إن هناك بعض التعابير الواردة في روايات أهل البيت (عليه السلام)، تهز الإنسان من الأعماق.. من هذه التعابير ما ورد عن الإمام الحسن (عليه السلام): (ما أعرف أحداً إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه)؛ تعبير فيه الكثير من العتب والمرارة.. ولكن لا ينبغي الاستيحاش كثيرا من هذا التعبير، فالأحمق هو ذلك الذي يفوت على نفسه الفرصة.. مثلا: لو جئت بجوهرة قيمتها الملايين، وقلت لإنسان: أبيعك هذه الجوهرة بدرهم، إذا لم يقبل هذه المعاملة، ألا تصفه بالسفه، وعدم التدبير، حتى لو لم يكن مجنونا؟!.. فالذي يفوت الفرص الذهبية، إنسان قريب من عالم عدم التدبير.
نحن –مع الأسف- في أمورنا الدنيوية، في أعلى درجات: الانتباه، والحذاقة، والالتفات، والذكاء.. وهذه الأيام الناس يصنفون البشر، حسب رصيدهم في البنوك.. ولكن الإمام (عليه السلام) يريد أن يقول: كما أن هناك الإنسان الكيس في أمور الدنيا، كذلك هنالك الكيس في أمور الآخرة: فـ(المؤمن كيس فطن).. ومن أعلى صور الكياسة والفطانة، أن يستغل الإنسان وجوده في هذه الحياة الدنيا، ليحقق أعلى وأغلى المكاسب، قال الإمام الهادي (عليه السلام): (الدنيا سوق؛ ربح فيها قوم، وخسر آخرون).
إن المؤمن بين وقت وآخر، في خلوة في جوف الليل، أو على ضفة نهر، ينظر إلى علاقته مع ربه: يسأل نفسه: هل رب العالمين راض عنه أم لا؟.. إذا كان يقطع بعدم الرضا؛ عليه أن يغير مجرى حياته.. وإذا لم يقطع بعدم الرضا، بل شك في الرضا؛ أيضا المسألة خطيرة.. فلابد أن يصل الإنسان إلى هذه الدرجة، فيقطع نسبيا -حسب الظواهر- برضا رب العالمين عنه، أو بسخطه عليه.
إن البعض لا يخاف من الموت، لأنه قد أدى كل ما عليه من: صلاة، وصوم، وحج، وخمس، ورد مظالم... الخ، فليس هناك ما يخافه.. وهذه حالة راقية جدا في الإنسان، وقد يكون صاحب هذه الحالة من عامة الناس.. وعليه، فإن المؤمن في كل وقت يحاول أن يستقرئ هذه العلاقة؛ ليصل إلى مرحلة النفس المطمئنة التي ترجع إلى الله عز وجل، لا يدخل الجنة فحسب!.. {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}، فأعلى درجات الجنة أن يكون الإنسان في جوار النبي وآله، ومن أصدقاء النبي وآله {وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا}.. طوبى لمن أمضى هذه السنوات في الحياة الدنيا، ليكون من رفقاء الأنبياء والأوصياء، في جنة الخلد!..