لو ان جعفربا قال ان ان هناك شخص تحمل الجوع مدة شهر لم ياكل ولم يشرب ولم يتغوط اجلكم الله لاقامت عليه السخرية والمهازل لكن عندما يكون هذا في كتب السنة فالصحة لاتخلو منه وهو صادق ثقة لابأس به
انظر ماذا قرأت في ملتقى اهل الحديث
نساء ظللن عشرات الأعوام لا يأكلن ولا يشربن !! )
قلتُ : وقع ذلك في حكايات ثابتة بنقل الثقات الأمناء عن طائفة من النساء والرجال معا !! إلا أن ذلك في النساء أشهر منه في غيرهن !! ومن هاتيك النسوة :
1- رحمة بنت إبراهيم الخوارزمية !!
فقال الذهبي في ترجمة (عيسى بن محمد الطهماني المروزي، الكاتب ) من سير النبلاء [ 13 / 572 ]
(قال الحاكم: حدثنا أبي، سمع الطهماني يقول: رأيت بخوارزم امرأة لا تأكل ولا تشرب، ولا تروث.
وقال يحيى العنبري: سمعت الطهماني يحكي شأن التي لا تأكل ولا تشرب، وأنها عاشت كذلك نيفا وعشرين سنة، وأنه عاين ذلك !! )
قال الذهبي : ( قلت : سُقتُ قصتها في تاريخ الإسلام، وهي رحمة بنت إبراهيم، قُتِل زوجها، وترك ولدين، وكانت مسكينة، فنامت فرأت زوجها مع الشهداء، يأكل على موائد، وكانت صائمة، قالت : فاستأذنهم، وناولني كسرة، أكلتها، فوجدتها أطيب من كل شيء . فاستيقظت شبعانة واستمرّت .
وهذه حكاية صحيحة، فسبحان القادر على كل شيء )
وترجم لها القزويني في آثار البلاد ( ص234/ شاملة ) فقال (: رحمة بنت إبراهيم الهزارسية المشهورة بأنها ما تناولت ثلاثين سنة طعاماً . وحكى أبو العباس عيسى المروزي أنها إذا شمّت رائحة الطعام تأذّت، وذكرت أن بطنها لاصق بظهرها، فأخذت كيساً فيه حب القطن وشدّته على بطنها لئلاّ يقصف ظهرها، وبقيت إلى سنة ثمان وستين ومئتين )
قلتُ : قد ساق الذهبي قصة تلك المرأة مطولة في عدة ورقات من تاريخه الكبير [ 22 / 218 – 221 / طبعة دار الكتاب العربي ] وكذا ساقها التاج ابن السبكي في طبقات الشافعية الكبرى [ 8 / 8 – 15 / طبعة عيسى الحلبي ] وكلاهما نقلاها من ( تاريخ نيسابور ) لأبي عبد الله الحاكم صاحب ( المستدرك ) ..
