زعمهم أن الله تعالى يرى بالعين !
قال أهل البيت(ع)إن الله تعالى يعرف بالعقل والقلب ، ويستحيل أن تراه العيون ، لأنها لاترى إلا الشئ المادي الذي يخضع لقوانين الزمان والمكان ، والله تعالى لاتدركه الأبصار ولا الأوهاملَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيٌْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
ففي الإحتجاج:2/190: من حديث الإمام الرضا(ع)قال: (يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالى لايوصف بمكان ، ولايدرك بالأبصار والأوهام) (والكافي:1/143)
أما المخالفون لمذهب أهل البيت(ع)فقالوا إن الله تعالى يرى بالعين في الآخرة ، وقال بعضهم يرى بالعين حتى في الدنيا !
ففي البخاري:1/195، عن أبي هريرة قالإن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا: لا قال: فإنكم ترونه كذلك !! )
وفي البخاري:2/141: عن عبدالله بن عمر قالذكر النبي(ص)يوماً بين ظهري الناس المسيح الدجال فقال: إن الله ليس بأعور إلا أن المسيح الدجال أعور العين) انتهى يعني طمأنهم النبي(ص)أن عيني الله سالمتان ، والحمد لله !
ونقل في هامش شرح الترمذي:6/188 عن ابن العربي: (إن الله لم ينزل هذه الآية (لاتدركه الأبصار)لنفي الرؤية لله ولاجاءت بها عائشة ، فإنه سبحانه وتعالى يرى في الدنيا والاخرة جوازاً ووقوعاً ) !
وأول ما ظهرت أحاديث الرؤية بالعين والتشبيه من عمر بن الخطاب قال: (إن كرسيه وسع السموات والأرض ، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا رُكِبَ ، من ثقله رواه البزار ورجاله رجال الصحيح) ( مجمع الزوائد:1/ 83 )
وفي رواية السيوطي في الدر المنثور:1/328: عن عبد بن حميد ، وابن أبي عاصم في السنة ، والبزار ، وأبي يعلى ، وابن جرير ، وأبي الشيخ ، والطبراني، وابن مردويه ، والضياء المقدسي في المختارة ، عن عمروإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله ، ما يفضل منه أربع أصابع )
ويبدو أن عمر أخذه من كعب الأحبار ، فقد روى ابن خزيمة في توحيده ص225 قال: ( اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول: إن محمداً رأى ربه مرتين ، قال فكبر كعب حتى جاوبته الجبال ! فقال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى) ! انتهى
وهذا يدل على أن كعباً كان يتبنى الرؤية وكان بنو هاشم ينفونها ، وقد نسبها هذا الأثر الى بني هاشم زاعماً أنهم قبلوا بها ، وليس بصحيح !
وفي تفسير الطبري:52/ 12: عن كعب الأحبار قال لرجل: (سألت أين ربنا ، وهو على العرش العظيم متكئٌ واضعٌ إحدى رجليه على الأخرى ، ومسافة هذه الأرض التي أنت عليها خمسمائة سنة ، ومن الأرض إلى الأرض مسيرة خمسمائة سنة ، وكثافتها خمسمائة سنة ، حتى أتمَّ سبع أرضين ، ثم من الأرض إلى السماء مسيرة خمسمائة سنة ، وكثافتها خمسمائة سنة ، والله على العرش متكئ ) !
