أثار مقالي السابق ( الاردن لؤم دائم) والذي خُصص للحديث عن سياسات النظام الاردني تجاه العراق, موجة من الردود بين مؤيد ورافض. وكم كان بودي ان يدعم الرافضون ردودهم بالحجج بدل الشتائم والتي ان دلت على شئ فإنما تدل على افلاسهم وعجزهم عن الرد على الحقائق بما يدحضها, بل راحوا يتملصون منها عبر تحريف مضمون المقال وتصويره على انه موجه ضد الشعب الاردني متجاهلين ماجاء في مطلعه من اشارة واضحة من ان المقصود بالاردن النظام وليس الشعب.
وهنا اكرر إن المقصود بما سيرد هو سياسات النظام الاردني وليس الشعب, لانني احترم الشعوب والاقوام الاخرى واجد انه من اللاعدل أخذ الشعوب بجريرة انظمتها السيئة, وهو ماعانيناه نحن العراقيين بعد اجتياح صدام للشقيقة الكويت حيث عمَمَّ البعض كراهيته لنظام البعث على الشعب العراقي المسكين. وتأسيسا على ما مرَّ اقول ان كل ما اهدف اليه في هذه الاسطر أو التي سبقتها هو إماطة اللثام عن وقائع يريد البعض لفلفتها ومن ثم تجاوزها , كذلك اهدف الى الدفاع عن مصلحة شعبي وبلدي العراق, واعتقد ان من حقي فعل ذلك طالما انني اعتمد الدليل والحجة المسنودة بالحقائق والوقائع, ومن هنا ثارت ثائرة القوم على ماجاء في المقال السابق وذلك لأن كلماتي عن السياسة الاردنية تجاه العراق وتجاه اشقائنا العرب وبخاصة تجاه القضية الفلسطينية لامست الحقيقة, وكشفت المستور عن ما كان يحاول النظام الاردني إخفاءه عن ابناء شعبه وعن العرب الذين ضاقوا ذرعا بإنتهازيتة وشذوذه عن المواقف العربية في القضايا المصيرية بدءاً بفلسطين ومجزرة ايلول الاسود بحق اللاجئين الفلسطينيين والتي نتخوف من تكرارها مع اللاجئين العراقيين ومرورا بموقفه الانتهازي المؤيد لاجتياح الكويت وليس انتهاءاً بتدخله الاخير والسافر بالشأن البرلماني الكويتي والذي يتعارض وميثاق جامعة الدول العربية. وهنا سأعيد وبعجالة التذكير بالمواقف الاردنية الابتزازية مع العراق.
قلت في المقال السابق ان مثل الاردن كمثل المنشار, بل هو المنشار بعينه, يلتهم الاشياء صعودا ً ونزولا. وتعالوا معي في رحلة ندع فيها الارقام تتحدث لوحدها عن ما قضمه المنشار الاردني من العراق مستفيدا من كوارث العراقيين ونكباتهم. وما سنذكره هنا هو فقط نموذج من عشرات القضمات التي طالها المنشار الاردني طوال حكم البعث البائد والى ساعة كتابة هذه السطور.
قضمة المدفع النمساوي : وهي عنوان لفضيحة صفقة الاسلحة التي قام بها نظام الملك حسين أبان فترة الحرب العراقية الايرانية. ولعب الملك الراحل دورا محوريا في اتمامها لحساب نظام صدام البائد. وتمثل الدور الاردني في شراء 220 مدفع من النمسا حصل خلالها الملك الاردني على عمولة قدرها (600) الف دولار على كل مدفع حيث كان سعر المدفع الواحد 660 الف دولار بينما اضاف عليها الملك 600 الف دولار كعمولة ليصبح سعر المدفع الواحد مليون و260 الف دولار واذا ما علمنا ان مجموع المدافع التي اشتراها الملك حسين لحساب الديكتاتور صدام هو 220 مدفع تكون قيمة ما كسبه الملك من الصفقة هو 132 مليون دولار كعمولة شخصية, بالاضافة الى العمولة التي كان يأخذها عن شراء القنابل البلجيكية لصالح النظام البعثي اذ يحصل على عمولته من كل قنبلة, ومن هنا فلا غرابة أنه أطلق قذيفة بلجيكية من المدفع النمساوي في بداية الحرب العراقية الايرانية اذ ان القذيفة التي رماها الملك أخذ عليها عمولته سلفا, وعلى ذلك فأنه بإطلاقه القذيفة تجاه ايران لم يكن يدافع عن العراق, بل كان الملك يدافع عن عمولته في القذائف والمدافع. وجدير بالذكر ان مجموعة من الشخصيات الاردنية الكبيرة والمهمة شاركت الملك في هذه الصفقة وغيرها, وهناك تفاصيل لايسع المقام لسردها الان سنذكرها في فرصة أخرى.
والملفت للنظر في هذه الصفقة المشبوهة هو أنه حينما قام الاردن بشراء المدافع النمساوية للعراق خالف الحظر المفروض على شحن الاسلحة للنظام العراقي الذي استخدمها ضد شعبه وجيرانه , وتظهر الوثائق ان عملية تزوير كبيرة حصلت عند شراء المدافع وتمثل التزوير بأصدار شهادات من قيادات الجيش الاردني تفيد بأن المدافع للجيش الاردني, وهذا التزوير يعد مخالفة صريحة لقوانين النمسا البلد المصنع لتلك المدافع, وكذلك مخالفة لقوانين الاتحاد الاوربي, كل هذه المخالفات أقدم عليها الاردنيون في سبيل الحصول على العمولات اي (المصاري). والشئ المستغرب أن الملك حسين هو من قام بهذه الامور, وسبب الاستغراب هو ان الملك حينما قام بهذا البزنس أضاف على الاردن ديوناً في سبيل الحصول على عمولته الشخصية, اي انه اضاف على بلده ديوناً في سبيل الحصول على مبلغ الـ (132) مليون دولار كمال خاص له وهذه التفاصيل مثبتة ونستطيع ذكرها. وكما ترون هذه واحدة من (طلعات) المنشار الاردني, وبهذه الهبرة يستحق الملك الاردني الراحل وعن جدارة لقب (ملك الكوميشن) وليدخل من خلالها موسوعة غينيس للأرقام القياسية.
قضمة الألفية:
(الالفية) شركة مملوكة للصديق الشخصي للملك عبد الله واسمه خالد شاهين واخوانه. ولهذه الشركة الاردنية قصة مع النفط العراقي تبدأ فصولها عندما أقدم الديكتاتور صدام على قرار شخصي ببيع سبعة ملايين برميل من النفط العراقي الى الاردن بسعر سبع دولارات للبرميل واتخذ هذا القرار في شهر شباط قبل شهر واحد من شن الحرب سنة 2003. حينها قرر صدام بيع سبعة ملايين برميل الى الاردن بسعر سبعة دولارات للبرميل الواحد يوم كان سعر البرميل يعادل واحد وعشرين دولارا, اي ان الاردن حصل على ما مجموعه )98 ( مليون دولار هو فارق السعر وبما يعادل اربعة عشر دولار للبرميل الواحد, وتم ضخ نفط الشعب العراقي للاردن على سبع شحنات بين 19/شباط و 19 / أذار من سنة 2003. لقد استفادت شركة (الالفية) المقربة من الملك الاردني الحالي من صفقة بيع النفط بالسعر المخفض. والسؤال هنا هل كانت الـ (98) مليون دولار التي كسبها الاردنيون من صفقة الالفية ثمن السماح لرغد وأختها باللجوء الى الاردن حيث اسبغ عليهما الملك الهاشمي من كرمه (الحاتمي) كلاجئتين وفعل معهما مالم يفعله والده مع اللاجئ العراقي السابق الشهيد محمد هادي السبيتي القيادي في المعارضة العراقية الذي سلمه الملك حسين الى برزان التكريني ليعدمه ويرمي جثته الكريمة للكلاب, وسنخصص مقالة منفردة للحديث عنه؟ علما اننا لا نريد هنا التطرق لعلاقات الملك عبد الله عندما كان أميرا واتصالاته المشبوهة عام 1998 بعدي وابيه صدام لأغراض مريبة تتعلق بوراثة العرش الاردني .
هذا وتقول الارقام ان مجموع ما استفاده الاردن من النفط العراقي المجاني يقدر بأكثر من ثلاثة مليار دولار هي حصيلة مائة الف برميل يوميا من نفط الشعب العراقي المسروق خلال ربع قرن, وعليه فما قام به الاردن من السماح لأربعين الف طفل عراقي بالدراسة في المدارس الابتدائية (مجانا) لاقيمة له امام المليارات التي حلبها من العراق خلال سنوات حكم البعث , او التي جناها من الاموال العراقية المهربة اليه, او التي حصل عليها ضمن المرسوم (33 ) والذي استحوذ من خلاله الاردن على اموال الشعب العراقي التي اودعها النظام البائد في مصارفه ضمن برنامج النفط مقابل الغذاء .
