نعم فقط عندما يكون هناك حرية, ولا يشعر المرء بانها ستكون نهايته, ولا اعدام له ولاهله وربما لكل افراد عشيرته واصدقاءه وكل من يعرفه, فاننا لا بد ان نرى منتظر الزيدي يرمي الرئيس الاميركي الضيف جورج بوش بحذاءه, وعندما تكون هناك حرية يرمي كثير من الناس رؤساءهم ورؤساء حكوماتهم ووزرائهم بالبيض الفاسد والطماطم وأشياء أخرى, وعندما تكون هناك ديمقراطية وحرية يتعارك أعضاء البرلمان العراقي بسبب اختلافهم على الاتفاقية بين مقتنع بها ويراها لمصلحة العراق ومستقبله, وبين غير مقتنع لا يرى فيها إلا مؤامرة تحاك ضد العراق والعراقيين لا بد من رفضها والوقوف بوجه من يقبلها ويريد التوقيع عليها.
على العكس من ذلك تماما وفي ظل غياب الحرية وتسلط النظم البوليسية والاجرامية على شعوبها, فلن يحدث أي شيء مما ذكرناه أعلاه, فلو كان الواقف مكان الرئيس بوش المجرم النافق صدام حسين , لما تجرأ الزيدي أو غيره أن يرموه بوردة وليس بحذاء, ولو جاءت الاتفاقية الامنية العراقية الاميركية في العهد البائد, حتى لو كانت كل بنودها تنص صراحة على الاضرار بمصالح العراق وتقسيمه ونهب خيراته وربما تقديم مساحات من اراضيه للغير مثل كل الاتفاقيات التي شهدها العهد البائد, لسارع البرلمان العراقي للتوقيع عليها بالاجماع واصفا اياها بالاتفاقية العظيمة والتاريخية والتي تعبر عن حنكة القائد الضرورة وذكائه وحكمته وبعد نظره, وحبه اللامحدود للعراق والعراقيين!
أيضا كنا شاهدنا جميع الاتحادات البعثية من عمال وفلاحين وحرفيين وعمال واطباء وصيادلة ومحامين, قد خرجوا بمظاهرات عارمة للتعبير عن تأييدهم للاتفاقية, وقبل ذلك كان جميع هؤلاء وغيرهم الكثير قد أرسلوا برقيات التأييد والولاء والمحبة للقائد الضرورة راعي الحفرة القومية معربين له عن استعدادهم للوقوف خلفه وافتدائه بارواحهم ودمائهم.
لكنه العراق الجديد يا سادة, العراق الحر والديمقراطي الذي لا يخشى فيه المواطن أي شيء, فيجد نفسه مندفعا للتعبير عن نفسه بأشكال شتى وبما هو متاح له, هذا العراق الجديد بدأ بنعال أبو تحسين وبعدها بمجلس للحكم ضم ممثلين عن كل مكونات الشعب العراقي, بعد ذلك تابع العالم انتخابات حرة ونزيهة شارك فيها أكثر من ثمانية ملايين عراقي رغم الظروف الامنية السيئة للغاية, وبعدها رأينا رئيساً كردياً للعراق, ورئيس وزراء شيعي, وتلك الاحداث ستكون أكثر من سبب كاف لاعدام أي عراقي فيما لو حلم مجرد حلم بها.
أيتام النظام البائد جميعهم فرحوا ورقصوا وهللوا لما فعله منتظر الزيدي, وما سمع بهم أحد يوم كانت أحذية وبساطير رجال اجهزة سيدهم النافق البوليسية تكمم أفواه العراقيين, وتدوس رقابهم. لم يسمع بهم أحد حين كان العراقي يُقتل بالجملة وتنتهك حرماته لاتفه الاسباب تارة ومن دون أسباب تارات أخرى, ولم نسمع بهم حين دفع الديكتاتور النافق شباب العراق الى آتون معاركه التي قضت على خيرات العراق البشرية والمادية, ولم نسمع منهم شيئا حين بدأت المقابر الجماعية تظهر للعالم بالجملة, ولم نسمع منهم شيئا بعد ان قدم العراق شط العرب لايران, وهو الذي مات من أجله آلاف من شباب العراق.