وأنا أسوقها بطولها – لما فيها من العبرة – والسياق لابن السبكي نقلا عن ( تاريخ نيسابور )
( قال الحاكم : سمعت أبا زكرياء يحيى بن محمد العنبري يقول سمعت أبا العباس عيسى بن محمد بن عيسى الطهماني المروزي يقول إن الله سبحانه وتعالى يظهر إذا شاء ما شاء من الآيات والعبر في بريته فيزيد الإسلام بها عزا وقوة ويؤيد ما أنزل من الهدى والبينات وينشر أعلام النبوة ويوضح دلائل الرسالة ويوثق عرى الإسلام ويثبت حقائق الإيمان منا منه على أوليائه وزيادة في البرهان بهم وإن مما أدركناه عيانا وشاهدناه في زماننا وأحطنا علما به فزادنا يقينا في ديننا وتصديقا لما جاء به نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ودعا إليه من الحق فرغب فيه من الجهاد من فضيلة الشهداء وبلغ عن الله عز وجل فيهم إذ يقول جل ثناؤه ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين ) أني وردت في سنة ثمان وثلاثين ومائتين مدينة من مدائن خوارزم تدعى هزاراسب وهي في غربي وادي جيحون ومنها إلى المدينة العظمى مسافة نصف يوم فخبرت أن بها امرأة من نساء الشهداء رأت رؤيا كأنها أطعمت في منامها شيئا فهي لا تأكل شيئا ولا تشرب شيئا منذ عهد أبي العباس بن طاهر والي خراسان وكان توفي قبل ذلك بثمان سنين رضي الله عنه ثم مررت بتلك المدينة سنة اثنتين وأربعين ومائتين فرأيتها وحدثتني بحديثها فلم أستقص عليها لحداثة سني ثم إني عدت إلى خوارزم في آخر سنة اثنتين وخمسين ومائتين فرأيتها باقية ووجدت حديثها شائعا مستفيضا وهذه المدينة على مدرجة القوافل وكان الكثير ممن نزلها إذا بلغهم قصتها أحبوا أن ينظروا إليها فلا يسألون عنها رجلا ولا امرأة ولا غلاما إلا عرفها ودل عليها فلما وافيت الناحية طلبتها فوجدتها غائبة على عدة فراسخ فمضيت في أثرها من قرية إلى قرية فأدركتها بين قريتين تمشي مشية قوية وإذا هي امرأة نصف جيدة القامة حسنة البدن ظاهرة الدم متوردة الخدين ذكية الفؤاد فسايرتني وأنا راكب فعرضت عليها مركبا فلم تركبه وأقبلت تمشي معي بقوة وحضر مجلسي قوم من التجار والدهاقين وفيهم فقيه يسمى محمد بن حمدويه الحارثي وقد كتب عنه موسى بن هارون البزار بمكة وكمل له عبادة ورواية للحديث وشاب حسن يسمى عبد الله بن عبد الرحمن وكان يخلف أصحاب المظالم بناحيته فسألتهم عنها فأحسنوا الثناء عليها وقالوا عنها خيرا وقالوا إن أمرها ظاهر عندنا فليس فيها من يختلف فيها
قال المسمى عبد الله بن عبد الرحمن أنا أسمع حديثها منذ أيام الحداثة ونشأت والناس يتفاوضون في خبرها وقد فرغت بالي لها وشغلت نفسي للاستقصاء عليها فلم أر إلا سترا وعفافا ولم أعثر منها على كذب في دعواها ولا حيلة في التلبيس وذكر أن من كان يلي خوارزم من العمال كانوا فيما خلا يستخصونها ويحضرونها الشهر والشهرين والأكثر في بيت يغلقونه عليها ويوكلون بها من يراعيها فلا يرونها تأكل ولا تشرب ولا يجدون لها أثر بول ولا غائط فيبرونها ويكسونها ويخلون سبيلها
فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها استقصصتها عن حديثها وسألتها عن اسمها وشأنها كله فذكرت أن اسمها رحمة بنت إبراهيم وأنه كان لها زوج نجار فقير معيشته من عمل يده يأتيه رزقه يوما ويوما لا فضل في كسبه عن قوت أهله وأنها ولدت منه عدة أولاد وجاء الأقطع ملك الترك إلى القرية فعبر الوادي عند جموده إلينا في زهاء ثلاثة آلاف فارس وأهل خوارزم يدعونه كسرة ... وقال أبو العباس والأقطع هذا فإنه كان كافرا عاتيا شديد العداوة للمسلمين قد أثر على أهل الثغور والح على أهل خوارزم بالسبي والقتل والغارات وكانت ولاة خراسان يتألفونه وأنسابه من عظماء الأعاجم ليكفوا غارتهم عن الرعية ويحقنوا دماء المسلمين فيبعثون إلى كل واحد منهم بأموال وألطاف كثيرة وأنواع من فاخر الثياب وأن هذا الكافر انساب في بعض السنين على السلطان ولا أدري لم ذاك أستبطأ المبار عن وقتها أم استقل ما بعث إليه في جنب ما بعث إلى نظرائه من ملوك الجريجية والثغرغدية
فأقبل في جنوده وتورد الثغر واستعرض الطرق فعاث وأفسد وقتل ومثل فعجزت عنه خيول خوارزم وبلغ خبره أبا العباس عبد الله بن طاهر رحمه الله فأنهض إليهم أربعة من القواد طاهر بن إبراهيم بن مدرك ويعقوب بن منصور بن طلحة وميكال مولى طاهر وهارون القباض وشحن البلد بالعساكر والأسلحة ورتبهم في أرباع البلد كل في ربع فحموا الحريم بإذن الله تعالى
ثم إن وادي جيحون وهو الذي في نهر بلخ جمد لما اشتد البرد وهو واد عظيم شديد الطغيان كثير الآفات وإذا امتد كان عرضه نحوا من فرسخ وإذا جمد انطبق فلم يوصل منه إلى شيء حتى يحفر فيه كما تحفر الآبار في الصخور وقد رأيت كثيف الجمد عشرة أشبار وأخبرت أنه كان فيما مضى يزيد على عشرين شبرا وإذا هو انطبق صار الجمد جسرا لأهل البلد تسير عليه العساكر والعجل والقوافل فينطم ما بين الشاطئين وربما دام الجمد مائة وعشرين يوما وإذا قل البرد في عام بقي سبعين يوما إلى نحو ثلاثة أشهر ... قالت المرأة فعبر الكافر في خيله إلى باب الحصن وقد تحصن الناس وضموا أمتعتهم فضجوا بالمسلمين وخربوهم فحصر من ذلك أهل الناحية وأرادوا الخروج فمنعهم العامل دون أن تتوافى عساكر السلطان وتتلاحق المطوعة فشد طائفة من شبان الناس وأحداثهم فتقاربوا من السور بما أطاقوا حمله من السلاح وحملوا على الكفرة فتهارج الكفرة واستجروهم من بين الأبنية والحيطان فلما أصحروا كر الترك عليهم وصار المسلمون في مثل الحرجة فتخلصوا واتخذوا دارة يحاربون من ورائها وانقطع ما بينهم وبين الخصم وبعدت المؤنة عنهم فحاربوا كأشد حرب وثبتوا حتى تقطعت الأوتار والقسي وأدركهم التعب ومسهم الجوع والعطش وقتل عامتهم وأثخن الباقون بالجراحات ولما جن عليهم الليل تحاجز الفريقان
قالت المرأة ورفعت النار على المناظر ساعة عبور الكافر فاتصلت بالجرجانية وهي مدينة عظيمة في قاصية خوارزم وكان ميكال مولى طاهر من أبياتها في عسكر فحث في الطلب هيبة للأمير أبي العباس عبد الله بن طاهر رحمه الله وركض إلى هزاراسب في يوم وليلة أربعين فرسخا بفراسخ خوارزم وفيها فضل كثير على فراسخ خراسان وعد الترك الفراغ من أمر أولئك النفر فبينما هم كذلك إذ ارتفعت لهم الأعلام السود وسمعوا أصوات الطبول فأفرجوا عن القوم ووافى ميكال موضع المعركة فوارى القتلى وحمل الجرحى ... قالت المرأة وأدخل الحصن علينا عشية ذلك أربعمائة جنازة فلم تبق دار إلا حمل إليها قتيل وعمت المصيبة وارتجت الناحية بالبكاء
قالت ووضع زوجي بين يدي قتيلا فأدركني من الجزع والهلع علية ما يدرك المرأة الشابة على زوج أبي الأولاد وكانت لنا عيال
