|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 82198
|
الإنتساب : Aug 2015
|
المشاركات : 836
|
بمعدل : 0.25 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العام
ذكرى فقدان الانسانية لرسولها الأعظم صلى الله عليه وآله
بتاريخ : 19-09-2022 الساعة : 08:09 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد ان تحقق الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله من دنو أجله قدَّم الذكرَ به لأمته، فجعل يقوم مقاماً بعد مقام في المسلمين يحذِّرهم الفتنة بعده والخلاف عليه ويؤكد وصايتهم بالتمسك بسنته والاجماع عليها والوفاق، ويحثَّهم على الاقتداء بعترته والطاعة لهم والنصرة والحراسة والاعتصام بهم في الدين ويزجرهم عن الخلاف والارتداد.
وكان فيما ذكره من ذلك ما جاءت به الرواة من الاتفاق والاجتماع من قوله صلى الله عليه وآله: «ايها الناس أني فرطكم وانتم واردون عليَّ الحوض، ألا وأنّي سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فانّ اللطيف الخبير نبأني أنّهما لن يفترقا حتى يلقاني وسألت ربّي ذلك فأعطانيه.
ألا وانّي قد تركتهما فيكم، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولا تسبقوهم فتفرقوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلَّموهم فانهم اعلم منكم.
ايها الناس لا ألفينكم بعدي ترجعون كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض فتلقوني في كتيبةٍ كبحر السيل الجرَّار الا وانّ عليّ بن أبي طالب أخي ووصيي يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله»، وكان صلى الله عليه وآله يقوم مجلساً بعد مجلس بمثل هذا الكلام ونحوه.
سرية أسامة:
ثم أنّه عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الإمرة وأمره وندبة أن يخرج بجمهور الأمة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم واجتمع رأيه صلى الله عليه وآله على اخراج جماعة من مقدمي المهاجرين والانصار في معسكره حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الرئاسة ويطمع في التقدم على الناس بالامارة ويستتب الامر لمن استخلفه من بعده ولا ينازعه في حقه منازع.
فعقد له الامرة على ما ذكرناه.
وجدَّ صلى الله عليه وآله في اخراجهم وأمر أسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره الى الجرف وحث الناس على الخروج اليه والمسير معه وحذّرهم من التلوّم والابطاء عنه.
قرب الأجل:
فبينما هو في ذلك اذ عرضت له الشكاة التي توفي فيها، فلما أحسَّ بالمرض الذي عراه أخذ بيد عليّ عليه السلام واتبعه جماعة من الناس وتوجه الى البقيع، فقال لمن اتبعه: أنّي قد أمرت بالاستغفار لأهل البقيع فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم وقال: «السلام عليكم يا أهل القبور ليهنئكم ما أصبحتم فيه، مما فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها».
ثم استغفر لأهل البقيع طويلاً وأقبل على أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: انّ جبرئيل عليه السلام كان يعرض عليّ القرآن كل سنة مرّة وقد عرضه عليّ العام مرتين ولا أراه الّا لحضور أجلي.
وصايا نبوية:
ثم قال: «ياعلي انّي خيرت بين خزاين الدنيا والخلود فيها أو الجنة فاخترت لقاء ربي والجنة».
فاذا أنا متّ فاغسلني واستر عورتي فانّه لا يراها أحدٌ الّا أكمه، ثم عاد الى منزله فمكث ثلاثة ايام موعوكاً، ثم خرج الى المسجد معصوب الرأس معتمداً على أمير المؤمنين عليه السلام بيمنى يديه، وعلى الفضل بن العباس باليد الاخرى حتى صعد المنبر فجلس عليه، ثم قال: «معاشر الناس قد حان مني خفوق من بين أظهركم فمن كان له عندي عدة فليأتني أعطه أياها ومن كان له عليّ دين فليخبرني به.
