في نظر أهل السنة: القياس، هو البديل الأول عن العترة الطاهرة عليهم السلام!!!
بتاريخ : 18-05-2011 الساعة : 12:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله عز وجل: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ}
السنة هي المصدر الثاني للتشريع، وهي: قول المعصوم وفعله وتقريره، والمعصوم عند الشيعة الإمامية هو النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الإثنا عشر والزهراء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أما عند أهل السنة فلا معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله!!!
قال العلامة الشيخ المظفر أعلى الله مقامه: أما فقهاء (الإمامية) بالخصوص، فلما ثبت لديهم أن المعصوم من آل البيت يجري قوله مجرى قول النبي من كونه حجة على العباد واجب الاتباع فقد توسعوا في إصطلاح السنة إلى ما يشمل قول كل واحد من المعصومين أو فعله أو تقريره، فكانت السنة باصطلاحهم: (قول المعصوم أو فعله أو تقريره) والسر في ذلك: أن الائمة من آل البيت عليه السلام ليسوا هم من قبيل الرواة عن النبي والمحدثين عنه ليكون قولهم حجة من جهة أنهم ثقاة في الرواية، بل لأنهم هم المنصوبون من الله تعالى على لسان النبي لتبليغ الأحكام الواقعة، فلا يحكمون إلا عن الأحكام الواقعية عند الله تعالى كما هي، وذلك من طريق الإلهام كالنبي من طريق الوحي، أو من طريق التلقي من المعصوم قبله، كما قال مولانا أمير المؤمنين (ع) : (علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من العلم ينفتح لي من كل باب ألف باب) وعليه فليس بيانهم للأحكام من نوع رواية السنة وحكايتها، ولا من نوع الاجتهاد في الرأي والاستنباط من مصادر التشريع، بل هم أنفسهم مصدر للتشريع، فقولهم (سنة) لا حكاية السنة، وأما ما يجئ على لسانهم أحيانا من روايات وأحاديث عن نفس النبي صلى الله عليه وآله، فهي إما لأجل نقل النص عنه كما يتفق في نقلهم لجوامع كلمه، وإما لأجل إقامة الحجة على الغير، وإما لغير ذلك من الدواعي.
أصول الفقه ج 2 ص 57
وقد رجع اتباع أهل البيت عليهم السلام "أي الشيعة" بعد وفاة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله إلى أهل البيت عليهم السلام في أخذ الأحكام الشرعية، عملا بحديث الغدير وحديث الثقلين وحديث سفينة نوح وحديث مدينة العلم... الخ فلم تواجههم أي مشكلة أو صعوبة أمام التعرف على حكم الله الواقعي...
أما من ابتعد عن أهل البيت عليهم السلام، فإنهم رأوا أنفسهم أمام مشكلة حقيقية في ظل الفراغ الذي تركه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، فهم من جهة لا يريدون الاتصال بأهل البيت عليهم السلام بالرغم من معاصرتهم لهم، ومن جهة أخرى لديهم فقر في كمية أحاديث الأحكام التي حفظوها عن رسول الله صلى الله عليه وآله...
1 - عدد أحاديث الأحكام لدى الإمامية:
استغنى الشيعة الإمامية عن العمل بالقياس والرأي، بما منّ الله سبحانه وتعالى عليهم يه من أقوال أهل البيت عليهم السلام، الذين أمر النبي صلى الله عليه وآله بالتمسك بهم بحسب حديث الثقلين وحديث سفينة نوح وغير ذلك، فبلغت الروايات الواردة في الأحكام التي جمعها المحدث الحر العاملي رضي الله عنه في كتابه الجليل "وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة" (35.868) رواية حسب ترقيم مؤسسة آل البيت عليهم السلام...
هذا فضلا عن الروايات التي لم تصل إلينا فالفقيه الجليل محمد بن مسلم رضي الله عنه قد سمع من الإمام الباقر عليه السلام (30.000) حديث، قال الكشي قدس سره: قال محمد بن مسعود، حدثني علي بن محمد، قال: حدثني محمد ابن أحمد عن عبد الله بن أحمد الرازي، عن بكر بن صالح، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: أقام محمد بن مسلم بالمدينة أربع سنين يدخل على أبي جعفر عليه السلام يسأله، ثم كان يدخل على جعفر بن محمد يسأله، قال ابن أحمد: فسمعت عبد الرحمن بن الحجاج، وحماد بن عثمان يقولان: ماكان أحد من الشيعة أفقه من محمد بن مسلم. قال، فقال محمد بن مسلم: سمعت من أبي جعفر عليه السلام ثلاثين ألف حديث ثم لقيت جعفرا ابنه فسمعت منه أو قال: سألته عن ستة عشر الف حديث أو قال: مسألة.
