|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
بتاريخ : 10-03-2013 الساعة : 09:18 AM
- لنبدأ بالمشروع الغربي ماهي ملامحه وكيف يتحرك؟
- المشروع الغربي: وهو أمريكي ـ أوروبي، وهو مشروع يؤرقني فعلا، وأراه أمامي يزحف على خطين وبحركة كماشة على الجناحين تطوق وتحاصر:
الخط الأول مرئي مسموع محسوس: ومسعاه إغراق المنطقة في صراع إسلامي - إسلامي، بالتحديد سني - شيعي، وقد بدأ زحف هذا الخط من عدة سنوات، عندما سقط النظام "الإمبراطوري" في إيران، وحل محله نظام الثورة الإسلامية.
نتذكر أن الثورة الإسلامية ضد النظام "الإمبراطوري" في إيران كانت أكبر ضربة وجهت إلى الإمبراطورية الأمريكية في المنطقة، وقد حاولت ولاتزال تحاول تعويضها - وجربت ولاتزال تجرب بوسائل الدعاية، وبوسائل المخابرات، وبوسائل الحرب، وبوسائل الحصار، ولم تنجح حتى هذه اللحظة، ثم نصح الناصحون من الخبراء وأولهم المستشرق الأشهر "برنارد لويس" بالتركيز على تناقض "عربي - فارسي" له جذور تاريخية، لكن العمل على هذا التناقض لم يبلغ مقصده، وكذلك جرى تطويره بالفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، ووجدت الفتنة من يساعدها في المنطقة، والغريب أن هؤلاء الذين يساعدونها من المنطقة كانوا أصدقاء لنظام "الشاه" وهو شيعي - ثم أصبحوا أعداء لنظام الثورة الإسلامية وهو شيعي، لكنهم تحملوا خلاف المذاهب مع الشاه ولم يزعجهم، وأما الثورة الإيرانية فإن الشيطان كله تجسَّد في المذهب، ومن الواضح أن المذهب ليس مكمن العداء، وإنما العداء سياسي، يُعاد فيه بعث مآسي الإسلام السابقة في خدمة مصالح غير اسلامية لاحقة الى جانب أن هذا البعث للفتنة يحول الانظار عن أي تهديد لهذه المصالح، وفي الحالتين - حالة الفتنة وحالة تحويل الأنظار - فإن المرغوب فيه حرب أهلية إسلامية مزقت العرب والمسلمين مرة، ومرات، والآن تجري استعادتها مرة أخرى.
- نريد مزيدا من الإيضاح هنا. كيف يعمل الغرب على تحويل الخلاف المذهبى السني ـ الشيعي إلى فتنة وصولا إلى استعادة تلك الحرب الأهلية بين المسلمين مرة أخرى؟
- هذه النقطة التي نحن عندها تذكرني بمسألة أشرت إليها من قبل حين تحدثت عن رفع الحظر الأمريكي والغربي أخيرا عن "الإخوان المسلمين".
أريد أن أعود إلى ما أشرت إليه من قبل من أن الاعتراف الأمريكي والغربي بالإخوان المسلمين لم يجيء قبولا بحق لهم، ولا تقديرا تجلت دواعيه فجأة أمام المعترفين، ولا إعجابا ولا حكمة، لكنه جاء قبولا - ولو جزئيا - بنصيحة عدد من المستشرقين، بينهم "برنارد لويس" - أيضا!- تطلب مددا يستكمل عزل إيران في العالم الإسلامي والعربي بالفتنة المذهبية.
وما حدث أنه في بداية القبول بنصائح "برنارد لويس"، أن السياسة الأمريكية حاولت توظيف قادة وزعماء من العرب، سواء في ذلك أمراء السعودية من الملك "فهد" وغيره - أو رؤساء دول عربية مؤثرة مثل "مبارك" وغيره - لتحقيق المطلب!
وبالفعل علَّقت الولايات المتحدة أهمية ظاهرة على جهود الأمراء والرؤساء، وهم يحاولون تغيير طبيعة الصراع الرئيسي في المنطقة من كونه "عربيا - إسرائيليا"، حتى يصبح "عربيا - فارسيا"، ولم يكن نجاح هؤلاء الأمراء والرؤساء على مستوى ما يطلبه الكبار في واشنطن وغيرها.
وتجددت نصيحة الاستشراق بأن الأفضلية فاعلية المواجهة لتصبح اقوى اذ انتقلت من كونها حكومات أمام حكومات لكي تصبح مجتمعات ضد مجتمعات، أي أنه بدلا من مواجهة بين السعودية وبين إيران، فلتكن المواجهة بين المذاهب الإسلامية، فذلك عداء مباشر وأعمق نفاذا، وكذلك حدث تعديل في السياسة الأمريكية، بما يشجع ويوسع عملية المواجهة - اعتمادا على تجمعات جماهير من السنة تواجه تجمعات جماهير من الشيعة - وبالتالي تصبح المواجهة مزدوجة التأثير، مواجهة على مستوى دولة ودولة، وبالتوازي مواجهة على مستوى الجماهير بين جماعات وجماعات - سنة وشيعة!
