ان حركة المسلمين ما دامت حركة شعبية بعيدة عن المشارك في النظام المستبد الظالم وبعيدة عن التفاوض معه على ظلمة وطغيانة ايضا فهي بهذا الشكل تملك قوة خاصة وهيبة خاصة في نفس المستعمر والنظام وتبقى رعبا موحشا له لانه لا يستطيع ان يقدر قوتها الحقيقية من هناوبهذا النمط الحركي الضمني استطاعوا الشيعة ان يعيشو هذه القوة منذو مظلمة السقيفة لم يحصروا نضالهم ضد الجور والطغيان بالثورات المسلحة ولم يقتصرو على هذا الجانب بل راوا ان مقاومة الجور والطغيان يجب ان تكون في ميدانين متنوعة .. الميدان المسلح كان حل استثنائي للدعوة الاسلامية ككل والميدان الثاني هو ميدان توعية الشعب ببث العلم وتثقيف الفكر وبعث حركة التاليف بعد ان اماتها منع التدوين باوامرسلطوية فنجحوا في ذلك كل النجاح فكان منهم العاملون في ميدان السياسة الثورية والعاملون في ميدان القتال الثوري،والعاملون في ميدان العلم والفكر والشعر.من هنا لا يعني انشغال المرجعية بحركة العبادات في حياة الناس والمجتمع وفي بناء الاسس الجديدة للمجتمع انها انصرفت تماما عن السياسة وعن الاهتمام بشؤون الامة.ف لقد درس عدد كبير من المحققين المراحل التاريخية لحركة الفقة الشيعي التغييرية فتوصل بعضهم الى ان نظرية الحكم لم تناقش وان مسائل السياسة لم تبحث لكن الحقيقة غيرذلك تقريبا انما وجود ذلك ابتداء من الشيخ المفيد وحتى بداية الدولة الصفوية وهي وان لم تذكر كعنوان خاص لكن وجدت في مباحث لان مسالة الحكم لم تكن معقدة ومتشعبة كما هي حاليا من وجود مجلس للشعب وسلطة قضائية وتنظيم اداري ومالي ورقابة متعددة وآليات للعلاقة بين السلطات او الفصل بينها واليات العلاقات الدولية وقوانينها والحقيقة فانة للمرة الاولى في التاريخ يكون المذهب الشيعي الامامي الدين الرسمي لبلد من البلاد كان ذلك في الدولة الصفوية التي قامت في ايران سنة(907 ه/1501م) حيث اثرت جذريا على التطور الشيعي على مستوى عامة الناس وعلى مستوى التفكير الفقهي وقد وجد التشيع وفقهه في الدولة الصفوية البيئة الاجتماعية آالسياسية المناسبة التي طالما افتقر اليها والاستعداد الاممي فتطورت مكانة الفقيه والمرجعية ودورها في الشان العام بعدما تكرست صفته كنائب عن الامام ومانح للشرعية وكان نشر التشيع في ايران من اهم المشروعات التي عمل لها الشاه اسماعيل بعدما اعلنه مذهبا رسميا ولانجاح مشروعة احتاج الى مساعدة العلماء والمراجع والمبلغين الذين كان الكبارمنهم يعيشون في كربلاء والنجف لذا فقد(يذكرالمحدث البحراني)) بان الصفويين دعواالمراجع و الفقهاء العامليين للعمل معه من ابرز الوجوه العلمائية في العصر الصفوي الشيخ نور الدين ابو الحسن العاملي الكركي الملقب تارة بالشيخ العلائي واخرى بالمحقق الثاني (868 940 ه) وقد كان وثيق الصلة بالشاه الصفوي اسماعيل وقد اقام في حياته واستمر مع ولده الشاه طهماسب حيث حصل على صلاحيات واسعة جدا ويذكرالمحدث البحراني ايضا «كان الكركي من علماء الشاه طهماسب الصفوي الذي جعل امور المملكة بيده وكتب رقما الى جميع الممالك بامتثال ما يامر به الشيخ وان اصل الملك انما هو له لانه نائب الامام فكان الشيخ يكتب الى جميع البلدان بدستورالعمل في الخراج وما ينبغي تدبيره في امور الرعية ويقال أن هذا النفوذ القوي للشيخ لدى الملك الشاب اغضب امراء البلاط واركان الحكم الذين صارعوا الكركي حتى اضطروه للعودة الى النجف وبعد رحيله حاول الشاه استرضاءه واقناعه بالعودة وكتب فرمانا طويلا ينص على تقليده صلاحيات اكبر مما كانت لديه من بينها حقه في تعيين او عزل اي موظف مدني اوعسكري ومنع المحاسبة الحكومية على املاكه والاوقاف التي تحت ولايته ومنحه ولايات ومصادر اموال مستقلة كما منع امراء البلاد من الرجوع الى اي فقيه آخر فيما يعارض آراءالشيخ لكن المحقق رفض ذلك وفضل البقاء في النجف الى ان توفيرحمة الله. لكن دوره رحمة الله كان ينحصر في تشخيص القضايا الشرعية (الفكر والعقيدة واعطا الفتيا) والادارة كانت بيد السلطان الحاكم لكن بتفويض منه للقيام بهذه المهمة. وفي العصر الحديث كانت الجماهير الشيعية المتوثبة تنتظر امر القيادة لتبدا ثورتها العامة ضد الالنكليز فاصدرالشيخ محمد تقي الشيرازي فتواه بدعوة تلك الجماهير الى الانطلاق الثوري فهبت من كل مكان تخوض ميادين القتال الضاري في حرب الاستعمار الانكليزي فعرف منها الانكليز مالم يعرفوه قبلها.. والحقيقة التاريخية عام 1920 انه في الوقت الذي كان فيه مجتهدو الشيعة يعلنون الجهاد ويمشون الى القتال كان نظراوهم من غير الشيعة في بغداد والموصل والبصرة يرتعون في بحبوبة العيش التي امنتها لهم ولابائهم من قبلهم الدولة العثمانية ويتجاهلون الهجوم الانكليزي ويعرضون عن فتوى الجهاد الذي اصدرها (شيخ الاسلام) في استنبول بوصفه الرئيس الروحي وصاحب ارفع منصب ديني في الدولة العثمانية...