اختيار معرفة الرجال ج 1 ص 391
والفقيه العظيم أبان بن تغلب رضي الله عنه روى عن الإمام الصادق عليه السلام مثل ذلك، قال النجاشي قدس سره: أخبرنا أبو الحسين علي بن أحمد قال: حدثنا محمد بن الحسن، عن الحسن بن متيل، عن محمد بن الحسين الزيات، عن صفوان بن يحيى وغيره، عن أبان بن عثمان عن أبي عبدالله عليه السلام: إن أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث، فاروها عنه.
رجال النجاشي ص 12
2 - عدد أحاديث الأحكام لدى أهل السنة:
ذكر صاحب كتاب "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" أن عددها 500 رواية، قال: وآي الأحكام كما ذكره البندنيجي والماوردي وغيرهما خمسمائة آية، وعن الماوردي أن عدد أحاديث الأحكام خمسمائة كعدد الآي. الإقناع ج 2 ص 261
أما ابن حجر العسقلاني فإنه جمع كل أحاديث الأحكام في كتاب "بلوغ المرام" فبلغ عددها (1.477) رواية فقط، قال محمد عبدالعزيز الخولي (محقق كتاب سبل السلام) في المقدمة:
التعريف ببلوغ المرام وشرحه سبل السلام: بسم الله الرحمن الرحيم "بلوغ المرام" كتاب جمع فيه الحافظ ابن حجر كل الأحاديث التي استنبط الفقهاء منها الأحكام الفقهية، مبينا عقب كل منها من أخرجه من أئمة الحديث كالبخاري ومسلم ومالك وأبي داود وغيرهم، موضحا درجة الحديث من صحة أو حسن أو ضعف، مرتبا له على أبواب الفقه، وضم إلى ذلك في آخر الكتاب قسما مهما في الآداب والأخلاق والذكر والدعاء.
فجاء محمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني، وشرح ذلك الكتاب فبين لغته وسبب الضعف فيما ضعفه الحافظ ابن حجر أو أنكره أن وهمه أو أعله الخ.
مقدمة المحقق لكتاب سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام
قلت: ولعل القول بأن عددها 500 رواية ناظر للأحاديث الصحيحة فقط، أما ابن حجر فقد ذكر كل أحاديث الأحكام بما فيها الضعيف، والله أعلم.
القياس هو الحل الرئيسي لهذه المشكلة:
اخترع أهل السنة مصادرا جديدة للتشريع، كالاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع، وأهمها القياس، وهو لا يفيد العلم بل يفيد الظن، وكثيرا ما يكون القياس مخالفا لنصوص الكتاب والسنة، ولكن ليس لديهم خيار آخر!!!
قال الشافعي: ونحكم بالإجماع، ثم القياس، وهو أضعف من هذا، ولكنها منزلة ضرورة، لأنه لا يحل القياس والخبر موجود، كما يكون التيمم طهارة في السفر عند الإعواز من الماء، ولا يكون طهارة إذا وجد الماء، إنما يكون طهارة في الإعواز، وكذلك يكون ما بعد السنة حجة إذا أعوز من السنة.
الرسالة ص 599
وهذا يؤكد ما ذكرته من أن عملهم بالقياس إنما هو للضرورة، وإلا فإنهم يدركون أن القياس لا يفيد العلم على الإطلاق، وإنما هو مجرد ظن {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}...
موقف جمهور أهل السنة من القياس:
اختلف علماء السنة في حجية القياس، فهناك من حرم العمل به، كداود بن علي، وابن أبي عاصم، وعبدالمؤمن بن خلف، وابن حزم، وهناك من أوجب العمل به وهو مذهب جمهور أهل السنة:
1 - فقال أبو بكر السرخسي: مذهب الصحابة ومَنْ بعدهم من التابعين والصالحين والماضين من أئمة الدين رضوان الله عليهم جواز القياس بالرأي على الأصول التي تثبت أحكامها بالنص لتعدية حكم النص إلى الفروع جائز مستقيم يدان الله به، وهو مدرك من مدارك أحكام الشرع ولكنه غير صالح لإثبات الحكم به ابتداء.
وعلى قول أصحاب الظواهر هو غير صالح لتعدية حكم النص به إلى ما لا نص فيه والعمل باطل أصلا في أحكام الشرع.