بهذا القصد طرأت مسألة الاعتراف بالإخوان، وبقبول مشاركتهم شرعيا فيما كان محظورا عليهم من قبل، والإخوان تنظيم سني نشيط، ومن المفيد - كذلك يرى أصحاب الطلب! - هذه اللحظة أن يكون للإخوان السنة دور على مستوى الشارع العربي في مواجهة مع الشيعة في قلبه!
- وما هو دور الإخوان بالضبط؟
- الحقيقة أنني لا أحسب أن الإخوان ضالعون في هذا القصد، وربما أن نشوة الاعتراف بشرعيتهم لم تعطهم فرصة كافية لدراسة دواعي الاعتراف بعد نشوة الاعتراف.
وكان من حق الإخوان أن يُعترف بهم، لكن واجبهم بعد النشوة أن يطلوا على بواعثه.
بمعنى أن حقهم صحيح، ثم إن توظيف هذا الحق في تأجيج فتنة في الإسلام لصالح آخرين - خطأ، خصوصا في هذه الظروف.
ذلك هو الخط الأول في زحف المشروع الأمريكي ـ والأوروبي.
- عودة إلى المشروعات المطروحة على الساحة العربية الآن. لنتحدث عن الخط الثاني للمشروع الأمريكي ـ الأوروبي؟
- الخط الثاني لهذا المشروع الأمريكي ـ الأوروبي هو الخط الموازي لخط الفتنة، هذا الخط الثاني هو الآخر يزحف، ويزحف بسرعة لافتة حتى يسبق غيره، وأيضا يسبق أي طوارئ محتملة في المنطقة، بسبب الربيع العربي، خصوصا في القاهرة. والمشروع الأمريكي ـ الأوروبي هو تقسيم للمنطقة على طريقة "سايكس بيكو" مع تعديل ما تقتضيه متغيرات الأحوال.
تتذكرون بالقطع اتفاقية "سايكس بيكو" الشهيرة، كلنا يعرف ما جرى لنا بسببها، ولكننا نحتاج الآن إلى معرفة ملابساتها، والاطلاع على دخائلها كما تظهر في أوراقها ووقائعها لسبب أساسي هو أن الماضي أحيانا كاشف للحاضر.
لكي أوضح قصدي، سوف أستطرد قليلا:
اتفاقية "سايكس بيكو" هي اتفاق توزيع العالم العربي ضمن أملاك الخلافة العثمانية ـ بين بريطانيا وفرنسا، وقد جرى التوصل إلى هذه الاتفاقية بعد محادثات بين سياسي إنجليزي هو السير "مارك سايكس" (وكان عضوا في مجلس العموم، ومقربا من "ونستون تشرشل" عضو وزارة الحرب البريطانية أثناء الحرب العالمية الأولى) - وأمامه على المائدة السفير "فرانسوا بيكو" (وهو دبلوماسي فرنسي اهتم بالمشرق العربي، واعتبر أن لفرنسا حقا في الشام، لا يصح أن ينازعها عليه أحد).
وكان هدف محادثات الرجلين ترتيب توزيع الإرث، وانفراد الحليفين الكبيرين بالإرث العثماني في العالم العربي قبل نهاية الحرب، وفي غفلة وغيبة من كل الأطراف الدوليين خصوصا الكبار وبينهم الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد اتصالات ومحادثات واجتماعات بين الرجلين في لندن مرات، وفي باريس مرات أخرى - توصل الاثنان إلى خريطة توزيع العالم العربي نصفين، نصف يئول إلى بريطانيا، ونصف يؤول إلى فرنسا، وقد استقرا في النهاية على خط تقسيم الخريطة بين "عكا" على البحر الأبيض، وبين "كركوك" شمال الموصل وشمال الخليج، ليكون أساس توزيع الإرث بعد هزيمة دولة الخلافة وحلفائها.
وقد سمى الرجلان ما رسما بخط "ما بين "الكاف" و"الكاف"، إشارة إلى حرف الكاف في "عكا" وحرف الكاف في "كركوك"، وجنوب هذا الخط كتب "سايكس" بيده على جنوب الخريطة: نصيب بريطانيا، وعلى شمالها كتب بيده أيضا: نصيب فرنسا.
