تصدع المعبد 2/3.. قداسة الجغرافية وسياسة الهجوم الإقليمي
بتاريخ : 15-08-2012 الساعة : 04:50 AM
تصدع المعبد 2/3.. قداسة الجغرافية وسياسة الهجوم الإقليمي
نضال حمادة
بدأت قصة المملكة العربية السعودية بتركيبتهاالحالية في شباط/فبرايرعام 1945 على ظهر حاملة طائرات أمريكية (يو أس أس كينسي) بعديومين بالتحديد من مؤتمر يالطا الذي قسم النفوذ في العالم بين المنتصرين بالحربالعالمية الثانية.
حضر الرئيس الأمريكي حينها (فرانكلينروزفلت) وأجرى مباحثات لمدة يومين مع أكثر من شخصية عربية، وفي 14 شباط/فبرايراستقبل روزفلت ملك سلالة أل سعود بصفته ملكا على الجزيرة العربية التي أصبح اسمهاالمملكة العربية السعودية، وأتى هذا اللقاء بتعهد لفظي من روزفلت هو الأهم في تاريخالولايات المتحدة قضى بنوع من التحالف الاستعماري بين آل سعود والولايات المتحدةتؤمن بموجبه الأخيرة أمن المملكة السعودية مقابل تعهد الملك بتأمين سوق النفط الذيتحتاجه أمريكا فضلا عن التعهد بقيام دولة لليهود في أرض فلسطين..
منذ ذلك التاريخ عاش آل سعود تحت الحماية الأمريكية التي جعلت من مملكة آل سعودأساس الاستقرار في المنظومة الاستعمارية الأمريكية في مجمل العالم الإسلامي أوجد آلسعود لحكمهم غطاء دينيا وأسبغوا على جغرافيا مملكتهم لباس القداسة مطلقين عليهابلاد الله الحرام، واعتمدت العائلة مع المحيط الإقليمي القريب والبعيد سياسة هجوميةبامتياز ولكن بطريقة حرة وغير مباشرة و بدأت بحرب اليمن وانتقلت إلى مواجهة إيرانومن ثم العراق وحاليا سوريا، كما أنها شكلت الغطاء الديني الإسلامي لحروب الولاياتالمتحدة الأمريكية مع الاتحاد السوفياتي حيث كانت أموال النفط ودعوات رجال الدينالوهابيين والمفتين وقودا لنصر الولايات المتحدة في أفغانستان على الاتحادالسوفياتي وهذا ما أدى إلى انهياره بعد سنوات قليلة من هزيمته الأفغانية.
طيلة سبعين عاما حافظت السعودية على استقرار ثابت في منطقة مضطربة مليئة بالحروبوالانقلابات، خاضت كل حروبها بيد الآخرين عبر المال والفتوى الدينية بدءا من حرباليمن مع مصر عبد الناصر مرورا بحرب العراق وإيران وحرب الكويت والاحتلال الأمريكيإلى العراق الذي شكلت السعودية منصة انطلاق لغزوه وصولا إلى حرب ليبيا والأحداثالحالية الجارية في سوريا، وتأتي حرب صعدة عام 2010 الحكم والنفوذ فيها حيث خاضتالسعودية لأول مرة حربا مباشرة بجيشها وساندتها فرق كوماندوس من المغرب والأردنوسلاح الجو الإماراتي والأمريكي، وتعتبر حرب صعدة نقطة تحول تاريخية وإستراتيجيةبالنسبة للمملكة وبداية الانهيار والتصدع في المعبد الذي البس هالة القداسة ودافعتعنه جحافل الآخرين إلا في صعدة التي اضطر فيها للقتال بلحمه الحي مباشرة. هذاالتحول الجذري جعل العائلة المالكة تمارس سياسة هجومية عدوانية على الإقليم بطريقةعلنية بعيدة عن التخفي والحذر وأصبحت مع الربيع العربي سياسة هروب إلى الأمام معالاحتلال العسكري للبحرين والتدخل المباشر والقوي في سوريا.
واتت هذهالأحداث مع ترسخ قاعدة سياسة جديدة في الغرب تراجعت فيها أهمية العائلة السعوديةالمالكة في الولايات المتحدة الأمريكية رغم عدم توفر البديل حاليا الذي يحافظ علىتدفق النفط وسببت أحداث 11 أيلول/سبتمبر نقلة نوعية في مفهوم التمسك بالحكم السعوديالذي اتبعته الولايات المتحدة والغرب منذ العام 1945 وخرج الكلام عن احتمالاتالتغيير وضرورته خرج عن دائرة المحظور وهذا بحد ذاته يثير الرعب في أوساط العائلةالمالكة .
