتغسيل الفنجان- الذي شرب الشيخ المذكور فيه القهوة- على ملأ من الحاضرين ومشهدٍ منهم، وانتشر الخبر من حينه وشاع وفشا شيوعاً عظيماً، فجاء المترجم جماعة يسألون عن العمل المذكور وسرّه ورأيه فيه، فأجابهم المترجم أوّلًا بأنّ الأمر بالتغسيل إنّما هو على وجه الاحتياط ممّا بلغه من الشيخ المذكور بوجوه ليس المقام موضع شرحه؛ فاعتُرض عليه- ولعلّ هذا الاعتراض كان على الشيخ وإن كان له بصورته- بأنّ الاحتياط إنّما هو في خلافه، لاستلزام العمل الحرام القطعي لأمرٍ لم يُعلم وجوبه، فيه توهين المؤمن، بل إيذاؤه وكسر اعتباره وهدم مقامه وهتك حرمة. فلمّا سمع به المترجم أظهر الجزم بذلك. فلمّا صدر منه [الأمر] تنجّز على الطهراني ما كان
__________________________________________________
(2) انظر: أحسن الوديعة في تراجم أشهر مشاهير مجتهدي الشيعة 1: 167 - 168؛ مقدّمة تحقيق الفوائد الأصوليّة للشيخ الأنصاري (رحمه الله) : 101، نقلًا عنه.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 61
يتبعه، واستقرّ وشاع أثره، وطار صيته وعلا وامتدّ ذيوله.
ووقتئٍذٍ قام بعض معاصريه- مثل العلّامة مولى محمّد الأيرواني الفاضل من عمد أعلام العصر وزعيمه- وغيره بتبجيل الشيخ المذكور وتعظيمه اعتقاداً منهم باشتباه المترجم في نظره، ولكنّ الشيخ لم يستقم صلباً ولم ينبسط وجهاً بعد ذلك مدّة حياته أبداً، مع الإصرار والاجتهاد [البليغ] في ترويج أمره وتعظيم مقامه ورفع الوصمة عنه من أعلام عصره، وما كان ذلك كلّه إلّا لإساءة اللسان منه بالنسبة إلى السلف الصالح رضوان الله [على] معاشر الماضين أجمعين، والله العالم بحقايق الأحوال وبواطن الأسرار» «1».
وأورد في ترجمة الشيخ محمّد هادي الطهراني (ره) :
«وكان (ره) حديد اللسان في المحاورة، قليل الرعاية في الكلام والانتقاد والقدح على أقرانه من السلف والخلف، ولا يبالي مخالفة الشهرة في الفتوى، بل لا يخلو عن حبّ التفرّد والاشتهار. وقد تقدّم ذكر معاملة العلّامة الميرزا حبيب الله الجيلاني النجفي مع المترجم في مجلسه العام وأمره باغتسال الفنجان- الذي شرب فيه المترجم قهوة- على رؤوس الأشهاد، وما ورد على المترجم من الكسر والنكبة بعد ذلك، بحيث إنّه لم يبتسم وجهاً ولم يستقم صلباً ولم يعدل أمراً ولم يرأ سقماً بعد ذلك اليوم إلى آخر عمره وخاتم أمره أبداً.
ويقال: إنّ كلّ ذلك كان ممّا كان عليه المترجم المغفور له من عدم [المبالاة] في انتقاداته العلميّة بالنسبة إلى السلف الصالح من أعلام الدين وخيار رجال العلم والأساتذة المحقّقين، ولو بالاستخفاف وسوء التعبير في ذلك، ولو على رؤوس الأشهاد، في مجالس درسه ونحوه. ويقال أيضاً: إنّ السبب في سوء اعتقاد العلّامة الجيلاني للمترجم ومعاملته معه أنّ العلّامة المذكور وقف على مقالة أو كرّاسة بقلم المترجم، أو سمع بمقالته هذه ممّن يثق به، أنّ المترجم ينكر فيه علم الباري تعالى شأنه على «2» الجزئيّات، كما نسب ذلك إلى جملة من الفلاسفة أيضاً، فجرى بينهما ما جرى من الأمر. وقيل في ذلك مقالات أخرى [غيرها] أيضاً [ممّا] لا ينبغي ذكرها، فضلًا عن قبولها أو الظن بصدقها في مثل هذا العالم الجليل ..» «3».
