المنهاج السادس لابن تيمية في الرد على العلامة الحلي النقض غير الوارد
والنقض أيضاً من الطّرق التي سلكها، ونحن نذكر موارد من هذا القبيل، فلاحظها بتدبّر واحكم على قائلها بما شاء الدين والعلم:
* قال ابن تيمية ـ دفاعاً عن طلحة والزبير في إخراجهما عائشة إلى حرب البصرة ـ «والمقصود هنا: إن ما يذكرونه من القدح في طلحة والزبير ينقلب بما هو أعظم منه في حق علي، فإن أجابوا عن ذلك بأنّ علياً كان مجتهداً فيما فعل، وأنه أولى بالحق من طلحة والزبير. قيل: نعم، وطلحة والزبير كانا مجتهدين...
فإن قالوا: هما أحوجا عليّاً إلى ذلك، لأنهما أتيابها، فما فعله علي مضاف إليهما لا إلى علي.
قيل: وهكذا معاوية، لمّا قيل له: قد قتل عمار، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: تقتلك الفئة الباغية، قال: أو نحن قتلناه؟ إنما قتله الذين جاءوا به حتى جعلوه تحت سيوفنا.
فإن كانت هذه الحجة مردودة، فحجّة من احتجّ بأنّ طلحة والزبير هما فعلا بعائشة ما جرى عليها من إهانة عسكر علي لها واستيلائهم عليها، مردودة أيضاً. وإن قبلت هذه الحجة قبلت حجة معاوية»(1).
أقول:
أهكذا يكون النقض؟ أليس من شرطه التسوية بين الأمرين من جميع الجهات؟
أمّا عائشة فقد أخرجها طلحة والزّبير ـ بلا كلام ـ إلى حرب الإمام عليه السلام، ثم لمّا انكسر عسكرهم وتفرّق الناس عن هودجها، أرسل أميرالمؤمنين عليه السلام إليها أخاها محمّداً ـ الذي يقول ابن تيمية بأنّها دعت عليه فاُحرق بالنار بمصر(2) ـ ثم حملت مكرّمةً إلى بيتها.
فأيّ شيء فعل علي؟ وما الذي جرى عليها بواسطته؟
أمّا عمّار فقد خرج بنفسه إلى قتال القاسطين، بأمر من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعهد منه، ومعاوية وابن العاص وعسكرهما يعرفونه ويعلمون بذلك، فقتلوه تلك القتلة الشّنيعة.
والحاصل: إنّ حجة معاوية مردودة، وحجّة من قال بأن طلحة والزبير وأنصارهما أخرجوا عائشة مقبولة... وإنكار الفرق مكابرة.
وقال ابن تيميّة ـ دفاعاً عن أبي بكر في إهماله حدود الله، فلم يقتص من خالد بن الوليد ولا حدّه، حيث قتل مالك بن نويرة وكان مسلماً، وتزوّج امرأته في ليلة قتله وضاجعها ـ:
«إن كان ترك قتل قاتل المعصوم مما ينكر على الأئمة، كان هذا من أعظم حجة شيعة عثمان على علي... وعلي لم يقتل قتلَتَه...» قال:
«وأمّا ما تفعله الرافضة من الإنكار على أبي بكر في هذه القضيّة الصغيرة، وترك إنكار ما هو أعظم منها على علي، فهذا من فرط جهلهم وتناقضهم...»(3).
أقول:
لقد كان لقتل المسلمين عثمان بن عفان أسباب، ومن جملة تلك الأسباب إهماله حدود الله وتبديله لأحكام الله، فلو أنّ أبا بكر لم يهمل حدّ الله وأحكامه في قصة خالد ومالك بن نويرة، لم تصدر تلك الاُمور من عثمان، حتى نقم عليه لأجلها المسلمون وقتلوه!!
وكم فرق بين زمن أبي بكر وزمن أميرالمؤمنين؟ وهل حصلت لأمير المؤمنين فرصةٌ للقيام بالأمر؟
وأيضاً، فقد تبرأ أميرالمؤمنين من فعل قتلة عثمان، أمّا أبو بكر فقد برّأ خالداً من الذنب وجعل يعتذر له!
وأيضاً، فقد كان أميرالمؤمنين ينادي بالهدوء والإستقرار حتى يبادر إلى وظائفه، أمّا معاوية فقد استتبّ له الأمر وتغلّب على الامّة كلها بعد صلح الحسن السبط عليه السلام، فلماذا لم يقتل قتلة عثمان... الأمر الذي استغرب منه حتى ابن تيمية نفسه(4) ؟
* وقال ابن تيمية ـ ناقضاً على العلاّمة قوله عن أبي بكر: «خالف أمر النبي في توريث بنت النبي ومَنَعها فدكاً ـ:
«ثمّ لو احتجّ محتجّ بأنّ عليّاً كان يمنع المال ابن عبّاس وغيره من بني هاشم، حتى أخذ ابن عبّاس بعض مال البصرة وذهب به، لم يكن الجواب عن علي إلاّ بأنّه إمام عادل قاصد للحق، لايتّهم في ذلك، وهذا الجواب هو في حق أبي بكر بطريق الأولى والأحرى»(5).
أقول:
أيّ مال منعه ابن عبّاس وغيره من بني هاشم؟
وأخذ ابن عبّاس بعض مال البصرة أوّل الكلام!
وعلى فرض منع أميرالمؤمنين ابن عبّاس، فالنقض بمنع أبي بكر فاطمة عليها السلام قياس مع الفارق، ففاطمة الزهراء مُنعت نحلتها ثم إرثها من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، الثابت لها كتاباً وسنةً... وأيّ إرث كان لابن عبّاس عند أميرالمؤمنين؟
(1) منهاج السنة 4/357ـ358.
(2) منهاج السنة 4/355.
(3) منهاج السنة 5/514ـ515.
(4) منهاج السنة 4/408.
(5) منهاج السنة 5/521.