بسم الله الرحمن الرحيم
اللجنة العلمية في شعبة البحوث والدراسات ·
إن الضابطة الشرعية لقبول الأعمال هي أن تكون لله تعالى، وعلى هذه الضابطة تتفاضل الأعمال المقبولة، فأي عمل أكثر خلوصا لله تعالى سيكون هو الأفضل.
ثم إن هنالك ضابطة أخرى مترتبة على الضابطة الأولى وهي، مقدار المصلحة والمنفعة المترتبة على ذلك العمل، فأي عمل تترتب عليه منفعة أعظم سيكون ثوابه أكبر بعد تحقق الضابطة الأولى (نية القربة الى الله تعالى).
فالإيمان بالله تعالى أجره عظيم عند الله تعالى، غير أن الجهاد في سبيله تعالى بالنفس والمال له اجر أعظم بكثير من الإيمان الخالي عن الجهاد، والعلة في ذلك واضحة، إذ لولا دماء الشهداء، وجهادهم لما وصل الإسلام إلى ما وصل إليه الآن.
ولتقريب ذلك أكثر استعين بمثال.
إن إطعام الفقير من المستحبات المؤكدة في الشريعة، وله أجر وثواب عند الله تعالى، غير أن المجاهد الذي يطعم مهجته لالة الحرب دفاعا عن الدين والمقدسات والفقراء، له أجر وثواب أيضا.
ولكن يقينا أن أجر من أطعم لقمة، غير أجر من أطعم روحه ونفسه وجاد بهما دفاعا عن أمر مقدس.
وعلى هذا أصبح الجواب واضحا، فان الطبخ للإمام الحسين ، هو تثمينا لمواقفه المشرفة العظيمة، فالإمام الحسين الذي أطعم كل وجوده آلة الحرب، دفاعا عن الدين، دفاعا عن الحق عن المظلومين، عن الحرية الحقة، يستحق من كل إنسان يعي معنى الحرية الحقيقية أن يخلد له تلك المواقف المشرفة، فنحن حينما نطعم، نطعم إكراما وتثمينا لمواقف الإمام الحسين عليه السلام وصحبه وبنيه. هذا من جانب.
ومن جانب آخر، إن الطعام الذي يطبخ لسيد الشهداء يأكله الفقراء بمعية زوار أبي عبد الله .
فلا مجال للمقارنة وان أيهما أفضل الطبخ أم إطعام الفقراء.
وهل الطبخ الذي يكون في المواكب يقدم للأغنياء خاصة؟ أم هو لكل زوار أبي عبد الله والكثير منهم فقراء.
هذا إذا أردنا أن نتكلم بعيدا عن الروايات والأدلة التي ذكرت ثواب زيارة الإمام الحسين وثواب خدمة زواره صلوات الله وسلامه عليه.
فقد ثبت عندنا أن أول إمام نصب خيمة لاستقبال زوار الإمام الحسين () على طريق كربلاء هو الإمام الصادق () .
حيث روى ابن قولويه رحمه الله (عن موسى بن القاسم الحَضرميّ «قال : قدم أبو عبد الله في أوَّل ولاية أبي جعفر فنزل النّجف ، فقال: يا موسى اذهب إلى الطّريق الأعظم فقِف على الطّريق فانظر فإنّه سَيأتيك رجلٌ مِن ناحية القادسيّة ، فإذا دنا منك فقل له : ههنا رَجلٌ مِن وُلد رَسول الله يدعوك ، فسيجيء معك ، قال : فذهبت حتّى قمتُ على الطَّريق والحرُّ شديد ، فلم أزل قائماً حتّى كدتُ اُعصي وأنصرف وأدَعه ، إذ نظرتُ إلى شيءٍ يقبل شبه رَجل على بَعير ، فلم أزل أنظر إليه حتّى دنا منّي ، فقلت : يا هذا ههنا رجلٌ مِن ولد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يدعوك وقد وَصَفك لي ، قال : اذهب بنا إليه ، قال : فجئت به حتّى أناخ بَعيره ناحيةً قريباً مِن الخيمة ، فدعا به فدخل الأعرابيُّ إليه ودنوتُ أنا فصرت إلى باب الخيمة أسمع الكلام ولا أراهم ، فقال أبو عبدالله : مِن أين قَدِمتَ؟ قال : مِن أقصى اليمن ، قال : أنتَ مِن موضع كذا وكذا؟ قال : نعَم أنا مِن موضع كذا وكذا ، قال : فبما جئتَ ههنا؟ قال : جئت زائراً للحسين ، فقال أبو عبدالله : فجئتَ مِن غير حاجةٍ ليس الاّ للزّيارة؟ قال : جئتُ من غير حاجةٍ إلاّ أنْ اُصلّي عنده وأزوره فاُسلّم عليه وأرجع إلى أهلي ، فقال أبو عبدالله : وما ترون في زيارته؟ قال : نَرى في زيارته البركة في أنفسنا وأهالينا وأولادنا وأموالنا ومعايشنا وقضاء حوائجنا ، قال : فقال أبو عبد الله : أفلا أزيدك من فَضله فضلاً يا أخا اليمنيّ؟ قال : زدني يا ابن رسول الله ، قال : إنَّ زيارة الحسين تعدِلُ حَجّةَ مقبولة زاكية مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فتعجّب مِن ذلك ، قال : إي والله وحَجَّتين مَبرورَتين متقبّلَتين زاكيتَين مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فتعجّب ! فلم يزل أبو عبد الله يزيد حتّى قال : ثلاثين حجّة مبرورةً متقبِّلة زاكية مع رَسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم) كامل الزيارات-ابن قولويه القمي- (ص177/ ح 7)
أضف إلى ذلك أن الطبخ للإمام الحسين ، إنما هو باختيار الناس فلا يوجد من أجبر الناس على ذلك، ومن المعلوم أن الناس مسلطون على أموالهم، فلهم الحق في صرف أموالهم في أي جهة من جهات البر، واي بر اعظم من وصل من امرنا الله بمودتهم . قال تعالى: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى/24).