ما فعله منتظر الزيدي يعبر عنه وعن مجموعة من العراقيين تضررت بشكل أو بأخر من قيام العراق الجديد, وهذا الذي فعله الزيدي مثلما وجد فرحا وتهليلا ورقصا من مجاميع العربان والمتأسلمين من أيتام صدام, فانه لاقى استنكاراً وادانة واسعة من كل أطياف الشعب العراقي الذي لا يقبل في الحد الأدنى اذا يحصل ما حصل لضيف على أرض العراق أيا يكن هذا الضيف, فكيف الحال ان كان هذا الضيف هو بطل تحرير العراق والعراقيين من صدام وزمرته البوليسية, الذي لولاه لظل صدام جاثما على رقاب العراقيين هو وأولاده وأحفاده وربما أحفاد أحفاده من بعده.
مقابل الادانة والاستنكار الذي لاقاه الزيدي وحذاءه, نجد ان الغالبية المطلقة من العراقيين ما زالت تتغنى بالسيد أبو تحسين وحذاءه الذي ضرب به صورة الديكتاتور في التاسع من ابريل عام 2003, وهذا ان دلَ على شيء فانما يدل على ان أبو تحسين قد عبر بما قام به عن الغالبية المطلقة من العراقيين بينما عبر منتظر الزيدي عن قلة قليلة في طريقها الى الاضمحلال والزوال كموقف وليس كجماعة بشرية, كلما تقدم العراق أكثر الى الأمام بتجربته الجديدة التي بدأ المواطن العراقي ومن أي طيف كان بقطف ثمارها بعد أن حاول كثير من العربان والمتأسلمين ايقاف عجلتها من خلال التفجيرات الارهابية الاجرامية التي طالت كثيرا من ابناء العراق.
حذاء أبو تحسين عبر عن رغبة كل مواطن عربي, وخصوصاً اولئك الذين ما زالوا يعانون القتل والسجون والقمع والتجويع من أنظمة غير شرعية استولت على السلطة في ظلام ليل وعلى ظهر دبابة, ليحولوا البلاد الى مزارع خاصة بهم وبحاشيتهم وبطوائفهم, واستخدموا كل وسائل العسكرة والقمع والبلطجة للسيطرة على البلاد ومقدراتها, وتحويل المواطنين الى ما يشبه عمال سخرة لخدمتهم وخدمة نزواتهم, ولم يكتفوا بذلك وانما عملوا على توريث البلد حاله حال أي ملكية خاصة لابنائهم.
حذاء أبو تحسين ما كان له ان يكون على وجه الديكتاتور النافق لولا شمس التاسع من ابريل, وحبذا لو يُزهر ابريل العراق أكثر من ابريل في بلاد العرب أوطاني, حيث أن غالبية المواطنين العرب في البلدان ذات النزعة "القومجية" و"الثورجية" و"التوريثية", يتهيئون لينالوا الشرف الذي ناله أبو تحسين, ويا له من شرف عظيم!
الأن وبعد أكثر من خمس سنوات على ذلك اليوم العظيم الذي تعرف فيه العالم على حذاء أبو تحسين, وكلما رأيت حذاءً في العراق يرمى هنا وهناك, حتى لو كان باتجاه هدف خاطئ كما حصل بالامس, وكلما سمعت عن موعد لانتخابات في العراق, وكلما شاهدت عراكا بين نواب البرلمان العراقي بسبب خلافهم على أمر ما, فاني أتيقن أكثر ان العراق في طريقه الصحيح, طريق الحرية والأمل والمستقبل الواعد بالتقدم والازدهار, فلولا الحرية وكما قال بوش ما كان ليحدث الذي حدث.