فهل يمكننا أن نقتدي ونهتدي بمعاوية ومروان، وعمرو بن العاص، والوليد بن عقبة، وإضرابهم في لعنهم علياً والحسن والحسين عليهم السلام وغيرهم.. باعتبار أن معاوية وهؤلاء هم من تلك النجوم التي بأيها نقتدي ونهتدي ؟!..
وهل يمكننا أن نهتدي بالحكم بن أبي العاص طريد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ وبالوليد بن عقبة الفاسق بنص القرآن الكريم، والذي نزل فيه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ والذي شرب الخمر في عهد عثمان، وصلى بالناس وهو سكران
وهل يصح أن نقتدي ونهتدي بكل أولئك المنافقين، الذين كانوا على عهد الرسول (ص)؟ أم يعقل أنهم أصبحوا بمجرد موته (ص) عدولاً أبراراً إن ذلك لعجيب وعجيب حقاً !!..
وهل يمكن أن نقتدي ونهتدي بأولئك الذين ارتكبوا أعظم المنكرات سواء في حياة النبي أو بعد وفاته؟!..
فها نحن نرى بعضهم قد شرب الخمر في أيام عمر، واقام عليه عمر الحد، وهو قدامة بن مظعون(*) مع أنه كان صحابياً، بل وبدرياً أيضاً، ومن السابقين الاولين، وقد هاجر الهجرتين.
(*) الإصابة ج3 ص228/229 والاستيعاب بهامشها ج3 / ص361 وأسد الغابة ج4 ص199 وشرح النهج ج20 ص23.
كما وشربها أيضاً عبد الرحمن بن عمر – وعبد الرحمن قد عاصر الرسول(ص) – وأقام عليه أبوه الحد، ومات من جراء ذلك، وقضيته أشهر من أن تذكر (*)
(*) الإصابة ج3 ص72 والاستيعاب بهامشها ج2 ص403 وأسد الغابة ج4 ص312 وشرح النهج للمعتزلي ج20 ص23
واتهم المغيرة بالزنا، وشهد عليه ثلاثة، وتردد الرابع – وهو زياد بن أبيه – وتردده هو الذي درأ الحد عن المغيرة، وليس كون المغيرة صحابياً مع ان المغيرة كان من المبايعين تحت الشجرة أيضاً، وهي المعروفة ببيعة الرضوان.
وكان أبو محجن يزني،ويشرب الخمر، وقد جلده عمر سبعاً أو ثماني مرات لذلك ونفاه
وارتد طليحة بن خويلد عن الإسلام وادعى النبوة
وكان سمرة بن جندب يبيع الخمر في عهد عمر وهو احد الثلاثة الذي قال لهم النبي(ص) : آخركم موتاً في النار.
وحد النبي نعيمان ثلاث مرات في الخمر، وطلب عمر قتله في الرابعة، فلم يقبل منه مع أن نعيمان قد شهد
ومعاوية – وما أدراك ما معاوية بائع الأصنام - يجعل رأي نفسه مقدماً على قول الرسول الذي لا ينطق عن الهوى، فإنه عندما باع بيعاً ربوياً، واعترض عليه أبو الدرداء بقوله : سمعت رسول الله(ص) ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل فقال معاوية : ما ارى بهذا باساً. فقال ابو الدرداء : من يعذرني من معاوية ؟ أنا أخبره عن رسول الله(ص) ويخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها، ثم قدم ابو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبع ذلك إلا مثلاً بمثل وزناً بوزن .
ومعاوية يسم الحسن عليه السلام ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ويفعل غير ذلك من امور شنيعة كقتله حجر بن عدي، وعمرو بن الحمق الخزاعي إلى آخر قائمة ضحايا معاوية الطويلة، فقد قتل في صفين فقط من اهل بيعة الرضوان 63 رجلاً منهم عمار ومن البدرين 25 رجلاً
ولقد نسي الناس أن الصحابة كانوا يتهمون أقرانهم بالفسق تارة، وبالردة والكفر أخرى – كما فعل بمالك بن نويرة الصحابي – ونسي الناس أيضاً : أن الصحابة أنفسهم قد ثاروا على خليفتهم عثمان وقتلوه، أو شاركوا في التأليب عليه، وإثارة الناس ضده. وكيف ينسى دور عائشة وطلحة، والزبير، وولده عبد الله، وعمرو بن العاص، وغيرهم في ذلك، وبعد أن قتلوه تركوه ثلاثة أيام بلا دفن، حتى دفن في " حش كوكب " مقبرة اليهود. فكيف جاز لهؤلاء الصحابة مخالفة نص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الصحابة ؟ ولماذا لم يراعوا عدالتهم وهداهم ؟!.
وأخيراً.. فإن عمر نفسه يصرح بوجود المنافقين في الصحابة حين وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد أخرج ابن المنذر، عن ابي هريرة قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام عمر بن الخطاب فقال : إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي وتقدم تصريح أبي بكر بذلك.. إلى غير ذلك مم تضيق به كتب التاريخ، ومجاميع الحديث والرواية
ويكفي أن نذكر ان البلاذري قد ذكر في أنساب الأشراف أسماء المنافقين، واستغرقت عشر صفحات كاملة ج2 ص274 حتى ص283.
