كان للإسلام فضل السبق في إعلان مبدأ المساواة في الحقوق والتكاليف العامة وفي إظهار الحقوق والحريات بصفة عامة في القرن السابع ميلادي حيث حدد حقوق الإنسان والحريات الأساسية ووضع الضمانات الكفيلة بحمايتها وقد كان السباق في ذلك قبل غيره إذ وجدت أساسها في القرآن الكريم وفي تعاليم العترة الطاهرة، وقد تولى الفقه الإسلامي بيانها وتوضيح مفهومها ومضمونها وتحديد نطاقها كما أنها وجدت الحماية الكاملة في التطبيق العملي خاصة في العهد النبوي الشريف وفترة عودة الخلافة السلطوية إلى وصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
لقد جاء الإسلام ليرفع الإصر والأغلال عن الناس (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) (الأعراف الآية 157) ويرسخ دعائم الحريات، ويعتق رقاب الناس من ذل العبودية لغير الله، ويحفظ كرامة الإنسان (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) .
ولضمان حفظ الكرامة الإنسانية فقد شرع الفقه الإسلامي قوانين تضمن حرية وأمن الإنسان، حيث يرى الفقهاء أن كل إنسان بريء حتى تثبت إدانته، ولا يحق أخذ الاعتراف من أحد بالإكراه والإجبار، والضرب والتعذيب وما أشبه ذلك، كما أن الفقه الإسلامي رأى عدم جواز تفتيش عقائد الناس، فكذلك لا يجوز للسلطات الحاكمة التفتيش عن سائر شؤونهم، فإذا كان رجل مع امرأة ـ مثلاً ـ فلا يفتش عن أنها هل هي زوجته أو ذات محرمه أو لا، لأن الأصل في كل فعل من أفعال الإنسان مُسلماً أو غيره، هو: أن يحمل على الصحيح.
لقد تلاعبت الدول المستبدة بالكثير من الحقوق الإنسانية، وسلبت منها الكثير تحت مسميات عديدة كان أبرزها (الأمن) فبسم الأمن يكون الإنسان عرضة للاعتقال في أي لحظة ويدخل في دوامة من المعاناة و(البهدلة) لا حصر لها، ويتعرض خلالها إلى أبشع وأقصى درجات سحق الكرامة الإنسانية.
فحدوث جريمة ما صغيرة كانت أم كبيرة قد تعرض العشرات من المواطنين إلى السجن والتعذيب، وقد يكون التعذيب نفسي أو جسدي وقد يصل في أسوأ الأمور إلى العنف الجنسي، ويصل الأمر لاعتراف العشرات تحت ضغوط التعذيب بنفس الجريمة وبسيناريوهات مختلفة وغير متطابقة وذلك طبعاً للتخلص من حفلة التعذيب وإن كانت بالاعتراف بجرم لم يقترفه.
فالذريعة (بالأمن) كانت أحد أبرز أسباب اكتضاض سجون العالم الإسلامي بمئات الشبان المؤمنين المعارضين لأنظمتهم سلمياً، وتعرضهم لشتى أنواع صور التعذيب، ولعل القليل الذي خرج من قصص سجن الطاغوت العراقي المقبور ونظام الشاهنشاه الهالك في إيران يبرز فداحة القسوة التي يرتكبها الحكام المستبدين ضد رجال الحق ودعاة الإسلام.
وحيث مازال الاختلاف بين درجات أهمية (الحرية) و(الأمن) حيث يضع هرم مراتب الحاجات ماسلو ترتيب الأمن قبل الحرية، يرد الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون "إنّ الدولة التي تتخلى عن الحرية من أجل الأمن تفقدهما معاً".
ولكي نصل إلى نتيجة في تحديد الأهمية علينا الوقوف للتعريف بأهمية أدوار كل من (الدولة والأمن والحرية) لنصل إلى جواب سؤالنا ( الأمن أم الحرية؟!).