5- هذا إضافةً إلى العلاقات المتوتّرة بين أنصار الآخوند الخراساني وبين أنصار السيّد محمّد كاظم اليزدي (ره)؛ فقد أورد السيّد الأمين (ره) في ترجمة أستاذه السيّد محمّد كاظم اليزدي (ره) : «في أيّامه ظهر أمر المشروطة في إيران، وأعقبها خلع السلطان عبد الحميد في تركيا، وكان هو ضدّ المشروطيّة، وبعض العلماء يؤيّدونها، كالشيخ ملّا كاظم الخراساني وغيره. وتعصّب لكلٍّ منهما فريقٌ من الفرس، وكان عامّة أهل العراق وسوادهم مع اليزدي، خصوصاً من لهم فوائد من بلاد إيران، لظنّهم أنّ المشروطيّة تقطعها. وجرت بسبب ذلك فتن وأمور يطول شرحها، وليس لنا إلّا أن نحمل كلًّا منهما على المحمل الحسن والاختلاف في اجتهاد الرأي» «4»، وقد بلغ الأمر أنّ أنصار المشروطة أرادوا قتل السيّد اليزدي (ره) لولا
__________________________________________________
(1) مرآة الشرق 1: 688
(2) كذا في المصدر
(3) مرآة الشرق 2: 1380
(4) انظر: أعيان الشيعة (ط. ق) 10: 43
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 62
دفاع رؤساء عرب النجف وشيوخهم عنه وطوافهم ببيته لحمايته «1».
ويفصّل الحديث السيّد حسن الأمين (ره)، حيث يذكر أنّه بعد امتناع السيّد محمّد كاظم اليزدي (ره) عن التوقيع على (المشروطة)، صار أنصاره يوصفون بالمستبدّين، وانقسمت النجف والمدن الأخرى إلى فريقين، وقد استطاع السيّد اليزدي (ره) أن يكسب كفّة الميزان لصالحه، و «كان أكثر العامّة من دعاة الاستبداد، ويعدّون الملّا كاظم الخراساني هو وأتباعه كفّاراً، ولا يكادون يسمعون عن أحد العلماء أنّه (مشروطة) حتّى ينفضّوا عنه ويلعنوه ويتركوا الصلاة خلفه».
وبعد أن انقلب موقف الدولة العثمانيّة لصالح الشيخ الآخوند الخراساني (ره) «نظم الشيخ علي الشرقي قصيدة يهجو بها اليزدي ويتشفّى به، كما نظم السيّد صالح الحلي بعض الأبيات اللاذعة من الشعر، قارن في أحدها بين اليزدي ويزيد» «2»، وهي قوله:
فوالله ما أدري غداً في جهنّم*** (أَيَزْدِيُّها) أشقى الورى أو يزيدُها «3»
6- وبما أنّ اسم السيّد الأمين (ره) قد تردّد، فلا بأس بالإشارة إلى ما تعرّض له عقيب انتقاده بعض المراسم الحسينيّة التي تجري في يوم عاشوراء: فقد حرّم (ره) الضرب بالسيوف والسلاسل يوم عاشوراء، ودعا إلى مقاومة من يستعمل الطبول والصنوج والأبواق، [وقد تسرّبت هذه الظاهرة لاحقاً إلى مراسم استقبال الجنائز، في حين كان استعمال الطبول في العهد الذي كان فيه السيّد الأمين (ره) في النجف مقصوراً على التُرك الإيرانيّين في أيّام عاشوراء] «4»، وكان ذلك في تصريحٍ له إلى مراسل جريدة (العهد الجديد) البيروتيّة، فألّف الشيخ عبد الحسين صادق (ره) سنة 1345 هـ في الردّ عليه رسالة (سيماء الصلحاء في إثبات جواز إقامة العزاء لسيّد الشهداء (ع))، وهي عبارة عن الفائدة الثانية والسبعين من كتابه (مجمع الفوائد)، ثمّ طبعها مستقلّة في اثنين وثمانين صفحة بعد أن دعت الحاجة إلى ذلك، وهي- بحسب قول الشيخ صادق (ره)- أنّ «ناشئة عصريّة ولّدها الدهر بعد حبال أو قاءها بعد جشا، تنتحل دين الإسلام، وما هي منه بفتيل أو نقير، ولا بعير أو نفير، وإن تقشّفت بلبسته وأدهنت بصفته...»، ثمّ يقارن بين السيّد الأمين (ره)- دون أن يسمّيه- وبين الوهابيّة- دون أن يسمّيها كذلك- التي هدّدت بتخريب قبور البقيع، قائلًا: «ولا ريب أنّ هذه العصا من تلك العصية».
