رثاء العمر :: بوستر a3 :: لرحيل المجدد 2 السيد محمد الشيرازي قدس
بتاريخ : 12-08-2013 الساعة : 11:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم والعن أعدائهم
اللهمّ صلِّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ما أحاط به علمك وأحصاه كتابك
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
تخليدا لذكر العلماء المجاهدين وعرفانا بجميل مآثرهم ومواقفهم الجهادية على ساحة العلم والعمل ، ونحن نعيش الذكرى السنوية العاشرة لرحيل المجدد الثاني الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي" أعلى الله درجاته "
(( الآن وقد تراءى شبح الموت الجاثم عن كثب، واشتعل مبيض رأسي في مسوده، وذهبت عني حمارة قيظ الشباب، وترقرقت في جنباتي صبارة قرّ الشيب، وأخذ العمر يذوب شيئاً فشيئاً في شمس الخريف، حتى لا يبقى منه شيء حتى الحفنة الأخيرة، وأنشأت الروح الحارة تصرد على القوة تصريداً، وطفقت سماء النشاط تمطر طلاً رذاذاً، لا وابلاً غزيراً، فلا تعشوشب أراضي الفكر التي كانت يخرج نباتها بإذن ربها إلا نكداً، لا ينجح مرعاه، ولا يسرّ مرآه، وشرعت أتنهّد تنهّد من فقد أعز ما لديه من مال وولد وعلم وجاه.
الآن وقد وصلت قمة حياتي..
قد بلغت الثلاثين وهو نصف العمر الطبيعي الذي أقدره لنفسي، والإرادة بيد الله، ولا أدري كيف أنحدر؟ هل كما صعدت؟ أقوم مرة وأقعد أخرى، وأفرح تارة وأكتئب تارات، يرفعني سعد وينزلني نحس، يسوقني أمل ويوقفني يأس، بين غنى وفقر، وصحة ومرض، وعز وذل، ورضى وغضب..
أم يكون انحداري كجلمود صخر حطّه السيل من عَلّ، فلا أرى غير لين الشيب، وهدوء الضعف، وملاءمة بياض الشعر، أم أخفى لي الدهر بين طيات مستقبله الغائب شروراً وآلاماً، وأمراضاً وأسقاماً، وسباً وضرباً، وحبساً وذلاً، وهوناً ومقصلة.
لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى *** ولا زاجـــــرات الطير ما الله فاعل
الآن، وقد أخذت نُذُر الشيب تترى، واحداً تلو الآخر، وثانياً تلو الأول، فبينما يقوم أحدها في اللمة، يقوم الثاني في الصدغ، والثالث في العثنون، كأنها نبال مريّشة من مرامي الموت الكامن وراء أكمة الشيخوخة، ترميها كي تضعف هذه المنّة، فلا تعضل عليه الصراع، ويكون له الغلب عند اللقاء، الآن، وقد قرأت في سجل حياتي سطور العمر المنقضي، وتذكرت خيره وشره، ونجده ووهده، وجِدّه وهزله، وعزّه وذلّه، وحلّه وترحاله، وضعته وإقامته، وصدقه وكذبه، وأحلامه وآماله، وأمانيه وغروره، وضعفه وقوته.
تذكرت حين كنت طفلاً أغرّد كالشحرور في أغصان الرياض، لا أحمل هماً، ولا يشوب خاطري شائب حزن وألم، ولا يخالجني مضض وارتماض، ألعب مع أترابي، وأمرح مع أصحابي، لا أنام إلا فرحاً، ولا أستيقظ إلا جذلاناً، لا أرى وراء يومي يوماً، ولا بعد فرحي حزناً.
وتذكرت إبان يفعتي حين كنت أغدو إلى الدرس صباحاً، وقد خالطني خوف العلم، وشماتة الرفاق إن لم أكن حفظت درسي، أو نبا بي ذهني في ما حفظته، ثم أروح إلى الدار مستبشراً فرحاً، أطير إليها طيران الحمام الزاجل، ألقي تعب المعلم والتلاميذ عن الكاهل، وتذكرت زمان كنت أعدّ فتى من الفتيان، وشاباً من الشبان، يجدّ جدي في التعليم والتعلّم، والبحث والنقد، والحل والنقض، أتعلم الأصول تارة، وأعلّم النحو أخرى، وأباحث الحساب حيناً، والهندسة زماناً، وأطالع التاريخ والجغرافيا، وأمارس الكلام والفقه.
وها أنا وصلت إلى دوري الرابع، ولا أدري كيف يمر بي؟ أمرور الكوكب الزاهر في السماء؟ أم هوي الشهب دفعة في الظلماء؟ لا أدري هذا ولا ذاك؟ وإنما أدري خطفة الزمان، وعجيب تقلّب الأيام، وانتقال الدهر من حال إلى حال، فلا أبقى كما أنا ولا يبقى كما هو، بيني وبين مستقبلي جدار لا يمكن نقبه، ولا يعقل تسلقه، حتى أرى ما وراؤه، وما يخط لي من الخطوط، وما يقسم لي بين الأقسام والأنصبة، أيزجر الطير بسعدي فأغتبط؟ أم بنحسي فأحزن؟ وأتمدّ أنامل القضاء خط عمري في خرائط الأعمال فأطيل الأمل وأحكم البناء؟ أم تقصر فأقصر الأمل وأزيد في العمل، وأتدارك ما فات، وأشد الحزام لما هو آت.
لا علم لي بأي الأمرين، ولا أتمكن من استطلاع ما احتوت ضلوع الغيب المستور، كل ما أعلم أن عمر الدنيا قصير مهما طال، ومدته إلى انقضاء وإن امتدت، فكأني انحدرت من هذه القمة التي أنا عليها اليوم، فوصلت السفح، وهناك دعاني داعي المنون، وقضى علي بقضائه الأخير، وحكم علي بترحال لا أرجو معه رجوعاً، وبظعن لا آمال معه في إقامة، حتى وأنه ربما لا يمهلني لوداع أصحابي، واسترضاء أحبابي، ولا يستعتبني ولا يُرضيني )) .
رحم الله من قرأ سورة الفاتحة وأهداها الى روحه الطاهرة
وإلى أرواح جميع المؤمنين والمؤمنات ...