وبمقتضى الخريطة كانت فلسطين والخليج والعراق الجنوبي والأوسط من نصيب بريطانيا، إلى جانب مصر والسودان من قبل، وبمقتضى الاتفاقية أيضا كان إقليم الشام: سوريا - لبنان لفرنسا، إلى جانب المغرب العربي: تونس والمغرب والجزائر من قبل.
- هل اللعبة مازالت مستمرة أم أننا دخلنا في لعبة جديدة بأطراف مختلفة؟
- كان هذا اتفاق "سايكس بيكو" الأول - والآن "سايكس بيكو" الجديد.
نحن أمام تقسيم جديد لعالم عربي ضاع منه مشروع نظامه، أو أضاع هو مشروع نظامه، ولذلك جاء إلى فضاء المنطقة من يرسم خرائطها الجديدة، في ظروف جديدة، لها مواصفاتها الجديدة.
الخرائط الجديدة لا توزع إرث الخلافة العثمانية، وإنما توزع إرث المشروع القومي العربي، الذي تمكَّن من طرد الاستعمار الغربي في مرحلة سابقة، وحاول أن يملأ الفراغ وعجز، أي أن التركة التي تورَّث الآن ليست أملاك الخلافة العثمانية، ولكن المشروع العربي القومي!
لم تستطع دولة الخلافة العثمانية أن تحمي أملاكها، وهكذا جرى إرثها.
لم يستطع المشروع العربي أن يحمي نفسه، وهكذا اليوم يتوزع إرثه.
أريد الوقوف معكم لحظة أمام خبايا ما يجري في عملية توزيع الإرث في الحاضر، ولكي أشرحه على صورة أقرب إلى الصحة، فإني أعود قليلا إلى مشاهد ترسمها الوثائق في إعلام الوراثة السابق لدولة الخلافة، فقد يكون في السابق الذي نراه إشارات إلى ما يجري في الحاضر أثناء إشهار إرث المشروع العربي القومي!
بعض الوثائق الملحقة باتفاقية "سايكس بيكو" الأولى مروعة! - فيها بالتحديد محضر جلسة جمعت بين رئيس وزراء بريطانيا "لويد جورج"، ورئيس وزراء فرنسا "كليمنسو" - وقد كنت بالأمس فقط منكبا على قراءته مرة رابعة أو خامسة!
كان الاجتماع في قصر "لانكستر" وسط لندن، وتاريخه بالضبط أول ديسمبر 1917.
وقد دار بين رئيس الوزراء البريطاني - ونظيره الفرنسي حوار، حول اتفاقية "سايكس بيكو" وكانت مطروحة عليهما، مع رغبة ملحة في ضرورة تعزيز التفاهم بين الحليفين الكبيرين: بريطانيا وفرنسا!
ووجَّه رئيس وزراء فرنسا "كليمنسو" سؤالا إلى رئيس وزراء بريطانيا "لويد جورج":
- صارحني يا صديقي بما تريد حقيقة، حتى لا تظل بيننا فيما بعد شبهة خلاف.
- ويرد "لويد جورج": مطلبي هو العراق وفلسطين، ويقاطعه رئيس الوزراء الفرنسي يسأله: هل هذا كل شيء؟! - قل لي ولاتخفى عنى، ويتردد رئيس الوزراء البريطاني، ثم قال على استحياء: أريد القدس (كانت القدس على الخريطة الأولى قد تركت لترتيبات دولية لاحقة، رغم أن فلسطين كلها كانت من نصيب بريطانيا).
- ويعود رئيس وزراء فرنسا إلى السؤال: حسنا، سوف أترك لك القدس! - ولكن هل هذه نهاية مطالبك - نريد إنهاء كل أسباب الخلاف بيننا، أسألك:
- هل القدس آخر الطلبات؟!
ثم يكرر السؤال:
- قل لي بحق صداقتنا هل لديك شيء لم تقله لي؟!
- ويرد رئيس وزراء بريطانيا وهو يتنهد تعبيرا عن الحرج:
- بصراحة - نعم. كذلك أريد الموصل (كانت الموصل حتى تلك اللحظة موضوعا معلقا في انتظار نهاية الحرب).
ويتنهد رئيس وزراء فرنسا كأنه يضيف بالصبر مكرمة جديدة، ويقول لرئيس وزراء بريطانيا:
- حاضر، خذ الموصل.
كأنما أقاليم الوطن العربي لعب في أيادٍ تملك اللعب بها، وبأقدارها ومصائرها وأهلها.