وأول من أحدث هذا القول إبراهيم النظام، وطعن في السلف لاحتجاجهم بالقياس ونسبهم بتهوره إلى خلاف ما وصفهم الله به، فخلع به ربقة الاسلام من عنقه، وكان ذلك منه إما للقصد إلى إفساد طريق المسلمين عليهم، أو للجهل منه بفقه الشريعة.
أصول السرخسي ج 2 ص 118
2 – وقال ابن حزم: الباب الثامن والثلاثون: في إبطال القياس في أحكام الدين: ذهب طوائف من المتأخرين من أهل الفتيا إلى القول بالقياس في الدين، وذكروا أن مسائل ونوازل ترد لا ذكر لها في نص كلام الله تعالى، ولا في سنة رسول الله (ص) ولا أجمع الناس عليها، قالوا: فننظر إلى ما يشبهها مما ذكر في القرآن، أو في سنة رسول الله (ص) فنحكم فيما لا نص فيه ولا إجماع، بمثل الحكم الوارد في نظيره في النص والإجماع، فالقياس عندهم هو أن يحكم لما لا نص فيه ولا إجماع، بمثل الحكم فيما فيه نص أو إجماع، لاتفاقهما في العلة التي هي علامة الحكم، هذا قول جميع حذاق أصحاب القياس، وهم جميع أصحاب الشافعي وطوائف من الحنفيين والمالكيين، وقالت طوائف من الحنفيين والمالكيين: لاتفاقهما في نوع من الشبه فقط، وقال بعض من لا يدري ما القياس ولا الفقه من المتأخرين وهو محمد بن الطيب الباقلاني: القياس هو حمل أحد المعلومين على الآخر في إيجاب بعض الأحكام لهما أو إسقاطه عنهما من جمع بينهما بأمر أو بوجه جمع بينهما فيه.
قال علي: وهذا كلام لا يعقل، وهو أشبه بكلام المرورين منه بكلام غيرهم، وكله خبط وتخليط، ثم لو تحصل منه شيء، وهو لا يتحصل، لكان دعوى كاذبة بلا برهان، وأطرف شيء قوله: أحد المعلومين فليت شعري، ما هذان المعلومان ومن علمهما؟ ثم ذكر إيجاب بعض الأحكام أو إسقاطه وهما ضدان، ثم قال: من جمع بينهما بأمر أو بوجه جمع بينهما فيه وهذه لكنةٌ وعيٌ وتخليطٌ ونسأل الله السلامة، وإنما أوردناه ليقف على تخليطه كل من له أدنى فهم، ثم نعود إلى ما يتحصل منه معنى يفهم، وإن كان باطلا من أقوال سائر أهل القياس...
الإحكام في أصول الأحكام ج 7 ص 929
لا توجد لديهم ضابطة للقياس:
قال ابن حزم: وقد عارضناهم في كل قياس قاسوه بقياس مثله وأوضح منه على أصولهم لنريهم فساد القياس جملة، فموه منهم مموهون بأن قالوا: أنتم دأبا تبطلون القياس بالقياس، وهذا منكم رجوع إلى القياس، واحتجاج به وأنتم في ذلك بمنزلة المحتج على غيره بحجة العقل ليبطل حجة العقل، وبدليل من النظر ليبطل به النظر.
قال علي: فقلنا هذا شعب سهل إفساده ولله الحمد، ونحن لم نحتج بالقياس في إبطال القياس، ومعاذ الله من هذا، لكن أريناكم أن أصلكم الذي أثبتموه من تصحيح القياس يشهد بفساد جميع قياساتكم، ولا قول أظهر باطلا من قول أكذب نفسه، وقد نص تعالى على هذا فقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم} فليس هذا تصحيحا لقولهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، ولكن إلزام لهم ما يفسد به قولهم، ولسنا في ذلك كمن ذكرتم ممن يحتج في إبطال حجة العقل بحجة العقل، لكن فاعل ذلك مصحح لقضيته العقلية التي يحتج بها، فظهر تناقضه من قريب ولا حجة له غيرها، فقد ظهر بطلان قوله، وأما نحن فلم نحتج قط في إبطال القياس بقياس نصححه، لكن نبطل القياس بالنصوص وببراهين العقل، ثم نزيد بيانا في فساده منه نفسه، بأن نرى تناقضه جملة فقط، والقياس الذي نعارض به قياسكم نحن نقر بفساده وفساد قياسكم الذي هو مثله أو أضعف منه، وكما نحتج على أهل كل مقالة من معتزلة ورافضة ومرجئة وخوارج ويهود ونصارى ودهرية من أقوالهم التي يشهدون بصحتها، فنريهم تفاسدها وتناقضها، وأنتم تحتجون عليهم معنا بذلك، ولسنا نحن ولا أنتم ممن يقر بتلك الأقوال التي نحتج عليهم بها، بل هي عندنا في غاية البطلان والفساد، وكاحتجاجنا على اليهود والنصارى من كتبهم التي بأيديهم، ونحن لا نصححها بل نقول انها لمحرفة مبدلة، لكن لنريهم تناقض أصولهم وفروعهم، لاسيما وجميع أصحاب القياس مختلفون في قياساتهم، لا تكاد توجد مسألة إلا وكل طائفة منهم تأتي بقياس تدعي صحته تعارض به قياس الأخرى، وهم كلهم مقرون مجمعون، على أنه ليس كل قياس صحيحا، ولا كل رأى حقا، فقلنا لهم، فهاتوا حد القياس الصحيح، والرأي الصحيح الذي يتميزان به من القياس الفساد والرأي الفاسد، وهاتوا حد العلة الصحيحة التي لا تقيسون إلا عليها من العلة الفاسدة، فلجلجوا!!!