وعلى أيّة حال، فقد ألّف السيّد الأمين (ره) في الردّ على (سيماء الصلحاء) رسالة (التنزيه)، والتي- بحسب قوله- : «قام لها بعض الناس وقعدوا، وأبرقوا وأرعدوا، وجاشوا وأزبدوا، وهيّجوا طغام العوام والقشريّين ممّن ينسب للدين، فذهب زبدهم جفاء ومكث ما ينفع الناس في الأرض».
وكانت ردّة الفعل الشعبيّة على دعوة (التنزيه) مزيداً من التمسّك بالشعائر الحسينيّة، ظهر «في أوّل شهر محرّم جاء بعد الفتوى؛ فقد ازداد عدد الضاربين بالسيوف والسلاسل، وازداد استعمال الطبول والصنوج والأبواق، وكثرت
__________________________________________________
(1) أحسن الوديعة في تراجم أشهر مشاهير مجتهدي الشيعة 1: 190
(2) مستدركات أعيان الشيعة 4: 151 - 152
(3) انظر: هكذا عرفتهم 1: 109؛ وانظر حول الخلاف بين هذين العالِمين: المرجعيّة الدينيّة ومراجع الإماميّة: 118- 120
(4) ما بين [ ] من: رحلات السيّد الأمين: 113.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 63
الأهازيج والأناشيد التي تتضمّن النقمة والتحدّي لتلك الحركة الإصلاحيّة». وقد أيّد السيّد الأمين (ره) من علماء جبل عامل الشيخ أحمد رضا، الشيخ سليمان ظاهر، [الشيخ محسن شرارة]، ومن العراق: السيّد أبو الحسن الإصفهاني، الشيخ عبد الكريم الجزائري، الشيخ علي القمي، الشيخ جعفر البديري، السيّد مهدي القزويني، السيّد هبة الدين الحسيني الشهرستاني، ومن الهند: الكاتب الهندي محمّد علي سالمين صاحب جريدة (ديوائن ميسج) التي تصدر في بومباي باللغة الإنجليزيّة، والذي كتب مقالًا نشر باللغة العربيّة.
وقد وقف إلى جانب صاحب (سيماء الصلحاء) عددٌ من رجال الدين، [خاصّةً بعد إصدار الميرزا النائيني (ره) فتواه بالتحليل بتاريخ 5 / ربيع الأوّل / 1354 هـ]: منهم السيّد عبد الحسين شرف الدين، السيّد نور الدين شرف الدين، الشيخ عبد الله سبيتي، والشيخ مرتضى آل ياسين (ره)، [وقد أصدر بعضهم كتباً في هذا المجال، من قبيل: (المواكب الحسينيّة) للشيخ كاشف الغطاء، و (نظرة دامعة حول مظاهرات عاشوراء) للشيخ مرتضى آل ياسين، و (الأساليب البديعة في رجحان مآتم الشيعة) للسيّد شرف الدين والتي نشرت في مجلّة (العرفان)].