هل أزيد وأضيف من داخل المحاضر في هذا الاجتماع بين الرجلين حوارا أشعر بالإهانة كلما وقعت عيني عليه: فقد سأل رئيس وزراء فرنسا زميله البريطاني عن وعود عرف أن الإنجليز أعطوها للشريف حسين أمير مكة مقابل إعلان الجهاد الإسلامي ضد تركيا الخلافة، ويرد "لويد جورج" بقوله: هل تتصور يا صديقي أنني أقبل إلزام بريطانيا العظمى بورقة تعهد أعطيناها لقبائل بدو همجية؟! - كنا نريد الحصول على فتوى تريح الهنود المسلمين، لأنهم عنصر مهم في قواتنا، بالذات في الشرق الأوسط، كنا نطلب منهم وغالبيتهم مسلمون أن يحاربوا خليفتهم - وخشينا أن نعرضهم لأزمة ضمير، كنا محتاجين إلى إعطائهم فتوى بالجهاد ضد هذا الخليفة - فتوى ممن هو أقوى من الخليفة في وجوب طاعة المسلمين، فتوى باسم "محمد"، أليس هو الجد الأكبر للشريف "حسين"؟!
وبمقدار ما أن الشريف "حسين" في وسط ضباب "سايكس بيكو" الأولى راح يسمي نفسه: أمير المؤمنين، وملك العرب، وسلطان "الحجاز"، وحاكم "نجد" - فإن "معمر القذافي" وفي وسط ضباب "سايكس بيكو" الثانية راح يسمي نفسه زعيما تاريخيا، وقائدا أمميا، وملكا لملوك أفريقيا، والمصيبة أنه كان يقول ذلك بجد لا هزل فيه.
- هل هناك فوارق بين «سايكس بيكو» القديمة و «سايكس بيكو» الجديدة؟ وما أسباب ذلك؟
- هناك فوارق بالطبع بين "سايكس بيكو" القديمة، و"سايكس بيكو" الجديدة التي يجري رسمها الآن، وأول أسباب الاختلاف - متغيرات العصر.
"سايكس بيكو" الأولى كانت خطا على خريطة، يصل من "الكاف" إلى "الكاف"، "الكاف" في "عكا"، و"الكاف" في "كركوك"، ويفصل الشمال عن الجنوب.
هذه المرة ليس هناك خط فاصل، وإنما هناك مواقع متناثرة.
التقسيم في المرة الأولى كان تقسيم جغرافيا وتوزيع أوطان، ولكن التقسيم هذه المرة تقسيم موارد ومواقع.
وبوضوح فإن ما يجري تقسيمه هو أولا النفط وفوائضه.
نفط وفوائض ليبيا بعد نفط وفوائض العراق.
والدواعي ظاهرة أولها: أن الحاجة إلى النفط لاتزال ماسة، وبدائله لم تحقق بعد جدواها الاقتصادية، (مع أن المحطات العملاقة لاستقبال الرياح بدأت تغطي جزءا من الاحتياجات النفطية)، إلا أن فجوة الطلب أعلى من ذلك كله بكثير.
تُضاف إلى ذلك فوائض مالية مكدسة.
- لنطبق «سايكس بيكو» الجديدة عمليا على ما يجرى الآن في ليبيا.
- نحن نعلم مما نقرؤه الآن أن نفط ليبيا جرى توزيع امتيازاته فعلا، وبنسب أذيعت على الملأ، كانت:
30% لفرنسا (شركة توتال).
20% لبريطانيا (شركة بريتش بتروليم)، والحصة أقل لأن بريطانيا أخذت أكثر في نفط العراق!
وليست أمامي الآن نسب التوزيع فيما بقى، لكن إيطاليا تطالب بحق مكتسب (شركة ايني)، ثم إن الشركات الأمريكية تلح على دخول قائمة الوارثين.
بعد إرث الموارد - هناك ثانيا تخصيص المواقع.
قاعدة للأسطول السادس في "طرابلس" لأمريكا - ومراكز مخابرات في "بنغازي" و"طبرق" لبريطانيا - وإيطاليا تحتج بأنها تاريخيا تعتبر ليبيا منطقة نفوذ لها وفرنسا عبر البحر لها مطالبها.
كل هذا وصوت المعارك لايزال يدوي، وسيل الدماء لايزال يتدفق (حتى الآن ثلاثون ألف قتيل في ليبيا، وسبعون ألف جريح، ومرافق بلا حساب وقع تدميرها)!
وربما أن هذه التوزيعات للمواقع والموارد تجري بنفس الأسلوب الذي رأيناه في اجتماع رئيسي وزراء بريطانيا وفرنسا يوم أول من ديسمبر 1917!
والمؤلم أنه يبدو وكأن العرب لم يتغيروا، وكأنهم عادوا إلى حيث كانوا، وكأنهم مازالوا هناك عند "سايكس بيكو" الأولى، ثم إن ظاهر ما يسمعون يأخذهم إلى حيث تريد لهم أوهامهم!