قالت فاجتمع النساء من قراباتي والجيران يسعدنني على البكاء وجاء الصبيان وهم أطفال لا يعقلون من الأمر شيئا يطلبون الخبز وليس عندي ما أعطيهم فضقت صدرا بأمري ثم إني سمعت أذان المغرب ففزعت إلى الصلاة فصليت ما قضى لي ربي ثم سجدت أدعو وأتضرع إلى الله وأسأله الصبر بأن يجبر يتم صبياني
قالت فذهب بي النوم في سجودي فرأيت في منامي كأني في أرض حسناء ذات حجارة وأنا أطلب زوجي فناداني رجل إلى أين أيتها الحرة قلت أطلب زوجي فقال خذي ذات اليمين قالت فأخذت ذات اليمين فرفع لي أرض سهلة طيبة الري ظاهرة العشب وإذا قصور وأبنية لا أحفظ أن أصفها أو لم أر مثلها وإذا أنهار تجري على وجه الأرض عبر أخاديد ليست لها حافات فانتهيت إلى قوم جلوس حلقا حلقا عليهم ثياب خضر قد علاهم النور فإذا هم الذين قتلوا في المعركة يأكلون على موائد بين أيديهم فجعلت أتخللهم وأتصفح وجوههم أبغي زوجي لكي ينظرني فناداني يا رحمة يا رحمة فيممت الصوت فإذا أنا به في مثل حال من رأيت من الشهداء وجهه مثل القمر ليلة البدر وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه فقال لأصحابه إن هذه البائسة جائعة منذ اليوم أفتأذنون لي أن أناولها شيئا تأكله فأذنوا له فناولني كسرة خبز قالت وأنا أعلم حينئذ أنه خبز ولكن لا أدري كيف يخبز هو أشد بياضا من الثلج واللبن وأحلى من العسل والسكر وألين من الزبد والسمن فأكلته فلما استقر في جوفي قال اذهبي كفاك الله مؤنة الطعام والشراب ما حييت الدنيا فانتبهت من نومي شبعى ريا لا أحتاج إلى طعام ولا شراب وما ذقتهما منذ ذلك اليوم إلى يومي هذا ولا شيئا يأكله الناس
قال أبو العباس وكانت تحضرنا وكنا نأكل فتتنحى وتأخذ على أنفها تزعم أنها تتأذى من رائحة الطعام فسألتها هل تتغذى بشيء أو تشرب شيئا غير الماء فقالت لا
فسألتها هل يخرج منها ريح أو أذى كما يخرج من الناس فقالت لا عهد لي بالأذى منذ ذلك الزمان
قلت والحيض و أظنها قالت انقطع بانقطاع الطعم
قلت فهل تحتاجين حاجة النساء إلى الرجال قالت أما تستحيي مني تسألني عن مثل هذا قلت إني لعلي أحدث الناس عنك ولا بد أن استقصي قالت لا أحتاج
قلت فتنامين قالت نعم أطيب نوم
قلت فما ترين في منامك قالت مثل ما ترون
قلت فتجدين لفقد الطعام وهنا في نفسك قالت ما أحسست بجوع منذ طعمت ذلك الطعام
وكانت تقبل الصدقة فقلت لها ما تصنعين بها قالت أكتسي وأكسو ولدي
قلت فهل تجدين البرد وتتأذين بالحر قالت نعم
قلت فهل تدرين كلل اللغوب والإعياء إذا مشيت قالت نعم ألست من البشر
قلت فتتوضئين للصلاة قالت نعم قلت لم قالت أمرني بذلك الفقهاء فقلت إنهم أفتوها على حديث لا وضوء إلا من حدث أو نوم !! وذكرت لي أن بطنها لاصق بظهرها فأمرت امرأة من نسائنا فنظرت فإذا بطنها كما وصفت وإذا قد اتخذت كيسا فضمت القطن وشدته على بطنها كي لا ينقصف ظهرها إذا مشت
ثم لم أزل أختلف إلى هزاراسب بين السنتين والثلاث فتحضرني فأعيد مسألتها فلا تزيد ولا تنقص وعرضت كلامها على عبد الله بن عبد الرحمن الفقيه فقال أنا أسمع هذا الكلام منذ نشأت فلا أجد من يدفعه أو يزعم أنه سمع أنها تأكل أو تشرب أو تتغوط !! ) انتهى ...
قلتُ : وهذه قصة صحيحة ليس فيه خدشة !! اللهم إلا أن تكون تلك المرأة من الدجاجلة الذين يحتالون لترويج بهرجهم !! ويتلوَّنون لنشر عقاربهم !! والأصل في المسلمين خلاف هذا الظن الكاذب !! لا سيما وقد أثنى عليها غير واحد من أُمناء مدينتها ، كما سبق في أول حكايتها ...