وكان للصحافة كذلك دورٌ واسع في تحريك هذه الظاهرة، فكتبت مقالات عديدة- بعضها باسم مستعار- مع السيّد الأمين، وبعضها ضدّه؛ فكتب اثنان من أنصاره، وقع أحدهما مقاله بتوقيع (حبيب بن مظاهر) ووقّعه الثاني بتوقيع (أبو فراس) «1».
أمّا السيّد أبو الحسن الإصفهاني (ره) الذي أيّده، فقد أصدر فتواه التالية:
«إنّ استعمال السيوف والسلاسل والطبول والأبواق، وما يجري اليوم من أمثالها في مواكب العزاء بيوم عاشوراء باسم الحزن على الحسين، إنّما هو محرّم وغير شرعي».
وإثر ذلك انقسم الناس إلى فريقين: أطلق عليهم العوام: (الأمويّون)، وهم أنصار السيّد الأمين (ره)، ويقابلهم (العلويّون)، وهم أنصار الطرف المقابل. وقد بلغت الأمور بين الفريقين شدّتها، حتّى راح حملة القرب وسقاة الماء ينادون: «لعن الله الأمين .. ماء»، بعد أن كانوا ينادون: «لعن الله حرملة .. ماء». ويؤكّد الخليلي أنّ العامليّين الذين يسكنون النجف كانوا السبب الأكبر في توتّر الجو ضدّ السيّد الأمين (ره).
وفي هذه الأجواء، أطلق الخطيب المعروف، السيّد صالح الحلّي (ره) شعره ذائع الصيت، والذي يقال إنّه لأحد العامليّين، وإنّما اشتهر على لسان السيّد الحلّي لشدّة موقفه من السيّد الأمين (ره)،
__________________________________________________
(1) انظر: أعيان الشيعة (ط. ق) 11: 20 - 21؛ الذريعة 12: 292؛ وما بين: [ ] من: حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل: 144- 149. وقد جاء في المصدر أنّ من الذين أيّدوا الفريق الذي يقابل السيّد الأمين (رحمه الله) : السيّد محسن الحكيم والسيّد محمود الشاهرودي والسيّد الخوئي والسيّد عبد الهادي الشاهرودي والسيّد حسين الحمّامي، وهذا بعيدٌ بحقّ بعضهم على الأقلّ، لأنّ ما نحن فيه يرجع إلى سنة 1345 هـ. ويُشار إلى أنّ الشيخ كاشف الغطاء (رحمه الله) صرّح بأنّ الأدلّة الفقهيّة لا تساعد إلّا على الحرمة، ولكنّ هذه الأعمال إن صدرت من المكلّف بدافع العشق الحسيني، فلا يبعد جوازها، بل إنّها تكون من القربات وأجلّ العبادات (الفردوس الأعلى: 58- 59).
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 64
والشعر هو:
يا راحلًا أما مررت بجلّق***فابصق بوجه أمينها المتزندق
ونظم في مقابله الشيخ مهدي الحجّار شعره التالي:
يا حرّ رأيك لا تحفل بمنتقد***إنّ الحقيقة لا تخفى على أحد
إن تلق ذمّاً على رأي تجد مدحاً***وأنت في البين لم تنقص ولم تزد
وهل على الشمس بأسٌ حين لم ترها***عين أصيبت بداء الجهل لا الرمد
يا أيّها الوطن المحبوب رحلتنا***وقفا عليك غداً أو لا فبعد غد
آسى على ضيعة الأخلاق منك وذا***قلبي لأجلك مطويٌّ على الكمد
هذى بنوك صوادّ عن معارفها***و كيف يمكث ذوري بجنب صدي
ليس المقام على الإرغام من شيمي***أقصى البلاد أدنى الإبا بلدي
إنّي أقول ونظم الشهب من كلمي***كما أصول ونصر الله من مددي
عن كلّ شائنة في معطسي شمم***لكن على بيعة الرضوان هاك يدي
