الجماعات الإرهابيّة المسلحة في سوريا تقاتل بعضها البعض ، لماذا ؟ ألا تقاتل جميعها من أجل إسقاط النظام من حيث هو سلطة ومؤسسات دولة ومجتمع والتنوع الإثني والقومي والهويّة والتاريخ والدور … ؟ هل هو إختلاف على الهدف ؟
أم أن هناك ختلاف في هويّة هذه المجموعات بين هويّة مدنيّة وأخرى دينيّة ، ثوريّة وإرهابيّة ، وطنيّة وعميلة … ؟ هل الإقتتال ناجم عن إختراق أمني سوري لقيادات ومرجعيات هذه المجموعات ؟ أم أنّ هناك ” خلل ” أصاب مرجعياتها وعقل غرفة التحكم بها ؟
أسئلة كثيرة تُطرح لتفسر هذا الإقتتال الشرس بين هذه المجموعات ؛ فخلال عشرة أيام من القتال سقط لها أكثر من ألف من عناصرها . لنتحدث أولاً عن أبرز الحقائق الميدانيّة ، والثوابت المنهجيّة عند قراءة مشهد هذه الجماعات ليكون التعرف إلى سبب أو أسباب إقتتالها سهلاً ومقنعاً .
ملاحظات أوليّة
1 – كلّ هذه المجموعات ذات صبغة دينيّة متطرفة في المعتقد ، وإقصائيّة إلغائيّة في المنهج ، وعُنفيّة دمويّة وتدميريّة في الإسلوب ، ويستحيل علينا العثور على أي فصيل أو كتيبة تخرج عن هذا الوصف.
2 – كلّ هذه الفصائل تُقاتل وتُعلن عدائها للجش العربي السوري ، وتعتدي على الشعب العربي السوري بكل أطياف نسيجه ، وتدمر كلّ ما تستطيع تدميره من مقدرات سوريا وإمكاناتها وتاريخها وهويتها.
3 – حتى خلال قتال هذه المجموعات بعضها البعض لم تتوقف عن محاربة الجيش العربي السوري ، وكان الجزء الأكبر من قوتها موجه ضدّ هذا الجيش العظيم ، ومستمر بإستهداف المواطن العربي السوري بالسيارات المفخخة والعبوات والقنص وقذائف الهاون والإغتيال الفردي والمجازر الجماعيّة المروعة.
4 – جاء عناصر هذه المجموعات – من غير السوريين – من مختلف البلدان والمناطق ، ووفق آليات تسلّل وتهريب موحدة للجميع … وتوزعوا على كافة المجموعات الإرهابيّة ؛ فلا وجود على الإطلاق لفصيل أو مجموعة من لون واحد بإستثناء بعض من المجموعات لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة مثل ” الكتيبة الخضراء ” السعودية الخالصة .
5 – الإنتقال من مجموعة لأخرى ، ومن فصيل لآخر صار أمراً شائعا لدى هذه المجموعات ، وهو مستمر حتى وهي في حالة الإقتتال والتحارب ؛ فلا موانع تنظيميّة أو عقائديّة … تقف حائلاً بوجه هذا الإنتقال .
6 – إستمرت هذه المجموعات تعمل وفق آليات محددة وثابتة بإستهداف سوريا أرضاً وشعباً وجيشاً ما يؤكد بأنها تعمل بإدارة غرفة عمليات موحدة ، بل كنا نلاحظ مدى التنسيق المذهل بين حركة هذه المجموعات والأعمال العدوانيّة الصهيونيّة ضد سوريا من جهة ، والأعمال والنوايا العدوانيّة التركيّة والأمريكيّة ضد سوريا في مرحلة من المراحل من جهة أخرى .
7 – تسلّل عشرات ألآف الإرهابيون وفق ذات الآليات ، وعبر ذات الطرق من الحدود التركيّة والعراقيّة والأردنيّة واللبنانيّة والأراضي المحتلة ، وألتحقوا بمختلف المجموعات الإرهابيّة العاملة على الأرض السوريّة ؛ أي أنّ غرف التحكم بتدفق هؤلاء القتلة تعلم يقيناً عددهم ، وجنسياتهم ، وتسليحهم ، والمناطق التي ينشطون فيها …
ولم يكن هناك ” فيتو ” أو محاذير ضد الإلتحاق بأي فئة أو مجموعة تقاتل في سوريا في أي مرحلة من المراحل .
8 – كلّ هذه المجموعات تحظى بذات الدعم السياسي ، والتغطية الإعلاميّة ، والمظلة ” الشرعيّة ” على أنها مجموعات تُقاتل من أجل الحريّة والسيادة ، وموجهة ضد نظام قاتل ومستبد ، والإستثناء الوحيد لهذه القاعدة كان تنظيم ” جبهة النصرة ” الذي وضعته أمريكا على قوائم المنظمات الإرهابيّة ، ولم نرى أي ترجمة حقيقة لهذا القرار الذي ولد ميتاً أو مجمّداً بأفضل الأحوال .
