بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
الشهداء خسرتهم الدنيا وربحتهم الآخرة
ويقول الإمام (عليه السلام): “أين أخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟”[1]، يتأسف لهم لفراقهم، فقد خسرتهم الحياة، فمن استشهد في سبيل الله فليس أربح منه للحياة، ولكن الحياة خسرته، فلا بد أن نأسف لشهدائنا من هذا المنطلق، لأنهم نماذج تعلّمنا الإقدام في سبيل الله، والجرأة في سبيل الله، وأن نسترخص النفس في سبيل الله، وأن لا يكون لنا اعتزاز بشيء كما هو اعتزازنا بالدين وبالله (تبارك وتعالى).
“الذين تعاقدوا على المنية”، فمن الناس من يفرّ من الحياة هزيمة، ومنا من يفرّ من الحياة أسفاً عليها ، هؤلاء تعاقدوا على المنية من منطلق الوعي الذي لا تقف أمامه حدود زمن ولا حدود مكان ولا حدود من أي شيء، وعي يعانق الحق، ومن منطلق الوعي والإدراك الدقيق والتقييم الصائب والرؤية المنفتحة والهدى البيّن والرشد التام، ومن منطلق الإيمان اللاهب، من منطلق اليقين بالربح في التجارة مع الله، من منطلق اليقين بأن الحياة الدنيا لا تساوي جناح بعوضة من قيمة الآخرة، من منطلق هذا كله، ومن منطلق العشق الالهي، والهيام في حبّ الله، فقد تعاقدوا على المنية ويريدون الموت؛ لأنه ليس موتاً وليس نهاية وإنما هو مبدأ حياة، وأرقى، وأسمى، وأخلد، وأطهر حياة.
حياة تنقلهم إلى عالم يجدون فيه ملأهم الطيّب من غير خليط، ويجدون فيه صفوف الأنبياء والمرسلين والأئمة الهداة، كفى هذا لذّة، وكفى هذا نعيماً، وكفى هذا سعادة. ليس فيها من يعوي لأنه ذئب، وليس فيها من ينهق لأنه حمار، وليس فيها من يزأر لأنه أسد مفترس، وليس فيها من ظالم فالظالمون معزولون، والسفلة معزولون، والسقطة معزولون.
إن الروح الطيّبة لتنقل إلى ملأ طيّب، تجدهم حلقات – كما في بعض الخبر – في وادي السلام يتحادثون ويتعاطون الحديث الملذ حلقاً حلقاً وكأنهم الشموس، فتعاقدهم على المنية من هذا المنطلق، وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة..
-----------------
[1] نهج البلاغة، خطب الإمام علي (ع)، ج2، ص109.