ثم ما جرى لها : قد جرى لغيرها كما يأتيك نبأه الآن !! وكرامات الأولياء والصالحين ، من المؤمنات والمؤمنين ، فيها أعظم من حكاية تلك المرأة ومثيلاتها !! بل وأجلَّ من ذلك وأكثر خطرا !! كما سوف نأتيك بجُمَلِها تباعا بعون الله وتوفيقه ....
2-ومن تلك النسوة أيضا : عائشة بنت عبد الله بن عاصم الأندلسية :
( قال الذهبى أقامت عشرين سنة وأزيد لا تأكل شيئا البتة وأمرها فى ذلك شائع لا ريب فيه حدثنا به أبو عبد الله بن ربيع المحدث ومحمد بن سعد العاشق وغيرهما .. وهى خالة العابد أبى إسحاق بن بلال وكانت مقيمة بغرفة لها بأعلى الجامع المعلق بالجزيرة الخضراء بالأندلس ماتت سنة 705 وذكر الشيخ عز الدين الفاروثى أن امرأة كانت بناحية واسط أقامت مدة مثل هذه لا تأكل شيئا وذلك بعد الستمائة وأخرى كانت فى دولة المعتضد بخوارزم وقصتها صحيحة ذكرها الحاكم فى تاريخ نيسابور... ) نقله عنه الحافظ في ترجمة تلك المرأة من الدرر الكامنة [ 3 / 3 – 4 / طبعة دائرة المعارف العثمانية ] ..
وترجمها العلامة الصفدي في الوافي بالوفيات [ 16 / 348 / طبعة دار إحياء التراث ] فقال ( عائشة بنت أبي عاصم وخالة القائد الأجل أبي إسحاق ابن بلال، وهي أندلسية تعرف بالصائمة؛ بقيت أزيد من عشرين سنة لا تأكل شيئاً قط؛ قال الشيخ شمس الدين – هو الحافظ الذهبي - : حدثني بقصتها غير واحد ممن أدركها، وكانت بغرفة لها على الجامع المعلق بمدينة الجزيرة الخضراء، وتركها الأكل أمر شائع لا ريب فيه، حدثني بذلك أبو عبد الله ابن ربيع المحدث ومحمد بن سعد العاشق، وتوفيت بعد عام سبعمائة بنحو خمس سنين؛ ولها نظيرة كانت بناحية واسطة بعد الستمائة ذكر شأنها شيخنا الفاروثي، وكذا المرأة الخوارزمية التي كانت أيام المعتضد بخوارزم، بقيت بضعاً وعشرين سنة لا تأكل ولا تشرب، علقت ذلك بأصح إسناد .. )
3-ومنهن تلك المرأة الواسطية : التي أشار إليها الذهبي في كلامه الماضي ...