- مادتم تتحدثون عن أوهام العرب في زمن «سايكس بيكو» القديمة نسأل: ماهي أوهام العرب الجديدة وتحديدا الزعيم الليبي الفار معمر القذافي؟
- المدهش أن "معمر القذافي" فعل ما فعله من وصفهم "لويد جورج" بالبدو المتوحشين، تقطع لهم العهود أوقات الحاجة إليهم، ثم ينكرون عليهم كل شيء عندما تنتهي الحاجة إليهم.
قبل سنوات وعقب غزو العراق بدعوى حيازته لأسلحة دمار شامل، سلم القذافي كل ما كان لديها من مواد مشعة، وآلات ومعدات ورسوم، طلبا لغفران الإله الأمريكي الذي بدا غاضبا، منقضا على من يعصى له أمرا.
كان "كرم" "القذافي" يومها يفوق ما طلبوه منه - والحقيقة أنه بدا رجلا خائفا من مصير صدام حسين.
وضع كل ما عنده ووزنه 500 طن معدات وآلات وأوراق ورسومات وشحنه كله - من أوله لآخره - على مركب سافرت شمالا إلى قاعدة أمريكية في نابولي، وهناك سلمت المركب حمولتها بلا قيد أو شرط، وذلك أدى إلى كشف آخرين ذنبهم أنهم ساعدوه، مثل العالم الباكستاني "عبد القدير خان".
وانجرف "القذافي" إلى ما يتصوره جانب الاعتدال، لأنه لا يريد مشاكل، وصدَّر ابنه "سيف الإسلام" رسولا إلى الغرب باسمه، يعرض في عواصمه وجها جديدا جاهزا للتعلم من الآن!
ودفع بلايين الدولارات تعويضات في حادثة "لوكربي" التي صمم حتى آخر لحظة أنه برىء منها لم يحرض ولم يمول وليس له صلة من قريب أو من بعيد، وقد دفع بلايين الدولارات تعويضا، ومنطقه أنه يريد أن يشتري الأمان ويريح نفسه.
وكل ذلك لم ينفع.
لم يتعلم العرب لا في الماضي ولا في الحاضر، أنه ليست هناك عهود للدول الا ما تقتضيه أسباب القوة فكلهم سوف يتنكر لأي عهد عند أول منحنى على الطريق إذا دعته مصالحه!
وجاء التنكر للعهود هذه المرة فجا جلفا، فلا يغطي شيئا وإنما يتبجح، لأن الذين أنكروا العهود كانوا ملهوفين وعلى عجل، فهم بسبب أوضاعهم الاقتصادية كانوا مفلسين، يتعجلون خطف ثروة من الواهمين، وليس لديهم وقت لأي غطاء أو تزويق يغطى المستضعفين!
- فسر لنا أسباب هذا السقوط المريع للمشروع العربي ولنأخذ القذافي - مرة أخرى - مثالا؟
- في السنوات الأخيرة زادت الأوهام، واشتد تناقضها مع الحقائق، ووضعت المشروع العربي - وأمته - وشعوبه بين شقي رحى:
غير المعقول من ناحية، وغير المقبول من ناحية.
وبين غير المعقول وغير المقبول كان الطحين - علقما في مرارته.
والأكثر مرارة في هذا "الغير المعقول" هو ما كان يجري في ليبيا من نظام العقيد "معمر القذافي".
السلطة المطلقة تفسد.
والثروة الطائلة أكثر مدعاة للفساد.
ثم إن الباحثين عن السلطة والمال في العالم العربي، قادرون على الغواية بلا حدود، وقد تسابق كثيرون منهم يعرضون بضاعتهم كلاما بلا مضمون، وخططا على الورق، وفي مقابلها تكون الاستجابة لما يطلبون، وعلى نفس الطريق مشى الأوربيون وإن بأسلوب مختلف، وكان المال وليس غيره هو الذى جعل مجتمعات أوروبا كلها تتعامل مع "القذافي" كأنه أمير مدلل، وكان الكثيرون من ساستها ونجومها ككلاب الصيد أمامه، فك مفتوح، ولسان يلهث، وأنفاس ساخنة وجائعة!
- إذا كان القذافى قد عومل كأمير مدلل يطلب وده الكثيرون إذن لماذا انقلب الغرب عليه؟
- فجأة وقعت وتوالت أحداث الربيع العربي، ووصلت أصداؤها إلى كل مكان، وبالطبع ليبيا، ثم بدأنا نسمع عن تحركات في "بنغازي"، لكنه كان باديا أنها مازالت إشارة وعلامة - بعدها طريق شاق يتعين السير فيه، ولا يمكن القفز عليه، لكن هناك من قفز!
ولقد كان أغرب ما سمعت عن أحداث ليبيا، هو ما سمعته من شخص قريب الصلة بالمجلس الانتقالي في ليبيا.
كنت أسأله: إذا كان نظام "القذافي" غير معقول، أليس استدعاء تدخل أجنبي عسكري - غير مقبول؟!
