وردتنيهذه الراسالة على الايميل وهي مفيدة احببت ان تطلعوا عليها
يُصنف الإعلام كسلطة رابعة إلى جانب السلطات الثلاث في عدد من دول العالم، ولعب الإعلام المسيس للحكومات العربية الدور الأكبر في رسم الأفكار والنظم السياسية والاجتماعية لشعوبها، لكن الطفرة النوعية التي شهدها العالم في وسائل الاتصالات والإعلام وخاصة القنوات الفضائيات أجبرت العالم العربي لدخول معترك الإعلام بشتى صوره وأشكاله.
فامتلئ الفضاء بمئات القنوات التي كان لها الأثر الكبير في تشكيل قناعات المجتمعات وتحريك الشارع العام تجاه الأحداث السياسية والاجتماعية التي تمثل أولويات اهتماماتهم وتحدد مصيرهم.
وفي خضم ذلك واجهت الطائفة الشيعية منذ قِدم التاريخ حصاراً إعلامياً بدء من عهد بني أمية تمثل في حملة شرسة ضد مذهب أهل البيت ، وتلفيق كل ماهو محرف ومشوه لعقائدهم، وتصفية ومطاردة تطال معتنقيه في كل مكان وزمان.
الظلم الإعلامي والفرصة السانحة
عاشت الطائفة الشيعية حالة التهميش والعزلة عن المحافل الإعلامية بسبب الظروف السياسية والاجتماعية التي يعيشها أتباع الطائفة في كثير من دول العالم، مما أعطى الفرصة لكثير من وسائل الإعلام المتشددة -لاسيما القنوات الفضائية منها في رسم صور مفبركة ومشوهة عنهم وعن عقائدهم وتكريسها في عقول عامة الناس، وحتى بعد مرور أكثر من ألف وأربعمائة سنة، لازالت الطائفة الشيعية التي تمثل شريحة كبيرة من المجتمعات العربية تعاني من حملة التشويه التي تبنتها جماعات ودول ضمن منهج إعلامي مدروس ومقنن ليس على مستوى عربي فحسب- بل على مستوى دولي وعالمي.
فعلى سبيل المثال أن قناة فضائية عرضت برنامج تحت شعار حوار بين الشيعة والسنة -وهو في الأصح حوار سياسي مفبرك- سعت من خلاله لإشعال فتيل الفتنة الطائفية بين المسلمين، واستطاع أن يخلق حالة من التشجنج لدى شريحة كبيرة منهم، ورسم صورة بشعة ومشوهة عن هوية التشيع.
لكن الظروف السياسية المتغيرة والمتلاحقة -وخصوصاً أحداث العراق ولبنان- أدت لدخول الطائفة الشيعة المعترك السياسي كأطراف رئيسة في معادلات مصيرية، وأخرجتهم بالتالي للواجهات الإعلامية تحت إطار فرض الواقع المفترض.
فأصبحت القناة الفضائية الشيعية مطلباً ملحاً للتعبير عن هويتهم وانتمائهم وتوجهاتهم الدينية والفكرية، ولعل ظهورها الأول جاء متواكباً مع الصورة السلبية التي رسمها الإعلام العربي عنهم، فقوبل من الطائفة الشيعية باندفاع من مرحلة الاحتقان إلى حالة الاندفاع غير المدروس، والذي جر إليه جهات دينية وثقافية متعددة دون إنفراد جهة معينة بدور ريادي في مواجهة الإعلام المضاد، إذ لايمكن للإعلام الشيعي أن يخلق صورة عن الشيعة وفي مقابلها صورة أخرى مشوهة تعتريها كثير من الشوائب والعوالق رسمها مناوئوهم؛ إذا فمن الواجب على الإعلام الشيعي أولاً وقبل كل شيء أن يعمد للإزالة الشوائب التي علقت بصورتهم؛ كي يشاهد العالم صورة براقة تُلفت وتجذب كل مشاهد ومتابع إليها.
ومن جهة أخرى لم يلمس الشارع الشيعي حتى الآن تفاعلاً حقيقياً بين إعلامهم والأحداث والأزمات التي يواجهونها، الذي يعبر عنه بفن إدارة الأزمات، لأنه تارة يعيش حالة الاستجداء للحصول على الاستنكار والعطف من الطرف الآخر، وكأن ذلك هو ما سيعيد الأمور إلى نصابها ويُرجع الحقوق لأصحابها، وتارة يعيش حالة من الفتور الإعلامي مع الأحداث والمواقف التي تظهرهم بشكل مُشرف في الساحات السياسية والفكرية والثقافية.
وبالتالي فوت الإعلام الشيعي فرصة سانحة كان من المفترض أن يستغلها ويرقى بها للمستوى المطلوب، خاصة مع وجود تحديات ومعتركات سياسية جسيمة تعيشها امتنا الإسلامية في الوقت الراهن.
قنوات دينية تصب في قالب واحد
لعل تجربة القنوات الدينية التي بدأت تطفو على سطح الإعلام العالمي يرجع ظهورها لعدة عوامل فرضتها الظروف الاجتماعية والأحداث العالمية خاصة مابعد أحداث 11 من سبتمبر، فانتشرت القنوات الدينية بشكل كبير حتى في الدول الغربية والولايات المتحدة وهذا مايؤكده تحقيق لموقع «كولومبيا جورنالزم ريفيو» المتخصص في الإعلام. ويقول الصحفي الأمريكي تيم كرايدل الذي غطى ظاهرة انتشار القنوات الدينية بقوله: «أصبحت هذه القنوات أكثر شبابية للوصول إلى الجمهور، فالجمهور الجديد لهذه القنوات هم من الشباب واليافعين»، وهذا ما عرضه المسلسل السعودي المعروف «طاش ماطاش» في إحدى حلقاته وتناول ظاهرة انتشار القنوات الدينية ورواجها في عالمنا العربي بقالب فكاهي ظريف.
