ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه ألا: وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد.
فوالله ما كنزت من دنياكم تبراً، ولا ادخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبيّ طمراَ.
بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء، فشحّت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين.
ونعم الحكم الله وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غد جدث تنقطع في ظلمته آثارها وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر والمدر، وسدّ فدجها التراب المتراكم؟، وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق.
ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة.
ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع.
أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرى؟ أو أكون كما قال القائل:
وحسبك داءً أن تبيت ببطنة وحولك أكباد تحن إلى القد
أأقنع من نفسي بان يقال أمير المؤمنين؟ ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش.
فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همُّها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها.
أو أترك سدى أو أهمل عابثاً، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة.
وكأني بقائلكم يقول: إذا كان (هذا) قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازلة الشجعان.
ألا: وإن الشجرة البرية أصلب عوداً، والروائع الخضرة أرق جلوداً والنباتات البدوية أقوى وقوداً وأبطأ خموداً، وأنا من رسول الله كالصنو من الصنو والذراع من العضد.
والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها، ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها، وسأجهد في أن اطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد.
إليك عني يا دنيا فحبلك على غاربك، قد انسللت من مخالبك، وأفلت من حبائلك، واجتنيت الذهاب في مداحضك.
أين القرون الذين غررتهم بمداعبك؟ أين الأمم الذين فتنتهم بزخارفك؟ ها هم رهائن القبور ومضامين اللحود.والله لو كنت شخصاً مرئياً وقالباً حسياً لأقمت عليك حدود الله في عباد غررتهم بالأماني وأمم ألقيتهم في المهاوي، وملوك أسلمتهم إلى التلف وأوردتهم موارد البلاء إذ لا ورد ولا صدر.
هيهات من وطئ دحضك زلق، ومن ركب لججك غرق، ومن ازورّ حبائلك وُفّق.
والسالم منك لا يبالي إن ضاق به مناخه والدنيا عنده كيوم حان انسلاخه عني.
فو الله لا أذل لك فتستذلني، ولا أسلس لك فتقوديني.
وأيم الله يميناً أستثني فيها بمشيئة الله لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً، وتقنع بالملح مأدوماً، ولأدعن مقلتي كعين ماء نضب معينها مستفرغة دموعها.
أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك، وتشبع الربيضة من عشبها فتربض ويأكل علي من زاده فيهجع؟ قرت إذاً عينه! إذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة والسائمة المرعية.
طوبى لنفس أدت إلى ربها فرضها! وعركت بجنبها بؤسها.
وهجرت في الليل غمضها حتى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها وتوسدت كفها، في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم.
وهمهمت بذكر ربهم شفاههم وتقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون). لا أله ألا الله
******
هذا أمامنا علي أبن أبي طالب وهذا منهج أصلاحه ...الله يعلم كمن قوة يحمل هذا الأنسان العظيم وكم من فكر وعلم وحلم ومهما عددنا من صفات ومهما كتبنا فلن تسعه أقلامنا ومجلداتنا وكتبنا
فهو كلمة من كلمات الله وآيته الكبرى {وقل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته} ... الحمد لله رب العالمن
****
السلام عليك يا أمير المؤمنين
السلام عليك ياسيد الوصيين
السلام عليك يا أمام المتقين
السلام عليك يا يعسوب الدين
****
أشهد أنك ولي الله وأخو رسول الله صلى الله عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين