يبدوا ان الحكومة غير مدركة لعواقب تنازلاتها التي تنوي تقديمها الى البعثيين عبر ذريعة استبعاد البعثيين الملطخة اياديهم بدماء الشعب العراقي والتفاوض مع القوى المسالمة في حزب البعث وهي قوى تراها الحكومة غير ضارة وبالامكان استيعابها في اجهزة الدولة من جديد .
هذا الاسلوب الساذج الذي تدير به الحكومة ملف حزب البعث وتتعامل وفق قاعدة حسن النوايا الذي لا تعترف به قواعد السياسة بشكل عام وتفكر في تنظيم مؤتمر يعقد في بغداد قريبا للتصالح معهم مما يعني ان الحكومة ماضية في مشروعها للمصالحة مع البعثيين .
قد تكون المبررات التي تطرحها الحكومة في هذا المجال مقبولة نوعا ما لكنها لا تلغي حقيقة الماضي الاجرامي لحزب البعث واساليبه المتلونة التي كان يتبعها في الاستحواذ على السلطة وطابع الغدر الذي يغطي مسيرة البعثيين وعدم التزامهم بالمعايير الادبية والاخلاقية في تعاملهم ولهم ماضيهم الخطير في هذا المجال
فهم فتكوا بعبد الكريم قاسم بعد تقرب اليهم في اواخر ايام حكمه واعادهم الى وظائفهم في دوائر الامن والجيش وكانوا اول من قام باطلاق الرصاص عليه بعد محاكمة صورية في مبنى الاذاعة والتلفزيون بعد ان تعهدوا له بالعفو عنه وعدم ايذائه .كما غدروا ايضا بشريكهم النايف الذي قاد انقلاب تموز مع شريكه الاخر عبد الرحمن الداوود ولولا الحماية الامريكية لهم لقتلوهم في الحال .
والرموز البعثية سواء التي كانت في السلطة ام خرجت منها استمرت في ممارسة هذه اللعبة بالغدر ببعضهم البعض فضلا عن الخصوم ولا يغرنك حديث بعض من رموز تلك المرحلة وادانتهم لحكم الطاغية صدام فالغدر كان وما يزال صفة من صفاتهم وجزءا من سلوكهم الدموي الاجرامي وهم لجأوا الى المعارضة بعد .
من يضمن للحكومة ان لا يتحول هؤلاء البعثيون الاتقياء المساكين الطيبين الى وحوش تفتك بالسلطة وبرموزها وقياداتها في اقرب فرصة تسنح لهم وعندما يتوفر لهم غطاء اقليمي ودولي يعمل على حمايتهم ويضمن عدم تدخل الامريكيين عند الضرورة .
لماذا تجازف الحكومة وهي تستمع الى الضغوط والهمس الخارجي بالتصالح مع هؤلاء البعثيين في الخارج وتقدم التنازلات المجانية لهم من دون ان تستغل هذه المحادثات لاقناع دول الجوار بالتخلي عن دعم البعث وطروحاته وعدم السماح لرموزه بالعمل من على ارضيها وان ورقة البعث قد احترقت الى الابد .
الطرف الامريكي هو في الواقع جزء من الموضوع من اجل ارضاء دول المنطقة العربية عبر ممارسة الضغوط على المالكي من اجل التصالح مع هؤلاء البعثيين غير الملطخة اياديهم وجيوبهم .
ان البعثيين لا تهمهم مصالح البلاد واستقرارها وهم كانوا يمنون النفس بافشال العملية السياسية في البلد واعادتها الى مربعها الاول واقناع الامريكيين عن طريق الدول والحكومات الاقليمية الراعية لهم بمنحهم السلطة من جديد والارتماء في احضان الامريكان وتنفيذ مخططاتهم في المنطقة كما فعل الطاغية صدام من قبل وهو ما صرح به المجرم الهارب عزة الدوري في رسالة الاوهام والاحلام التي نشرها قبل ايام والتي اعلن فيها بوضوح عن استراتيجية بعثية تقوم على اساس التخادم مع الامريكيين من جديد مقابل الوصول الى السلطة وهو هدف لن يتاخر البعثيون في الوصول اليه متى شاءت الظروف لذلك مادامت القوى المشبوهة التي سمحت لهم بالوصول الى السلطة بالامس ما تزال موجودة وهي نفسها قادرة على اعادة سيناريو 8 شباط من جديد .