لماذا تم استبدال لقب (الصديق) بـ (القديس).
الجزء السادس .
مصطفى الهادي .
(الصديقية) من معالم الديانات البارزة لا بل تكاد تكون من ابرز سماتها ولكن عندما جاءت المسيحية فإن صفة الصديقية هذه لم تحتملها المسيحية لثقلها في ميزان المقاييس المادية التي دفعتهم بأن ينزلوا بالإله من عليائه ويعلقونه على خشبة أمامهم ليل نهار.
فعمدت إلى تخفيف المعنى فأطلقت على كل من هب ودب لقب (( قديس)) فأبدلوا (الصديقية) بـ (القديسية) .فقالوا مثلا : ((القديس برنابا )) و((القديس بولص)) ثم قالوا بأن هناك رجال الله القديسون ونساء الله القديسات وزعموا أن هذا إنجيلا يُتلى ، وهكذا. مخالفين بذلك الإنجيل الذي أطلق على فئة معينة من تلاميذ السيد المسيح لقب الحواريين وليس القديسين (( إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم )) .
في حين أطلقت التوراة لقب السبط أو الأسباط على من عاصر موسى وتتلمذ على يديه ((واختار الله لموسى إثنا عشر سبطا أسباطا أمما ))، ولكن رب التوراة ميز بين السبط والصديق ولم يجمع بينهما ولكنه تعالى جمع للصديق صفة السبطية أيضا فالسبط لا يكون صديقا ، ولكن الصديق يكون سبطا وصديقا وحتى نبيا كقول النبي ص للحسين عليه السلام في الحديث المشهور: ((الحسين سبطٌ من الأسباط )) (1) فجمع لهُ الإمامة والسبطية .
ولا ندري من أين جاء مجتمع الإنجيل بصفة القديسية ليضفيها على من يشاء من منحرفيه أمثال ((شاول ، بولص)) (2) الذي كان تلامذة السيد المسيح يرتعدون خوفا ويذوبون هلعا من مجرد ذكر اسمه والذي كان يستخدم أبشع وسائل القتل وأشدها وحشية ، (قلي أتباع السيد المسيح بالزيت الحار) أو (رجمهم رضخا بالحجارة) كما فعل مع الشهيد (اصطفانوس) .
هذا المارد يتحول بين ليلة وضحاها في رؤية مشوشة ادعى فيها رؤية السيد المسيح وانه اهتدى على يديه في صحراء قاحلة لا آن ولا ودان ، والشاهد بولص شاول نفسه يتحول إلى (الرسول بولص) ، ثم يُطلق عليه (القديس بولص) ثم يأتي بإنجيلا يعد الأكبر من بين الأناجيل والأكثر إثارة للجدل حيث أسس فيه شاول أول ثقافة وثنية تدعوا إلى عبادة المسيح واتخاذه ربا.
هذا الإنجيل الذي قدم له بولص ديباجة غريبة مريبة يقول فيها : (( إن كان مجد الله قد ازداد بكذبي فعلام تلوموني )) زه زه زه اعتراف ليس فيه ذرة من خجل أو نأمة من وجل من سطوة الله تعالى .مجد الله يزداد بكذب بولص فهو يكذب لله وليس على الله .
وعلى ما يبدو أن بولص هذا استحق لقب القديسية بجدارة لأنه أول مؤسس (لثقافة الانقلاب على الأعقاب) وسلب الحق الشرعي من أصحابه ، فسلب من برنابا الوصي خلافته وأشرك برنابا في وصايته فأضفى عليه خصوم برنابا لقب القديسية كما اضفى الأمويون لقب الصديق على من سلب حق علي واسس ثقافة الانقلاب على الأعقاب .
ستتبعون سنن من كال قبلك شبر بشبر . علما أن بولس هذا أمي لا يقرأ أويكتب ويصفهُ معاصروه بأنه كان مأبونا.سبحان الله كما يصف النسابة (ابن الكلبي) عمر بأنه كان (مأبونا) وأنه ضمن عشرة كانوا في الجاهلية يُعدون من (المأبونين) وكلا الطرفين أسسا سياسة الانقلاب على الأعقاب افتمعن. (3)
الإسلام أعاد لكلمة صدّيق رونقها ونفى أن تكون مفردة قديس مفردة إلهية تضفى على من هب ودب من الناس ، لأن هذه الكلمة من مختصات الذات الإلهية وهي مأخوذة من كلمة قدوس ((هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس)) ولم يكن القرآن وحده الذي ذكر بان القدوس هو الله تعالى لا ، بل الغريب أن التوراة والإنجيل هما أيضا يقولان بأن القدوس هو الله تعالى وليس أحدٌ غيره كما جاء في العديد من الفقرات في هذين الكتابين وإليك قسما منها .