4-ومنهن تلك المرأة التي يحكي صاحب نفح الطيب [ 5 / 305 / طبعة دار صادر ] خبرها فيقول (وردت على تلمسان في العشرة الخامسة من المائة الثامنة امرأة من رندة لا تأكل ولا تشرب ولا تبول ولا تتغوط وتحيض فلما اشتهر هذا من أمرها أنكره الفقيه أبو موسى ابن الإمام وتلا ( كانا يأكلان الطعام ) المائدة [75] فأخذ الناس يبثون ثقات نسائهم ودهاتهن إليها فكشفن عنها بكل وجه يمكنهن فلم يقفن على غير ما ذكر وسئلت هل تشتهين الطعام فقالت هل تشتهون التبن بين يدي الدواب!! وسئلت هل يأتيها شيء فأخبرت أنها صامت ذات يوم فأدركها الجوع والعطش فنامت فأتاها آت في النوم بطعام وشراب فأكلت وشربت فلما أفاقت وجدت نفسها قد استغنت فهي على تلك الحال تؤتى في المنام بالطعام والشراب إلى الآن ولقد جعلها السلطان في موضع بقصره وحفظها بالعدول ومن يكشف عما عسى تجيء أمها به إذا أتت إليها أربعين يوما فلم يوقف لها على أمر بيد أني أردت أن يزاد في عدد العدول ويجمع إليهم الأطباء ومن يخوض في المعقولات من علماء الملل المسلمين وغيرهم ويوكل من نساء الفرق من يبالغ في كشف من يدخل إليها ولا يترك أحد يخلو بها .... )
ثم قال : (ذُكِرَ أن امرأة أخرى كانت معها على تلك الحالة، وحدّثني غير واحد من الثقات ممّن أدرك عائشة الجزيرية أنها كانت كذلك، وأن عائشة بنت أبي يحيى اختبرتها أربعين يوماً أيضاً .... )
5-ومنهن امرأة بصرية أيضا :
فقال صاحب تاريخ إربل [ ص 408- 409 / طبعة وزارة الثقافة والإعلام العراقية ] في ترجمة شيخه عبد الله بن أبي الفضل ( 589 - 643 هـ )
قال ( وحدثنا من لفظه ، حديث المرأة التي بالبصرة المشهور ذكرها . وكنا نسمع بحديثها منذ سنين عدة ، وهي التي لا تأكل ولا تشرب ولا تغوط ، إنما تتغذى بالذكر . قال : وكنت أسمع عنها ذلك ولا أصدقه ، حتى سمعت بحالها من الأمير باتكين والي البصرة ، وقال لي : لا يجوز أن يشك في حديثها ! فإنه صحيح ، شاهدتها وعرفته . قال : ولها كرامات كثيرة لا تعرفها هي ، حدث ببعضها . قال : وسمع بها ابن أمسينا فأحضرها وأغلق عليها بابا نحوا من ثلاثة أشهر ، فما أكلت ولا شربت ولا غاطت ولا أراقت الماء . وحدثتْ أن سبب ذلك أن أباها صودر ولها ومن العمر ثلاث عشرة سنة ، فرأت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام يسقيها شرابا ' فانتبهتُ وأقمتُ أياما لا أشتهي / طعاما ولا شرابا ، ثم تمادتْ بي الحال . فلي خمس وعشرون سنة على هذه الحال .... )
قلتُ : وفي الباب عن نسوة أخريات أضربنا عن خبرهن صفحا !!
وكل هذا سبيله التصديق إذا ثبتت دلائله ، واستقام الطريق إلى قائله ؛ إذ ليس ثمة ما يمنع من حدوث هذا في شريعتنا أصلا !!
ومحمل كل ذلك : على كونه آية من آيات الله ينزل بها على من يشاء ، وكرامة منه على بعض عباده يختصه بها متى شاء ...
وهذه الأعصار التي يدور بنا رحاها : قد وجد فيها من يصبر على الطعام والشراب شهرا وشهرين و شهورا !! ومنهم من يصبر على الطعام ولا يصبر على الماء !! وهذا الصنف : منه كثيرون الآن !!
وقد حدَّث الإمام الألباني – وهوالثقة الثبت المأمون – في سلسلته الضعيفة ( 1/ 419 ) قال : (لقد جوّعتُ نفسي في أواخر سنة 1379 هـ أربعين يوماً متتابعاً، لم أذُق في أثنائها طعاماً قطّ، ولم يدخل جوفي إلاّ الماء ! وذلك طلباً للشفاء من بعض الأدواء، فعُوفيتُ من بعضها دون بعض، وكنتُ قبل ذلك تداويتُ عند بعض الأطباء نحو عشر سنوات دون فائدة ظاهرة، وقد خرجتُ من التجويع المذكور بفائدتين ملموستين :
الأولى : استطاعة الإنسان تحمّل الجوع تلك المدّة الطويلة، خلافاً لظنّ الكثيرين من الناس .
والأخرى : أن الجوع يفيد في شفاء الأمراض الامتلائيّة؛ كما قال ابن القيّم رحمه الله تعالى، وقد يفيد في غيرها أيضاً كما جرّب كثيرون، ولكنه لا يفيد في جميع الأمراض على اختلاف الأجسام . )