والسيد الاصفهاني الذي امضى شرط عدم التدخل في السياسة كما هو معلوم بالتاريخ الحديث والسيد حسين القمي والسيد حسن المدرس والشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء والسيد البرجوردي قاموا بنشاطات وادوار سياسية مختلفة عندما اقتضت الضرورة ذلك منهم ولعلنا نذكر هنا فترة المواجهة المباشرة مع السلطة ومنذ اوائل الخمسينات تقريبا بدا الطابع السياسي يظهر و يزداد ظهورا في اعمال المرجعية الاسلامي حركتها و التي بدات تطرح محورا جديدا هو محور معارضة النظام الحاكم ورفض سياستة بعنوان انطلاقا من مسوولية الانسان.. فالفرد يجب ان يكون دائما على اهبة الاستعداد للاسهام في الحكم العادل المنشودوالتصدي للحكم الظالم وذلك من طريق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون). فاذا امتنع الرعايا عن محاسبة الحاكمين او امتنعت العامة عن محاسبة الخاصة فان العذاب يطول الجميع فقد قال تعالى عن بني اسرائيل: (لولا ينهاهم الربانيون والاحبار عن قولهم الاثم واكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) وقد روى القرآن الكريم ان الذين افسدوا من ثمود عدد غير كبير فلما لم يتصد الاخرون عوقبواجميعا وذلك قوله تعالى (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولايصلحون.... دمرناهم وقومهم اجمعين ) ففي ايران ظهرت حركة فدائيان اسلام بقيادة السيد نواب صفوي.كما ظهرت حركة السيد ابي القاسم الكاشاني في معارضة الاحتكارات الاجنبية لصناعة النفط والدعوة الى تاميمه وتصدرمحور معارضة النظام اعمال المرجعية بحيث قام الامام الخميني بقيادة انتفاضة15 خرداد ضد النظام البهلوي وفي العراق بدا السيد محسن الحكيم مرجعيته في اوائل الخمسينات بمعارضة واضحة للنظام الملكي ما لبثت ان تبلورت بشكل اوضح ابان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م وفي مطلع العهد الجمهوري تم تاسيس جماعة العلماء وحزب الدعوة الاسلامية ليكونا نوعا ما ذراعي المرجعية في مواجهة النظام القائم.ومن المؤكد ان لكتابات المفكرين والعلماء الشيعة الاثر الكبير في بناء الوعي واعادة روحية الحركة والطموح للامة فقد اثرت كتابات الشهيد الصدر والعلامة الطباطبائي والشهيد مرتضى المطهري والعلامة محمد حسين فضل اللّه والشيخ محمد مهدي شمس الدين والعلامة مرتضى العسكري والحجة الشيخ محمد مهدي الاصفي والشيخ باقر شريف القرشي والشيخ عبد الهادي الفضلي وعلي شريعتي وآخرين المدرسة الاسلامية وادخلتها طورا جديدا وجعلت فكرة اقامة النظام الاسلامي تنطلق من قاعدة رصينة والحقيقة نلاحظ بالنسبة الى الفقهاء ان المحقق الثاني وكاشف الغطاء والملا احمد النراقي والميرزا القمي والشيخ فضل اللهالنوري ومحمد حسين النائيني الغروي وبخاصة سماحة الامام الخميني بسبب مواجهتهم للقضايا السياسية ولطبيعة (النظام السياسي)ومقوماته طرحوا افكارهم السياسية صراحة على العكس من الفقهاء الاخرين امثال الشيخ الانصاري وصاحب الجواهر وصاحب الشرائع والشيخ الطوسي وآية الله البروجردي الذين عالجوا هذه المسائل بشكل محدود جدا وفي حدود الضرورة ومتطلبات المرحلة لاغير. من هنا نلاحظ ان المرجعية الشيعية تحمل الهم الاسلامي وتعمل لتحكيم الدين في الحياة بالدرجة التي يؤمن بها حسب مداركة ومتبنياتة وهوبهذا يحمل مشروعاللتغيير فيكون انسانا رساليا يعمل لصالح المشروع الاكبر وهو الاسلام اي انه مطالب بالفعل الايجابي الذي يحقق مشروعه واهدافه في المجتمع ومن ثم فلا يجوز له هدر طاقته بالفعل السلبي الذي يستنزف ذاتهوطاقات الامة في ردات فعل او اسقاط مشاريع اخرى لا غير بل بحسابات مدروسة وبهدوء لما فيه الخير للامة وللبشرية جمعاء...........