عندي من المتنبي خير عاطفة***روح الحماسة حلّت منه في جسدي
ومصلح فاه «بالتنزيه» ليس له***غير الحقيقة إي والله من صدد
تأسَّ يا «محسن» فيما لقيت بما***لاقاه جدّك من بغي ومن حسد
إنّا على «عامل» نأسى لأنّ بها***من لا يفرّق بين الزبد والزبد
سيروا شبيبتنا لكن على خطط*** قد سنّها الدين في منهاجه الجدد
لا تجعلوا لسقيم الذوق منتقداً***عليكم واحذروا من أعين الرصد
إنّا لنأمل فيكم أنّ شعبكم***يعود ملتئماً في شمله البدد «1»
وللسيّد رضا الهندي (ره) شعرٌ قيل إنّه نظمه في السيّد الأمين (ره)، وكان الأوّل مخالفاً الثاني في ما دعا إليه، ولكن يبدو من جواب السيّد الهندي عن سؤال الأستاذ جعفر الخليلي أنّه لم يقله في السيّد الأمين (ره)، هذا إن لم يكن لغيره، وهو:
ذريّة الزهراء إن عددت *** يوماً ليطري الناس فيها الثنا
فلا تعدّوا (محسناً) منهم *** لأنّها قد أسقطت (محسنا)
كما تطاول السيّد صالح الحلّي (ره) على السيّد الإصفهاني (ره) نفسه «2»، وقد أقدم الأخير على تحريم مجالسه مفتياً بفسقه «3»، فأنشأ الشيخ علي بازي مؤرّخاً ذلك:
__________________________________________________
(1) انظر الشعر بالخصوص في: أعيان الشيعة (ط. ق) 10: 148
(2) انظر: هكذا عرفتهم 1: 207 - 210؛ وما يتعلّق بالسيّد رضا الهندي (رحمه الله) انظره في: هكذا عرفتهم1 : 31، وفي بعض الدواوين: «لتحصي» بدل «ليطري»
(3) في التعبير عن هذه الأمور بالفتاوى تسامح، ولا مصحّح له سوى أن يكون من باب تحقيق موضوع الفتوى، وهو على كلّ حال أمرٌ يستوي فيه المقلّد مع مقلَّده في غير الموارد الولائيّة ويمكنه مخالفته فيه. اللهمّ إلّا أن يكون لفظ الفتوى للأعمّ من الحكم المحض- أعني غير الولائي- والولائي.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 65
أبو حسنٍ أفتى بتفسيق ***صالح قراءته أرّختها (غير صالحة)
ولمّا حاول وجوه الحلّة استرضاء السيّد الإصفهاني (ره) ملقين بالسيّد صالح على قدميه، أبى التراجع عن موقفه وقال: «إنّ السيّد صالح كحرف (أي) التي قيل عنها (أيٌّ كذا خلقت)» «1»، فكان أن اعتذر السيّد صالح عمّا بدا منه في حشد حافل في الصحن الحيدري، حيث اعتلا المنبر وقال: «أيّها الناس! إنّي أستغفر الله عمّا قلته وعمّا سأقوله»، ثمّ نزل «2».
يقول السيّد محسن الأمين (ره) :
«لقد أشاعوا في العوام أنّ فلاناً حرّم إقامة العزاء، بل زادوا على ذلك أن نسبونا إلى الخروج من الدين، واستغلّوا بذلك بعض الجامدين من المعمّمين، فقيل لهم: إنّ فلاناً هو الذي شيّد المجالس في دمشق، فقالوا: قد كان هذا في أوّل أمره، لكنّه بعد ذلك خرج من دين الإسلام. وعمدوا إلى شخص من الذاكرين يسمّى السيّد صالح الحلّي، بذلوا له مالًا على أن يقرأ في مجلسٍ أنشأوه كمسجد الضرار، ليقرأ فيه السيّد صالح ويقدح فينا، ورهن بعضهم لذلك داره وأنفق المال الذي رهنها به في ذلك السبيل»«3».