بالمقابل اتخذت القنوات الفضائية الدينية العربية -بمافيها الشيعية- منحى تفارقي عن المنحى الأساسي للإعلام بتبنيها لطابع ديني محافظ يحمل رسالة توعوية وتثقيفية دينية للمسلمين، ويختزل داخله رسالة تعاطف إعلامية لغير المسلمين مع قضاياهم وشئونهم.
ولعل المتتبع للقنوات الدينية يجد أن معظم برامجها بالرغم من اختلاف مناهجها وأساليبها لكنها اجتمعت في توظيف الخطاب الديني كجدار ممانعة أمام الثقافة المناوئة لها؛ أي أن معظم القنوات الفضائية الدينية بأغلبيتها تدور في نطاق مغلق يصاغ في أُطر دينية تعتمد على قدرات ومهارات متواضعة في بعض الأحيان، وطرح برامج إعلامية محدودة كندوات ومحاضرات وتلاوة قرآن وأوراد دينية مختلفة.
وبالنظر للقنوات الشيعية التي لم تبتعد عن هذا المنحنى كثيراً، نجدها قنوات ذات طابع محافظ ارتكزت على الخطاب الديني كقاعدة دعائية لها منذ ظهورها، واعتمد بدوره هو الآخر على الموروث التاريخي الإسلامي خاصة فيما يتعلق بسيرة أهل البيت ، مما جعله الركيزة الأولى في برامجها ومنهجها الفكري والثقافي، فالبرغم من أن البرامج المعروضة تنوعت في الأسلوب والمنهج والطريقة لكنها في نهاية المطاف تصب في قالب ديني مكرر.
هل كل قناة شيعية تمثل طائفتها؟
أن معظم القنوات الشيعية لازالت تنقل الخطاب الإعلامي كما هو، فتحررت من ثقافة الاتهام الذي عاشته منذ أربعة عشر قرناً واندفعت بكل قوتها لبلورة الإرث التاريخي ونشر المراثي والأناشيد بظنها أنه النمط الإعلامي الأجدى نفعاً لمنهج أهل البيت ، خاصة تلك القنوات التي تقمصت الهوية الشيعية، واتخذت منحى آخر في بلورة إرث تاريخي متأزم اختزلته في شكل مراثي ونغمات ترسلها للفضاء!!.
وبالرغم أننا نتفق إجمالاً أننا مع كل ما يعزز ثقافتنا وهويتنا الدينية، أياً كانت صورته وطريقته، لكن الإشكالية أن معظم مايطرح من مواد إعلامية في بعض القنوات الشيعية لايرقى لمستوى الأزمات والتحديات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تواجهنا سواء على مستوى الطائفة أو الأمة.
ومن هنا يمكن القول أن الإعلام الشيعي يعيش حالة من التخبط والفوضى وخروجه للفضاء في صورة إعلامية عشوائية؛ إذ ليس من المعقول أن ماتعرضه القنوات الشيعية في الوقت الحالي هو أفضل ماعندها، وهي تمتلك كنزاً من التراث الفكري والعلمي الفريد من نوعه يتمثل في نهج العترة الطاهرة للآل محمد ، الذي يتناول جميع شؤون الحياة.
لذا من الواجب على القنوات الشيعية أن تأخذ بمفهوم الحداثة، وتوظيف فكر أهل البيت في وجهات نظر مقننة ومدروسة تشمل جميع المستويات والأصعدة وتنسجم مع الأطروحات العملية والعلمية، وتبرزه للعالم ضمن مواد إعلامية هادفة، تحاكي كل جانب من جوانب الحياة المختلفة، فتحقق بواسطتها حالة الانجذاب والرغبة عند الآخرين؛ كي يغترفوا من هذا المنهل الصافي الذي لا تشوبه شائبة.
وهذا مايؤكده الإمام الرضا بقوله: «رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقلت له: وكيف يُحيي أمركم؟.. قال: يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس، فإنّ الناس لو علِموا محاسن كلامنا لاتّبعونا».
ولعل أول ما يتبادر في ذهن المشاهد عند مشاهدته لقناة فضائية يغلب عليها الطابع الشيعي عدة أسئلة منها:
هل كل قناة شيعية تمثل طائفتها؟!!
هل استطاعت القناة الشيعية رسم صورة مشرفة عن عقيدتها؟.!!
هل كل قناة استطاعت أن تخترق جدار كل منزل شيعي يعتبر نجاحاً إعلامياً متميزاً لها؟!!
هل تعتبر الأناشيد والمراثي بصورتها الحالية تخصصاً إعلامياً فريداً من نوعه أمام تخصصات إعلامية رقت إلى أعلى المستويات الفكرية والثقافية واجتذبت معها أكبر عدد من المشاهدين والمتابعين؟!!
من يتحمل سلبيات البرامج والخطابات الإعلامية في القناة الشيعية؟
ماهي الآلية والمعايير التي تستخدمها القناة الشيعية لتحديد المقبول والا مقبول من البرامج؟
من يحدد ماهو المهم والأهم من برامج القناة الشيعية؟
هل هناك رؤى مستقبلية لتطوير القناة الشيعية؟
ومن هنا يتكرر السؤال الأهم: من هو المسئول عن تدني مستوى الإعلام الشيعي الفضائي؟
لذلك نُنيط بك أيها المشاهد والقارئ الكريم الإجابة على هذه الأسئلة وإبداء رأيك حولها، وعلى ضوئها نكمل مابدأنا، القنوات الشيعية إلى أين؟!!
كاتب وباحث سعودي