السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين المعصومين
بسم الله الرحمن الرحيم اخي الكريم هذه خطبة امير المؤمنين عليه السلام
يتكلم فيها عن ابو بكر وعمر وغصبهم خلافته عليه السلام .
بسم الله الرحمن الرحيم
- منهج في الإنتماء المذهبي - صائب عبد الحميد ص 167
6 - وبعد ، فإن كل ما تقدم يبسطه الإمام عليه السلام في واحدة من نفائس خطبه ، وهي الخطبة المسماة ب " الشقشقية " وتشمل على الشكوى من أمر الخلافة ، ثم ترجيح صبره عنها ، ثم مبايعة الناس له ( 1 ) ، قال فيها :
" أما والله لقد تقمصها ( 2 ) فلان وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا ، ينحدر عني السيل ، ولا يرقى إلي الطير . فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا . وطفقت أرتئي بين : أن أصول بيد جذاء ( 3 ) ، أو أصبر على طخية
( 4 ) عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ،
* ( هامش ) *
= وحديثه عليه السلام هذا في النثر والنظم موجه إلى أبي بكر وعمر ، فعلى الوجه الأخير ، قال ابن أبي الحديد : أما النثر فإلى عمر
توجيهه ، لأن أبا بكر لما قال لعمر - في السقيفة - أمدد يدك ، قال له عمر : أنت صاحب رسول الله في المواطن كلها ، فهلا سلمت الأمر
إلى من قد شركه في ذلك ، وزاد عليه بالقرابة ! وأما النظم فموجه إلى أبي بكر لأنه حاج الأنصار في السقيفة فقال : نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما بويع احتج على الناس بالبيعة وأنها صدرت عن أهل الحل والعقد . فقال عليه السلام : أما احتجاجك على
الأنصار بأنك من بيضة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فغيرك أقرب إليه منك ، وأما احتجاجك برضا الجماعة بك ، فقد كان قوم من جملة الصحابة غائبين لم يحضروا العقد فكيف يثبت ! وأما على الوجه الأول ، فهو عليه السلام يستنكر أن تكون الصحابة والقرابة شرطا
كافيا للخلافة ، بل لا بد من مرجح حقيقي ، كالنص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأهلية لهذا الأمر . وأما النظم فسوف يكون فيه هنا مزيدا من الاستنكار ، فهو مع استنكاره الاحتجاج بالصحابة والقرابة في هذا الأمر ، يقول إنهما لم يتما لأبي بكر بل إنها جميعا عنده عليه السلام أتم وأكمل . وأيا كان النص الصادر عنه عليه السلام فهو نص صريح على حقه في الخلافة ، وأنه عليه السلام أولى بها من غيره . ( 1 ) هكذا وصفها في المصدر : 48 الخطبة رقم - 3 - .
( 2 ) تقمصها : لبسها كالقميص .
( 3 ) الجذاء : المقطوعة .
( 4 ) طخية : ظلمة . ( * )
- منهج في الإنتماء المذهبي - صائب عبد الحميد ص 168
ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ! فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى . فصبرت ، وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي ( 1 ) نهبا . حتى مضى الأول لسبيله ، فأدلى بها إلى فلان بعده " . ثم تمثل - عليه السلام - بقول الأعشى : شتان ما
يومي على كورها * ويوم حيان أخي جابر " فيا عجبا ! ! بينا هو يستقيلها ( 2 ) في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته ! لشد ما تشطرا ضرعيها ( 3 ) . فصيرها في حوزة خشناء ، يغلظ كلمها ( 4 ) ، ويخشن مسها ، ويكثر العثار ( 5 ) فيها ،
والاعتذار منها . فصاحبها كراكب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ( 6 ) ، وإن أسلس لها تقحم ( 7 ) ، فمني الناس - لعمر الله - بخبط وشماس ( 8 ) وتلون واعتراض ( 9 ) . فصبرت ، على طول المدة ، وشدة المحنة . حتى إذا مضى لسبيله ،
جعلها في جماعة زعم أني أحدهم !
* ( هامش ) *
( 1 ) التراث : الميراث .
( 2 ) يستقيلها : يطلب إعفاءه منها - وهو إشارة إلى قول أبي بكر : أقيلوني أقيلوني . .
( 3 ) تشطرا ضرعيها : اقتسماه ، فأخذ كل منهما شطرا .
( 4 ) كلمها : جرحها ، كأنه يقول : خشونتها تجرح جرحا غليظا .
( 5 ) العثار : السقوط والكبوة .
( 6 ) أشنق البعير : كفه بزمامه ، وخرم : قطع .