معاشر الناس ليس بين الله، وبين أحدٍ شيء يعطيه به خيراً أويصرف عنه به شراً الا العمل، ايها الناس لا يدَّعي مدَّع ولا يتمنى متمن والذي بعثني بالحق نبياً لا ينجّي الا عمل مع رحمةٍ ولو عصيت لهويت. اللهم هل بلّغت؟» ثم نزل فصلّى بالناس صلاة خفيفة ودخل بيته وكان اذ ذاك في بيت أم سلمة رضي الله عنها فأقام به يوماً أو يومين.
تنافس على الدنيا:
فجاءت عائشة اليها تسألها أن تنقله الى بيتها لتتولى تعليله وسالت أزواج النبي صلى الله عليه وآله في ذلك فأذن لها فانتقل صلى الله عليه وآله الى البيت الذي أسكنه عائشة واستمر المرض فيه أياماً وثقل.
فجاء بلال عند صلاة الصبح ورسول الله صلى الله عليه وآله مغمور بالمرض، فنادى: الصلاة يرحمكم الله فأوذن رسول الله بندائه، فقال: يصلي بالناس بعضهم فانّي مشغول بنفسي، فقالت عائشة: مروا أبا بكر! وقالت حفصة: مروا عمراً! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله حين سمع كلامهما ورأى حرص كل واحدة منهما على التنويه بابيها وإفتتانهما بذلك ورسول الله صلى الله عليه وآله حيّ: اكفُفن فانكنّ كصويحبات يوسف.
ثم قام صلى الله عليه وآله مبادراً خوفاً من تقدم أحد الرجلين وقد كان أمرهما بالخروج مع أسامة ولم يك عنده انهما قد تخلّفا، فلمّا سمع من عائشة وحفصة ما سمع علم انهما متأخران عن أمره! فبدر لكف الفتنة وازالة الشبهة فقام صلى الله عليه وآله انّه لا يستقل على الارض من الضعف، فأخذ بيده عليّ بن ابي طالب عليه السلام والفضل بن العباس فاعتمد عليهما ورجلاه تخطان الارض من الضعف.
فلمّا خرج الى المسجد وجد أبابكر قد سبق الى المحراب فأومأ اليه بيده أن تأخر عنه فتأخر أبو بكر وقام رسول الله صلى الله عليه وآله مقامه فكبّر وابتدأ الصلاة التي كان قد ابتدأها أبو بكر ولم يبن على مامضى من فعاله.
كتاب النبي:
فلما سلم انصرف الى منزله واستدعى ابابكر وعمر وجماعة ممن حضر بالمسجد من المسلمين ثم قال: ألم آمركم أن تنفذوا جيش أسامة؟ فقالوا: بلى يارسول الله، قال: فلم تأخرتم عن أمري؟ قال أبو بكر: انّي كنت خرجت ثم رجعت لأجدد بك عهداً وقال عمر: يارسول اله انّي لم اخرج لانني لم أحب أن أسأل عنك الركب، فقال النبي صلى الله عليه وآله: نفّذوا جيش أسامة، نفذوا جيش أسامة، يكررها ثلاث مرات، ثم أغمى عليه من التعب الذي لحقه والأسف الذي ملكه فمكث هنيئة مغمى عليه وبكى المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وولده ونساء المسلمين وجميع من حضر من المسلمين.
كتفٌ ودواة:
فأفاق رسول الله صلى الله عليه وآله فنظر اليهم ثم قال:
ائتوني بدواة وكتف لأكتب اليكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداّ ثم أغمى عليه، فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفاً فقال له عمر: ارجع فانّه يهجر!!
فرجع وندم من حضر على ماكان منهم من التضجيع (أي التقصير) في احضار الدواة والكتف وتلاوموا بينهم وقالوا: انّا الله وانّا اليه راجعون، لقد أشفقنا من خلاف رسول الله صلى الله عليه وآله.