9 – لا يوجد أي تنظيم يقاتل الدولة السورية لأسباب سياسيّة ( من المعروف أن لا أسباب أخرى غير سياسيّة ، وكلّ ما يُدّعى من أسباب إثنية أو غيرها هو مجرد خداع وتضليل ) لا جنائيّة ( كالخطف من أجل الفديّة ، الأتاوات … ) ممول ذاتيّاً ؛ فكل هذه المجموعات تتلقى تمويلاً خارجيّاً صار واضحاً للجميع . فأي تفسير نخرج به إن علمنا بتسلل 500 إرهابي يمني دفعة واحدة ، وعبر الحدود التركيّة بتاريخ 6 كانون الأول 2013 مثلاً .
10 – يحصل المنتسبون الجدد لهذه المجموعات على تدريبات خاصة بعمل المجموعات المسلحة وحرب العصابات في ساحات مجاورة كتركيا والأردن والعراق ولبنان وكيان العدو ، وغير مجاورة كليبيا وباكستان وأفغانستان واليمن والسعودية … وكلّ هذه الدول تخضع للمشيئة الأمريكيّة على نحو ما .
الإستنتاجات
1 – كلّ هذه الجماعات تخضع لغرفة تحكم واحدة – على الأقل وإلى وقت قريب جداً – تُديرها وتمولها وتغطيها .
2 – كلّ هذه المجموعات تعمل وفق أجندة خارجيّة لا علاقة لها أبداً بالحريّة والسيادة أو مقاومة القمع والإستبداد.
3 – لم تتوقف كلّ هذه المجموعات عن ممارسة أُسّ وجودها وغايته في أي لحظة ، وهو تدمير سوريا ، وإخضاع إرادتها لغرفة التحكم المركزيّة .
4 – السبب الأساسي خلف إقتتال هذه المجموعات خارجي محظ .
5 – وضع هذه المجموعات المتناحرة يُعبر عن خلل عميق لدى أطراف غرفة التحكم .
تحليل الملاحظات الأوليّة والإستنتاجات – مملكة آل سعود نموذجاً
1 – عداء آل سعود المُستحكم لسوريا وحلف المقاومة :
تعتبر مملكة آل سعود واحد من الأعداء الحقيقيين الفاعلين في الحرب على سوريا منذ اللحظات الأولى ، ولكنهم كانوا يعلبون من خلف الستار لعدة أسباب منها : أن اللعب من خلف ستار جزء من تقاليد سياسة هذه المملكة ، ولأن دور ” رأس الحربة ” في الحرب على سوريا منحته غرفة التحكم المركزيّة لقطر والإخوان المسلمين ، وآل سعود لا علاقة متينة لهم بالإخوان المسلمين ، ورغبة غرفة التحكم بإعطاء وجه ” مدني ” لا ديني للحرب على سوريا .
2 – السير عكس التاريخ والوقائع :
يعود جزء أساسي من إعتراض مملكة آل سعود على الحلّ السياسي للحرب على سوريا إلى رفضها أيّ حلّ لا يقود إلى تغيير نظام الحكم القائم في سوريا فهم يرون أنّ بقاء الرئيس بشار حافظ الأسد رئيساً يعني : هزيمة نكراء للإسلام الوهابي وبداية حتميّة لإنحساره ، وهزيمة قاسية لحكام آل سعود ومحور ” الإعتلال ” في المنطقة الذي يتزعمونه ، وانتصاراً لمحور المقاومة والممانعة بقيادة سوريا وإيران وحزب الله ،
وانّ هذا الانتصار سيفضي بالضرورة إلى تراجع كبير في دور السعودية الإقليمي والدولي وإلى إنقلاب موازين القوى في المنطقة لصالح حلف المقاومة ، وترسخ الإصطفافات والتوازنات الجديدة التي ظهرت في المنطقة والعالم بفعل صمود سوريا وإنتصارها وهذه الإصطفافات والتوازنات الجديدة ليست في مصلحة نظام آل سعود وسادتهم وطموحاتهم ورهاناتهم على الإطلاق .
وإذا أضفنا خوف ممالك الخليج وخصوصا السعودية من عودة ألآف الإرهابيين والمتشددين إلى الديار ، وشعورهم بأنهم هم من يمثل ” السنة ” لا أصحاب العروش والكروش ، وبأنهم ظلموا وخدعوا وذبحوا … من هذه الممالك تحديداً ، سندرك أي رعب يتملك هذه الممالك .