المحلى ج 1 ص 57
نماذج من تناقضاتهم في القياس:
قال ابن حزم: فصل: في ذكر طرف يسير من تناقض أصحاب القياس في القياس، يدل على فساد مذهبهم في ذلك إن شاء الله تعالى:
قال أبو محمد علي بن أحمد رضي الله عنه:
- أكثرهم لم يقس الماء الوارد على النجاسة على الماء الذي ترد عليه النجاسة، وفرقوا بينهما بغير دليل.
- وبعضهم لم يقس وجوب إراقة ما ولغ فيه الكلب على وجوب غسل الإناء من ولوغ الكلب فيما ولغ فيه، ولم يقيسوا الماء في ذلك على غير الماء.
- وأكثرهم فرق بين الماء الذي تقع فيه النجاسة، وبين المائعات التي تقع فيها النجاسات، فيجدوا مقدارا إذا بلغه الماء لم ينجس، ولم يجدوا في سائر المائعات شيئا البتة وإن كثرا.
- وبعضهم قاس سائر المائعات في ذلك على الماء في حد المقدار وهو أبو ثور.
- وبعضهم فرق بين حكم الماء في البئر، وبين الماء في غير البئر، ولم يقس أحدهما على الآخر اتباعا، زعم، لقول بعض العلماء في ذلك. وهو قد عصى قول رسول الله (ص) وجماعة من الفقهاء، في المصراة والمسح على العمامة، وفي أزيد من ألف قضية، نعم وحكم القرآن، وفرق أيضا بين أحكام الجيف الواقعة في التيار، وبين أحكامها وأحكام سائر النجاسات ولم يقس بعضها على بعض.
- وبعضهم قاس الخنزير على الكلب في حكم الغسل مما ولغ فيه كلاهما في الواحد أو السبع، وبعضهم لم يقس أحدهما على الآخر.
- وبعضهم قاس الماء بحكم الوالغ فيه مما يحرم أكله أو يحل أو يكره، وبعضهم لم يقس ذلك.
- وبعضهم قاس ما لا دم له من الميتات على ماله دم، فرأى كل ذلك ينجس ما مات فيه، وبعضهم لم ير ذلك.
- وبعضهم قاس العقارب والخنافس والدود المتولد في القول على الذباب، ولم يقسها على الوزغ وشحمة الارض والعظماء وصغار الفيران.
- وبعضهم قاس عذر ما يؤكل لحمه من الدواب وأبوالها على لحومها، ولم يقسها على دمائها، ولم يقسها على لحومها.
- وبعضهم قاس ذنب الكلب ورجله على لسانه، وبعضهم لم يقس ذلك.
- وأكثرهم قاس إباحة المسح على الجبائر على المسح على الخفين، ولم يقيسوا إباحة مسح العمامة على الرأس، وعلى المسح على الخفين، وبعضهم قاس ذلك، وكلهم فيما نعلم لم يقس نزع الخفين بعد المسح على حلق الشعر وقطع الاظفار بعد المسح والغسل وبعضهم لم يقس إباحة الصلاة الفريضة بتيمم النافلة على إباحة الصلاة النافلة بتيمم الفريضة، وبعضهم قاس ذلك.
- وتناقض الأولون فقاسوا جواز صلاة المتوضئين خلف المتيمم على جواز صلاة المتيممين خلف المتوضئ، على أن الخلاف في تسوية كلا الامرين مشهور.