فلمّا أفاق قال بعضهم: ألا نأتيك بدواة وكتف يا رسول الله؟ فقال: أبعد الذي قلتم، لا ولكنّي أوصيكم بأهل بيتي خيراً وأعرض بوجهه عن القوم فنهضوا وبقي عنده العباس والفضل بن العباس وعلي بن ابى طالب عليه السلام وأهل بيته خاصة، فقال له العباس: يا رسول الله ان يكن هذا الامر فينا مستقراً من بعدك فبشرنا وان كنت تعلم انا نغلب عليه فاقض بنا، فقال: انتم المستضعفون من بعدي وأصمت فنهض القوم وهم يبكون قد يئسوا من النبي صلى الله عليه وآله.
علي والعباس:
فلمّا خرجوا من عنده، قال صلى الله عليه وآله: ردّوا عليّ أخي وعمّي فانفذوا من دعاهما فحضرا فلمّا استقرّ بهما المجلس قال صلى الله عليه وآله: يا عمّ رسول الله تقبل وصيتي وتنجز عدتي وتقضي ديني؟ فقال العباس: يارسول الله عمّك شيخ كبير ذو عيال كثير وانت تباري الريح سخاءً وكرماً وعليك وعد لا ينهض به عمّك.
فأقبل على عليّ بن ابي طالب عليه السلام فقال: يا أخي تقبل وصيتي وتنجز وتقضي عنّي ديني وتقوم بأمر أهلي من بعدي؟ فقال: نعم يا رسول الله، فقال: ادن منّي، فدنا فضمّه اليه ثم نزع خاتمه من يده، فقال: له: خذ هذا فضعه في يدك ودعا بسيفه ودرعه وجميع لامته فدفع ذلك اليه والتمس عصابة كان يشدها على بطنه اذا لبس سلاحه وخرج الى الحرب، فجيء بها اليه فدفعها الى أمير المؤمنين عليه السلام، وقال له: امض على اسم الله تعالى الى منزلك.
الرسول يفتقد علياً:
فلمّا كان من الغد حجب الناس عنه وثقل في موضعه وكان أمير المؤمنين عليه السلام لا يفارقه الا لضرورة فقام في بعض شؤونه فأفاق رسول الله صلى الله عليه وآله افاقة، فافتقد علياً عليه السلام فقال وأزواجه حوله: ادعوا لي أخي وصاحبي وعاوده الضعف فأصمت.
فقالت عائشة: ادعو له ابابكر! فدعي، فدخل عليه وقعد عند رأسه فلمّا فتح عينه نظر اليه فأعرض عنه بوجهه فقام أبو بكر فقال: لو كان له اليّ حاجة لأفضى بها اليّ فلمّا خرج أعاد رسول الله القول ثانية وقال: ادعو لي أخي وصاحبي، فقالت حفصه ادعوا له عمراً، فدعي فلمّا حضر ورأه رسول الله أعرض عنه فانصرف، ثم قال: ادعو لي أخي وصاحبي فقالت ام سلمة رضي الله عنها: ادعو له عليّاً فانّه لا يريد غيره فدعي أمير المؤمنين عليه السلام.
فلمّا دنا منه أومأ اليه فأكبّ عليه فناجاه رسول الله عليه وآله طويلاً ثم قام فجلس ناحية حتى اغفى رسول الله عليه وآله فلمّا اغفى خرج فقال له الناس: ما الذي أوعز إليك يا ابا الحسن؟ فقال: علّمني الف باب من العلم فتح لي كل باب الف باب، وأوصاني بما أنا قائم به ان شاء الله تعالى.
الساعة الأخيرة:
ثم ثقل صلى الله عليه وآله وحضره الموت وأمير المؤمنين عليه السلام حاضر عنده فلمّا قرب خروج نفسه قال له: ضع يا علي رأسي في حجرك فقد جاء امر الله تعالى، فاذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ثم وجّهني الى القبلة وتولّ امري وصلّ عليّ أول الناس ولاتفارقني حتى تواريني في رمسي واستعن بالله تعالى.