ناهيك عن مجريات تاريخيّة أشدّ قرباً إلينا، تختلف شدّةً وضعفاً:
7- من قبيل ما حدث بين السيّد حسين البروجردي وبين السيّد محمّد حسين الطباطبائي (ره) بعد عودة الأخير من تبريز إلى قم وشروعه بتدريس (الأسفار) واجتماع أكثر من مئة طالب في درسه؛ فقد أمر السيّد البروجردي (ره) بقطع رواتب من يحضر هذا الدرس، وأرسل إلى السيّد الطباطبائي [الحاج أحمد الخادمي] يبلغه بأنّه هو بنفسه درس (الأسفار) ولكن بشكل مخفي، وأنّ هذا الدرس ليس من الدروس المتعارفة في الحوزة، فأجاب الطباطبائي (ره) بأنّه درس ما هو متعارف في الحوزة من فقه وأصول، وأنّه لا يقلّ عن الآخرين في هذا الجانب. وقد انقطع الأمر عند هذا الحد ولم يتعرّض لهم السيّد البروجردي (ره) بعد ذلك، وأرسل إلى السيّد الطباطبائي (ره) ذات مرّة نسخة من القرآن الكريم من أصحّ وأجود المطبوع «4». وكان الشيخ حسين المنتظري يدرّس
__________________________________________________
(1) انظر: هكذا عرفتهم 1: 109 - 111. ويشير السيّد الإصفهاني (رحمه الله) في قوله: «أيٌّ كذا خلقت» إلى ما جرى مع مروان بن سعيد بن عبّاد بن عبّاد بن حبيب بن المهلّب بن أبي صفرة حين سأل الكسائي بحضرة يونس: «أيّ شيء يشبه (أيّ) من الكلام؟»، فقال: «ما ومن»، فقال له: «فكيف تقول: لأضربنّ من في الدار؟»، قال: «لأضربنّ من في الدار»، قال: «فكيف تقول: لأركبنّ ما تركبُ؟»، قال: «لأَركبنّ ما تركب»، قال: «فكيف تقول: ضربت من في الدار؟»، قال: «ضربتُ مَن في الدار»، قال: «فكيف تقول: رَكبتُ ما ركبتَ؟»، قال: «ركبتُ ما ركبتَ»، قال: «فكيف تقول لأضربنّ أيّهم في الدار؟»، قال: «لأضربنّ أيَّهم في الدار»، قال: «فكيف تقول ضَرِبتُ أيّهم في الدار؟»، قال: «لا يجوز»، قال: «لِمَ؟»، قال: «أيٌّ كذا خلقت» (أخبار النحويّين، الموسوعة الشعريّة: 22)
(2) انظر: حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل: 150، نقلًا عن الشيخ باقر القرشي الذي كان حاضراً
(3) انظر: أعيان الشيعة (ط. ق) 10: 363
(4) مهر تابان (فارسي) : 61 وما بعد؛ الشمس الساطعة: 101 وما بعد.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 66
(المنظومة)، فتعطّل درسه «1»، ولكنّ السيّد البروجردي (ره) إنّما كان يعارض درس (الأسفار) و (المنظومة)، ولم يعارض تدريس فلسفة ابن سينا وفلسفة المشّائين «2».
أو الضغوط التي سبّبتها تعليقة السيّد الطباطبائي (ره) على كتاب (بحار الأنوار)، والتي أدّت بمتولّي طبع الكتاب إلى الاعتذار منه عن متابعة طبع بقيّة التعليقة، بعد أن توقّفت عند الجزء السادس، وكان السيّد الطباطبائي (ره) يرفض التخفيف من التعليق باعتبار أنّ منزلة الإمام الصادق (ع) أعظم من منزلة صاحب (البحار) «3»، وكان يردّد: «قد أخطأ المجلسي، قد أخطأ العلّامة» «4». وكان السيّد عبد الهادي الشيرازي (ره) قد أصدر بياناً من النجف الأشرف نشره في قم إثر تعليق السيّد الطباطبائي (ره) على (البحار)، وبحسب المصدر فإنّه: «تقريباً قد كفّره» «5».
