يمكن للجامعة العربية أن تقدم دروسا ناجحة في الفشل , هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن تفلح فيه , فالمؤسسة العريقة والتي تجاوز عمرها النصف قرن ما زالت المنظومة الأكثر فشلا على صعيد التجارب الوحدوية والتنظيمية في العالم , وثمة إبداع فريد تميزت به طوال أعوام عملها لا يضاهيه إبداع في خلق حالة من اليأس والإحباط وفقدان الأمل, وبالطبع فإن الجامعة ما هي إلا تجسيد حقيقي لواقع الدول الأعضاء وانعكاس لحالهم ولعلاقاتهم وخلافاتهم , المشكلة إذا في مستويين ويزيدان من تعقيد فكرة انتشال العمل العربي من أزماته الدائمة , بنية الجامعة ذاتها والوحدات التي تتشكل منها .
إن الأساس الذي بنيت عليه فكرة جامعة الدول العربية واحد من الأسباب الرئيسية في ضعفها وتهميشها , فالفكرة جاءت على أساس تماثل العرق وما يتبعه من لغة وهوية وثقافة بمفهومها الواسع , وهذه عوامل رئيسية ومحفزة في بناء دولة واحدة وليس عدة دول , وإن كانت هذه المحددات متوفرة وصالحة للتوظيف فما الحاجة لأكثر من عشرين نظاما سياسيا لإدارتها , يمكن لنظام واحد شامل وقوي وعادل أن يقوم بالمهمة على أكمل وجه , ولو أخذنا بوجاهة تلك المحددات كعامل "وحدوي" فستواجهنا معضلة كبيرة تتمثل في التالي : توجد مجموعات متعددة من الدول داخل العالم العربي (المغرب العربي , دول الخليج , بلاد الشام ) وخارج العالم العربي تجمعها مشتركات عدة تزيد عن تلك التي أسست للجامعة العربية, ولم تنجح في خلق أرضية عمل مشتركة ولا حتى حدا أدنى من التنسيق – ناهيك عن الوحدة , زد على ذلك أن مجموعات أخرى في العالم لا يوجد بينها هذا المشترك استطاعت النجاح في التأسيس لمنظومات قائمة على العمل الجماعي ( أوربا , آسيا ) تعد اليوم أنموذجا يحتذى به !.
المستوى الثاني من أزمة المنظومة العربية يتجسد في ظني بالمادة التي استندت عليها كأساس للعمل المشترك , فالجامعة منذ انشاءها وهي تدور في فلك العناوين الكبرى , وهذه العناوين كانت واسعة وفضفاضة بدرجة توهم بتوحد المواقف والرؤى المنضوية تحت لواءها دون السؤال بكيف !, وبمجرد الخوض بالتفاصيل كان يتضح بشكل جلي حجم الخلافات والتباينات بين الأطراف التي توهمت أو أوهمتنا بوحدة الشعار والعنوان, الكل كان يريد تحرير فلسطين, وذلك قبل أن تحتل أصلا ويقوم الكيان الصهيوني على أرضها عبر المواقف المطالبة بعدم السماح بتوطين اليهود فيها, انظروا أين نحن الآن!, وعن أي فلسطين نتحدث, وكيف !!؟ نأتي إلى التضامن العربي والذي أطلق في الستينيات من القرن الماضي هدفا لاجتماعات الدول, هل ثمة تضامن أجمل مما نحن عليه الآن !؟, بين كل بلدين عربيين خلاف مستعر, ووصلت الأمور لغزو الدول بعضها البعض ناهيك عن التحالفات مع الأعداء على شركاء التضامن المزعوم!.
لم تنشغل الجامعة العربية أيضا كمؤسسة ولا الدول الأعضاء فيها بالتفاصيل الحقيقية التي تؤسس لعمل ومصالح مشتركة, كانت مظلة للأنظمة العربية وليس الدول أو الحكومات (ومؤكد ليس الشعوب) , تُرك كل بلد لنظامه يتوجه به كيفما شاء ولا أحد معني بما يجري فيه , للدرجة التي كان معمر القذافي وما زال مقبولا كشريك في الجامعة ولم يطرد أو يعاقب حتى الآن , والقذافي بالطبع لا يمثل وحده جنون الحاكم العربي وعدم سويته , لكنه الوحيد على الأقل الذي يعلن ذلك الجنون على الملأ !, والحال التي عليها الأنظمة وحكامها جعلتهم يختلفون على كل شيء سوى بقائهم واستمرار حكمهم, لم يطرح مشروع حقيقي يمس الإنسان وحياته , لم تستطع المنظومة بناء طريق يصل بين دولتين أو تنظيم تجارة حقيقية , حدثت أشياء هنا وهناك لم تكن بفعل هذه المؤسسة وفكرتها , وإن كانت فهي أكبر دليل على فشلها وعجزها الحقيقي .
ماذا بعد ؟ هل نظن أن أحدا منا بحاجة لإقناعه بفشل الجامعة وعجزها التام عن أداء ما هو مأمول منها ؟, بالتأكيد لا , كل منا لديه الكثير ما يعزز من هذا الرأي , لكن حان الوقت للعمل على فكرة هذه المنظومه العاجزة والتي تساهم في تكريس مزيد من العجز والتراجع , على الأقل نتبنى ذلك ولو على المستوى النظري .