فاطمة تبكي:
فأخذ عليّ عليه السلام رأسه فوضعه في حجره فأغمي عليه فأكبت فاطمة عليها السلام تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول:
وأبيض يستقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
ففتح رسول الله صلى عليه وآله عينه وقال بصوت ضئيل: يا بنية هذا قول عمك ابي طالب لا تقوليه ولكن قولي:
(وَمَا مُحمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) آل عمران الاية 144.
فبكت طويلاً فأومأ اليها بالدنوّ منه فدنت منه فأسرّ اليها شيئاً تهلل وجهها له، ثم قبض صلى الله عليه وآله ويد أمير المؤمنين عليه السلام اليمني تحت حنكه ففاضت نفسه فيها ترفعها الى وجهه فمسحه بها ثم وجّهه وغمّضه ومد عليه أزاره واشتغل بالنظر في أمره.
بشارة لفاطمة:
فجاءت الرواية انّه قيل لفاطمة عليها السلام ما الذي أسرّ إليك رسول الله صلى الله عليه وآله فسرى عنك به ما كنت عليه من الحزن والقلق بوفاته؟ قالت: انّه أخبرني انني أول أهل بيته لحوقاً به، وانّه لن تطول المدة بي بعده حتى أدركه فسرى ذلك عنّي، فلمّا أراد أمير المؤمنين عليه السلام غسله استدعا الفضل بن العباس فأمره أن يناوله الماء لغسله بعد ان عصبت عينه ثم شقّ قميصه من قبل جيبه حتى بلغ الى سرته وتولىّ غسله وتحنيطه وتكفينه والفضل يعاطيه الماء ويعينه عليه فلمّا فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلّى عليه وحده لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه.
المسلمون يصلون على النبي:
وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن، فخرج اليهم أمير المؤمنين عليه السلام وقال لهم: انّ رسول الله صلى الله عليه وآله امامنا حيّاً وميّتاً فليدخل عليه فوجاً بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير امام وينصرفون وانّ الله لم يقبض نبياً في مكان الّا وقد ارتضاه لرمسه فيه واني لدافنه في حجرته التي قبض فيها، فسلم القوم لذلك ورضوا به.
المثوى الأخير:
ولمّا صلّى المسلمون عليه أنفذ العباس بن عبد المطلب برجل الى ابي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويضرع وكان ذلك عادة أهل مكة وأنفذ الى زيد بن سهل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد، فاستدعاهما وقال: اللهم خر لنبيّك فوجد أبو طلحة زيد بن سهل وقال له: احفر لرسول الله صلى الله عليه وآله فحفر له لحداً ودخل أمير المؤمنين عليه السلام والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأسامه بن زيد، ليتولوا دفن رسول الله صلى الله عليه وآله.
الأنصار ومواراة الرسول:
فنادت الانصار من وراء البيت يا علي انا نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله صلى الله عليه وآله أن يذهب، أدخل منّا رجلاً يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ليدخل أوس بن خولي وكان بدرياً فاضلاً من بني عوف من الخزرج.
فلما دخل قال له عليّ عليه السلام: انزل القبر فنزل ووضع أمير المؤمنين رسول الله على يديه وأدلاه في حفرته فلمّا حصل في الارض قال له: أخرج فخرج ونزل عليّ عليه السلام القبر فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله ووضع خدّه على الارض موجهاً الى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب.
ختام:
وكان ذلك في يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة احدى عشرة من هجرته صلى الله عليه وآله وهو ابن ثلاثٍ وستين سنة ولم يحضر دفن رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر الناس! لما جرى بين المهاجرين والانصار من التشاجر في أمر الخلافة! وفات أكثرهم الصلاة عليه لذلك.
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
من موقع الشيرازي نت
|
|
|
|
|