وختاماً ننقل كلام حذيفة بن اليمان (وهو صاحب سر رسول الله وعرّفه صلى الله عليه وآله وسلم المنافقين) عن صحيح البخاري في كتاب الفتن : " إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون ".
وبعد هذا.. فهل يصح أن يقال : إن حديث : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " صحيح، ويجب العمل به ؟
وهل يصح الاقتداء حقاً بكل صحابي، وفي جميع أفعاله وأقواله، حتى من لم ير النبي(ص)، إلا مدة يسيرة كيوم أو شهراً، أو شهرين مثلاً ؟
وهل مجرد رؤيته له (ص) تجعله لا يتعمد ذنباً، ولا يميل إلى معصية ؟.
وإذا كان الصحابي كلهم عدولاً أتقياء.. فلماذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكذبهم في أقوالهم، ويتبرّأ من كثير من أفعالهم ؟
وهذه كتب السير والحديث والمغازي بين أيدينا وفيها ما لا يحد بحد، ولا يعد بعد.. ولماذا يقولون إنه صلى الله عليه وآله وسلم قد جلد الذين قذفوا أم المؤمنين، بعد أن نزلت الآية ببراءتها، مع انهم من صحابته، وفيهم من هو بدري أيضاً ؟!
وإذا كان الصحابة كلهم عدولاً، مطهرين، منزهين، فلماذا تقام عليهم الحدود وتجري عليهم القصاصات، سواء في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو بعد وفاته ؟
وكيف تقبل الشهادة ضدهم، وكيف يهتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقضية الإفك ؟
وإذا كان حديث النجوم هذا صحيحاً، فهل من المعقول أن نعتبر أهل الشام وفيهم من الصحابة أمثال معاوية وعمرو بن العاص مهتدين في حربهم علياً في صفين، في نفس الوقت الذي نعتبر فيه علياً وأهل العراق، مهتدين في حربهم لأهل الشام ؟!!.
وإذا كان الخطاب بقوله : " بأيهم اقتديتم اهتديتم " للصحابة، فمن منهم الموصى أن يهتدي ويقتدي ؟ ومن منهم الذي يكون الإقتداء والاهتداء به.
وبعد هذا.. وإذا كان الحق واحداً، وواحداً فقط، فبمن نقتدي ونهتدي من الصحابة، الذين لا يزالون مختلفين في أكثر الأشياء، ويكذب بعضهم بعضاً، ويعبر بعضهم عن سوء رأيه بالآخر
وإذا كان حديث النجوم هذا صحيحاً، فلماذا عندما أعلن سب أعظم صحابي على آلاف منابر المسلمين، عشرات السنين وكان بعض الصحابة المتهالكين على الدنيا يشاركون في ذلك ويشارك أيضاً التابعون – الذين يقولون : إن قرنهم خير القرون – لماذا لم نجد من يعترض على ذلك بأنه ينافي عدالة الصحابة ونزاهتهم، ولم نجد من التابعين من قال أيها الناس لقد خالفتهم قول رسول الله(ص) : " أصحابي كالنجوم.. " مع ان كثيراً منهم ليس فقط قد شارك في سب الصحابة الأبرار ولعنهم، وإنما شارك في قتلهم وسفك دمائهم، ومحاربتهم.
نعم..لقد سب علي عليه السلام على المنابر مع أن الرسول(ص) قد قال : " من سب علياً فقد سبني " ولم نجد من يعترض على ذلك بمنافاته لعدالة الصحابي، ولا بحديث النجوم، وإنما كانت اعتراضات المعترضين وصرخات المخلصين تحاول التذكير بمواقف علي، وبأقوال الرسول فيه، وبالآيات الواردة في حقه، والتي لم يعبأ بها المزيفون وأهل الدنيا، وطلاب اللبانات.
وفي الختام: إننا نود أن نذكركم بأن نقد الشيعة للصحابة ليس إلا لإحياء القيم الإسلامية وتقدير كل أحد منهم بمقدار ما يتوفر لديه من المكارم والفضائل والتقوى والعلم والشرف والشجاعة والطاعة والإتباع والكرامة والنجدة والعظمة والبخوع وللحق مضادة الباطل وكراهة العصيان وإقامة السنة وإبادة البدعة وترويج الحق ومحق الباطل والحض على الخيرات ودحض المنكرات. وما تتبعه الشيعة في معتقداتها معتضد بالعقل والنقل (يعني الكتاب والسنة النبوية كما جاء في كتب الشيعة وأهل السنة)، وهم يناقشون الأحاديث ويميزون الغث من السمين ويتركون ذلك ويتمسكون بهذا، ومن نظر في كتبهم الكلامية يلمس هذه الحقيقة. وبهذه المناسبة تراهم يحبون جمعاً من الصحابة لا يستهان بعددهم من أولي الفضيلة الذين اجتمعوا حول أمير المؤمنين علي عليه السلام كسلمان الفارسي وأبي ذر والمقداد وعمار بن ياسر وآخرين كثيرين مذكورين في كتبهم ولكن لا يمكنهم إطراء الفئة التي ذكرناها لك من تلك الناحية ولكل قوم سنة وإمامها.
من كلام للمحقق جعفر مرتضى العاملي