وكان الرد الذي تلقيته بما مؤداه: أن السامع يتفهم سؤالي، ولكنهم ـ بالنص تقريبا ـ تصوروا أن مجرد هبّة في "بنغازي" فإن "القذافي" سوف يفعل مثل ما فعل "بن علي" في "تونس"، و"مبارك" في "مصر" " ويمشي، «وكذلك خرجنا إلى الشوارع وانكشفنا، لكن «هذا الرجل المجنون» لم يمش، وبقى في ليبيا، ومعه جزء كبير من البلد وجزء كبير من الناس، وكذلك معظم الجيش، ومعظم القبائل أيضا، وكذلك اضطررنا إلى قبول أي مساعدة، لو أنه هرب وأراحنا، لما وقعنا في هذا المأزق - لكن المجنون لم يفعل"!
- كيف تنظرون إلى رد الغرب ـ من خلال حلف الأطلنطي ـ على ما جرى فى ليبيا؟
- الكارثة أن غير المقبول كان الرد على غير المعقول.
إنني قرأت بنفسي - وأرجو ألا تكون ملاحظتي متجاوزة - في "الأهرام" نفسه قبل أسابيع - عنوانا يقول بالنص: حلف الأطلنطي يفتح الطريق لتحرير "طرابلس".
وأنا لا أعلم أن حلف الأطلنطي يريد أن يحرر شِبرا عربيا.
وبصراحة وأنا لا أداري في موقفي، فإن "القذافي" كان من الحق أن يسقط، ولكن الشعب الليبي هو من كان يجب أن يتحمل هذه المسئولية، وقد كانت هناك إشارات وعلامات فعلا وإن في بدايتها، وكان يجب للبداية أن تواصل حتى النهاية، وبشعب ليبيا، وليس بالطيران الأمريكي، ولا بأسراب صواريخ "الكروز" الأمريكية، ولا بالطيران الإنجليزي، ولا بالقوات الخاصة البريطانية، ولا بالأسطول الفرنسي، والقوات الفرنسية، ولا بالمخابرات من كل الأطراف!
هذا هو غير المقبول بعد غير المعقول.
- هل قفز الغرب على الأوضاع القبلية والعشائرية فى ليبيا، وكان همه فقط التخلص من القذافي بأي ثمن؟
- لقد فوجئ الغرب بالثورة في "تونس" وفي "مصر"، وبدا الربيع العربي وكأنه عالم مفتوح لكل شيء، ولكن هؤلاء نسوا أن نضج عناصر أي ثورة ضروري لنجاح فعلها، وكذلك لم يعد ما يجري في ليبيا ثورة شعبية وفقط، وإنما تبدو الآن غزوا خارجيا، واستيلاء راح ضحيته حتى الآن أكثر من ثلاثين ألف رجل وامرأة وطفل من الليبيين، وجرح منهم قرابة سبعين ألفا، ووقع تدمير مرافق ومنشآت، والآن أرى أن المقاومة مستمرة وأظن أن الذين يقاومون مع "القذافي" يفعلون ذلك بانتمائهم إلى الوطن الليبي، ليس تمسكا بـ "القذافي"، ولكن لأن هناك غزوا لليبيا، وأظن أن نفس الداعي سوف يصل بليبيا - مدنا وقبائل - إلى حافة حرب أهلية.
وبكل أمانة فالثورات لا تصنع، ويستحيل أن تنجح بهذا الأسلوب.
- كيف؟
- الثورات فعل لا يتم بطريقة تسليم المفتاح، أعني أنه ليست هناك ثورات تسليم مفتاح من قوى خارجية تطلب السيطرة، هذه القوى الخارجية تريد مصالحها فقط، ولا يصح أن يتصور أحد أنها بعد المصالح تريد تحرير شعب!
ولقد عرفنا مما سمعنا ورأيناه في شبه الجزيرة العربية عن بناء القصور بطريقة مقاولة "تسليم مفتاح" (كما يُقال في التعبير الشائع)، وذلك حدث أيضا في مجال الموانئ والمطارات، كله مدفوع نقدا ومقدما برسم التسليم على المفتاح - لكن الثورات شيء آخر.
باختصار حلف "الأطلنطي" لا يحرر بلدا أو شعبا، وإنما يسيطر على شعب وعلى بلد!
- لننتقل إلى ساحة أخرى ملتهبة بل متفجرة من ساحات «الربيع العربي» وهي سوريا. ما هو تقييمكم لما يحدث حاليا؟
- هناك غير مقبول آخر يجري في سوريا بعد ما سبقته هو الآخر مرحلة من غير المعقول.
يكفي في سوريا هذا الذي جرى في عملية توريث رئاسة الدولة، وكان سابقة خطيرة!