ويشير السيّد الطباطبائي (ره) في بعض كتاباته إلى ظاهرة حمل مقولة (مخالفة العلماء) حملَ قميص عثمان، ويؤكّد على أنّ حسن الظن بالعلماء واحترام شخصيّتهم الدينيّة شيء، واتباع نظريّاتهم العلميّة وأفكارهم العقليّة شيء آخر «6». ويقول (ره) في تفسيره (الميزان) : «فمن شرائط التربية الصالحة أن يكون المعلّم المربي نفسه متصفاً بما يصفه للمتعلّم، متلبّساً بما يريد أن يلبسه، فمن المحال العادي أن يربّي المربّي الجبان شجاعاً باسلًا، أو يتخرّج عالمٌ حرٌّ في آرائه وأنظاره من مدرسة التعصّب واللجاج، وهكذا» «7».
8- وعام 1949 م وقعت في المدرسة الفيضيّة في قم خلافات بين الطلّاب الرشتيّين وبين الطلّاب الأتراك، هجموا خلالها على بعضهم البعض، وقد نشرت ذلك صحيفة (استوار) القميّة، ودخل رجال الأمن على إثرها المدرسة الفيضيّة. وقد دفعت هذه الحادثة بالإمام الخميني (ره) إلى
__________________________________________________
(1) تاريخ شفاهى انقلاب اسلامى ايران .. پيدايش وتحولات حوزه علميه قم (فارسي) : 207
(2) تاريخ شفاهى انقلاب اسلامى ايران .. پيدايش وتحولات حوزه علميه قم (فارسي) : 210
(3) مهر تابان (فارسي) : 35- 36؛ الشمس الساطعة: 52- 53.
(4) تاريخ شفاهى انقلاب اسلامى ايران .. پيدايش وتحولات حوزه علميه قم (فارسي) : 216
(5) تاريخ شفاهى انقلاب اسلامى ايران .. پيدايش وتحولات حوزه علميه قم (فارسي) : 212، نقلًا عن حسين حقّاني. وقد ذكر لي الشيخ جعفر السبحاني أنّه اطّلع ضمن تركة السيّد الطباطبائي (رحمه الله) على مجموعة من الرسائل التي كانت قد أرسلت إليه، وفيها شتمٌ وكلامٌ من قبيله.
وإذا رغب القارئ الكريم في الاطلاع على تعليقات السيّد الطباطبائي (رحمه الله) على (البحار) ليرى طبيعتها، فليراجع: بحار الأنوار ج 1: 90، 100، 104، 135، 179، 194، 218؛ ج2: 25، 33، 52، 104، 123، 135، 141، 160، 174، 176، 177، 185، 192، 314، 319؛ ج3 : 8، 31، 40، 45، 56، 62، 82، 87، 110، 143، 151، 180، 229، 249، 252، 258، 267، 273، 306، 327؛ ج4 : 38، 62، 63، 72، 86، 98، 129، 131، 137، 140، 144، 148، 149، 164، 167، 197، 296، 302، 305؛ ج5 : 7، 18، 33، 39، 83، 102، 105، 111، 112، 123، 149، 161، 207، 215، 223، 224، 234، 257، 276، 294؛ ج6 : 8، 37، 158، 271، 280، 290، 291، 326، 330، 336
(6) شيعه .. مجموعه مذاكرات با پروفسور هانرى كربن (فارسي) : 220؛ الشيعة .. نص الحوار مع المستشرق كوربان: 246
(7) الميزان في تفسير القرآن 6: 258 - 259.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 67
الاجتماع بالسيّد البروجردي (ره) والحديث معه حول ضرورة إصلاح الحوزة وتنظيم أمورها، وأنّ الوضع لم يعد يُحتمل، وأنّ عليهم الإسراع في ذلك، وكان السيّد البروجردي (ره) يسعى بشدّة لإصلاح الوضع، إلّا أنّ المقرّبين منه كانوا يحولون دون ذلك. وكان مدير الفيضيّة في ذلك الوقت الحاج الميرزا عبد الحسين صاحب الداري البروجردي الذي لم يكن- حسب المصدر- محبوباً من قبل الطلّاب، وكان المقرّبون من السيّد البروجردي (ره) يحمونه ويحرصون على بقائه في منصبه.
|
|
|
|
|