قال تعالى في لاويين : ((لأني أنا قدوس )) التوراة ، لاويين ، 11: 44
وفي مزمور يقول تعال: ((حلفت بقدسي أني لا أكذب )) مزمور، 89: 35
وفي مزامير أيضا: (( لأن الرب إلهنا قدوس )) مزمور، 99: 9
ومع وجود نص آخر خطير في الكتاب المقدس إلا أن النصارى لا يعملون به وعطلوه لكي يتميزوا عن اليهود مع انه سنة إبراهيمية فرضها الله تعالى على الناس هذا النص يقول: ((وأغلف اللحم لا يدخل مقدسي)) حزقيال، 44: 9. أي أنه لا يدخل قدس الله ، ولا يحمل صفة القديسية فكيف يصبح الأغلف بعد ذلك قديسا ؟ وهو محروم حتى من دخول قدس الإله لأنه لايحمل السمة الإبراهيمية الختان. والملاحظ أن المسيحية اطلقت على كل الآباء لقب (قديس) مع انهم جميعا لم يختتنوا. اليس في ذلك مخالفة صريحة للانجيل؟
فهؤلاء كما عطلوا كلمة (صدّيق) وابدلوها بكلمة (قديس) أيضا عطلوا شريعة الختان وبقوا يحافظون على غلفتهم مع أنهم يقرأون كلامه تعالى في كتابهم بأن الاغلف لا يدخل قدسه ؟لأنه نكث عهد الختان والمريب أيضا أن السيد المسيح مختون وأمر بالختان ، ولكن بولص هو الذي عطل شريعة الختان في إنجيله ومع ذلك خالفوا وصية نبيهم وطاعوا بولص أطلقوا عليه قديسا . لعب عيال .
إذن من كل ما تقدم فإننا نر هذه المفردة (( قديس)) مثلا تندرج في قاموس المفردات الإلهية التي يُضفيها على البشر ، والتي هي من مختصات قاموس الأسماء الجمالية لله تعالى والتي أدرجت في سجل متلاحم غير منفصل عن الذات الأهلية لأن الاسم هو ، وهو الاسم ومن هنا رأينا أن الإسلام وفي أوائل سوره المنزلة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، عمد إلى تصحيح هذا المسار فأرجع كلمة (( الصديق)) إلى مكانها الصحيح وألغى كلمة (( قديس)) ورفعها كليا من تلك المفردات التكريمية التشريفية التي يضفيها على الخاصة من عباده المنتجبين المختارين . فلم نرى أو نسمع أن كلمة قديس وردت في القرآن أو حتى في مفردات الرسول الكلامية اليومية وهذه سنته بين أيدينا.
انتهت الحلقة السادسة ويليها الحلقة السابعة وهي بعنوان
لماذا استبدلت المسيحية لقب (الصديق) بـ (القديس) ؟
المراجع .
1- الرواية الكاملة : ((حسين مني، و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط)) .إسناده جيد السلسلة الصحيحة 1227, صحيح الأدب 279 صحيح الترمذي 2970 صحيح الجامع 3179. سنن ابن ماجة:1/51 . والبخاري في الأدب المفرد ص85 . وآخرون غيرهم .
2- مع أن المسيحية خالفت كتابها حيث زعمت في هذا الكتاب بأن القديس لا يمكن أن يُعين من قبل البشر بل الله تعالى هو الذي يُعين القديس كما جاء في تيموثاوس الثانية : (( الله خلصنا ودعانا دعوة مقدسة بموجب قصده الخاص ونعمته )) 2تيموثاوس :9. وهذا نفسه موجود في القرآن من أن الصديقية نعمة من الله ينعم بها على من يختاره من عباده وليست منصبا دنيويا يعطيه البشر لمن يشاء فقال تعالى : (( أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين )) . 69 النساء . إذن هي نعمة من الله . حتى الأنبياء لايملكون صلاحية التعيين لأي منصب يتعلق بمفردات ما بعد النبوة ويتضح ذلك من خلال قول موسى عليه السلام وهو من أولي العزم حيث أن موسى لم يقدر على ان يعطي أي صلاحية او لقب او منصب لأخيه هارون إلا بعد أن طلب ذلك من الله تعالى فقال : ((فأرسلهٌ معي ردءا يصدقني )) 34 القصص.
3- عن جلال الدين السيوطي الذي هو من أكابر علمائهم، إذ قد كتب في حاشيته المدوّنة على القاموس عند ترجمة لفظة (الأُبَنَة) ما لفظه: إن هذه الخصلة كانت في خمسة نفر في زمن الجاهلية أحدهم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.مشاهدة المزيد