( 7 ) أسلس : أرخى ، وتقحم : رمى بنفسه في القحمة أي الهلكة .
( 8 ) خبط : سير على غير هدى ، والشماس : إباء الفرس عن الركوب .
( 9 ) الاعتراض : السير على غير خط مستقيم ، كأنه يسير عرضا في حال سيره طولا . ( * )
- منهج في الإنتماء المذهبي - صائب عبد الحميد ص 169
فيا لله وللشورى ، متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر ! لكني أسففت إذ أسفوا ، وطرت إذ طاروا . فصغا رجل منهم لضغنه ( 2 ) ، ومال الآخر لصهره ، مع هن وهن ( 3 ) . إلى أن قام ثالث القوم
نافجا حضنيه ( 4 ) بين نثيله ( 5 ) ومعتلفه ( 6 ) . وقام معه بنو أبيه ، يخضمون ( 7 ) مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته . فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي ، ينثالون علي من
كل جانب . . فلما نهضت بالأمر ، نكثت طائفة . . ومرقت أخرى . . وقسط آخرون ، كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول :
( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) ( 8 ) ! بلى والله ، لقد سمعوها
ووعوها ، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم ، وراقهم زبرجها . . . " . إلى آخر خطبته حتى قام إليه رجل من أهل السواد فناوله كتابا ، فقال
* ( هامش ) *
( 1 ) أسف الطائر : دنا من الأرض .
( 2 ) صغا : مال والضغن : الضغينة والحقد .
( 3 ) مع هن وهن : أي أغراض أخرى أكره ذكرها .
( 4 ) نافجا حضنيه : رافعا لهما . والحضن : ما بين الإبط والكشح ، يقال للمتكبر : جاء نافجا حضنيه .
( 5 ) النثيل : الروث وقذر الدواب .
( 6 ) المعتلف : موضع العلف .
( 7 ) الخضم : أكل الشئ الرطب .
( 8 ) القصص : 83 . ( * )
- منهج في الإنتماء المذهبي - صائب عبد الحميد ص 170
له ابن عباس : يا أمير المؤمنين ، لو اطردت خطبتك من حيث أفضيت . فقال - عليه السلام - : " هيهات - يا بن عباس -
تلك شقشقة هدرت ، ثم قرت " . قال ابن عباس : فوالله ما أسفت على كلام قط كأسفي على هذا الكلام ألا يكون أمير
المؤمنين عليه السلام بلغ منه حيث أراد . فقل للمتأولين : هيهات ألا تخضعوا ، وتقروا بكونه عليه السلام موقنا بحقه في خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مجتهدا في بيان ذلك في شتى المناسبات ، وإنما كان سكوته - حينا - على
مضض : " فصبرت ، وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا " ! وذلك بعد أن لم يجد سبيلا لانتزاع حقه : " وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء " ! وقد قال عليه السلام في مناسبة أخرى ، يصف حاله قبل أن يبايع لأحد
( 1 ) : " فنظرت ، فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي ، فضننت بهم عن الموت ، وأغضيت على القذى ، وشربت على الشجا ، وصبرت على أخذ الكظم ( 2 ) ، وعلى أمر من طعم العلقم " . - فهل يمكن أن يؤتى ببيان أوضح من هذا ؟ أم مع بيان كهذا يذهب المرء هنا وهناك بحثا عن تأويل يلوذ وراءه ؟ !
* ( هامش ) *
( 1 ) المصدر : 68 الفقرة الثانية من الخطبة رقم - 26 - .
( 2 ) الكظم : مخرج النفس ، والمراد أنه صبر على الإختناق . ( * )
- منهج في الإنتماء المذهبي - صائب عبد الحميد ص 171
كلا ، لا مناص من الاعتراف ، بل والاعتقاد بحقه الذي صرح فيه عليه السلام غير مرة .
وكذا فلا مفر - من جهة أخرى -من حصر خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم به وحده ، لا غير .
وإنما " تقمصها فلان " ! " ثم عقد بها لآخر بعد وفاته ، ولشد ما تشطرا ضرعيها " ! " ثم قام ثالث القوم نافجا حضنيه " .
فما لي بعد هذا لا أذعن للحقيقة ! وأي شئ أكون به أشد فخرا من اتباع الحق بعد معرفته ؟ وهل الدين غير هذا ؟ أم أمرنا نحن بغيره ؟ " رب اشرح لي صدري " .
والسلام على من اتبع الهدى
هدى محمد والِ محمد الطيبين الطاهرين
والسلام