3 – ممنوع أن تتراجعوا :
على الرغم من ملاحظة مملكة آل سعود – كما كلّ العالم – للمُراجعات العميقة للسياسة الاميركية في المنطقة والعالم ، وإعتماد مقاربات جديدة في التعامل مع الازمات والصراعات تقوم على التهدئة والتخفيف من حدتها حيث أمكن ، وإكتفائها بالدعم ” غير المباشر ” لحلفائها
، وتراجع هذه الإدارة وتسليمها ” بالتعايش ” مع محور المقاومة والممانعة بعد الفشل في تغيير الواقع السياسي في كلّ من سوريا وإيران إلا أنّهم والمحافظون الجدد واللوبي اليهودي في أمريكا والكيان الصهيوني يعيشون صراع مرير بين إغراء إستغلال إنشغال مصر بهمومها ومشكلاتها العميقة ، والعراق في حربه ضد الإرهاب والفتنة ومحاولات تقسيمه وتفكيكه ، والحرب الكونية على سوريا من جهة ، والمخاوف الجديّة والواقعية من تقهقر أمريكا وإنسحابها من المنطقة ، والأخطار الوجودية التي تعصف بكيان العدو الصهيوني ،
وحتمية تدهور الأوضاع في المملكة ومعظم محور الإعتدال من جهة أخرى ، والخوف الداهم على مستقبل السعودية بفعل الصراع على خلافة عبد الله بن سعود وما قد يثيره من إضطرابات إجتماعية وأمنية قادمة نحوها حتما من جهة ثالثة ، يحاول أولئك جاهدون ” توريط ” إدارة أوباما في حرب مباشرة في سوريا تُعيد ترتيب الأوراق والتوازنات ، وإستغلال ” هامش ” حرية الحركة الذي وفرته هذه المراجعات وما نجم عنها من إنكفاءات أمريكيّة كبرى .
4 – سنورطكم عبر الأردن :
من أهم محددات مملكة آل سعود في حربها على سوريا أنها لا تملك حدوداً مشتركة معها ، ولذلك تعمل على نقل الإرهابيين ، وتمويل وتسلّيح الجماعات الإرهابية في سوريا عبر طرف ثالث إمّا يكون تركيا أو الأردن أو لبنان أو العراق . مؤخراً حدثت تطورات مهمة جداً في هذه الدول ؛ فتركيا بدأت بالإنسحاب التدريجي من الحرب على سوريا لأسباب داخلية وخارجيّة ،
والعراق يشنّ مؤخراً حرباً لا هوادة فيها لسحق مجاميع الإرهابيين لديه لحماية نفسه ، ولمنع إنتقال حرب الجماعات الإرهابيّة إلى أرضه قريباً إن إنتصرت في سوريا ، ولبنان يضبط حدوده بنسب معقولة – وإن قصّر القرار السياسي بنشر الجيش اللبناني على الحدود – بفعل الجهود الضخمة التي يبذلها حزب الله ،
والأردن – وهو الأقل حصانة – يحاول جاهداً الإلتزام بالإتفاقات الدوليّة من أجل تسوية سياسيّة للحرب على سوريا بالرغم من تعرضه لضغوط كبرى من مملكة آل سعود . ومن الأمثلة الصارخة على تلك الضغوط السعوديّة الهائلة على الأردن محاولة بندر بن سلطان تهريب قرابة 25 ألف بِزَّةٌ عسكريّة تعود للجيش الأردني وإدارات الأمن العام إلى مجموعات إرهابيّة محددة في سوريا لتوريط الأردن ومن خلفه أمريكا في حرب مباشرة في سوريا .
5 – توهم الحقائق في زمن سقوط الوهم :
عندما ينطلق قطار التسويات الكبرى ، ويبدأ رسم الخرائط على إثر مواجهة كادت أن تودي إلى حرب عالمية ثالثة أو على الأقل إلى حرب إقليميّة لا سابقة لها ، لا مكان ” للحرد ” أو التلطي خلف الكيان الصهيوني ومصالحه هنا ، والمحافظون الجدد واللوبي اليهودي هناك . ولم يعد عالم اليوم يتحرك وفق الإرادة الأمريكيّة المتفردة ؛ بل إن هذه الإرادة تُعاني اليوم من تسرب مكامن القوة من يديها فالعجز في ميزانيتها تجاوز إجمالي دخلها القومي بكثير ، وثلثي بوارجها وحاملات طائراتها ترسوا في الموانيء الأمريكيّة بلا عمل بسبب عدم القدرة على دفع كُلفها التشغيليّة ، ووزارة حربها صرفت عشرات الألآف من المتعاقدين المدنيين بسبب تقليص الموازنات.
تصريحات كيري الأخيرة في باريس جرعة من ” حقيقة ” ما زال البعض لا يريد أن يقتنع بها أو يراها ، ولكن ” النبواءات ” عندما تستأذن التاريخ لتصير وقائع ستكون قادرة حتماً على إقناع من لا يريد يريد أن يقتنع فيسقط الوهم ؛ إنما هو العقل القَبَليّ الذي يرفض موت الأبطال ! فإذا ما وقع الموت كانت الحقيقة والصدمة ، وربما بعد فوات الأوان
إنـهـيـار جـبـهـة الإرهـاب .. تـصـدّع مـمـلـكـة الإرهـاب الـسـعـودية
العرض العادي
