رؤية تحليلية للإحداث في العالم والمنطقة خصوصا في ظل روايات عصر الغيبة
هذه الرؤية تستند إلى إمكانية مقاربة المعطيات والوقائع والإحداث في فترة زمنية حديثة ومعاصرة للملامح والمعالم العامة التي بينتها روايات عصر الغيبة ومستندة الى تحليل روائي عام للأحاديث الواردة في هذا الموضوع .
هذه الرؤية مستندة أيضا إلى حقائق كنت من الشاهدين عليها وقريب منها متصلة بألطاف بقية الله الأعظم ورعايته ولولا تفنيد المبطلون وتشكيك المرتابون لطرحتها ولكن سأشير إليها بين طيات الكلام . والله العالم
تتضمن هذه الرؤية على عدة محاور ولنبدأ بالمحور الأول :
المنهج الحديث لفهم أحاديث وروايات عصر الغيبة :
إن اغلب الروايات الواردة في موضوع الغيبة وعصر الظهور والعلامات العامة والحتمية والملاحم والفتن التي تعصف ببلاد المسلمين والعالم تحوي على تفاصيل وجزئيات كثيرة ودقيقة ومسميات وتوصيفات توحي لنا أن المنهج المتبع في صياغتها اقرب إلى المنهج الرمزي منه إلى منهج التشخيص للأعيان والأشخاص , وان تنوع مواضيع هذه الروايات والمدى الزمني الواسع والمفتوح لوقوعها كل ذلك لإعطاء الملامح والمعالم العامة للحدث المرتقب بصورته الكلية لا المجتزئة .
إن كثير من البحوث التي حللت الروايات بشكل منفرد وأخذت المفاهيم والعناوين الواردة فيها وحاولت تطبيقها على مصاديق خارجية , وقعت في التحديد الزمني والتشخيص العيني المنهي عنه والمتفق على بطلانه , بل إن الطريقة والسياسة التي اتبعها أهل البيت عليهم السلام في رواية الأحاديث وتنوعها وتعارضها أحيانا كانت طريقة مانعة ووسيلة ضامنة من التحديد , كما إن الصفة الديناميكية في منطوق الروايات وعموميتها وإطلاقها واحتمالها عدة وجوه وعدم وجود قرائن وشواهد قطعية على انطباق المفاهيم على المصاديق تجعل من الصعوبة التعامل مع الروايات بشكل منفرد فيكون الاستدلال منقوص.
إن منطوق الروايات يتسم بالطبيعة التاريخية إي منسجمة مع لغة ومنطق أهل ذلك الزمان فنلاحظ أن بعض العناوين والتوصيفات والمسميات ليس لها استخدام في الوقت الحاضر فالألفاظ انتقلت إلى معاني أخرى أو تعينت ألفاظ جديدة للمعاني ذاتها واستحدثت ألفاظا لمعانٍ جديدة , ولم يخلو منطوق الروايات من طبيعة التشويق تجعلها تختلف عن الروايات الأخرى في الفقه والأصول والمعارف الدينية والهدف من ذلك جعلها محل اهتمام الناس وتداولها لضمان وصولها إلى الأجيال اللاحقة الأقرب ثم الأقرب إلى عصر الظهور لتستخلص منها المعاني والمقاصد الكلية والملامح العامة للحدث المنتظر دون التكلف والتركيز على البحث على المصاديق .
إن بداية رواية الأحاديث المتعلقة بالإمام المهدي عليه السلام وغيبته وعصر الظهور والعلامات الحتمية وغير الحتمية ابتدأت منذ وقت مبكر في زمن النبي والأئمة صلوات الله عليهم اجمين وهذا يعتبر مؤشر على اتساع المدى الزمني الذي يمكن أن تكون الروايات فيه فعالة وإمكانية وقوع الإحداث في عرض هذا المدى وليس بالضرورة انحصارها في فترة مقاربة للظهور المبارك .عدا العلامات الحتمية قرب ظهوره المبارك.
ان الروايات التي حددت شخصيات كالسفياني ( الذي حددت له اسما ذو طبيعة تاريخية ) والدجال والخراساني واليماني قلنا أن المختار عندنا ورودها لبيان مناهج وإيديولوجيات لمعسكرين متضادين أما ظهور أعيان وشخوص لقيادة المعسكرين فهو تحصيل حاصل . كما إن التوصيف النسبي والمناطقي للأشخاص فيه إشارة غير مباشرة إلى المنهج الذي يتبعه السفياني وال سفيان (على سبيل المثال) وفيه أيضا قيمه اعتبارية لأهل الأمصار (خراسان واليمن ) مستندة إلى الروايات التي صنفت أهل الأمصار وأدوارهم المرتقبة في نصرة خط أهل البيت عليهم السلام .
إن الإحداث مترابطة ومتشاركة في صناعة الحدث والتغيير , وكل واقعة وحادثة وردت في الروايات سواء حدثت أم لا , إنما تشكل جزء من كل وتضيف حال حدوثها في وقت معين عامل إضافي وتمهد لإحداث أخرى لاحقة ضمن مسلسل طويل من الإحداث في المدى الزمني المفتوح لا المضغوط .
من هنا تأتي أهمية النظر إلى الإحداث التاريخية والمعاصرة بشكل تكاملي وطبيعة تراكمية بدلا من الرؤية التجزيئية أو الاختزالية أو تركيز وقوع الإحداث في مدى مضغوط قرب الظهور المبارك مما يجعلنا نتكلف في البحث عن مصاديق خارجية للمفاهيم والعناوين الواردة وتطبيقها عليها .
إذن كل ما يمكن الاستفادة والاستدلال منه خلال استنطاق الروايات بعد عملية الجمع لها هو الملامح والمعالم العامة للحدث المنتظر في ظل قاعدة التسامح في الادلة , وغير هذه الاستفادة يعني رفع مظلة التسامح والخروج الى فضاء التشدد السندي الذي يسقط الكثير من الروايات عن الاعتبار .