كان الإصرار على التوريث مهينا للشعب السوري بكل معيار.
بداية التوريث كان من الرئيس "حافظ" إلى شقيقه "رفعت الأسد"، ثم وقع الشقاق بين الأخ وأخيه.
وإذا إرث الرئاسة ينتقل بوضوح من الأخ الشقيق إلى الابن الكبير "باسل الأسد"، ثم تقع حادثة مؤلمة لـ "باسل الأسد"، وإذا إرث رئاسة الدولة ينتقل منه إلى الأخ الأصغر "بشَّار".
وهذا غير معقول في نظام جمهوري!
المؤلم أن غير المقبول فيما يجري في سوريا - بعد غير المعقول الذي سبقه - معضلة كبرى للأمة ذاتها.
التغيير في "سوريا" مطلوب، لكن تدخلا عسكريا أجنبيا فى سوريا في هذه اللحظة مخيف، وصحيح أن النظام أساء إلى شرعيته بقسوة، لكن البديل بالغزو الأجنبي في هذه الظروف يصعب تقدير عواقبه، خصوصا بعد ما جرى في "العراق" و"اليمن" و"السودان" وأخيرا "ليبيا، لا تتحمل المنطقة من "بغداد" إلى "بني غازي" بالعرض، ولا من "حلب" إلى "عدن" بالطول، كل هذا الذي يقع وبإلحاح وإصرار على أنها الإزاحة هنا، والآن وبواسطة تدخل جيوش وأساطيل أجنبية!
- بعض العرب يريدون تكرار سيناريو ليبيا فى سوريا. هل الأرض مهيأة والظروف سانحة؟
- تثير قلقي هذه الإنذارات التي توجهها بعض الدول العربية إلى "سوريا"، وكأنها تمهد الطريق لتدخل عسكري دولي، بنفس الأسلوب الذي رأيناه ونراه.
المهم أن الأزمة في "سوريا" بالفعل أزمة نظام جاوز اللامعقول، لكن علاج اللامعقول لا يجيء بدواء اللامقبول!
وبعض ما يجري في "سوريا" مقصود به "إيران" كهدف أساسي في ملء فضاء الشرق الأوسط.
والذين يغامرون باللامقبول لا تهمهم العواقب، وربما أن هذا سر غضب بعضهم، وبينهم الرئيس الفرنسي "ساركوزي" على البطريرك الماروني بشارة الراعي لأنه تحفَّظ تجاه ما يمكن أن يجري في سوريا على مستقبل موارنة لبنان!
ولم يكن "ساركوزي" وحده هو الذي انتقد البطريرك الماروني، ولكن سبقه بعض زعماء القبائل العرب، الذين لا يهمهم التاريخ القديم في "سايكس بيكو" الأولى - ولا يلفت نظرهم الجديد الكامن في "سايكس بيكو" الثانية.
هذا هو المشروع الغربي في ملء فراغ المنطقة، ويجيء بعد ذلك مشروعان وشبح مشروع لا مستقبل له في ظني.
- قلتم إن بعض ما يجري في سوريا مقصود به إيران. وهنا نسأل أين هو المشروع الإيراني وما هي التمايزات بينه وبين المشروع التركي؟
- هناك مشروع إيراني وهو محدود في إطاره لأسباب عديدة، تضعها الجغرافيا بالمسافات، ويصنعها التاريخ بالثقافات، إلى جانب أن هذا المشروع تحت حصار، وعليه فإن إستراتيجيته الآن دفاع!
- وهناك أيضا مشروع تركي لديه حظ أكبر، لأن أساسه التاريخي لايزال في الذاكرة، ولايزال في المواريث.
وبمنتهى الأمانة فأنا لست متحمسا لهذه اللهجات بالغمز واللمز على تركيا، خصوصا في أعقاب زيارة رئيس وزرائها الطيب أردوغان.
كل منطقة في الدنيا أرض وموارد - وأهم من ذلك فضاء سياسي وثقافي وعسكري، فضاء نفوذ وقدرة وهيبة - وهذا الفضاء لا يقل أهمية عن الأرض والموارد.
وكان ظني أن أفضل الخيارات المطروحة هذه اللحظة أن يستطيع العرب تأمين توازن في موقفهم يصون مصالحهم، ولا يقمع طموحات مستقبلهم، ولا يكون مقاولة "تسليم مفتاح"!، وتأمين التوازن في الحالة العربية لابد أن يتم بدرجة من التعاون مع الجوار الإقليمي الإسلامي، بصرف النظر عن فرقة المذاهب، وأنا لا أحسبها فرقة، وإنما رؤى مختلفة في التاريخ وفي الثقافة.
لكن الظاهر من الخطاب الرسمي العربي السائد، هو عداء إيران، والتشكيك في تركيا.
