[ هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ] [لقمان 11].
كان أحد علماء البحار يركب غوّاصة أبحاث تحت سطح البحر،
لفت نظره سمكة كبيرة خرجت من سربها، واتجهت إلى
سمكة صغيرة، فاعتقد أنَّ هذه السمكة الكبيرة توجهت
إلى الصغيرة لتأكلها، ولكنه وجد أنها وقفت إلى جانبها،
وبدأت السمكة الصغيرة تأكل من حراشف الكبيرة،
فسجّل عنده هذه الظاهرة. . و بعد عشرة أعوام تقريباً
اكتُشفت حقيقة رائعة، هي أنَّ هذه السمكة الصغيرة
متخصصة في علاج أمراض الأسماك كلها، وكأنَّ عهداً
وثيقاً غير مكتوب بين أسماك البحر يقرّر أنَّ
هذه السمكة الصغيرة، المتخصصة في مداواة أمراض
السمك الخارجية لا ينبغي أن تُؤكل،
لذلك أُجريت بحوث كثيرة، وتتبّع العلماء مواطن هذا السمك،
الذي أعطوه اسماً خاصاً. هذا السمك جعل الله غذاءه
على التقرحات والإنتانات، والطّفيليات،والفطريات التي
توضع على حراشف الأسماك الكبيرة،
فالأسماك الكبيرة تتجه إليها لتعالجها من أمراضها،
وكأنَّ هناك عرفاً وامتناناً. . بل إنَّ بعض الحالات الغريبة
التي سُجّلت، وصوّرت أنَّ سمكة كبيرة كانت تشكو
من قرحة في فمها، فإذا بها قد فتحت فمها،
ودخلت السمكة الطبيبة آمنة مطمئنة، لتعالجها
من هذه القروح، وفي الوقت نفسه هاجمت
هذه السمكة التي تُعالج سمكة أكبر منها لتأكلها،
فما كان منها إلا أن أخرجت من فمها هذه السمكة
التي تمرّضها، وولّت هاربة. ما هذا العُرف؟
وما هذا العقد؟ وما هذا الميثاق؟
وما هذا القانون المتّبع في كل أنحاء البحار؟
إنَّ هذه السمكة التي خلقها الله مزودة بمنقار دقيقٍ
يصل إلى أدقّ الثنايا، وإنَّ جهازها الهضميّ يتقبّل الفطريات،
والتقرحات، والإنتانات، وما شاكل ذلك، وهو غذاء لها،
وإنَّ هذه الأسماك الكبيرة تتجه إليها
حينما تشكو من تقرحات، بسبب ما يحدث بين الأسماك
من احتكاك، أو من معارك أحياناً.
و الشيء الذي يلفت النظر إنه إذا كثُرت هذه الأسماك
أمام السمكة الصغيرة، صفَّ بعضها وراء بعضها،
وكأنها مجتمع متحضّر، ليس هناك تزاحم، ولا تدافع،
ولا سباب، وقفت هذه الأسماك الكبيرة،
وقد سجّلت هذه الصورة بضع عشرات من الأسماك،
يقف بعضها وراء بعض، تنتظر دورها في المعالجة،
وقد تستغرق المعالجة دقيقة، أو أكثر، ثم تنصرف إلى سبيلها.