((حب النساء))
من كلام الشيخ الأكبر مولانا محي الدين ابن العربي رضي الله عنه وأرضاه
جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله ((صلى الله عليه وسلم))أنه قال: ((خلق الله آدم على صورته)) وقال ((صلى الله عليه وسلم))في حديث صحيح آخر : ((إن الله جميل يحب الجمال)) وما أعلم أن الله سبحانه تجلى لأحد من خلقه في اسمه الجميل إلا للإنسان وفي الإنسان خاصة , فلهذا ما فنى وهام في حبه بكليته إلا في ربه أو فيمن كان مجلى ربه ,ومن هنا حبب لرسول الله((صلى الله عليه وسلم))النساء فإن الحب أعظم شهوة وأكملها ,والشهوة آلة النفس تعلو بعلو المشتهى وتسفل با ستفال المشتهى ,وكل صفه لنا نحو عنصرها تطلبه مثل الشوق يعلو نحو عنصره الذي هو الشوق الأعظم الموصوف به الجناب العالي وكالمحبة منا تطلب المحبة الإلهية من قوله: ((يحبهم ويحبونه)) فحبنا نتيجة عن حبه,فإن التجليات في أوقات تقع في الصور الجميلة الحسنة في عالم التمثيل , والشهوة إرادة الالتذاذ بما ينبغي أن يلتذ به ,واللذة لذتان روحانية وطبيعية والنفس الجرئية متولدة من الطبيعة وهي أمها والروح الإلهي أبوها , فالشهوة الروحانية لا تخلص من الطبيعة أصلا ,وبقي من يلتذ به ,فلا يلتذ إلا بالمناسب والإنسان فيه مناسب من كل شئ في العالم ,فيضاف كل مناسب إلى مناسبه بأظهر وجوهه, ولا مناسبة بيننا وبين الحق إلا بالصورة,والتذاذ الإنسان بكماله أشد إلا لتذاذ ,فالتذاذه بمن هو على صورته أشد التذاذ,برهان ذلك أن الإنسان لا يسري في كله الالتذاذ ولا يفنى في مشاهدة شئ بكليته ولا تسري المحبة والعشق في طبيعة روحانيته إلا إذا عشق جارية أو غلاما ,وسبب ذلك أنه يقابله بكليته لأنه على صورته ,وكل شئ في العالم جزء منه فلا يقابله إلا بالجزء المناسب ,فلذلك لا يفنى في شئ يعشقه إلا في مثله ,فإذا وقع التجلي الإلهي في عين الصورة التي خلق آدم عليها طابق المعنى المعنى ووقع الالتذاذ بالكل وسرت الشهوة في جميع أجزاء الإنسان ظاهرا ,ألا ترى إلى قيس المجنون في حب ليلى كيف أفناه عن نفسه لما ذكرناه, فمن عرف قدر النساء وسرهن لم يزهد في حبهن بل من كمال العارف حبهن فإن ميراث نبوي وحب إلهي ,قال رسول الله ((صلى الله عليه وسلم)) : ((حبب إلى من ديناكم ثلاث النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة)) فذكر النساء, أترى حبب إليه ما يبعده عن ربه ,لا والله بل حبب إليه ما يقربه من ربه قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لك من النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك )) فأبقى عليه رحمة به لما جعل في قلبه من حب النساء ملك اليمن ,قال صلى الله عليه وسلم : ((حبب إلى)) فلم ينسب حبه فيهن إلا إلى الله تعالى0
تحقيق :
لا يفنى الإنسان في حبه نفسه للقرب المفرط الذي ما يكون مثله قرب إليه البتة , كذلك لا يفنى الإنسان في حب ولده ولا ماله ولا أهله لأنه منوط بقلبه بمنزلة نفسه للقرب المفرط ,فإنه يخفي ذلك فيه , فإن اتفق أن يطلق امرأته وقد كان حبه إياها كامنا فيه لا يظهر لإفراط القرب أخذه الشوق إليها وهام فيها وحن إليها لبعدها عن ذلك القرب المفرط لتعلق الشوق والوجد بها, ولهذا يفنى العاشق في معشوقه الأجنبي لأنه ليس له ذلك القرب الظاهر الذي يحول بينه وبين الاشتياق إليه ولقرب الحق من قلوب العارفين بالعلم المحقق الذوقي الذي وجدوه لهذا صحوا ولم يهيموا فيه هيمان المحبين لله من كونه تجلى لهم في جمال مطلق وتجليه للعلماء في كمال مطلق وأين الكمال من الجمال ,فإن الأسماء في حق الكامل تتمانع فيؤدى ذلك التمانع إلى عدم تأثيرها فيمن هذه صفته, فيبقى منزها عن التأثير مع الذات المطلقة التي لا تقيدها الأسماء ولا النعوت, فيكون الكامل في غاية الصحو كالرسل وهم أكمل الطوائف,لأن الكامل في غاية القرب ,يظهر به في كمال عبودتيه مشاهدا كمال ذات موجده,ولهذا قلنا العارف لا يكون محبا والمحب لا يكون عارفا.