والعداء لإيران بالتركيز على مذاهب سوف يؤدي إلى كوارث في شبه الجزيرة العربية، بدايتها ما نرى في "اليمن" و"البحرين".
والتشكيك في تركيا واستدعاء الجانب المظلم من التجربة العثمانية القديمة، قد يرفع تركيا للانضمام إلى "سايكس بيكو" الجديدة - شراكة مع الغرب الأمريكي الأوروبي في نصيب من الموارد والمواقع.
كانت تركيا العثمانية هي الضحية التي توزع إرثها على الآخرين في "سايكس بيكو" الأولى.
والآن والإرث العربي القومي يوزع على الأطراف في "سايكس بيكو" الجديدة، فإن تركيا امام إغراء أن تكون شريكا في الإرث الجديد بعد أن كانت ضحية في سابقه.
- في خضم كل ما يحدث في العالم العربي أين مصر؟ وكيف تقيمون رد فعل صانعي القرار فيها؟
- أكثر ما يعنيني في هذه اللحظات الفارقة هي مصر - موقفها - أمنها - مطالبها الإستراتيجية - مصالحها!
وبصرف النظر عن الانتماء، وهل هو فرعوني، أو إسلامي - أو قومي عربي؟!
وبصرف النظر عن كل شعارات مصر أولا، ومصر أخيرا.
وبصرف النظر عن دواعي الفخر من أول بناء أهرامات الجيزة، وحتى رفع الأعلام يوم 25 يناير فى ميدان التحرير، فإن مصر بلد ـ حتى بمصالحه وأمنه وفي أضيق الحدود ـ بلد له ضرورات:
هو لا يستطيع أن يحمي نفسه عسكريا على خطوط حدوده الدولية، ونظرة إلى الخريطة تكفي.
ثم إنه بلد لا يستطيع أن يحقق نموه بالاقتصار على موارده.
وأخيرا فإنه لا يستطيع وحده أن يؤكد بقاءه وثقافته ووعيه، حتى بالحياة نفسها في هذه الرقعة المُحاصرة بالصحاري على ضفاف النيل.
بلد يعتمد على مياه تجيء إليه من خارجه.
وبلد لا يستطيع أن يعزل نفسه، وهو ينطق ويفكر ويتصرف بنفس اللغة مع جواره.
وبلد لا يستطيع أن يبتعد عن محيطه الديني (مسلم ومسيحي) بكل دواعيه ومحركاته الحضارية.
- هل أنت قلق على الأحوال في بر مصر؟
- ما يقلقني في هذه الساعة هو أن مصر في هذه الظروف كلها تبدو مستغرقة بالكامل، فى مشاكل آنية «تقسيم الدوائر الانتخابية. فردي أو نسبي. إلى آخره».
كانت ثورة يناير قد وضعتها في أعلى مقام في المنطقة، وتحت أسطع ضوء، وفي أبهى صورة، ثم جاءت اللحظة الحرجة من حولنا ونحن مشغولون عنها وكأنها لاتعنينا.
مشروع تاريخي ينزاح وهو يستحق، ونظام مستجد يزحف وليس له حق.
وملفات خطيرة تُستبعد، وملفات أخطر تُستحضر.
وحدود تُرسم، ومصالح تُوزع، وعوالم بأسرها تتغير، ونحن هنا - ودعونا ننظر إلى عناوين الصحف والإذاعات وشبكات التليفزيون - كما رأيناها أمس، وكما سوف نراها غدا!
أقول ذلك وأنا أرى الحركة الهادرة والفوران الذي تعيشه مصر هذه الأوقات، وما أراه يقلقني ولكنه لايخيفني أكثر من اللازم، فهذه على طول التاريخ أعراض وعوارض رحلة انتقال وسفر إلى المستقبل، يقوم به شعب، ووراءه تجربة تاريخية كبرى، وأمامه أفق واعد أوسع!
- ما هو الأمر الملح الآن فى نظركم؟
- قد يكون مناسبا وحتى لا يتشتت تركيزنا بين الداخل والاقليم، أن أتقدم باقتراح، إنشاء مجلس أمن قومي مصغَّر من داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو بجانبه، ويكلف بمتابعة ما يجري من حولنا، ويساعد على تحديد حركتنا إزاءه، لأن ما يجرى الآن سوف يقرر مستقبل المنطقة وشعوبها لعشرين سنة قادمة على أقل تقدير؟!
وأظننا لا نريد أن نجد أنفسنا داخل الخريطة الجديدة، حيث لا يليق - أو خارجها حيث لا يصح!
هذا في ظني ضرورة من ضرورات هذه اللحظة وفورا، ولأصحاب المستقبل رأيهم وقرارهم الأخير.
|
|
|
|
|