عندما كنتُ أطالع في احد كتب الأعمال والأدعية وتحديداً في فصل شعبان شهر رسول الله (ص)، استوقفني كثيرا فضل يومهِ الأول وكثرة التأكيد عليه والرواية الخاصة بأمير المؤمنين المبسوطة في حقه، لكني ما إن وصلت بالقراءة إلى ليلة النصف منه والتي تعد أفضل الليالي بعد ليلة القدر حتى وجدتُ نفسي غارق وسط أمواج عالية من الذكريات.
ذكريات عادت بي إلى قبل الخامس عشر من شعبان العام الماضي وكيف إن الناس كانت تكرر دائما إن الجهة الوحيدة التي حفظت التشيع وتصدت للقاعدة والاحتلال هي جيش الإمام المهدي(ع)، وكيف كان الصدريون ومكتبهم يعتبر الملاذ الآمن للضعفاء، وحرباً على المفسدين والمهربين والمتجبرين، ويتناقلون قصص كثيرة عن تحريرهم للمخطوفين، ونجدتهم للمحاصرين، وحمايتهم للزائرين، واسعافهم للقوات الأمنية حديثة التكوين.
ذكريات أعادت لي صور الصدريين وهم على الأرض مضرجين بدمائهم بعدما قطعوا مئات الكيلومترات سيرا على الأقدام في يوم ولادة إمام زمانهم(ع)، وبدل أن يقتص من الجاني الكربلائي، استغل الزلزال العظيم المجلسيون والدعويون أسوء استغلال، ليقوموا بحملة تصفية كبيرة لشريك الأمس وشقيق الدين،عقاباً له على خروجه من ائتلافهم وتفرده بمعارضة المحتلين.
ذكريات استعرضت أسماء جلادين، لم أكن حينها قد سمعت بهم، لكنهم اثبتوا إن جميع وقائع الطف الفجيعة صحيحة وغير مبالغ بها، وان قتل من بعُمر عبد الله الرضيع هيّن، لأن المُلك عقيم.
ذكريات انطلقت من كربلاء آيات ومريم نحو الديوانية ذات الألف عائلة مهجرة لتدخل البصرة وتوأمها مدينة الصدر ورقم(2500) موالي لأهل البيت(ع) مقتول يُضيء في سمائهما الكئيب، لكنهم هذه المرة لم يقتلوا بأوامر من البعثيين!، وأسماء الشعلة والعامل والبياع والعمارة والكفل والحمزة أيضا مرت أمامي، وحاولت جاهدا أن لا أتذكر سوق الشيوخ.
ذكريات أخبرتني إن نوري أنجز ما عجز عنه الأمريكان، والمعادلة قد تغيرت وأصبح المقاومون خارجون عن القانون، وعن صعود نجم أبو أسراء وكسبه الجولات السريعة المتلاحقة - وان كان على حساب المؤمنين- .
بعد كل هذه الذكريات الأليمة انتابني شعور بالضيق والحسرة، لكنها قالت لي إن الله يداول الأيام بين الناس وهذه جولات وانتصارات دنيوية يعقبها حساب عسير وخسران مبين للظالمين.
ذكريات همست بأذني إن من يدفع بالرئيس هم من ساهموا بقتل مصلحنا الصدري الثاني، والمالكي لم يكن إلا أداة بيدهم، رفضوا بعدها حتى الاشتراك معه في الانتخابات القادمة.
ولاني اعلم إن من يمتلك الشجاعة والنزاهة والكفاءة والتواضع وحب الخير للآخرين ويخاف الله هو الأفضل والأقدر على حفظ مصالح المسلمين وإدارة أمورهم، وكذلك اعلم إن الصدريين يتصفون بأغلب هذه الصفات وقد عاشوا داخل العراق وعانوا ويلات نظامه السابق، لذلك تمنيت استطاعت إيصال صوتي لقادتهم، لأقول لهم ألا تعتقدوا إن حصول هذه الأحداث جميعاً خلال سنة واحدة فقط، يشير إلى خلل ما.
فما هو هذا الخلل ياترى؟هل هو عدم التخطيط الكافي؟ أم الغرور بكثرة المؤيدين والأتباع؟ أم استبعاد وتهميش الكفاءات من الاكاديميين؟ أم الفردية وعدم اعتماد التخصص؟
حقيقة أتمنى أن يعيدوا النظر طويلاً، لأن استمرار الأخطاء بمعزل عن العلاج سيؤدي إلى الفشل الحتمي، وبالنتيجة فالخسارة ستقع على التشيع والإسلام عموماً فضلاً عن العراق.