اختلفت النظرة الأمريكية للعائلة السعودية المالكة وتشهد العلاقات بين الطرفينضبابية وعدم وضوح فالولايات المتحدة ترى السعودية ترفع مستوى تعاملها التجاري معالصين بعين الريبة وتعتبر هذا إخلال باتفاق (روزفلت ، عبد العزيز).
تظهر تراجع اهتمامها بوجود آل سعود في الحكم عبر تعظيم دور قطر العربي والدولي،وهذا الدور القطري يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تسانده لأحداث تقسيم فيالمملكة العربية السعودية بما أن مناطق النفط سوف تبقى تحت سيطرة أمريكا بطريقة أوبأخرى، لكن هذا الوضع الأمريكي يصطدم بالمصلحة الإسرائيلية التي ترى في بقاء آلسعود حبل النجاة الوحيد لإسرائيل في إعصار الربيع العربي حسب تقرير صدر عن جامعة تلأبيب في بداية شهر تموز/يوليو 2012 ويعتبر التقرير السعودية أمل إسرائيل الأخير ضدما تسميه إسرائيل التوسع الإيراني وفي الحفاظ على وضع في الشرق الأوسط يميل لمصلحةإسرائيل.
وتواجه السعودية حاليا ظروفا تحمل الكثير من المفارقات والتناقضات التي تشهد علىضعف البيت الداخلي السعودي عائليا واجتماعيا وعدم استقرار وتوازن المجتمع الذييسير في خط تصاعدي نحو تفتيت هذا البلد الذي بنته الولايات المتحدة عامل ثباتواستقرار في النظام الإقليمي كله ولا شك أن تزعزع هذا النظام الإقليمي سوف يتبعهزلزالا دراماتيكيا في السعودية. التي يعتبر نظامها مجموعة تراكمات مصالح وضغوط تظهرفي الأزمات.
فالسعودية من ناحية تجد نفسها في موقع هجومي ومدمر بشكل واضح كما تفعل حاليا فيسوريا في نفس الوقت تجد نفسها عرضة لتكون أولى ضحايا السلاح الذي تستعمله في تسعيرالنار الطائفية في المنطقة في مواجهة إيران وعبر التدخل في الأحداث السورية وهنانستحضر كلام ديك تشيني لبندر بن سلطان بن عبد العزيز الذي طالب الولايات المتحدةبالعمل على إعطاء السنة في العراق نسبة أكبر في الحكم تتناسب مع حجمهم فأجابه تشينيوهل هذا الكلام ينطبق على حجم الشيعة في الخبر وتمثيلهم في الحكم؟.
المفارقات أن هذا الهجوم غير المسبوق في التدخل في سوريا وفي احتلال البحرينيتناقض مع الوضع الداخلي للسعودية الذي يشهد اضطرابات على خلفية الفساد الكبيرالمستشري في أوساط العائلة الحاكمة التي تستفيد من النسب الأكبر من الثروة، وعلىخلفية انتفاء وجود الحريات بأدنى معاييرها كما أن هذا الهجوم العلني في الإقليميتناقض مع السياسة التي اتبعتها العائلة السعودية الحاكمة في ممارسة نفوذ أقليميودولي ولكن بشكل مخفي ومستور وعماد هذه السياسة شراء ذمم الناس والشركات العملاقةفي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا كما حصل في صفقة الطائرات البريطانيةوالتي عرفت بصفقة اليمامة التي أغرقت كل المؤسسة البريطانية من شركات النفط إلىشركات السلاح مرورا بشخصيات بريطانية وعربية في عمليات رشاوى بأرقام خيالية، ومثالهذه الصفقة عشرات الصفقات المالية والتجارية أمنت للعائلة حكما مستقرا رغم السياساتالداخلية القمعية والتخلف والاضطهاد الذي تعاني منه شرائح المجتمع المتعددة خصوصاالمرأة، ورغم عداء المحيط العربي والإسلامي للعائلة الحاكمة وتبعيتها الكاملةللسياسة الأمريكية، لكن الأحداث العربية والإقليمية تقترب بسرعة نحو السعودية الهدفالكبير والنهائي في كل هذه التحولات الجارية.