- ومن طرائف قياس بعضهم إيجابه أن تستطهر الحائض بثلاث قياسا على انتظار ثمود صيحة العذاب ثلاثا، على المصراة، أفلا يراجع بصيرته من يقيس هذا القياس السخيف. فيمنع به خمس عشرة صلاة فريضة، ويوجب به إفطار ثلاثة أيام من رمضان، من أن يقيس مسح العمامة على مسح الخفين.
الإحكام في أصول الأحكام ج 8 ص 1086
ثم استمر ابن حزم في ذكر أمثلة من تناقضاتهم في (21) صفحة ثم قال: فيما ذكرنا كفاية، على أننا لم نكتب من تناقضهم في القياس، وتركهم في القياس، وتركهم له، إلا جزءا يسيرا جدا من أجزاء عظيمة جدا، ولو تقصينا ذلك لقام منه ديوان أعظم من جميع ديواننا هذا كله.
الإحكام في أصول الأحكام ج 8 ص 1107
موقف الإمامية من القياس:
ورد النهي المغلّظ عن العمل بالقياس، في أحاديث أهل بيت العصمة والطهارة عليهم الصلاة والسلام، فروى الشيخ الكليني رحمه الله عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن عبدالرحمن بن الحجاج، عن أبان بن تغلب عن أبي عبدالله عليه السلام قال:
إن السنة لا تقاس، ألا ترى أن امرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها؟ يا أبان! إن السنة إذا قيست محق الدين.
الكافي ج 1 ص 57
وقال السيد الإمام الخوئي رحمه الله: وقد بلغت الروايات المانعة عن العمل بالقياس إلى: خمسمائة رواية تقريبا.
مصباح الأصول ج 2 ص 196
وقال شيخ الإمامية المفيد أعلى الله مقامه: فأما القياس والرأي: فإنهما عندنا في الشريعة ساقطان، لا يثمران علما، ولا يخصان عاما، ولا يعممان خاصا، ولا يدلان على حقيقة.
التذكرة بأصول الفقه ص 38
كلمة قيمة للعلامة الشيخ المظفر قدس سره نختم بها البحث:
قال: الباب الثامن: القياس: تمهيد: وعلماء الإمامية -تبعا لآل البيت عليهم السلام- أبطلوا العمل به، ومن الفرق الأخرى أهل الظاهر المعروفين ب (الظاهرية) أصحاب داود بن خلف إمام أهل الظاهر، وكذلك الحنابلة لم يكن يقيمون له وزنا. وأول من توسع فيه في القرن الثاني ابو حنيفة (رأس القياسيين) وقد نشط في عصره، وأخذ به الشافعية والمالكية.
ولقد بالغ به جماعة فقدموه على الإجماع، بل غلا آخرون فردوا الأحاديث بالقياس، وربما صار بعضهم يؤول الآيات بالقياس، ومن المعلوم عند آل البيت عليهم السلام أنهم لا يجوزون العمل به، وقد شاع عنهم: (إن دين الله لا يصاب بالعقول) و (إن السنة إذا قيست محق الدين).
بل شنوا حربا شعواء لا هوادة فيها على أهل الرأي وقياسهم ما وجدوا للكلام متسعا.
ومناظرات الإمام الصادق (ع) معهم معروفة، لا سيما مع أبي حنيفة، وقد رواها حتى أهل السنة إذ قال له فيما رواه ابن حزم (اتق الله ولا تقس، فإنا نقف غدا بين يدي الله فنقول: (قال الله وقال رسوله) وتقول أنت وأصحابك: سمعنا ورأينا).
والذي يبدو أن المخالفين لآل البيت الذين سلكوا غير طريقهم ولم يعجبهم أن يستقوا من منبع علومهم أعوزهم العلم بأحكام الله وما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله، فالتجأوا إلى أن يصطنعوا الرأي والإجتهادات الإستحسانية للفتيا والقضاء بين الناس، بل حكّموا الرأي والإجتهاد حتى فيما يخالف النص، أو جعلوا ذلك عذرا مبررا لمخالفة النص، كما في قصة تبرير الخليفة الأول لفعلة خالد بن الوليد في قتل مالك بن نويرة وقد خلا بزوجته ليلة قتله، فقال عنه: (إنه اجتهد فأخطأ) وذلك لما أراد الخليفة عمر بن الخطاب أن يقاد به ويقام عليه الحد.
أصول الفقه ج 2 ص 161