هبرة التدريب :
ولم يتوقف المنشار الاردني عن قضم المال العراقي حتى بعد التغيير وسقوط صدام , حيث هرع الملك عبد الله الى التشجع بمساعدة اصدقائه للحصول على عقد لتدريب الشرطة والجيش العراقي الجديد في الاردن وذلك لحساب شركة ( Dyn Corp) وبمبلغ مليار ومائتي مليون دولار حيث كانت كلفة تدريب كل شرطي عراقي في صحراء الاردن لمدة ثمانية أسابيع (35) الف دولار اي مايعادل كلفة اقساط الدراسة في جامعة أوكسفورد الشهيرة لمدة ثلاث سنوات ! والملاحظة الجديرة بالاهتمام في هذه الصفقة الفضيحة هي ان وكيل شركة (داين – كور) هو خالد شاهين و(أخوانه) الصديق الشخصي والحميم للملك عبد الله, علما ان هذه الشركة اي شركة (داين – كور) هي من أختطفت ايهم السامرائي وزير الكهرباء السابق والمطلوب للقضاء العراقي بتهم الفساد المالي, وهربته من سجنه بطائرة خاصة الى الاردن, مخلة بعملها هذا بسيادة العراق وقرارت القضاء العراقي. وهذا غيض من فيض وبالامكان التوسع بالمعلومات بشكل تفصيلي أكثر.
ان مايثير الدهشة في فضيحة تدريب الشرطة والجيش العراقي في الاردن هو اصرار بعض اطراف الحكومة العراقية المؤقتة في حينها على اجراء هذه الصفقة رغم علمها المسبق بعدم امتلاك الاردن للخبرة اللازمة لتدريب الشرطة والجيش العراقي الجديد, اذ تقول الحقائق التأريخية ان آخر معركة شارك فيها الجيش الاردني ضد عدو أجنبي كانت في حرب ال 67 وحينها اطلق قادة وجنود الجيش الاردني سيقانهم للريح, وسلموا القدس للإسرائلين من دون ان يراق للاردنيين قطرة دم واحدة . فأنى لهذا الجيش المهزوم واالذي صدئت اسلحته لعدم استعمالها منذ ايلول الاسود بحق اللاجئين الفلسطينيين ان يزود العراقيين بالخبرة ؟ لكم اشفق على من يردد من الاردنيين بأن تسليم بعض العراقيين المطلوبين للعدالة سيكون على برك الدماء ! ولا ادري لِمّ لم نرَ مثل هذه البرك حينما اقدم الاسرائليون على احتلال القدس؟ ولم لا نراها الان حيث ترتكب الالة العسكرية الاسرائلية المجازر اليومية بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة والتي لاتبعد سوى مرمى حجر عن اصحاب العنتريات الفارغة ؟ وصدق من قال:
أسدٌ عليَّّ وفي الحروب نعامةٌ .
الاموال المغسولة:
سنترك الحديث عنها الى مقال قادم حيث سنتطرق في الحديث الى الجهاز المصرفي الاردني وكيف تحول الى (جشمة) والتي تعني باللغة التركية ( خلاء) او دورة مياه لغسل الاموال التي ُسرقت من وزارة الدفاع العراقية في عهد حكومة السيد الاخضر الابراهيمي القومجي حد النخاع.
وقبل الختام اقول تركت الحديث للارقام والحقائق عن سياسات النظام الاردني مع العراق وهي كما ترون سياسات انتهازية وابتزازية. والارقام التي ذكرت في هذه الاسطر هي ارقام عراقية بحتة, اي ليست طائفية او صفوية او مجوسية, بل هي ارقام عراقية عربية لاغبار عليها, وابطالها (عرب أقحاح) _كصدام والملك حسين_ وليسوا انكشاريين. ارقام محفوظة لدى الوطنيين العراقيين الذين لن يتراجعوا قيد أنملة عن فضح كل من سرق العراق, وآذى شعبه, وتسبب في دماره. عراقيون وطنيون شعارهم العراق اولا ولكن ليس على حساب كوارث الآخرين كما يفعل الاردنيون