|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 52510
|
الإنتساب : Jul 2010
|
المشاركات : 95
|
بمعدل : 0.02 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العام
ايقاظ
بتاريخ : 17-07-2010 الساعة : 11:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ايقاظ
(فيه موعظة و نصيحة)
لما عرفت ان الانسان في اللذة العقلية يشارك الملائكة، و في غيرها من الحسية المتعلقة بالقوى الثلاث، اعني السبعية و البهيمية و الشيطانية، يشارك السباع و البهائم و الشياطين-فاعلم ان من غلبت عليه احدى اللذات الاربع كانت مشاركته لما ينسب اليه اكثر حتى اذا صارت الغلبة تامة لكان هو هو.
فانظر يا حبيبي اين تضع نفسك، فان الغلبة لو كانت لقوتك الشهوية حتى يكون اكثر همك الى الشهوات الحيوانية كالاكل و الشرب و الجماع و سائر النزوات البهيمية، كنت واحدا من البهائم. و ان كانت لقوتك الغضبية حتى يكون جل ميلك الى المناصب و الرياسات الردية، و ايذاء الناس بالضرب و الشتم، و باقي الحركات السبعية، نزلت منزلة السباع، و ان كانت لقوتك الشيطانية حتى يكون غالب سعيك في استنباط وجوه المكر و الحيل للوصول الى مقتضيات قوتي الشهوة و الغضب بانواع الخداع و التلبيسات الوهمية دخلت في حزب الابالسة. و ان كانت لقوتك المعارف الالهية و اقتفاء (41) الفضائل الحلقية عرجت الى افق الملائكة القادسة، فمن كان عاقلا غير عدو لنفسه وجب عليه ان يصرف جل همه في تحصيل السعادة العلمية و العملية، و ازالة النقائص الكامنة في نفسه، و ليقتصر على الامور الشهوانية، و اللذات الجسمانية بقدر الضرورة، بان يكتفي من الغذاء بما يحفظ اعتدال مزاجه و قوام حياته و لا يكون قصده منه الالتذاذ، بل سد الضرورة و دفع الالم، و لا يضيع وقته في تحصيل ازيد من ذلك، فان تجاوز عنه فبقدر ما يحفظ رتبته، و لا يوجب مهانته و ذلته، و من اللباس بقدر ما يستر العورة، و يدفع الحر و البرد، فان تجاوز عن ذلك فبقدر ما لا يؤدي الى حقرته، و لا يوجب السقوط بين اقرانه و اهل طبقته، و من الجماع بقدر ما يحفظ نوعه «و يبقى نسله، و ان تعدى فبقدر ما لا يخرجه عن السنة، و ليحذر عن الانهماك في مقتضيات قوتي الشهوة و الغضب، لانه يوجب الشقاوة الدائمة و الهلاكة السرمدية. فالله الله في نفوسكم معاشر الاخوان ادركوها قبل ان تغرقوا في بحار المهالك، و تنبهوا عن نوم الغفلة قبل ان تنسد عليكم السبل و المهالك و بادروا الى تحصيل السعادات قبل ان تستحكم فيكم الملكات المهلكة، و العادات المفسدة، فان ازالة الرذائل بعد استحكامها في غاية الصعوبة و المجاهدة مع احزاب الشياطين بعد الكبر قلما يفيد الاثر، و الغلبة على النفس الامارة بعد ضعف الهرم في غاية الاشكال، الا انه في اي حال لا ينبغي ان تياسوا من روح الله، فاجتهدوا بقدر القوة و الاستطاعة، فانه خير من التمادي في الباطل، فلعل الله يدرككم بعظيم رحمته.
و لقد قال الشيخ (42) الفاضل احمد بن محمد بن يعقوب بن مسكويه، و هو الاستاذ في علم الاخلاق، و اقدم الاسلاميين في تدوينه، «اني تنبهت عن نوم الغفلة بعد الكبر و استحكام العادة، فتوجهت الى فطام نفسي عن رذائل الملكات، و جاهدت جهادا عظيما حتى وفقني الله لاستخلاصها عما يهلكها، فلا يياس احد من رحمة الله، فان النجاة لكل طالب مرجوة، و ابواب الافاضة ابدا مفتوحة» فبادروا اخوانى الى تهذيب نفوسكم قبل ان يصير الرئيس مرؤسا، و العقل مقهورا، فيفسد جوهركم، و تمسخ حقيقتكم، و يدرككم الانتكاس في الخلق الذى هو خروج عن افق الانسان و دخول في زمرة البهائم و السباع و الشياطين، نعوذ بالله من ذلك، و نساله العصمة من الخسران الذي لا نهاية له. و قد شبه الحكماء من اهمل سياسة نفسه الغافلة بمن له ياقوته شريفة حمراء، فرماها في نار مضطرمة فيحرقها حتى تصير كلسا (43) لا منفعة فيها.
[تتميم]و لا تظنن ان ما يفوت عن النفس من الصفاء و البهجة لاجل ما يعتريها من الكدرة الحاصلة معصية من المعاصي يمكن تداركه، فان ذلك محال، اذ غاية الامر ان تتبع تلك المعصية بحسنة تمحي آثارها، و تعيد النفس الى ما كانت عليه قبل تلك المعصية، فلا تزداد بتلك الحسنة اشراقا و سعادة، و لو جاء بها من دون سيئة لزاد بها نور القلب و بهجته، و حصلت له درجة في الجنة، و لما تقدمت السيئة سقطت هذه الفائدة و انحصرت فائدتها في مجرد عود القلب الى ما كان عليه قبلها، و هذا نقصان لا حيلة لجبره و مثال ذلك ان المرآة التي تدنستبالخبث و الصدا اذا مسحتبالمصقلة و ان زال به هذا الخبث، الا انه لا تزيد به جلاء و صفاء، بخلاف ما اذا لم تتدنس اصلا، فان التصقيل يزيدها صفاء و جلاء، و الى ما ذكر اشار النبي صلى الله عليه و آله و سلم بقوله: «من قارف ذنبا فارقه عقل لم يعد اليه ابدا» .
كتاب جامع السعادات المولى محمد مهدي النراقي احد اعلام المجتهدين
|
|
|
|
|