وقد رد عليٌّ(ع)على كعب الأحبار في مجلس عمر وكذَّبه ، كما كذَّبت عائشة حديثهم الذي زعموا فيه أن النبي(ص)رأى ربه ، وكذلك ابن عباس وابن مسعود ، وجمهور الصحابة
روى المجلسي في البحار:36/194: (عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب يوماً وعنده كعب الحبر، إذ قال (عمر): يا كعب أحافظ أنت للتوراة؟ قال كعب: إني لأحفظ منها كثيراً فقال رجل من جنبة المجلس: يا أمير المؤمنين سله أين كان الله جل ثناؤه قبل أن يخلق عرشه ، ومِمَّ خلق الماء الذي جعل عليه عرشه ؟
فقال عمر: يا كعب هل عندك من هذا علم ؟
فقال كعب: نعم يا أمير المؤمنين ، نجد في الأصل الحكيم أن الله تبارك وتعالى كان قديماً قبل خلق العرش ، وكان على صخرة بيت المقدس في الهواء ، فلما أراد أن يخلق عرشه تَفَلَ تَفَلَةً كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة ، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته ، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه !
قال ابن عباس: وكان علي بن أبي طالب(ع)حاضراً ، فَعَظَّمَ عَلِيٌّ رَبَّهُ وقام على قدميه ونفض ثيابه ! فأقسم عليه عمر لمَـَّا عاد إلى مجلسه ، ففعله
قال عمر: غُصْ عليها يا غواص ما تقول يا أبا الحسن ، فما علمتك إلا مفرجاً للغم فالتفت علي(ع)إلى كعب فقال:
(غلط أصحابك وحرفوا كتب الله وفتحوا الفرية عليه !
يا كعب ويحك ! إن الصخرة التي زعمت لاتحوي جلاله ولاتسع عظمته ، والهواء الذي ذكرت لايحوز أقطاره ، ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكان لهما قِدْمته ، وعزّ الله وجل أن يقال له مكان يومى إليه ، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون ، ولكن كان ولا مكان بحيث لا تبلغه الأذهان ، وقولي (كان) عجز عن كونه وهو مما عَلَّمَ من البيان يقول الله عز وجل (خَلَقَ الأِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) فقولي له(كان)مما علمني من البيان لأنطق بحججه وعظمته ، وكان ولم يزل ربنا مقتدراً على ما يشاء محيطاً بكل الأشياء ، ثم كَوَّنَ ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب ، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد ، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غير شئ ، ثم خلق منه ظلمة ، وكان قديراً أن يخلق الظلمة لامن شئ كما خلق النور من غير شئ، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبعٍ أرضين ، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماءً مرتعداً ، ولا يزال مرتعداً إلى يوم القيامة ، ثم خلق عرشه من نوره وجعله على الماء ، وللعرش عشرة آلاف لسان يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس فيها لغة تشبه الأخرى ، وكان العرش على الماء من دونه حجب الضباب وذلك قوله: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ)
يا كعب ويحك ! إن من كانت البحار تفلته على قولك ، كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه !
فضحك عمر بن الخطاب وقال: هذا هو الأمر ، وهكذا يكون العلم ، لا كعلمك يا كعب لاعشت إلى زمان لا أرى فيه أبا حسن) انتهى
الأسئلة
1 ـ بماذا تفسرون تبني عمر لتجسيم كعب الأحبار ومقولة أطيط العرش من ثقل الله تعالى ،رغم وضوح قوله تعالىلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيٌْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(سورة الشورى:11) ، ورغم نفي أهل البيت(ع)والصحابة لأفكار كعب ؟
2 ـ ألا ترون أن أحاديث التجسيم لم تكن معروفة في عهد النبي(ص)ولا في عهد أبي بكر ، ولم تُرْوَ إلا في زمن عمر عن كعب الأحبار وجماعته ، ثم تبناها رواة بني أمية ونشروها بين المسلمين ، وأدخلوها في صحاحهم ؟!
3 ـ كيف تجعلون ذات الله تعالى خاضعة لقوانين الزمان والمكان ، مع أنه سبحانه وتعالى كان (قبلهما) ، أي كان ولا زمان ولا مكان ، ثم خلقهما ؟!
4 ـ ما معنى تحريم العمل بالمتشابه ، ووجوب رد المتشابه من القرآن والسنة الى المحكم منهما ، فما بالكم تأخذون بالمتشابه من آيات الصفات ، ولا تردونها الى الآيات المحكمة ؟!